للمرة الأولى في التاريخ: “كنيسة المهد” بحلة جديدة

 

 محمد فروانة – خاص النشرة من غزة

تشهد “كنيسة المهد” في مدينة بيت لحم بالضفة الغربية المحتلة، المكان الذي ولِدَ فيه المسيح، ترميماً لم يحدث بالمطلق على مدار العصور التي مرّت، سيما وأنها تحمل مكانة تاريخية ودينية وتراثية فلسطينية هامة، فضلاً عن دخولها قائمة مواقع التراث العالمي كأول موقع فلسطيني يندرج ضمن لائحة التراث العالمي لمنظمة “اليونيسكو” عام 2012. وبحسب المسؤولين، فإن عملية الترميم تتم حسب أصول ومرجعيات دولية لأجل الحفاظ على المظهر الأساسي لهذه الكنيسة التي يحج إليها كل عام ما بين مليون ومليوني مسيحي من حول العالم.

ووفقاً لمصادر فلسطينية لـ”النشرة”، فإن الحكومة الفلسطينية كانت من أول المساهمين مالياً في عملية الترميم وخصصت صندوقاً لذلك، إضافة إلى القطاع الفلسطيني الخاص الذي ساهم بدوره بمبلغ 750 ألف دولار، إلى جانب مساهمة كل من فرنسا وروسيا والمجر واليونان والفاتيكان ومن المتوقع أن تساهم دول أخرى.

وبحسب المصادر، فقد رسا عطاء الترميم على شركة إيطالية وهي شركة “بياتشينتي” المتخصصة بترميم المباني الأثرية المماثلة في إيطاليا والعالم، والتي حازت على أعلى العلامات والمواصفات في عرضها الفني والمالي البالغ 1925707 يورو أي ما يعادل (2600000) دولار ومعها مكتب هندسي فلسطيني فازت بعطاء دولي لإعادة ترميم الكنيسة.

وتعتبر “كنيسة المهد” من أقدم وأهم كنائس فلسطين والعالم، بناها الإمبراطور قسطنطين عام 335، وتقام فيها الطقوس الدينية بانتظام حتّى الآن منذ مطلع القرن السادس الميلادي حين شيّد الإمبراطور الروماني يوستنيان الكنيسة بشكلها الحالي.

الترميم جرى وفق تفاهمات واتفاقيات

 

وفي هذا السياق، ثمّن الناطق باسم بطريركية الروم الأرثوذوكس في القدس الأب عيسى مصلح، جهود الرئيس الفلسطيني محمود عباس والسلطة الفلسطينية وحكومتها التي أبدت استعداداً كبيراً وجمعت كل الطوائف المسيحية في فلسطين لأجل التفاهم وإقرار إعادة ترميم كنيسة المهد في مدينة بيت لحم بالضفة الغربية المحتلة.

مصلح، وفي حديث لـ”النشرة”، قال إن كل الترتيبات المتعلقة بإعادة ترميم كنيسة المهد أجريت وفق تفاهمات واتفاقيات مع السلطة الوطنية الفلسطينية وعلى مراحل، مؤكداً على الدور الديني الهام الذي تلعبه هذه الكنيسة سيما وأن أكثر من مليون نسمة من الحجاج من مختلف أنحاء العالم يحجون إليها كل عام.

وأضاف الأب مصلح: “لنا الشرف الكبير بأن تكون دولة فلسطين هي القائمة على هذا الترميم كي تتجمل الكنيسة بأبهى صورها ونحافظ على مكانتها الدينية والتاريخية التي شهدت ميلاد المسيح”.

ولفت إلى أن الكثير من الأماكن المقدسة هي بحاجة ماسة لإعادة ترميم على غرار كنيسة المهد، ككنية القيامة في القدس والمسجد الأقصى المبارك والحرم الإبراهيمي في الخليل وغيرها من الأماكن التي يجب أن ترمم ويتم إصلاحها مجدداً، بعد أن تعاقبت عليها العصور.

 

معالجة الإشكاليات كافة

في المقابل أكد زياد البندك المستشار السياسي للرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس اللجنة الرئاسية المكلفة بالإشراف على ترميم كنيسة المهد في مدينة بيت لحم بالضفة الغربية المحتلة، أنه وبالتفاهم والتوافق مع الكنائس في فلسطين وبطريركية الروم الأرثوذوكس وبطريركية الأرمن وحراسة الأراضي المقدسة، أجري العمل بناءً على مرسوم صدر من الرئيس عباس عام 2008، بالعمل على تجهيز الأموال والمخططات لإعادة ترميم كنيسة المهد، مشدداً على أن أول من ساهم في عملية الترميم هي الحكومة الفلسطينية بمبلغ مليون دولار.

وفي تفاصيل الاتفاقيات وإعادة الترميم يقول البندك في حديثه مع “النشرة”: “منذ البداية عملنا على طرح عطاء دولي من أجل تحضير واقع كنيسة المهد لأجل رؤية المشاكل الموجودة فيها كي ترمم ومن أصل 11 مقاول دولي ومعاهد دراسات دولية تم تقييم واقع الحال وفق دراسة كاملة من بحدود 1000 صفحة قام بها خبراء خمسة مكاتب هندسية وجماعات إيطالية ومكتب كندي وفلسطيني، وتم تحليل واقع الكنيسة من كل الأطراف من السقف حتى الاساسات”.

وأوضح البندك أن الشركة التي رسا عليها العطاء ستقوم بعملية الترميم، وجرى توقيع الاتفاقية معها برعاية الرئيس محمود عباس وبحضور رئيس الوزراء وبطاركة ورؤساء الطوائف الثلاثة في فلسطين، وقناصل الدول المعنية وغيرها.

وعن الترميم أوضح البندك أن أي زائر للكنيسة يستطيع الآن أن يرى الحماية التي وضعت على الأعمدة من أجل البناء والوصول إلى السقف ومعالجة كافة الاشكاليات التي طرأت نتيجة التغيرات، ومعالجة العوارض الخشبية التي يوجد فيها مشاكل، وترميم الكنيسة الذي يجري الآن، ويتضح ذلك في الصور التي رصدتها عدسة “النشرة”.

لأول مرة في التاريخ

 

وشدد البندك على أن هذا الترميم يعتبر الأول من نوعه منذ مئات السنين، وكل العمليات التي سبقت هي تجميلية عند حدوث بعض الاشكاليات فقط، لافتاً إلى أن هذه المرة الأولى في التاريخ التي سنقوم فيها نحن الفلسطينيون بموافقة هذه الكنائس بالترميم التي تعتبر رمزاً مهماً وهي مهد المسيحية في العالم والتي شهدت ميلاد المسيح.

وتابع البندك: “هذا شرف لفلسطين أن تقوم هي بإدارة ورعاية وتمويل هذه العملية والكنيسة، وهذا يعكس احترام الشعب الفلسطيني لتراثه وتاريخه وأديانه وللخارطة الدينية المتعددة والموجودة في فلسطين عبر التاريخ”.

وأوضح رئيس اللجنة أن عناصر الكنيسة هي بحاجة إلى إعادة ترميم كالأساسات والجدران وحتى السقف، مشيراً إلى أنه يجري توفير مزيد من المبالغ التي سيتم من خلالها استكمال عملية الترميم حسب التقارير التي أعدها المختصون والخبراء.

وأضاف: “من المتوقع أن نرى الكنيسة في حلة جديدة والآن بدأنا في المرحلة الأولى كترميم السقف والأعمدة والشبابيك، وهذه ربما تأخذ عام واذا توفرت كل الأموال من أجل الترميم وترميم الكنيسة ككل يحتاج إلى أكثر من عامين أو أكثر”.

وأنهى البندك حديثه بالقول: “عملية الترميم تتم حسب الأصول ومرجعيات الترميم الدولية. ويجب الحفاظ عليها بطريقة تضمن عمرها لأجيال وأجيال. ككنيسة بهذا المستوى من العراقة والتاريخ”.

أخيراً، من المتوقع أن تبدو الكنيسة بحلة جديدة بعد انتهاء مراحل الترميم التي ربما تحتاج لأكثر من سنتين، وتتطلب أموالاً ليست بالقليلة، في وقت تتضح فيه الجهود الفلسطينية والجهات ذات العلاقة في الاهتمام بالكنيسة والتي باتت ملموسة على أرض الواقع، وحفاظها على دورها الديني والتاريخي الفلسطيني لما لها من أثر بالغ في نفوس كل من يحج إليها من كافة أرجاء العالم.

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *