لماذا أحجمت الأحزاب الكلدانية عن الأشتراك في انتخابات برلمان اقليم كوردستان ؟

 

الشعب الكلداني هو مكون عراقي اصيل ويشكل تعداده السكاني الأكثرية من مسيحيي العراق ، وقومياً الكلدانية هي القومية الثالثة في خارطة القوميات العراقية ، ووطنياً يشكل الشعب الكلداني جزءاً مهماً من الشعب العراقي المعروف بتعدده القومي والأثني والديني ، ويشتهر الشعب الكلداني بطيبته واعتداله وبوزنه الثقافي في المجتمع العراقي ، وهو من الداعمين الأوائل لقيام الدولة العراقية الحديثة ، هذا هو الشعب الكلداني الذي تهضم وتهمش حقوقه الوطنية والسياسية والقومية في وطنه العراقي .

إن اي كاتب او محلل عادل ومنصف لتاريخ العراق المعاصر سوف يشير الى حقبة العهد الملكي على انها كانت تمثل العصر الذهبي قياساً بما آل اليها العراق من مآسي وكوارث وحروب بعد سقوط النظام الملكي ، لقد افلح الملك فيصل الأول وبدعم من بريطانيا من تأسيس الدولة العراقية الحديثة ، كما افلح الملك بتوحيد اوصال المجتمع العراقي ، الذي كان مبنياً على المفهوم القبلي ولم يكن هنالك قبولاً لمفهوم الدولة ، ثم كان هنالك ايضاً مشاعر المظلومية التي كان الشيعة والأكراد تساورهم بجهة تهميش حقوقهم . فعمل الملك فيصل الأول لتأسيس عراق معاصر يعمل على تهيئة الأوضاع الملائمة للحاجات الحياتية اليومية لمواطنيها وكذلك تمكن من إرساء نظام سياسي يعمل على رفع مستوى المعيشة وتوفير الوظائف والأشغال لتحقيق الرخاء في ظل حكم مدني ديمقراطي يحمي الحرية للجميع دون تفرقة ويسمح بالتعددية ، وهكذا يشعر المواطن بمكانته المهمة في وطنه وهي المواطنة من الدرجة الأولى وليس خلافها .

المواطن اي كان موقعه في النسيج المجتمعي العراقي ينبغي ان يكون له حقوقه القومية والسياسية ، بحيث لا تقتصر حقوقه على حرية ممارسة الشعائر الدينية فحسب ، فالمواطن الكلداني ليست حقوقه الوطنية محصورة على حرية ممارسة الشعائر الدينية بالدخول الى الكنيسة او الحقوق الوطنية الحياتية ، كحقه في التعليم او او العلاج او السفر .. الخ ، إنما له حقوق قومية وسياسية وله حقوقه في حصته من الثروة الوطنية .

هنالك من يتوهم او يحاول خلط الأوراق ، فحينما نطالب بمواقع وظيفية لأبناء شعبنا الكلداني ، كأن يكون لنا وزير كلداني في الحكومة العراقية او في حكومة اقليم كوردستان ، فسرعان ما يصدرون فتاويهم بأن حبيب تومي يطلب منصباً لنفسه ، وحينما نطالب ان يكون للشعب الكلداني حصة من الثروة الوطنية ، فإنهم متهيئون مرة اخرى لأصدار فتاويهم المملة الرخيصة بأن حبيب تومي يريد الحصول على الكعكة ، وهؤلاء الذين يطلقون مثل هذه الأراجيف الرخيصة هم انفسهم يسلكون اسوأ طرق التملق والمداهنة للحصول على تلك المكتسبات لأنفسهم وليس لشعبهم .

أجل من حق الشعب الكلداني ان يكون له حصة من ثروة العراق ، وحصة من المناصب السيادية ، إنه يمثل القومية الثالثة في خارطة الوطن العراقي . انا لا اطلب شئ لنفسي إنني اطالب بشكل دائم بحقوق الشعب الكلداني الوطنيةالمشروعة ، منذ ان بدأت الكتابة بالشأن القومي والسياسي بعد سقوط النظام في نيسان 2003 م .

اليوم ونحن مقبلون على انتخابات البرلمان الكوردستاني في ايلول القادم، وهي انتخابات مهمة في كل المقاييس ، وأهمية ذلك تكمن في الوجود الكثيف لشعبنا الكلداني ، إن كان في داخل الأقليم نفسه او في المناطق المتنازع عليها . فالأكثرية الساحقة من الكلدانيين او من بقية مسيحيي العراق يتركز تواجدها في اقليم كوردستان ولهذا فإن تفعيل الدور السياسي للأحزاب الكلدانية ومساهمتها في عملية الأنتخابات كانت تحمل اهمية كبيرة .

لقد بُحثت هذه المسألة في المؤتمر القومي الكلداني الذي عقد في اواسط ايار الماضي في ديترويت ، لكن شكلت مسالة الدعم المالي حجر عثرة امام هذه الرغبة في المساهمة في تلك الأنتخابات المهمة ، إذ لا يوجد جهة حكومية إن كان في العراق الأتحادي او في اقليم كوردستان تدعم الأحزاب القومية الكلدانية للنهوض بواجباتها ، إنما الدعم مقتصر على الأحزاب الآشورية ومن يسير في ركابها من الأحزاب الكلدانية والسريانية .

المنافسة على 6 مقاعد مخصصة للمسيحيين ، واحداً منها محسوم للارمن، وخمسة مقاعد هي للكلدان والسريان والآشوريين في اقليم كوردستان ، وهي من اصل 106 مقاعد يتكون منها برلمان الأقليم ، وهنالك ثلاثة قوائم مسيحية تتنافس على المقاعد الخمسة ، وهذه القوائم تمثل الأحزاب الآشورية ، وهي ابناء النهرين تحمل رقم 125 وهي تتكون من الأعضاء المنشقين من الزوعا ، ولا ندري إن كانت هذه مناورة سياسية الحركة الديمقراطية الآشورية فتكون هذه القائمة تعود لها وتدعمها ، لكنها تحمل اسم آخر لسحب البساط من تحت قائمة المجلس الشعبي ، الذي تغلب عليها بشكل ساحق في مجلس محافظة الموصل . وإن لم تكن تابعة للحركة فمن يدعم هذه القائمة ومن اين لها تلك الأموال لخوض تلك الأنتخابات ؟

والقائمة الثانية هي الرافدين 126 التابعة للزوعا ثم هنالك قائمة التجمع الكلداني السرياني الآشوري 127 وهكذا يتغيب عن التنافس اي حزب كلداني .

وفي الحقيقة هنالك اسباب تكمن وراء عدم اشتراك الأحزاب الكلدانية التي اجتمعت في ديترويت على هامش المؤتمر المنعقد هناك في ايار الماضي ، واتفقت على الدخول في اتحاد القوى السياسية الكلدانية ،وهي الحزب الديمقراطي الكلداني والحزب الوطني الكلداني ،والمنبر الديمقراطي الكلداني الموحد ،والتجمع الوطني الكلداني ، ورغم هذه الرغبة في العمل الجماعي ، إلا ان توفير المال اللازم للانخراط في العملية قد حال دون اشتراك تلك الأحزاب في انتخابات برلمان كوردستان وفي انتخابات مجالس المحافظات .

وإذا طرحنا سؤالاً : يا ترى من يتحمل مسؤولية تعثر هذه الأحزاب وعجزها عن القيام بواجبها القومي والسياسي على الساحة السياسية العراقية ؟

برأيي المتواضع ثمة عوامل لعبت دورها لكي نصل الى هذه الحالة من الضعف او من التهميش وهذه العوامل هي :

اولاً : ـ

سيتبادر الى الذهن مباشرة ما قامت به الأحزاب القومية الآشورية المتنفذة والتي طرحت نفسها ممثلة للمكون المسيحي ، وتناكفها في سباق ماراثوني لمحاربة اي نوازع قومية كلدانية ، مهما كانت صفتها ،وتريد تلك الأحزاب ( الآشورية ) ان تكون وحدها في الساحة وتحتفظ لنفسها بكل المكتسبات الممنوحة للمكون المسيحي وتستخدم تلك الأمتيازات لأهدافها الحزبية اولاً ، ولمحاربة التوجه القومي الكلداني ثانياً .

ثانياً : ـ

العامل الآخر هو موقف الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية ، لاريب ان لكلمة الكنيسة الأهمية القصوى بين ابناء الشعب الكلداني وعلى نطاق المسؤولين ، فإن كنيستنا الكاثوليكية الكلدانية ليس لها ذلك الموقف الواضح بالوقوف بصراحة ووضوح الى جانب الأماني السياسية والقومية لشعبها الكلداني ، وإن اردنا المقارنة بين الكنيسة الآشورية والكنيسة الكلدانية بما يتصل بالأماني السياسية والقومية ، فالكنيسة الآشورية تعلن صراحة وبوضوح كامل وقوفها الى جانب شعبها الآشوري في طموحاته القومية والسياسية ، بينما كنيستنا على مختلف المستويات تنأى بنفسها عن تلك الطموحات وغالباً ما يتسم موقفها بالسلبية مع تلك الطموحات وكغطاء لذلك الموقف هو عدم تدخل الكنيسة بالسياسة .

نحن السياسيين الكلدانيون نحترم هذه الرؤية ، رغم ان الحاجة تتطلب من الكنيسة ان تقف مع حقوق شعبها إن كانت سياسية او قومية او انسانية، فالكنيسة وشعبها في مركب واحد وعليهما التعاون لكي يصل المركب الى بر الأمان . فالكنيسة تكون قوية حينما يكون شعبها قوياً والعكس صحيح ايضاً .

ثالثاً : ـ

موقف اقليم كوردستان لم يكن منصفاً للكلدان بشكل عام . نعم كان لأقليم كوردستان موقف إنساني مشرف من المسيحيين القادمين الى اقليم كوردستان هاربين من العمليات الأرهابية ، ولكن تبقى مسألة الحقوق القومية والسياسية موضوعاً آخر فالشعب الكلداني وقف الى جانب الشعب الكوردي في كفاحه المسلح ، وينبغي ان يكون للشعب الكلداني حقوقه كاملة في الأقليم بعد ان تمتع الأقليم بمساحة كبيرة من الأستقلالية ، فلماذا تكون كل المكونات متمتعة بحقوقها القومية والسياسية من تركمان وآشوريين وأيزيدية وأرمن باستثناء الكلدان ، فأين يكمن الخلل ؟ لماذا نشتكي ونقول ان حقوق الكلدان القومية مهمشمة في اقليم كوردستان ؟ فهذه الحالة لا تليق بأقليم كوردستان ، ينبغي ان يعامل الكلدان باحترام وأخوة وصداقة بمنأى عن اي وصاية من اي قوى اخرى ، فنحن الكلدان مستقلين لنا قوميتنا الكلدانية ولنا ذاتيتنا وكرامتنا لسنا تابعين لأي قوى اخرى .

رابعاً : ـ

لقد اوردت الأسباب المحيطة بنا، لكن ماذا عن ظروفنا الذانية ، نحن نلوم الآخرين ، لكن هل نحن الكلدان والقوى السياسية الكلدانية هل كنا على اكمل وجه ؟ ألم يكن لنا اي شطحات او أخطاء ؟

الا ينبغي ان ننظر الى المرآة لكي نرى انفسنا ونمارس بشفافية وصراحة منظومة النقد والنقد الذاتي ؟

رغم هذه الظروف المحيطة ، الم يكن بالمستطاع العمل اكثر ، الم يكن بالمستطاع الحصول على المبالغ لو تخطينا خطوات نحو نكران الذات والتضحية ؟ الم يكن من المستطاع ان نجمع مئات الآلاف من الدولارات لو احسننا طريقة الجمع وآليتها ؟

الا نفكر يوماً بأن نتوجه الى الوطن ونعمل فيه ونقوي ونعاضد من يعمل فيه ؟ إنها افكار جميلة لكن جميعها تحتاج الى تطبيق ، نعم كان يجب ان ندخل في الأنتخابات السابقة بقائمة وأحدة ، نعم لنا اخطاء كثيرة وبحثناها في المؤتمر لكن كل تلك المقررات الجميلة تحتاج الى تطبيق على ارض الواقع وليس خلافه .

بيني وبين نفسي افكر وأقول :

لا يمكن إغفال متغيرات الأزمنة ، ومتطلبات العصر التي تقضي باستحالة التهميش فقد ولت الأزمنة المظلمة الى غير رجعة ، ولهذا انا متفائل بمستقبل الشعب الكلداني لكي يتبوأ مكانته اللائقة في عموم العراق وفي اقليم كوردستان .

د. حبيب تومي : القوش في 11 : 08 ؛ 2013

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *