ماري لويز/ د.تارا ابراهيم

تعتبرباريس محط أنظار العالم كله طلبا للدراسة فيها وهي تستقبل 50,000 طالبا أجنبيا كل عام مما يمثل 1% من طلابها محققة بذلك المرتبة الأولى ما بين العواصم العالمية بإستقبالها للطلاب الأجانب، ألأمر لايعود فقط الى وجود جامعات السوربون العريقة وشهرة فرنسا بإختصاصات القانون وعلم الإجتماع والفلسفة ، بل سياق الحياة الثقافية التي تشجع وتجذب الطلاب الى باريس، فباريس توفر الكثير من الفعاليات والنشاطات الثقافية والأدبية والفنية بل وفي كل المجالات وتغني حياة الطالب وتفتح أمامه افاقا رحبة للاطلاع على كل ماهو جديد.

إن إستقبال باريس للعدد الهائل من الطلاب الأجانب والفرنسيين خلق أزمة سكن بل إن هذه الأزمة هي مشكلة الطالب الأولى لدى وصوله الى باريس، فعلى الرغم من محاولة وزارة التعليم توفير الأقسام الداخلية والسكن الطلابي بشتى الوسائل، إلا أن الأمر بات عسيرا جدا نظرا لعدد الطلاب الذين يزدادون عاما بعد عام.

لذلك قامت بعض الجمعيات وبالتعاون مع المنظمات الطلابية بالبحث عن سكن للطلاب لدى العامة من الباريسيين، فهذه الجمعيات تقترح إسكان الطالب مع عائلة فرنسية مجانا مقابل رعاية أطفال تلك العائلة أو إسكان الطالب مع مسن أو متقاعد لديه شقة مقابل العناية به ومصاحبته في وحدته. إن الحالة الأخيرة هي الأكثر إنتشارا فهناك الكثير من الباريسيين الذين يعانون من الوحدة بعد ترك أولادهم للمنزل ، لذا فهم يحاولون إسكان الطلاب معهم. الأمرله فائدتان للطالب والمسن، فالطالب لن يدفع الإيجار ويعيش في قلب العاصمة الفرنسية ذات المساكن فاحشة الغلاء، وبالنسبة للمسن فهو أمرممتع لانه متشوق للتحدث الى الناس بسبب عزلته وكون الطالب الذي يعيش معه غالبا ما يدعو أصدقائه الى المنزل كي يضيف طابعا شبابيا من خلال إقامته لحفلات صغيرة داخل المنزل.

أما أنا فقد عشت مع سيدة فرنسية تناهز الــ 73 من عمرها، هذه السيدة المعروفة بمواقفها الإنسانية تجاه الكورد،هي زوجة كاتب فرنسي مشهور، إقترحت علي السكن معها في إحدى المناسبات فوافقت على الفور كوني في أمس الحاجة الى مسكن.هذه السيدة تدعى ماري لويز، سيدة شقراء ذات قوام جميل بعينين خضراوين ، كانت تعمل مترجمة في إحدى المجلات الفنية المعروفة في فرنسا. بفضل هذه السيدة تعلمت الكثير من عادات وتقاليد المجتمع الفرنسي فضلا عن مكتبتها الزاخرة بالمعارف التي أتاحت لي قراءة أشهر الكتب العلمية والادبية والتاريخية والتعرف على العديد من أسماء الكتاب الفرنسيين.

أما عن واجبي تجاه هذه السيدة فقد كان علي تذكيرها بالوقت ومصاحبتها في تناول العشاء، فماري لويز أجريت لها في الماضي عملية جراحية في الدماغ فقدت على أثرها الشعور بمرور الوقت، بل وكانت تتذكر كل ماحدث لها قبل العملية الجراحية أما بعدها فلا تتذكر شيئا من حياتها العادية، لذلك فقد كانت تعيش دائما في الماضي وذكرياته.

من أجمل ذكرياتي عن ماري لويزعشقها للحيوانات، ففد كانت لها قطة تعيش معنا في نفس المنزل أسمها كوشكا أو قطة باللغة الروسية، كانت تعاملها كطفلة صغيرة وتمنحها كل الحنان والعطف وتتحدث معها كما تتحدث مع أنسان عزيزعليها . ذات أمسية لدى عودتي الى المنزل، طلبت مني عدم فتح باب المطبخ، سألتها عن السبب فقالت ” لقدطلبت من كوشكا عشرات المرات أن لاتقترب من أوركيداتي ولكنها كسرت إحدى ورداتي اليوم لذا فقد عاقبتها بحبسها لبضع ساعات في المطبخ كي تفهم خطأها”. جميل أن أذكر أن ماري لويز كان لديها كلب قبل هذه القطة يسمى فيلو، كانت تعشقه وتتكلم عن مغامراته وبطولاته بإسلوب مشوق مات فيلو المسن بسبب مرض مزمن وكلما كانت تتكلم عن كلبها كانت عيناها تغرورقان بالدموع، حبها لكلبها دفعها بعد وفاته الى حرقه والإحتفاظ برماده في قارورة في غرفة نومها.

 د.تارا ابراهيم

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *