لغز عدم التعايش السلمي في المجتمعات المتبجحة

لا يمر يوم، إلا وأسمع أو أقرأ أوأشاهد فيه مايثير دهشتي، عبر وسائل الإعلام المرئية والسمعية والمقروءة، أو من حديث الشارع ومن التقيهم صدفة وإن كان المكان دار الراحة التي تستوعب مجموعة ثملة أثناء الحفلات. مبالغات واعتزاز بالنفس او العشيرة او الأصل وكأن لا إله إلا الله، لم خلق إلا، لا عظمة إلا عظمة المتبجح قاهر الأعداء و (مكشكش) رصاصهم. وكل ما التفت وادور واحلل أبحث،  أصل إلى نتيجة (فارغة المحتوى) اصبحت واقع معاش: أن هذه الحياة لا تحتمل إلا وجهاً واحداً هو الصح وما عداه المخالف مرفوض ومستنكَر، وحملات الإقصاء الفكرية لا تتوقف: بين الجماعات بعضهم على بعض، وبين الأحزاب المتنافرة،  الفرق والشيع، والمدن والقرى .. وحتى بين الأفراد ، ذكوراً وإناثاً كباراً وصغاراً .. كل طرف يرى أنه الحق وله الحق أن يحكم على الآخر بمنطقه هذا. ثنائيات مقيتة من الحياة تدل على فجاجة المشهد في مسرح الحياة وقساوته ، وبين النحن والأنا والـ…لنا، مدلول معكوس تماماً مع الـ..هو والـ..هُم والـ…لكم … وأنا أنا وغيري هو، وأنا غيري عندما يتكلم هو ويصبح هو انا…. والكل نفس الطينة ونفس العجينة….. نحن المؤمنون     هم الكفرة نحن في الجنة      وأنتم في النار نحن الشرفاء       والبقية مشرعّة الأدبار الصدق لنا       والكذب لكم أنا الأمين      وأنت الحرامي هو العالم الذكي   وذاك الجاهل الغبي كاملون        ناقصون نحن خلوقين      وهم تربية شوارع الله لهذه الفرقة      الله سيحرقهم كتابنا من الله       كتابهم مزوّر منفتحون ومتنورون   متخلفون ومنغلقون وقائمة التناقضات تطول، وتطول والكل برجهم عالٍ على اساس رمل! كل تلك الإسقاطات جاءت من النقص الموجود في الإنسان ورفض الاعتراف به، بل يحاول المرء ان يقنع نفسه وبثقة بأن ماهو عليه هو الأفضل، وهذه الطامة الكبرى التي أرجعتنا قروناً إلى الوراء، أو بتعبير أصح، هذه الطامة الكبرى التي جعلتنا نقف في زمن سحيق ولم نتقدم لقرون ولو خطوة! لأن التقدم لا يكون إلا بالاختلاف الذي يولّد حالة جديدة تدفع العجلة لتدور إلى الأمام، وهي الحركة الوحيدة التي تؤهلنا للتقدم حتى لو كان التقدم بطيئاً فهو أفضل من اللاشيء الذي نحن عليه الآن. والمؤمنون للأسف الشديد هم أكثر الشرائح التي تريد اعتلاء منزلة أرقى من الآخرين بادّعائهم احتكار السماء بوثيقة مقدسة، والمصيبة أن ذلك الخلود لا يمنّ به الله على جميع المنتسبين إلى دين ما، بل لطائفة أو حركة ولدت من جراء انقسام في هذا الدين، وكل طائفة تدعي أن الجنة لها وليس لغيرها، واكثر شريحة متبجحة هي التي تتفاضل بأثنين، إنتمائها الديني والتسموي. ومن الطائفة إلى الدولة والقرية والعشيرة والكل لا يعرف غير خطاب الأنا والنحن فقط! هذه النظرة الضيقة الأحادية تتغير مع اكتمال الإنسانية بقبول الآخر المختلف واحترامه، فتحقيق التعايش والارتقاء مرتبط ومشروط بقبول الآخر. في مجتمعاتنا الضيقة الأفق، أعزّي غالبية مشاكلنا إلى التفرّد والوحدانية التي يعيشها ليس الفرد منّا، بل العائلة داخل العشيرة والعشيرة في المكان، والمكان بين المجتمع ككل، حالة التفرّد عبرت من الشخص إلى المجموعة وهذا بنظري أكبرالآفات التي تعاني منها مجتمعاتنا المتألمة والمجروحة، ليس بسبب الأقتتال الذي يحدث فيها، بل للفرق التي تعيش متفرقة وبدون هدف مشترك أو اضعف الإيمان قبول التعايش معها. أخطر آفة عندما يصبح التفرّد يخص جماعة ما او شريحة ترفض اي حوار وتطرد من بينها كل خطاب عاقل، وتعمّق توحّدها وكأن لم يكن شيئاً مما كان لولاهم… ومن هذا التفرّد يولد ثقافتين رجعيتين تُعد كارثة على المجنمع ككل: عدم وجود حرية بقبول الآخر والتعايش معه، لأن القناعة بالأساس تضع حواجز أمام المشتركات، على اساس من الوهم بأفضلية (نحن) على (هم). عدم قبول النقد مهما كان خطأ المتوحدّين، لأنهم وصلوا في مبالغاتهم بمديح ذاتهم وعزل إنفسهم عن الآخرين إلى درجة القدسية وفوق مستوى الكائنات واعلى قليلاً من الملائكة. والحل أصعب مما نعتقد، كونه نفسي وإيماني بحت. الإيمان بقوة الأنسان الهائلة التي تمكنّه من قبول ضعفه ونقصه، والعمل على معالجة نفسه السقيمة المتوحدة لقبول الآخر والتعايش معه على مبدأ المساوات وليس الأفضلية.. وبعدها لن يكون هناك إسماً اعلى من اسم بل كل الأسماء تشكل قصيدة جميلة……..

زيد غازي ميشو zaidmisho@gmail.com

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *