كيف نحافظ على كلدانيتنا!

طرح بعض الاخوة (فيما بينهم) فكرة الاحتفال بذكرى انتصارات الامبراطورية الكلدانية في حروبها  ضمن احتفالات عيد اكيتو راس السنة البابلية الكلدانية لهذه السنة، وتمنوا ان نعيد الى اذهان ابناء شعبنا شيء من ذلك تاريخ المجيد.

لا اعتقد نستطيع ان ننسى الجوهر الحقيقي الذي نحن نستند اليه كلدانيتنا ووجودنا الحاضر ، الا وهي مباديء ديانتنا المسيحية والتي  نبعت منها معظم مفاهيم الانسانية التي فينا وفي غيرنا ايضا.

ان  هجرة الكلدان والاشوريين والسريان الى الدول العالم وصلت 70% او اكثر،  وان السبات القاهر الذي عاشه اجدادنا منذ قرون وعصور (الذي كان خارج امكانيتهم بالتاكيدفي بعض الاحيان ) ندفع ثمنه الان .  وكما قال بعض الاخوة احيانا نحن مِن الناس الذين يحسبون انفسهم امواتاً وهم احياء بطريقة غير عقلانية.  هذا هو تاريخنا وواقعنا بدون تصقيل وتحريف .

لكن الشكر لله  في نهاية الالفية الثالثة وبعد 25 قرن،  فاق ابناء شعبنا المثقف من نومه العميق، وادرك الاولويات واهمية  وجود لهم مجتمع يحمل الهوية القومية من اجل حماية حقوق افراده من تكرار المذابح والويلات والمجازر التي حصلت والتي تحصل في العراق والشرق الاوسط ، و ازداد اهتمامهم بالحفاظ عليه(المجتمع ذو هوية قومية)  من اجل مستقبل الجميع، كي يطالبوا  بحقوق اخوتهم في المحافل والمنظمات الانسانية في الاوقات العصيبة كما حصل في العراق خلال عشرة سنوات الماضية او في  زمن الامبراطورية العثمانية خلال القرن الماضي (الامر الذي ادركته بواقعية كل الشعوب والقوميات المجاورة لنا  وبالاخص الشعب اليهودي والاخوة الاكراد قبلنا بقرون).

لكن ان  نركز في الاحتفالات بإنتصارات الامبراطورية الكلدانية على الاشورية مثلاً اراه  شيء من الخيال وبعيد كل البعد عن الواقعية. لنكن صادقيين مع انفسنا جميعا (اعني الكلداني والاشوري والسرياني).  منذ سنة 80 ميلادية ( تاريخ تأسيس اول كنيسة في العراق تقريباً) حين وصلت المسيحية الى العراق الى 1500م لم يتم ذكر اسم اي قومية اوالهة وثنية في كتبنا المقدسة ولا في الكتب الثقافية ولا في تراثنا او في تقاليدنا، بل كنيستنا التي كان يطلق عليها في حينها النسطورية، الشرقية،  الفارسية،  ام الشهداء، كنيسة بابل او قطيسفون ،دخلها لا فقط الكلدانيون او البابليون والاشوريون او الاراميون (السريان الجدد) وانما العرب والاكراد والفرس  والميديين والاتراك وحتى الهنود والصينييين والمغول.

فنحن الذين نقول عن انفسنا كلدان اليوم ( او من يدعي نفسه اشوري او سرياني)  لا نستطيع ايجاد البرهان المادي البيلوجي ( تماثل الاجناس من خلال  علم الاجناس البشرية) تماما بأننا اولاد  اصحاب تلك الامبراطروية الكلدانية العظيمة.  و لكن لاننا حملنا هذا الاسم منذ 500 سنة، ولاننا متأكدين بل على يقين، ان جزء كبير من هذا الشعب الذي اصبح مسيحياً، كان من ابناء الامبراطورية الكلدانية الاخيرة التي كانت اخر حكم وطني عراقي في عصر القديم ، لهذا  نعتز بكلدانيتنا مثل غيرنا، لكنهها لا تجعلنا نسكر ابدا.

انا من الذين لا يؤيدون هذه الفكرة، لان لا جدوى منها كما قلت سابقا، لان الكلدانيين  والاشوريين والسريانيين ومن يدعون انفسهم اراميين لا نشكل 2% من الشعب العراق وان نسبة 70% منهم (اعني نسبة 2% من الشعب العراقي)  في المهجر الان، كيف نستطيع ادارة عجلة التاريخ للوراء ونحتفل بهذه الانتصارات وكأننا نعيش في تاريخ قريب من سنة 612ق. م حينما اسقطت الامبراطورية الاشورية على يد الكلدانيين والميديين؟  والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ماذا نستفيد عمليا من احياء مثل هذه الذكرى سوى او تبذير الجهود؟.

اذا اردنا ان يبقى لنا وجود ككلدان بين القوميات والشعوب العالم ، لنحافظ على هذا الاسم في المحافل الدولية كمجتمع تعود جذوره الى الامبراطورية الكلدانية البابلية ، التي هي جزء من حضارة بين النهرين او الرافدين ولا يتجزء منه .

لنفكر للقيام بنشاطات واعمال انسانية واجتماعية وثقافية  بطرق علمية وعملية وواقعية مفيدة لشعبنا

من اهم هذه النشاطات هي  الحفاظ على لغتنا الام التي هي بمثابة حجر الزاوية من قضية بقائنا او زوالنا.

لنحافظ على القيم التراثية والاجتماعية والتقاليد التي ورثناها من ابائنا واجدادنا،مثل الشعر والغناء والموسيقى والمسرح والكتب والروايات لننقلهم الى الجيل الحاضر.

لنرفع اعلامنا التي ربما هي  الصور القديمة و الالات التراثية في البيوت لنحافط على الصلبان والادوات التي تركها لنا اجدادنا على مسافة قريبة اربعة او خمسة اجيال كي تلمس اطفالنا شيء ملموس من اجدادهم حتى وان كان رديء الشكل او الصورة.

لنهتم بكتابة تاريخ قرانا على الاقل في القرون الثلاثة الاخيرة، وتوثيق القصص والاحداث حتى لو كانت صغيرة لا تستحق.

ان لم نحافط على قرانا واراضيها من الزوال او الضياع!!. لا تسألوا عن بقاء الهوية القومية في المهجر! بعد 50 سنة من الان!

فحينما نصل الى درجة ان يفتخر اطفالنا  بتاريخ ابائهم واجدادهم وبهويتهم القومية،  ويتبارون في حفظ الاغاني والقصص وكتابة الشعر  وكتابة الرسائل في لغتنا الام، (المسج والايميل في موبيلاتهم )، حينها نستطيع نقول حقا ان امتنا بخير وشعبنا لازال يحتفظ بأصالته بل له الحياة ،  فهذه الاشياء هي التي  تساعدنا للحفاظ على وجودنا.

او لنقم المشاريع الانمائية والاستثمارية  سواء كانت رؤوس اموالها من ابناء شعبنا (مشروع الدولار الواحد الذي طُرِح في مخيم الاصدقاء سنة 2011 في ملبورن)  في المهجر او من الشركات الاجنبية او من مساعدات الانسانية لابناء شعبنا  في القصبات والمدن والقرى المسيحية من زاخو و دهوك وسيميل والقوش وبطنايا وتلسقف وعنكاوا وبغديدة وتلكيف وبرطلة  وشقلاوة وبغداد والموصل وغيرها من الامكان التي يعيش فيها ابناء شعبنا، كي نساعدهم للعيش بكرامة، نساعدهم للحصول على حقوقهم ويقرون طريقة عيشهم، لانهم خميرتنا الوحيدة التي لنا فيها الامل ان تحمي  وتحمل اسم الكلدان اذا كنا حقا نريد لبقائنا وجود بعد هذه الهجرة القسرية الكبيرة والظروف الدولية.

لنتعاون معا كلنا كمسيحيين او(ككلدانيين واشوريين وسريانيين) في تحقيق الاولويات التي تحافظ على وجود وسلامة جميعنا وجميع الشعب العراقي،  لان المسألة المطروحة امامنا اليوم هي مسألة البقاء او الزوال. وان جميعنا يعرف: ” ان الحقوق لا تُعطى بل تُؤخذ بالقوة ” .  ونحن في نفس الوقت  لا نملك اي سلاح او حلفاء او اصدقاء سوى صليبنا الذي كان ولازال على ظهرنا خلال عشرين قرن؟؟!!. فإن لم يوحدنا هذا الصليب في فهم ان مصيرنا واحد  شئنا ام ابينا ، فإننا زائلون عاجلاُ ام اجلاُ.
كل هذه المصائب الم تجعلنا نعي واقعنا؟
ألم يحن الوقت لندرك الامور بواقعيتها الموضوعية بعيدا عن النرجسية والفردانية او الذاتية المريضة.

بقلم يوحنا بيداويد
ملبورن استراليا
السبت 3 اذار 2012

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *