محاربة الفساد بالدين ومحاربة المتدينين بالفساد

 

إن كانت الفنون بأنواعها فساداً كما يرى البعض… إذن

الفساد يخلق الإبداع وفي الإبداع إرتقاء

تعود بي الذكريات إلى بداية طفولتي ومراهقتي كلما سمعت بعض الخطب الرنانة والتهديدات القسرية لتطبيق شريعة يقرّ البعض أنها نصوص مقدسة وآخرين يقولون تم تأويلها من قبل بشر، حيث لم تكن أوجه الطائفية القبيحة مشرعة بل هي مبطنة لدى نسبة أوشكت على الضمور، وبمجرد أن يرفع (غطاء البالوعة) الذي يتستر به المتعصبون والفاشلون والعنصريون، كنّا نشم رائحتها النتنة ين الحين والآخر.

لم تكن معهودة لدينا فروض دين على دين إلا بالقدر المحمول وإن كان مجحف بحق غير المسلمين، لأن القانون العراقي مستمد من الشريعة الإسلامية وهذا ما لا يتفق مع حرية الآخر على سبيل المثال: إختيار الدين أو حرمان االغير مسلمة من التركة في حالة بقائها على دينها رغم زواجها من مسلم، أو عندما يؤسلم أحد الأبوين فهذا يعني أسلمة الأبناء دون سن الثامنة عشر وغيرها. إلا أن روح التعايش الوطني الذي يجمعنا كان ملموساً، وإن كان وجود المتخلفين حاضراً في كل زمان ومكان إلا أن صوتهم كان واطئاً جداً ومرفوضاً من المسلمين قبل غيرهم.

لا أقول بأن العراق لم يكن فيه طائفية، فهذا والله كذبة كبيرة، إلا أن العاطفة والحنين والإعتزاز بالأصل يجعل البعض يتوهّم بذلك، لكننا كنّا نعتقد بأن العقول المتحجرة ستنتهي وسيخرج جيل يعرف العراق قبل أي شيء، إلا أن الطاغية المقبور ومن أجل كرسيه اللعين عزّز الطائفية وعممها سواء بالفرض أو بالتعاون مع إيران والسعودية وقطر وكل ممولي الطائفية البغيضة، وما أن أتت الفرصة ورفع لا بل فجّر وأندثر غطاء البالوعة حتى فاحت تلك الروائح الكريهة،. لنصبح اليوم في الدرك الأسفل من الوضاعة بسبب ذلك، كما هو الحال الآن أيضاً مع سوريا ومصر والحبل على الجرار.

والناس كانت تفضّل الحرية في إسلوب حياتها دون تدخل، والكثيرين منهم ينقمون على الفساد كلّ على طريقته، وينصحون بالإستقامة لأن الله والتقاليد والأعراف لا تقبل بالخطأ، البعض يتعمّق بالإيمان وآخر سطحي وآخرين لا يؤمنون والنتيجة لوحة عراقية جميلة متعددة الألوان.

اليوم كل أنواع الفساد متوفرة وأكثر من قبل، إنما تحت ستار الإيمان، ضع كلمة الله في أول خطابك ووسطه وفي خاتمته، وأذهب ومارس كل أنواع الرذيلة، إنما بالسر، ولا تخف أن يشهر أمرك ما دام لك ظهر ينتفع منك وتنتفع منه.

لذا ومن باب العودة لنقطة الإنطلاق، أي عندما كان هناك عراق وتعايش طيب بين أطيافه، فأنه علينا أن نشجّع على ممارسة الحرية وإن كانت خارجة عن ثقافتنا كي يصبح الإنسان له حق إختيار ما يريد دون فرض أو وصايا.

تونس مثالاً. حيث دعت صفحة “كلنا من أجل تونس علمانية” على موقع التواصل الإجتماعي “فيسبوك” إلى جعل يوم السبت، يوما وطنيا لتبادل القبلات في تونس. وجاء سبب هذه الدعوة ردا على اعتقال الحكومة لشاب وشابة كانا يتبادلان القبلات في أحد شوارع العاصمة.

كالعادة سيقول الكثير (لعنة الله عليهم) إنما دون أن يفكروا ولو للحظة لماذا هناك في تونس من يريد المطالبة بيوما (وطنياً) للقبل ولم يقولوا يوما عالمياً أو يوماً من أجل الحرية وغيرها بل (يوماً وطنياً)؟

نعم وطني وبإمتياز، لأن الذي يفكر بالوطن قبل غيره هو الإنسان الحر وليس الذي يوالي دينه قبل وطنه.

من أجل الوطن أستشهد كثير من الأحرار وأريقت دمائهم، وفلسطين نموذجاً، بينما المؤمن الذي بذل دمه هناك لم يبذله من أجل وطن بل من أجل تعاليم دينه والفرق كبير بين الوطن والدين.

وما نحن بحاجه له اليوم هو وطن يجمعنا بعد أن تأكدنا بأن الأديان تفرقنا، لذا ومن الأفضل أن تمارس الأديان في أماكن العبادة ولا يسمح بتطبيق أي تعاليم منها علناً إلا بما يعزز حرية الفرد وأمنه وسلامه وسعادته، وكل النصوص التي تفرّق تبقى داخل البناء لا خارجه كما هي اليوم!

وعودة إلى نقطة الإنطلاق وهي الوطن، لا بد للرجوع إلى الفترة التي بدأت فيها تباشير الحرية تلوح في أفق الأوطان والتي حوربت بحجة الفساد من قبل الأديان، وبهذا على كل الوطنيين محارية من يفرض الدين على الشعوب وحصر الأديان في أماكنها المناسبة والمهيأة لها وبسلاح ما قالوا عنه بأنه فساد. وإن سلمنا جدلاً بأن الحرية هي فساد كما يدعون فمرحى به ويا ليت الشرق العزيز يفسد برمته كي نعود إلى أحضانه في أمان الله والوطن الحر.

تشبه قصتنا بالكارتون القديم الذي كنّا نشاهده صغاراً عندما تصرخ إمرأة عن وجود فأر في البيت ويجلب زوجها قطة لأن الفئران تهرب منها ومن ثم تصرخ وتقول قطٌ في البيت ويجلب لها كلباً لتهرب القطة وبعد الكلب فيل الذي هدّم البيت وخربه لتصرخ المرأة فيل في البيت فيجلب لها فأراً لأن الفيل تخاف الفئران فيهرب الفيل ويبقى الفأر…

بالمنطق هنا … لا نحتاج إلى قط وكلب وفيل وأسد ونمر وجحش وخروف، نحتاج مصيدة للفئران لتعيش العوائل بهدوء … لا دخيل على العائلة ولا زائر تثقيل بل هي تختار ما يناسبها.. أم هذا كثير من أجل الإستقلال؟

زيد ميشو

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *