كردستان المنجزات والمخاطر / بقلم : سلام كبة

 

 

   من يزور المدن الكردستانية اليوم يلمس مدى التقدم الحضاري والاجتمااقتصادي الذي تشهده،الى جانب حياة الامن والطمأنينة،بعد سني الاحتراب الداخلي المشؤوم واقرار اصحاب مواقع اتخاذ القرار بخطل تلك الفترة العصيبة التي ادخلت كردستان في المتاهات وشجعت على مغازلة النظام المقبور مرارا!واذ يفتخر ويعتز الشعب العراقي بالتجربة الكردستانية،فانه يحذر من المخاطر التي تواجهها،وفي المقدمة آثار سياسة الليبرالية الاقتصادية الجديدة والتنفيذ الاعمى لوصفات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي!الى جانب ثمن المحاصصات الطائفية والقومية والصفقات الذاتية البعيدة عن مصالح الشعبين العراقي والكردي والتوجه الديمقراطي لبناء البلاد(اقرار قانون الانتخابات العراقي  والتعديلات رغم العيوب الكارثية ..)،ومحاولات زعزعة الاستقرار وتغذية النزاعات بالتدخلات الاقليمية الايرانية والتركية الفاضحة!

   ويتسم التمايز الطبقي في كردستان العراق بالتشوه الاجتماعي العام والنهوض المتنامي للعلاقات الاقطاعية وشبه الاقطاعية والرأسمالية،وازدياد نفوذ النخب الكومبرادورية والطفيلية!ولا زال الاستقطاب الثنائي يأخذ مجراه،عبر ميل شريحة صغيرة عليا لتكديس الموجودات والأموال،وهي تشمل التجار والمهربين وبعض الكوادر والنخب السياسية والعسكرية في الأحزاب،مقابل شريحة سفلى عريضة واسعة ذات مستوى دخل ومستوى معيشة ينخفضان باستمرار مع تغلغل العلاقات الرأسمالية في المجتمع الكردي،وتشمل الأغلبية الساحقة من السكان.قانون رقم(90)لعام 1975 مهمل،ولم تبادر الحكومة الاقليمية الى وضع اليد على الاسباب الحقيقية لاخفاقات السياسات السعرية والتسويقية وتفتت الملكيات الزراعية والاخفاقات في التنمية الزراعية!وهي لم تدرس اوضاع الملكية الزراعية واتبعت سياسات زراعية انتقائية بسبب النفوذ الحزبي والعشائري!وسادت الأستثمارة الفلاحية الصغيرة حسب تعليمات رقم (2) لسنة 1992 الصادرة من الجبهة الكردستانية ووزير الزراعة والري حتى يومنا هذا مما اضر بالانتاج الزراعي في كردستان!

  الفجوة في بنية الاقتصاد العراقي والكردستاني تزداد بين التوسع في الانشـــطة المالية والتجارية من ناحية،والركود في مجال الانشـــطة الانتاجية والتصديرية من ناحية اخرى.وانعكس ذلك بدوره على مستوى توزيع الدخول والثروات،ليزداد الفقراء فقرا نتيجة ضعف فرص التوظيف المنتج وخفض مستويات الدخل والادخار للغالبية العـظمى من السكان،وليزداد ثراء ورفاهية الطبقة المرتبطة بانشطة التجارة والمقاولات والمضاربات العقارية،والخدمات المالية والوكالات التجارية والحصرية والانشطة الفندقية واقتصاد الصفقات- السمسرة في الصفقات وعقود التوريد(الكومبرادور)والتهريب،والمرتبطة بالرأسمال التجاري والمضارب ذي الطابع الطفيلي المرتبط بوشائج مختلفة بالرأسمال الاجنبي،وهي تقبع على قمة توزيع الدخول والثروات.بينما تكافح الطبقة المتوسطة  للحفاظ على مستوى معيشي محترم والتمتع بالحد الادنى من الحياة الكريمة!نعم،تستجد ظاهرة الاستقطاب الحاد بين الاغنياء والفقراء لان الفقر المدقع هو الوجه الآخر للعملة،اي الثراء الفاحش.

   وتعاني الحكومة الكردستانية مع محاولات استخراج النفط من بعض الحقول في كردستان العراق،من قصور في الفهم ان القضية النفطية ليست مجرد عمليات تجارية،انها جوهر قضية التحرر الوطني والاجتمااقتصادي في العراق وكردستان.ان الموقف من  القضية النفطية هو الذي يحدد ماهية اية حكومة او مؤسسة سياسية ومنظمة مجتمع مدني ودرجة ارتباطها باهداف الشعب في التحرر الوطني الديمقراطي والتخلص من الاحتلال والهيمنة والتبعية والتخلف والاستغلال،وفي المضي قدما في طريق التقدم الاجتماعي.من هنا واصلت القوى السياسية الديمقراطية في بلادنا اعتبار القطاع النفطي قطاعا استراتيجيا ينبغي ان يظل ملكية عامة،لاسيما المخزون النفطي،واعتماد سياسة نفطية عقلانية بما يقلل تدريجيا من اعتماد الاقتصاد العراقي على عوائد تصدير النفط الخام،والحفاظ على الثروة الوطنية من الهدر،وضمان حقوق الاجيال القادمة منها.

  من جهتها،لم تصحح القوى الكردستانية اوضاعها الداخلية بالتعامل الحازم العقلاني وتنوير الرأي العام العراقي بالأسباب التي ساعدت على بقاء العناصر التي خانت احزابها الوطنية وعملت لصالح الدكتاتورية المنهارة حتى سقوطها،داخل الأحزاب نفسها وفي المؤسسات المدنية والأهلية الكردستانية والعراقية وفي مؤسسات الدولة الكردستانية رغم تمتع اقليم كردستان بالملاذ الآمن منذ عام 1991 الأمر الذي خلق الارباكات امام القوى السياسية العراقية الفاعلة المكافحة لاسقاط النظام المقبور.وليس خافيا على هذه القوى ان وسائل الابتزاز المتجددة دوما يمكن ان توظف هؤلاء لأغراض تجسسية وارهابية تتناسب مع المصالح المتنامية للرأسمال الأجنبي والاستثمارات الخاصة والمؤسسات العصبوية وبالاخص القبلية والطائفية،وبالتالي تحويل المواطن الى دمية يمكن شطبها من اجل اوهام جماعات حالمة نافذة وتبيح قتله من اجل احلام رخيصة!

   ليس مستغربا ان تعرقل الطائفية السياسية الحاكمة في بغداد تنفيذ المادة(140)،رغم الجهود المشكورة للجنة ذات العلاقة في سبيل تنفيذ المهام الموكلة لها!وقد كانت العقبات كثيرة باتجاه تأجيل تطبيع الأوضاع في كركوك وتجاهل الحقوق المشروعة للكرد ومراعاة مصالح دول الجوار ومصالح القوى الطبقية المتضررة من التقدم الاجتماعي في كردستان العراق على تلاوينها القومية والطائفية والقبلية.

   لقد حققت التجربة الكردستانية العراقية المنجزات على صعيد الحقوق القومية وتوفير الأمن والاستقرار،وتنتظرها الكثير من المهام الاجتماعية والاقتصادية  لتوفير الخدمات ومعالجة قضايا البطالة ومكافحة الفقر والفساد،وتردي العملية الانتاجية وتأمين انتعاشها وضمان حقوق الكادحين في المدينة والريف،وتطوير الحياة الثقافية وكل ما يساعد على الحياة الحرة الكريمة الآمنة للمواطنين.واثبتت التجارب السابقة فشل محاولات فصل القضية الكردية عن الديمقراطية لعموم العراق وسط خارطة الظروف الموضوعية المعقدة التي تحيط بالقضية الكردية بشكل عام.

 

بغداد

28/6/2010

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *