لن أذهـب إلاّ إلى بغـداد وليس إلى أي مكان تـوجّـهـني الوزارة

إكـراماً للملمّحـين إلى إسمي في ردودهم وإنْ لم يـذكـروه ، أهـدي لهم مقالي .

إنْ كـنتَ تؤمن بأنْ لا بـد للحـق مِن صيرورة ، تحَـرَّر من أغلال يـديك المقـهـورة !! وإعـلنه بلا تـتـردد بالتـلميح أوبالـرموز إذا إقـتـضـتْ الضرورة …. فـعـلى الأقـل تـشعـر أن فـكـرك وقـراراتك مبرورة …. ولا تـلـوّح بوريقة رخـيصة صارت آثارها مهجـورة …. ولا تـقـبل أنْ تـزيِّـن الباطل وتـرمم أضلاعه المبتـورة …. وإنْ كـنتَ لا تعـرف أين الحـق ! فـنِـيّاتك البريئة معـذورة …. وعـنـدها ضع القـلم عـن يـدك وإنـتبه إلى الأسـتاذ الواقـف عـنـد السـبورة .

إنـدلعـت حـرب تـشرين في 6 تـشرين الأول 1973 وفي 7 منه أعـلن العـراق مشاركـته فـيها وفي صباح الـيوم التالي تـسرّحـتُ من الخـدمة العـسكـرية الإلزامية قـبل وصول المعـتـمَـد حامل برقـية إيقاف التسريح إلى وحـدتـنا … قـدّمنا وثائـقـنا إلى وزارة الـتـربـية والتعـليم للتعـيـيـن كـمـدرسين ، وبموجـب التعـليمات في حـينها كان يحـق لـنا إخـتـيار ثلاث محافـظات بإستـثـناء (( بغـداد )) كـشرط أساسي ليس لـنا خـيار غـيره إلاّ بعـد خـمس سنـوات من العـمل الوظيفي ، خـدمتها كـمـدرس وإنـتـقـلتُ من الكـوت إلى بغـداد .

 Displaying رشـوة.jpg

كان زميل لـنا من دورتـنا إخـتـصاصه التربية الرياضية ، يتـصوّر أنّ لحـمه مخـلوق من عجـينة تِـبْـرية ، عـظامه ماسية عـيونه ياقـوتية ، شعـره خـصلات ذهـبـية ، مستمتع بعـلب ﭼـوكـليت سويسرية ومتـلـذذ بالحـلـويات الفـرنسية ومخـدته من ريش طيور الغابات الـبرازيلية ، وأجـداده وبـيت الخـلـَّـفـوه لم يـكـونوا مثـلنا أجـناساً بشرية ولكـنهم كائـنات من كـواكـب سماوية …

وقال : لن أقـبل تعـيـيني بالقـرعة الثلاثية ولا أرضى بأية بقعة أخـرى جغـرافـية إلاّ في بغـداد وبالإعـدادية المركـزية … وبالمناسبة لم يكـن فـيها شاغـر ولكـن مدرس مادة الكـيمياء كان قـد حـصل عـلى إجازة دراسية وينـتـظـر الإنـفـكاك بعـد إكـتـمال وثائقه الرسمية …. عـلماً أنّ فـيها أساتـذة بـذات الإخـتـصاص يسـدّون شاغـر حـصصه الـدراسية .

قال له الرفاق المخـتـصون بالنـفاق : يابا .. شـواغـر محافـظات العـراق بأمس الحاجة والمطلوب سـدّها أولاً ، وإذا إستـثـنيناك من هـذا الـقـرار العام ، ستـصبح فـضيحة وتـبرز إحـتجاجات عـلنية !! قال : آني ما أدري .. أريـد بغـداد وبغـداد فـقـط . قالـوا له : طيب سنخـتار لك محافـظة وقـتية ، تباشر فـيها أمام الناس بصورة ظاهـرية ،فـطورك ﮔـيمر وغـداؤك دليمية ، وبعـد بضعة أشهـر تـصبح قـضية التعـيـينات مَنسية ، وتهـدأ الأمور فـنحَـوّلك إلى بغـداد والناس ملتهـية ، قال : ورب الكـعـبة لن أقـبل أبـداً ولا دقـيقة !! …… طيب ، الأخ معانـد ، شـنـو الحـل ؟

لا أطيل عـليكم ، فـفي نهاية المطاف إجـتمع صانعـو القـرار وما خـلــّـوا بخاطر الأخ ، لـبَّـوا رغـبته الأنانية ، والناس ما تـدري بالمساومات المخـفـية ، فـوضعـوا خـطة مُحـكمة قـوية ، قـشـرتها تـراها قانـونية ليس فـيها إستـثـناءات خـصوصية ولكـنها جهـنمية ، تـُسـكِـتُ الإعـتـراضات الفـردية ( إلاّ الـثـوار في المعاقـل الجـبلية ) واللي ما يعجـبه من ولـد الخايـبة يطـگ رأسه بالحـيطان الصخـرية …. إحـنا المساكـين نـنـتـظـر التـعـيـيـن سـدّينا شواغـر المحافـظات وأخـونا متجحـفـل داخـل بغـداد ! .

فـماذا كانـت الخـطة ؟.. رتـبـوا له أمراً وزارياً وتعَـيَّـن في الموصل بصورة شـكـلية ، فهـذه عـدالة لا ينـكـرها أحـد ، حاله كـحالـنا ليس فـيها تـفـرقة ولا محـسوبـية …. ودون أنْ يُـباشـر !! أوعَـزوا إلى مديرية تربـية الموصل بإصدار كـتاب فـوري آخـر يقـضي بالموافـقة عـلى تـنسـيـبه لـلـتـدريس في بغـداد نـظراً للحاجة الماسة والظروف المُـلِحة ومتـطلبات العـملية التربـوية (( هل عـنـدكم إعـتـراض ؟)) إنها مصلحة وطـنية …. فـكانت الكـتب الرسمية تـتحـرك ذاتياً من مديرية إلى مديرية حـتى نـضجـتْ أوراق القـضية وهـدأت الأمور وصارت طبـيعـية ، ويحـلف بالعـباس ما يغادرها لغـير مكان إلاّ إذا يـدري العـشاء يكـون مسـﮔـوف سمـﭼـة بُـنية .

البعـض يرى الحـياة حـقـل تجارب يستـفـيـد من كل سـلـبـية وإيجابـية ، وآخـر يراها ساحة منافـسة شريفة يتـسابق في إبتـكار طرق أمينة وبريئة فـيخـتـصر الـوقـت للوصول إلى المقاعـد الأمامية بصورة شـرعـية ، وهـناك مَن يستـغـل ساعات النهار الممطرة وليالي الظلام الحالكة وأوقات منع التجـوّل الطارئة ، ويوقـف حـتى مركـبات الإسعافات الأولية والإطفائية ( البعـض بـيـدهم Master key يفـتح حـتى أبواب الجـنة ) فـيزيغ و يـقـفـز فـوق السياج لـقـطع الطريق أمام الغـير متجاوزاً الإشارات الضوئية ، فإذا وصل إلى خـط النهاية رفع السبابة والوسطى ( V ) علامة الـنـشـوة الـفـوزية ، والبسطاء من الناس ــ وحـتى اللابـسـطاء ــ يهـلهـلـون ومن سـذاجـتهـم يـباركـون لأن الأمور في نـظـرهم طبـيعـية ………. ومحَّـد يعـرفـك يا لـبن غـير إللي يخـضـَّـك .

   بقـلم : مايكـل سـيـﭘـي / سـدني

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *