ليكن سينودس القادم انطلاقة نحو الاصلاح في الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية

 

يبدو ان السادة الاساقفة الكلدان الكاثوليك قد اتفقوا لعقد السينودس الذي اصبح انعقاده حلما للمهتمين بالشأن الكنسي ومؤمني بطريركية بابل الكلدانية الكاثوليكية وذلك في بيروت العاصمة اللبنانية في 28 من الشهر الحالي ،بعد ان طالت فترة عدم انعقاده الى اكثر من ثلاث سنوات .ولكن للاسف الشديد افادتنا معلومات لاحقة بان السينودس الذي ننتظره علمانيون وكهنة وكل المهتمين قد تم تاجيله الى وقت قريب، وذلك لاسباب غير منطقية ومبررات غير مقنعة، فهي بالطبع لاسباب الانقسام، مطارنة الخارج ومطارنة الداخل ومطارنة السهل ومطارنة الجبل ،ولكن في الحقيقة ارى ان السادة المطارنة من اصله لايرغبون بانعقاد السينودس لكي تبقى كنيستنا على فراغ من الادارة المركزية الحازمة لتحل اللامركزية في الادارة  ،فهل يعقل رسل السلام والمحبة والتواضع ان يختلفوا على مكان انعقاد السينودس ؟ الم يفكروا على قدر حبة خردل ان مؤمني الكنيسة من الاكليروس والعلمانيين هم متلهفين لتنظيم شؤون كنيستنا ؟ ام اننا بحاجة الى ربيع كلداني ليثور الكهنة على مطارنتهم ومعهم العلمانيون ؟كيف يطلب الاساقفة الطاعة من كهنتهم وهم لا يتفقون على ابسط الامور؟ ، فالاختلاف على مكان انعقاد السينودس ليس مبررا مقنعا بل هناك العديد من العوامل المرتبطة باللاشعور من مكنوناتهم النفسية.
وليكن السينودس المرتقب عقده قريبا فرصة لالتقاء خدام المسيح ورسله متحلين بالمحبة والتواضع والوضوح بالراي والموقف والحكمة والعدالة والتعاون والابتعاد عن كل النزعات الذاتية في تصلب الراي والتسلطية والكبرياء والنزعات القرابية والجغرافية في اتخاذ قراراتهم . لتكن فرصة لمراجعة الذات المؤسساتية ووضع على طاولتهم كل السلبيات التي اعترضت مسيرة الكنيسة ومعالجتها بموضوعية وعقلانية بعيدة عن الانفعالات التي لا تخدم ولا تقر ماهو ايجابي وصالح لكنيستنا ،ولتكن لهم الارادة السليمة للعمل الجاد للاصلاح الاداري ووضع السبل الكفيلة للنهوض بمؤسستنا الكنسية نحو الافضل لكي تتمكن من شق طريقها وتحقيق اهدافها في وسط تحديات المجتمع الحديث ،مجتمع الثورة المعلوماتية والتحولات السريعة لجعل الكنيسة مواكبة لهذه التغيرات.
لتكن مسألة الاتفاق على مكان انعقاد السينودس خطوة اولى للاتفاق على كل ما يخدم كنيستنا التي عانت الكثير من حيث الادارة والتمويل وتشتت مؤمنيها بسبب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية القاسية في المنطقة الجغرافية للبطريركية ولا سيما في العراق . عليه فاذا تخلف احدهم عن الحضور فانه لايسعى لانقاض كنيستنا ويكون تعنته بمثابة التهرب من مواجهة الواقع لانه يفكر بمعالجة الامور بفكرة تسلطية ومزاجية وناكرا للتعاون والانفتاح ومناقشة الامور بجدية .
وانطلاقا مما ثبته المجمع الفاتيكاني الثاني عن دور واهمية العلمانيين في الكنيسة ،اذ يؤكدالمجمع ” ان العلماني ينال الاسرار المقدسة الثلاثة (المعمودية والتثبيت والمناولة ) وعليه يحصل على هبة خاصة ويصبح مكرسا للعمل في الكنيسة التي هي مجموع العلمانيين المؤمنين مع الاكليروس ومتحدين ليساهموا في عمل الكنيسة في الفكر والقرار والتنفيذ،لان العلماني هو قوة الكنيسة ورجاؤها لانه رسول يعيش في وسط العالم .ولا يعني عمل العلماني تنازل الكاهن من احدى واجباته له ،انما هو حق له وواجب عليه”.
وانطلاقا من القانون الكنسي الكاثوليكي والخاص بالكنائس المستقلة ،تلك التي تتمتع بالحكم الذاتي والمرتبطة بالفاتيكان .ففي الباب الاول الخاص بالمؤمنين وما لهم جميعا من حقوق وواجبات ،يشير البند 3 من قانون رقم 15 الى “ولهم الحق بحسب ما يتمتعون به من علم واختصاص ومكانة ،بل عليهم الواجب ان يبدو رايهم لرعاة الكنيسة في الامور المتعلقة بخير الكنيسة ،وان يطالعوا سائر المؤمنين على هذا الراي مع عدم الاخلال بسلامة الايمان والاحترام الواجب للرعاة ومع وضع المصلحة العامة وكرامة الانسان في الاعتبار”.    وكذلك جاء في قانون رقم 408 بند 1 “العلمانيون الذين يتميزون بما يجب من معرفة وخبرة ونزاهة ،اهل لان تستمع اليهم السلطات الكنسية كخبراء أو مستشارين سواء كأفراد أو كاعضاء في مختلف المجالس أو اللقاءات الرعوية والابرشية والبطريركية ”
استنادا الى هذه المبادىء والقوانين الكنسية ساطرح بعض الاراء والمقترحات التي ربما ستساعد في تغيير الحال في مؤسستنا الدينية متجنبا الجوانب المتعلقة بالايمان ،فهي خارجة عن اختصاصي ،انما ستخص الادارة والاداء وبعض المظاهر التي من الممكن تطويرها في مؤسستنا على ان لا تمس عقائدنا وطقوسنا الدينية. ومما هو جدير بالذكر هناك من يتوهم بعدم وجود علاقة بين علم الاجتماع ودراسة المؤسسة الدينية ،فقد كانت هذه المؤسسة من الميادين المهمة التي تناولها علماء الاجتماع في دراساتهم منذ نشاة علم الاجتماع وعليه ظهر علم الاجتماع الديني الذي يدرس هذه الظواهر في المؤسسة الدينية :الرئاسة والمرؤوسين / المركزية واللامركزية / الموضوعية  /الصراع والوفاق /المنافسة والتعاون.وتنطوي الدراسة الاجتماعية للمؤسسة الدينية على تحليل العلاقات الاجتماعية ونظام السلطة وتحليل العمليات الاجتماعية داخلها .
وقد اعتبر علماء الاجتماع علاقة المؤسسة الدينية بالمجتمع علاقة اجتماعية حيوية يجب ان تدرس وفق منظور علمي ذلك لما لها من مكانة فاعلة ومنفعلة في منظومة المجتمع ومفاصله.ومن هذه الاهمية لعلم الاجتماع في دراسة المؤسسة الدينية وقد جاء التأكيد على علمي الاجتماع والنفس قانونيا دون غيرهما لكي تتضمن المناهج الدراسية للاكليريكيات، حيث جاء في القانون الكنسي رقم 352 البند 2 ” ينبغي تنشئة الطلبة اولا في فن التعليم المسيحي والوعظ والاحتفالات الطقسية وادارة الرعية والحوار التبشيري مع غير المؤمنين الفاترين ،ووسائل الاتصال الاجتماعي ،بدون اهمال مواد المساعدة علم النفس وعلم الاجتماع الرعوي.
وفيما ياتي بعض من المقترحات التي توصلت اليها من دراسة اعدتها عن المؤسسة الكنسية لعله قد يستفيد منها السادة الاساقفة المجتمعين ،علما انني قدمت تحليلا لاسباب كل ظاهرة من الظواهر التي ساتطرق اليها ادناه في الجزء الاول من دراستي المنشورة في مواقع شعبنا ،وعليه ساتجنب ذكرها ثانية وساكتفي بالمقترحات :
اولا : الشؤون الادارية :
الادارة نشاط انساني يشمل كافة مجالات الحياة بغية الوصول الى تحقيق نتائج متقدمة من اجل تطوير العمل وتحقيق الاهداف ولم تتحقق الادارة الناجحة ما لم تتوفر فيها عناصر التعاون والتخطيط السليم والعلاقات الاجتماعية الايجابية المبنية على التفاهم والانفتاح وقبول الاخر لكي يشعر المشاركون في العملية الادارية باهميتهم من خلال العلاقة مع الاخرين ،ولعل اهم عنصر هو توفر القيادة الكفوءة في الادارة وتحمل سمات القيادة الناجحة. ولكي نحقق ادراة ناجحة في مؤسستنا الدينية اقترح الاتي :
1 – وضع حل جدي للعلاقة والاتصال بين رجال الدين عموديا وافقيا اي بين الدرجات الكهنوتية المتشابهة اولا وبين الدرجات الكهنوتية المختلفة في مستوياتها .وذلك بالانفتاح الحقيقي بين الاساقفة في علاقاتهم وتداولاتهم بشان الكنيسة بحيث تكون مسالة طرح الاراء معتمدة على العوامل الموضوعية بالتخلص والتجرد من العوامل الذاتية المتمثلة بالنزعة الجغرافية القروية والعلاقات الخاصة والتصلب بالراي .اما في العلاقات العمودية يجب ان تمتاز بالاحترام المتبادل بين المستويات الكهنوتية والتخلص من النظرة الاستعلائية من قبل الاساقفة تجاه الكهنة ،بل ينبغي الاستفادة من خبراتهم وكفاءاتهم العقلية التي تستوعب التغيرات المجتمعية الحديثة اكثر من بعض الاساقفة التقليديين للمشاركة في اتخاذ القرارات الرعوية . نعم الطاعة مفروضة على الادنى تجاه الاعلى ،ولكن لو تصرف الاعلى تجاه الادنى من منطلقات خاطئة وغير ملائمة لا يستوعبها الكاهن المعاصر بحكم الاختلاف في النظرة الى الظواهر المختلفة وفقا لمبدا اختلاف الاجيال فهل نحصر العلاقة بالطاعة العمياء؟بالطبع كلا،وعليه ارى حتمية تفهم الاساقفة التقليدين لراي الكاهن الشاب والتأني في مناقشته حول العديد من الامور.
2 – انطلاقا من نقطة اعلاه اقترح اختيار كهنة مشهود لهم بالكفاءة والخبرة في الادارة للمشاركة كاعضاء في السينودس للاستفادة من تلك الخبرات وان لايعتمد مصير بطريركية مترامية الاطراف حول العالم على خمسة عشرة اسقفا،وقد يتحقق التواصل السليم بين الدرجات الكهنوتية لمنح الاعتبار لشخصية الكاهن واهمية وجوده ضمن المؤسسة الدينية ،ومن جهة اخرى فهو اكثر تماسا مع المؤمنين من غيره ومتطلعا على مشاكل الابرشيات ميدانيا .
3 – في علم الادارة ومن منظور المدرسة السلوكية تؤكد الدراسات على اهمية القائد ودوره في العملية الادارية من حيث الصفات التي يجب ان يتحلى بها، النفسية والاجتماعية والذهنية والصحة العامة والقدرة على الاتصال والمتابعة،ولما كان البطريرك هو القائد الاعلى للكنيسة ،فعليه ان يتميز بتلك الصفات لتتحقق القيادة الناجحة .وفي الوقت الذي نكن جميعا لغبطة البطريرك الاكرام والتبجيل ،ينبغي الاقرار منه بعدم التمكن من القيام بواجبات الرئاسة البطريركية ويتفهم بموضوعية ما آلت اليه بطريركية بابل الكلدانية الكاثوليكية من التلكؤ الاداري وفقدان السلطة والتنسيق بين الابرشيات وخصوصا في الاوضاع الراهنة المتدهورة يوما بعد اخر في المنطقة الجغرافية للبطريكية بسبب تقدمه بالعمر، وما يصاحب التقدم بالعمر من تاثيرات على الشخصية والحد من العطاء .وقد المحت القوانين الكنسية ضرورة تخلي البطريرك عن منصبه اذا لم يكن قادرا على التواصل في الخدمة ،فقد جاء في القانون الكنسي رقم 126 بند 1:”يشغر الكرسي البطريركي بوفاة البطريرك او بتخليه ” ويشير القانون رقم 62 الى ” ان البطريرك الذي يتخلى عن وظيفته ،يحتفظ بلقبه وكرامته لا سيما في الاحتفالات الطقسية ،كما له الحق ان يخصص له ،برضاه مقر مناسب لاقامته ،وان توفر له سبل المعيشة من اموال الكنيسة البطريركية ،تكفل له الحالة اللائقة بلقبه ” وفي بند 2 من قانون 126 جاء ايضا ” قبول تخلي البطريرك عن منصبه من اختصاص سينودس اساقفة الكنيسة الكاثوليكية بعد استشارة الحبر الروماني ما لم يقصد البطريرك الحبر الروماني بطريقة مباشرة ” نستنتج من القوانين المذكورة، بالرغم من ان الكنيسة لا تجبر البطريرك الاحالة الى التقاعد ولكن بوضوح تشير وتشعره بضرورة التخلي عن منصبه باقرار منه طالما انه ليس قادرا في مزاولة واجبه .
واما بالنسبة الى الاساقفة فان القانون الكنسي رقم 210  بند 1 واضح جدا في مضمونه ،حيث يؤكدعلى ” يرجى الاسقف الابرشي الذي اتم الخامسة والسبعون من عمره أو لم يعد كفوءا بوظيفته لاعتلال صحته أو لسبب اخر هام ان يتقدم بتخلية عن وظيفته ” وعليه اقترح اذا اصر غبطة البطريرك على مواصلة واجبه ان يختار السينودس احد الاساقفة ليدير شؤون البطريركية وكالة أو اقناع غبطته التخلي عن منصبه في الحديث الصريح عن احوال البطريريكية التي تتفاقم يوما بعد اخر،وثم اعفاء الاساقفة الذين تجاوزوا سن التقاعد  من اعمالهم .
4 – انهاء مسالة الشواغر في الاسقفيات وترك الابرشية بدون راعي لفترة طويلة كما هو عليه في ابرشية زاخو ونوهدرا واوربا والبصرة طالما هناك كهنة اكفاء لملىء هذه الشواغر .
5 –  اجراء دراسة موسعة حول العلاقة بين البطريكية والفاتيكان لوضع اسس العلاقة المبنية على تبعية العقائد والايمان ،ووضع حد للتدخل في اختيار الاساقفة المرشحة اسمائهم من قبل البطريركية مما يسبب ذلك في تاخر تعيينهم ومن جهة اخرى اختيارهم لكهنة غير اكفاء من بين المرشحين  .وهناك نصوص قانونية متعددة تشير الى تدخل الفاتيكان بشؤون البطريركية يمكن مراجعتها في القانون الكنسي الخاص بالكنائس المستقلة .(لي دراسة خاصة عن هذا الموضوع ) .
6 –  توحيد مواقف الابرشيات نحو الظواهر العامة،كالسياسية والاجتماعية ،ووضع حد للتصريحات الاعلامية الفردية بتعيين ناطق اعلامي رسمي للبطريركية لتجاوز مسالة انقسام الاساقفة والكهنة في ارائهم تجاه الاحداث الجارية الى مؤيد ومعارض ومحايد .
7 – وضع اسس ثابتة لتوحيد الطقوس بين الابرشيات ،فمن ناحية العقيدة الايمانية متوحدة لا غبار عليها ،انما الجزء الثاني من مكونات الدين الذي يتمثل بالطقوس، فنرى اختلاف واسع بين الابرشيات وبين الكنائس في نفس الابرشية احيانا فعندما تزور كنائس متعددة ستلقي تباين في اداء الطقوس سنرى بدايات ونهايات مختلفة للقداس ،واختلاف شاسع في تأدية الطقوس الخاصة بالمناسبات الدينية فهناك من يلتزم بها وهناك من لا يقرها ابدا .واقترح لتجاوز هذه المسالة المزاجية في اداء الطقوس تشكيل لجنة متابعة لتفحص باستمرار مدى قيام الكاهن بتطبيق التعليمات المركزية بهذا الشأن وان تكون احدى نقاط التنافسية للترشيح الى المراتب الاعلى.
8 – المركزية في تنظيم اموال الكنيسة بحيث يكون هناك موازنة مالية بين الابرشيات ذات الدخل العالي والتي تعاني من النقص في المدخولات .
9 – توحيد قواعد اختيار مجالس الخورنات ومجالس الابرشيات في قانون ينظم لهذا الغرض.
ثانيا : تفعيل دور العلمانيين في المشاركة الفعالة في ادارة الكنيسة:
المؤسسة الدينية تنظيم اجتماعي يتالف من خليط غير متجانس من الافراد ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا ونفسيا ،ولكل منهم خبراته وتطلعاته الحياتية، ومؤهلاته العلمية وبمستويات مختلفة ويمكن ان تصب جهودهم في خدمة المؤسسة الدينية .وقد اكدت الكنيسة الكاثوليكية على دور المؤمنين العلمانيين في ادارة شؤون الكنيسة في مناسبات عديدة .ولاهمية دور العلمانيين في ادارة شؤون الكنيسة بالتعاون مع جماعة الاكليروس ، شرعت الكنيسة الكاثوليكية قوانين تشير الى اهمية دورهم ومشاركتهم الفعالة ،فبالاضافة الى القوانين المذكورة في مقدمة المقال ،جاء في قانون رقم 143 بند 6 “مشاركة اثنين من العلمانيين في المجمع البطريركي “.واما قانون 238 يشير الى ” من بين الذين يدعى الى المجمع الابرشي ويحضره 10 علمانيون ينتخبهم المجلس الرعوي ان وجد على ان لايتعدى عدد العلمانيين ثلث اعضاء المجلس الابرشي ” .
وفي ضوء ما جاء في هذه القوانين من اهمية لمشاركة العلمانيين في الشؤون الادارية الكنسية اقترح :
1 – استشارة العلمانيين في مسالة ترشيح الكهنة الى المرتبة الاسقفية – على الاقل عينة ممثلة من المؤمنين الذين يقيمون في حدود الابرشية التي يخدم فيها الكاهن – . لتضاف الى استشارة الاساقفة لكي تتبلور فكرة جدية وواضحة عن امكانات ومؤهلات الكاهن لمدى استحقاقه هذه المرتبة . وكذلك الحال بالنسبة الى عملية اختيار البطريرك وليكن ما قام به الاقباط العلمانيين في المشاركة الفعلية في اختيار بطريركهم مؤخرا خطوة مثالية  لكي تتخذ بها كنيستنا  .
2 –تشكيل المجالس الابرشية ومجالس الخورنات متضمنة في عضويتها العلمانيين ،اذ تفتقد العديد من الخورنات الى مجالس الخورنة وتفتقد ايضا مجالس الابرشيات من مشاركة العلمانيين .
3 – والاهم هو مشاركة عدد من العلمانيين من اصحاب الخبرة في الشؤون الادارية في السينودس الدوري لابداء ارائهم في العديد من القضايا المتعلقة في ادارة الكنيسة .
ثالثا : بناء شخصية الكاهن :
ان مسالة اعداد تلاميذ المدرسة الكهنوتية او الكليات التابعة للبطريركية لها اهمية قصوى وبعد استراتيجي لان المعد هو كاهن او اسقف المستقبل . وبهذا الصدد اقترح:
1 –  تزويد الطلبة بمختلف انواع المعرفة ،اضافة الى العلوم الدينية الخاصة بالدين المسيحي يتناول دراسة الاديان الاخرى ،السماوية والباطنية كالمندنائية واليزيدية والاديان الوثنية .
2 – تدريس اضافة الى مادة الفلسفة المعتاد تدريسها علوم انسانية واجتماعية اخرى مثل الانثروبولوجية وعلم النفس وعلم الاجتماع والقانون المدني والتاريخ ،ولا اقصد هنا التاريخ الكنسي بل تاريخ الحضارات البشرية،وان لايقتصر تعليم اللغة على تصريفها وبنائها بل الى اهميتها كوسيلة للاتصال والتفاهم .حيث ان هذه العلوم تسهم في بناء شخصية الكاهن لانها تزوده بخصائص الشخصية الناجحة في القيادة لكونه قائدا في عمله الكهنوتي ،وتعرفه على الطبيعة البشرية ،وعلى البناء الاجتماعي للمجتمع وتفاعلاته من منطلقات متعددة وليس من المنطلق الديني فحسب ،ومن ثم تساعد هذه المناهج العلمية على اكتساب الكاهن على خصائص الشخصية الكارزماتية التي تمنحه القدرة على التاثير بالاخرين للاعتقاد بما يعتقد هو وهذه مهمة جدا لرجل الدين لتأدية مهام عمله كمبشر لرسالة المسيح.
رابعا : اللغة والشعور القومي :
ان ابرز ما يميز الشعوب عن بعضها البعض هي اللغة وشعور الانتماء القومي الذي يتبلور عند الفرد عن طريق التنشئة الاجتماعية ،وكلاهما اللغة والشعور القومي ظاهرتان يعتز كل فرد بهما سواء في المجتمعات التقليدية أوالمتحضرة،اذ تحقق هاتين الظاهرتين غريزة الانتماء عند الفرد لكي يشعر بوجوده المتميز عن الاخرين لانهما يدعمان الروح الجماعية والانتمائية له.ولاهمية اللغة والشعور القومي في حياة الفرد فلهما ذات الاهمية في المؤسسة الدينية ،فاللغة اساسية في فهم واستيعاب العقيدة الدينية وهي عامل الجذب والارتياح عند ممارسة الطقوس والصلوات باللغة التي يتقنها اتباع المؤسسة الدينية ،ومن هذا المنطلق نلاحظ ان المجمع الفاتيكاني الثاني اجاز الكنائس اللاتينية التابعة مباشرة الى الكنيسة الرومانية لاقامة طقوسهم وصلواتهم بلغتهم المحلية وليس باللاتينية التي فرضت عليهم من الفاتيكان تاريخيا وقد اكد المشرع في القوانين الكنسية على اهمية ثقافة الشعوب حيث جاء في القانون رقم 20 البند 1 “الطقس هو التراث الليتورجي واللاهوتي والتنظيمي المتسم بثقافة الشعوب وظروف تاريخها ويعبر عنه بالطريقة الخاصة التي يعيش بها الايمان لكل كنيسة متمتعة بحكم ذاتي “.
واما في كنيستنا الكلدانية الكاثوليكية، نلاحظ تعقد لغوي بارز في اقامة الصلوات والطقوس الاخرى ، يضطر الكهنة الى استعمال اللغتين الكلدانية المعروفة بالارامية قديما والعربية في كنائس المنطقة الجغرافية للبطريركية ولا سيما في المدن . وذلك بسب اتقان بعض المؤمنين الحديث باللغة العربية فقط ،تحدثوا بها واصبحت لغتهم لاسباب تاريخية واجتماعية ودينية لست الان بصددها ،وتتعقد المسالة اكثر في بلدان المهجر التي اصبحت ملاذ ابناء الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية ،حيث  نشأ جيل جديد  آخر لايتقن اللغتين العربية والكلدانية بل يتقن لغة المجتمع الذي يعيش فيه كأن تكون الانكليزية والفرنسية وغيرها من اللغات .وتزداد المشكلة تفاقما عندما لا يمتلك المؤمنون كنيسة خاصة لهم لاقامة القداديس والطقوس بحريتهم لكي تتاح الفرصة للكاهن لكي يقيم اكثر من قداس .ومن المشكلات التي لاحظتها اثناء اجراء الدراسة هو ان جميع المؤمنين لايتمكنوا من استيعاب وفهم الصلوات والطقوس التي تمارس باللغة الارامية القديمة مما تكون مشاركتهم سطحية في الصلوات .
وقد لاحظت عدم اكتراث العديد من الكهنة بموضوع اللغة والشعور القومي مبررين ذلك ان المهم هو ان تصل الفكرة الى المؤمنين بغض النظر عن لغة الاتصال ،هنا يكون الحق معه فيما اذا كان الجميع يتحدثون تلك اللغة ولكن لا يحق ذلك عندما تكون هناك عائلتين او ثلاث تتحدثن العربية مثلا وتقام الطقوس باللغة العربية وتهمل لغة الجميع التي يعتزون بها ويستسيغونها وتعايشوا معها جيلا بعد جيل .اذ ان اللغة وما يترتب عنها من انتماء قومي حالة طبيعية يعتز بها الفرد مهما توصل الى رقي حضاري انساني فهي ظاهرة اجتماعية تلازم الفرد مثلما تلازمه ظاهرة الدين.وعليه اقترح :
1 – ترجمة كتب الصلوات والقداس من اللغة الارامية القديمة الى اللغة الكلدانية الحديثة ليستسيغها المؤمنون ويشعروا بالارتياح بنشوة اللغة على مسامعهم .
2 – طالما ان الاسرة الكلدانية تتحدث مع ابنائها في بلدان المهجر باللغة الكلدانية فاذا سيتعلمون هذه اللغة،وعليه ماهو المانع من اقامة الصلوات باللغة الكلدانية الحديثة ،حيث ان تعويد وتشجيع المؤمنين من الجيل الجديد الى سماعهم للصلوات باللغة الغريبة امر لا مبرر له بل يشجعهم على نسيان لغتهم الاصلية والاصابة بالازداوجية الحضارية .
خامسا : التدخل السياسي لرجل الدين :
ان عالم السياسة مسالة حساسة جدا بالنسبة الى رجال الدين المسيحيين  ،اذ ان الغالبية العظمى منهم لا يؤيدون فكرة تدخل رجل الدين بالسياسة ، نعم انها فكرة عظيمة وصائبة جدا ،حيث ان لكل من الحقلين الديني والسياسي خصوصيات في التعامل مع الاحداث وافراد المجتمع فمثلا السياسي يكذب ،يفكر في تحقيق مصالح شخصية ومصالح حزبه ،يراوغ في تعامله مع الاخرين اذا تتطلب الامر ،احيانا يضطر الى القتال دفاعا عن ايديولوجيته ،يلغي الاخر فلا يقبل الا جماعته السياسية وافكاره ،وغيرها من السلوكيات والمواقف من هذا القبيل يضطر السياسي ان يلتزم بها بحكم عمله .فهل ياترى ان الكاهن او الاسقف مستعد لكي يمتلك هذه الخصال ؟بالطبع لا ،لانه سوف تتعارض مع مبادىء وقيم رسالته الدينية .
فاذن نقترح ان يقف رجل الدين على مسافة بعيدة من التدخل المباشر في السياسة ويتركها لاهل السياسة المؤهلين لها في تجاربهم الحياتية ،ويقتصر عمله على مباركة الانشطة السياسية التي تقوم بها الاحزاب السياسية ،والتعاون في مسالة تلبية احتياجاتهم عندما تطلب الامر ،وتشجيع المؤمنين للانخراط في الاحزاب السياسية لانهم أثناء تأتدية دورهم السياسي سيدعمون مؤسستهم الكنسية ويحققون لها مكانة امام الحكومات المحلية .
وفي مؤسستنا الكنسية الكلدانية الكاثوليكية تظهر اشكالية تستحق المعالجة وهي مسالة دعم الشعور القومي ،فالغالبية العظمى من رجال الدين لايكترثون اهمية لها، وبالاخص في ظل الظروف التي يعيشها المؤمنون في العراق حيث النزعة الدينية والقومية السائدة في العلاقات السياسية والتعاطي وفقها بين الاحزاب وافراد المجتمع ،وعليه اقترح بهذا الصدد تفهم رجال الدين لاهمية المفاهيم القومية التي لا تعني انها مسالة التدخل السياسي بقدر ما هي الا تعزيز الروح الجماعية لدى المؤمنين وتحديد هويتهم القومية لتميزهم عن غيرهم ،فهنا تستدعي الضرورة ان تعمم البطريركية تعاليمها بهذا الشان لكي يتخذ جميع الكهنة والاساقفة مواقف ثابتة وموحدة تجاه هذه المسالة المهمة ،ولكي يتجاوزوا تصريحاتهم الفردية كأن يقول احدهم اننا اكراد والاخر عربا والاخر نحن طائفة او مذهب ديني ،وهنا ايضا تاتي اهمية اعداد الكهنة في المدارس الكهنوتية لتلقينهم العلوم المهتمة بالحضارات وثقافة الشعوب وبناء الشخصية وماشابه ذلك.
لتكن هذه المقترحات محاولة متواضعة للحد من بعض المظاهر السلبية التي تعاني منها كنيستنا ،وبالرغم من تشاؤم البعض بان لا فائدة مما يكتبه العلماني ،لكن ارى ان لا نصاب بخيبة الامل والاحباط ابدا فالباحث يبحث ويقترح كلما يرى ظاهرة تستوجب الدراسة سواء وضعت على الرفوف أو التزمت ميدانيا ،وكل ما ذكرته لم يتحقق ما لم تكن هناك ادارة حازمة وناجحة ومتميزة وتعاون جدي بين السادة الاساقفة والكهنة الافاضل.

الدكتور عبدالله مرقس رابي
استاذ وباحث اكاديمي

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *