لا يمكن انتزاع هوية الآباء والاجداد

 

في الآونة الأخيرة حاول عدد من المثقفين في مجتمعنا المسيحي على اختلاف مذاهبه ترضية جميع الأطراف بالقول أننا” كلدان سريان آشوريين” دون طرح أية آلية لتوحيد هذه الفئات الثلاث، بل ازداد الطرح تعقيدا لأن الطرفين الكلداني والسرياني مازالا يشعران بخيبة أمل بسبب حقوقيهما المهضومة. فاللغة التي نسمعها عن قناة عشتار، المحسوبة على التسمية القطارية هذه، هي آثورية حصرا ولا يستوعبها عدد كبير من أبناء الكلدان والسريان. كما لا ننسى ايضا بأن العلم الآشوري هو المرفوع دائما في الاحتفالات والمناسبات الآشورية حصرا دون سواها. بالإضافة لذلك، فأنه من غير المعقول أن يكنى الفرد المسيحي بثلاث هويات، هي كلداني سرياني آشوري ، ناهيك عن الأرمني. وهل يوجد نظام في الكون يتعامل مع إثنيات متعددة بهوية مركبة واحدة؟ أليست هذه ازدواجية بكافة المقاييس؟ اعتقد أنه يتوجب علينا تحديد هويتنا أولا كي نستطيع التغلب على مشكلة تهميش الفرقاء وهضم حقوقهم

بما أن التعايش والتكامل هدفان اساسيان، أرى ألا نتشبث بمسمى قطاري بات يفرقنا أكثر مما يجمعنا. ما ضيرك لو قلت بأنك كلداني أو آشوري أو سرياني حسب انتمائك التقليدي؟ فلكل منا أصله الخاص الذي يقتنع به ولا يرضى بسواه ولا يستطيع تغييره. أنتم أحرار في تحديد واختيار الهوية التي تعجبكم, ولكنكم لستم أحرارا في فرض هوية ما تناسب مقاسكم على أهلنا من الكلدان والسريان والآشوريين. حديثي موجه إلى الذين كانوا وما زالوا يحاولون فرض الهوية القطارية المصطنعة بكل الوسائل المتاحة

من حق أي إنسان أن يختار الهوية التي يشعر في قرارة نفسه بأنه ينتمي إليها ، ومن يرى في نفسه أنه كلداني فله أن يقول أنه كلداني ومن يرى أنه آشوري فليكن كذلك وعليه أن يتمسك بذلك، ولكن حينما نقول بأننا جميعا كلدان أوسريان أو آشوريون، علينا أن نعي أن هذا الوطن متعدد الأثنيات والأديان والمذاهب ، وهو وطن واحد يتسع للجميع، لعربي وكردي وتركماني وكلداني وآشوري..الخ بغض النظر عن طقوسهم الدينية والاجتماعية. لابد لنا أن نعترف بأن العراق ليس دولة عربية وحسب، وإنما دولة متعددة المكونات أسمها العراق. وهذا يعني بالضرورة بأن الهوية التي يجب أن يتفاخر بها العربي أو الكردي أو الكلداني أو التركماني ..الخ هي الهوية العراقية قبل كل شىء. وما عدا ذلك، فالهويات الأخرى تـُعد هويات ثانوية من باب التعريف بالخصوصيات المحلية، ومنها الثقافية والتراثية. وهذا يعني ايضا احترام الآخر وعدم فرض أسم قومية، كالعربية أو الكردية أو الآشورية …إلخ على من يتمسك بقومية مغايرة تتعارض والحقوق الفردية في حرية الاختيار والانتماء. إذا أردنا فعلا أن نتعايش متحابين في وطن واحد، علينا أولا وقبل كل شىء أن نعترف بهذا التعدد الثقافي الاثني وأن نكون صادقين مع انفسنا في التعامل مع الزوبعة القطارية التي أثيرت وتثار بين الفينة والأخر

لو استطعنا عبر الحوار ترسيخ قيم الحريات الثقافية وخلق مناخ صحي لهذه الحريات في اطار قانوني، نكون قد ضمنا وحدة الوطن وبالتالي يسر التواصل بحرية مع الآخرين لتحقيق اعلى درجات المشاركة الفعلية والفاعلة في البناء الثقافي والتنموي، الأمر الذي سيكفل تكافؤا في الفرص بين الجميع ويلغي كل انواع التمييز. ومثل هذا الاجراء يحتم علينا ممارسات تربوية وثقافية واجتماعية وسياسية سليمة. ولا اعتقد بأن هذه العملية معقدة بحيث تعيقنا عن التنفيذ المباشر وغير المباشر لها إذا ما خطط لها على أسس صلبة ومتينة. ما من شك بأننا نتفق جميعا على أن ظاهرة التنوع الاجتماعي واختلاف الثقافات هي حقيقة انسانية وتاريخية ومجتمعية. إذن نحن بحاجة إلي توظيف هذا التنوع في سياق إثراء مفاهيم أسمى من الوحدة الورقية المزعومة. فالعالم قد تغير الآن وانتهي زمن الفرجة على الآخرين. فنحن جميعا كلدان وسريان وآشوريين ولنا من الإرث والمصالح المشتركة والنسب والعلاقات الاجتماعية والثقافية المشتركة التي تبعدنا عن التناحر وتقينا شر القتال الاعلامي وفرض الوصاية على الأرض

للأخوة رافعي شعار التسمية القطارية، أقول: نحن الكلدان لا نريد أن نرجع إلى المربع الأول. إن المخاطر التي تهدد وجودنا واضحة كوضوح دعوتنا في هذا المقال، ولن تسكت نخبنا الثقافية والسياسية على ممارسات الاقصاء السياسي والاستغلال والاستعلاء الثقافي، بل أنها ستناضل وتطرق كافة الأبواب من أجل الحصول على اعتراف قانوني بالهوية الكلدانية وحسب لوائح حقوق الإنسان. لن تكمم أفواه هذه النخب إزاء ما يحدث على الساحة بحق الكلدان، ولن يجرؤ أحد على تجريدهم من هويتهم التاريخية، هوية الآباء والأجداد التي يفتخر بها كل شريف يعتد بأصله

 
wadizora@yahoo.com

2010 05 25

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *