في يسوع تَتِمُّ نبوءة إشعيا

” فعلم َيسوع وانصرف من هناك، وتبعَه خلقٌ كثير فشفاهم جميعاً ونهاهم عن كشف أمره ليتِمَّ ما قيل على لسان النبيِّ إشعيا: هُوَذا فتاي الذي اخترتُه حبيبي الذي عنه رضيت، سأجعل روحي عليه فيُبَشِّرَ الأمَمَ بالحق. لن يُخاصِمَ ولن يصيحَ ولن يسمعَ أحدٌ صوتَه في الساحات. القصبة المرضوضة لن يَكسِرَها والفتيلةُ المُدَخِّنةُ لن يُطفئها. حتى يسيرَ بالحقِّ الى النصر وفي اسمِه تجعلُ الأمَمُ رجاءَها. ” (متَّى12: 15 – 21).

1 – انصرف يسوعُ عنهم لِعِلمِه بخبثِهم ورأى فيهم عدم استحقاقِهم ليبقى معهم، فرفضُهم له هو رفضٌ للحياة التي هي مُلكُه! 2

2 – لم ينصرف لأنَّه خافهم بل لآنَّ ساعتَه لم تكن قد حانت، ولكنَّه عند إنهائه تعاليمَه وإتمامِه لرسالتِه،  وعلِمَ بدنوِّ ساعتِه، قَرَّرَ الإنطلاق الى اورشليم ” ولما حانت أيامُ ارتفاعِه عزم على الإتجاه الى اورشليم ” (لوقا9: 51).علينا أن نتعلَّم من تصرُّف المسيح، إذا شعرنا بأنَّ الشرَّعلى وشك أن يُداهمنا فعلينا أن نتحاشاه بالهروب مِن وجهِهِ. الفريسيون والكتبة لم يقبلوا يسوع وراحوا يسعون الى قتله، أما هو فلم يبخل بحبِّه للجموع التي تبعته فشفاهم جميعاً.

هُوَذا فتاي! صرخ إشعيا النبيُّ مُشيراً الى تجسُّدِ المسيح، متواضعاً، وديعاً، مليئاً بالروح مُسالماً، غيرَ مُخاصمٍ! ولا يستسيغ الصياح في الشواع والساحات لأنَّ قلبَه يَفيض بالحب لأبناء خليقته، ليس هدفه زَجرهم، مُقاضاتهم، جاء لإنتشالهم وتحريرهم من عبودية الخطيئة!

قصبة مرضوضة لا يكسِر! لا يُريد للخاطيء أن يَيأس بل أن يتشجَّع ويندم ليصير إنساناً جديداً مُفعَماً بالأمل. فتيلة مُدخنة لا يُطفيء! كُلُّ مَن خَمَدَت نارُ النعمةِ في داخلِه يُضرِمُها، إذ للخلاص جاءَ الى العالَم وليس للإنتقام، للهدايةِ من الضياع والعودةِ الى المُصالحة مع الله! طريقَ الحقِّ يختارُ في مسيرتِه حتى يفوزَ بالنصرِ على أعدائه، ويكون اسمُه قبلةً للأُممِ، فيه تُعلِّق رجاءَها!.

يسوع وبَعَل زَبول

” وأتَوهُ برجل ممسوسٍ أعمى أخرس، فشَفاهُ حتى أنَّ الأخرسَ تكلَّمَ وأبصر. فدهِشَ الجموعُ كُلُّهم وقالوا: أتُرى هذا ابنَ داود؟ وسَمِعَ الفريسيون كلامَهم فقالوا: إنَّ هذا لا يطرُدُ الشياطين إلاَّ بِبَعَل زبول سَيِّدِ الشياطين. فعَلِمَ يسوعُ أفكارَهم فقال لهم: كُلُّ مملكةٍ تنقسِمُ على نَفسِها تَخرُب، وكُلُّ مدينةٍ أو بيتٍ ينقسِم على نفسِه لا يَثبُت. فإن كان الشيطان يطرُدُ الشيطان، فقد انقسم على نفسِه، فكيف تثبُتُ مملكتُه؟ وإن كنتُ أنا بِبَعَل زبول أطرُدُ الشياطين، فبِمَن يطرُدُهم أبناؤكم؟ لذلك هُم الذين سيَحكُمون عليكم. وأما إذا كُنتُ أنا بروح الله أطرُدُ الشياطين، فقد وافاكم ملكوت الله. أم كيف يستطيعُ أحدٌ أن يَدخُلَ بيتَ الرَّجُلِ القويِّ وينهَبَ أمتِعَتَه، إذا لم يُوثِّق ذلك الرَّجُلَ القويَّ أولاً؟  وعِندئذٍ ينهَبُ بيتَه. مَن لم يكُن مَعي كان عليَّ، ومَن لم يَجمَعْ مَعي كان مُبَدِّداً. لذلك أقولُ لكم: كُلُّ خطيئةٍ وتجديفٍ يُغفَرُ للناس، وأما التجديفُ على الروح، فلَن يُغفَر. ومَن قال كلمةً على ابنِ الإنسان يُغفَرُ له، أما مَن قال على الروح القدس، فلَن يُغفَر له لا في هذه الدُّنيا ولا في الآخرة. ” (متَّى12: 29 – 32) يُقابلُها (مر3: 22 – 30 ولوقا11: 14 – 23).

ما أروَعَكَ وأبهاكَ يا ابنَ الإنسان! أتَوكَ برَجُلٍ قد نالَ مِنه الشيطانُ حتى أعماه وأخرسَه، فشَفَيتَه وأعَدتَ له النطق والإبصار، فجازاك الفريسيون بالإفتراء والإتِهام مدفوعين بالغيرة والحسد، بأنَّ هذا الإحسان بطرد الشيطان تَمَّ عن طريق سَيّدِ الشياطين الذي أطلقوا عليه”بَعَل زَبول” يا لخُبثهم وبُعدِهم عن الله! لكنَّك أيها الربّ كان رَدُّكَ على الحاقدين، وعظاً بليغاً وطويلاً أخزاهم أمام الجموع الذين أدهشتهم المُعجزة فهتفوا قائلين: أتُرى هذا ابنَ داود؟ فكان هذا الهُتاف مصدر قلقٍ رهيبٍ دفع اولئك  الشرير الخطيئة، لأنَّ الشيطان لم يَعُد باستطاعتِه أن يتملَّك الإنسان ويسكن فيه في العهد الجديد الذي بدأ بمجيئك الى العالم، فغلبتَ العالم والشيطان! ولكنَّ الشيطان لا يزال يعمل في الخفاء بدهاء يُغوي الإنسان مُحاولاً سلبَ ذِهنِه وإعماءَ بصيرتِه الروحية لكي يَحرمَه من رؤية ما وعدتَّه أنتَ من البركات الروحية، ويُخفي عنه ايضاً رؤية بشاعة الهلاك الأبدي، ويجعله أن ينصبَّ اهتمامُه على الملذات العالمية الزائلة، وبذلك يُلهيه عن الإعتراف بذنوبِه والتوبة عنها، فيرجع إليك أيها الرب يسوع لتُريحَه. بهذه المُعجزة حطَّمت مملكة الشيطان، وعلَّمتَ درساً للإنسان ليجعلَ بكَ رجاءَه فتحميه من أحابيل الشيطان عدوِّ الإنسان. كان أيها السيد الرب توبيخُكَ لأُولئك المغرورين حاسماً ومُفحِماً ” وإن كُنتُ ببعل زبول أطرُد الشياطين، فبِمَن يطردُهم أبناؤكم ” ويقصُد الربُّ بهذا الكلام تلاميذَه وهم أبناء الشعب اليهودي، وقد أرسلهم الى مدن بني اسرائيل ليُعلنوا بشارة الملكوت، فكانت الشياطين تخضع لهم باسمِه انظر (متَّى10: 8 ولوقا10: 17) ما كان التلاميذُ كبارَ القوم، بل صيادي سمكٍ بسطاء استمدوا قوَّتهم من مُعلمهم يسوع فصاروا شهوداً لبِرِّه وقدرتِه ومحبتِه! وسيكونون قضاة عليكم أيها المُصابون بالعمى الروحي الذي يمنعكم مِن معرفة المسيّا الآتي باسم الرب ! “ولكن إنْ كنتُ أنا بروح الله أطرد الشياطين، فقد وافاكم ملكوت الله ” وبهذا يقول للفريسيين المتكبِّرين الأغبياء، أنا أطرد الشياطين بروح الله وكُلُّ ما افعله من مُعجزات يَتِمُّ بقوة روح الله. لم يشأ الرب يسوع القول: أنا أُطرد الشياطين بقوتي الذاتية فقد لا يطمئنَّ السامعون لهذا القول لأنَّهم لم يكونوا قد عرفوا مَن هو المسيح بعد، فأراد التأكيد لهم بأنَّ الله هو مصدر قوته وليس الشيطانُ كما افترى الفريسيون.

أم كيف يستطيع أحدٌ أن يدخل بيت الرجل القوي، وينهب أمتعته، إن لم يوَثِّق ذلك الرجل القوي؟ وعندئذً يَنهَبُ بيته. أليس هذا دليلاً بأنَّ يسوع طَرد الشيطان بسلطانه لأنَّه أقوى منه؟ إنَّ الشيطان عدوٌّ شرسٌ للإنسان، فإذا استطاع تملُّكَ الإنسان يسلب منه كُلَّ ما يملكُه مِن حريةٍ وإرادة وتفكير، جاعلاً إياه عبداً له، يتحكَّمُ فيه على هواه. فمجيء المسيح كان صدمة وضربة قوية لكسر شوكة الأبالسة. مِن على الجبل بدأ يسوع خِصامه العنيف مع الشياطين وحسَمَه على الصليب، وبعد الصليب ربطهم لمنعهم من تملُّكِ الإنسان “بل أهبطهم أسفل الجحيم وأسلمهم الى أحابيل الظلمات حيث يُحفظون ليوم الدينونة ” (2بطرس2: 4  ورؤا20: 1-3).

مَن لم يكن معي كان عليَّ، ومَن لم يجمع مَعي كان مُبَدِّداً. ليس هناك موقفٌ وسطيٌّ أو حياديٌّ ولا خيار للإنسان باتخاذ مثل هذا الموقف فإما أن يكون مع المسيح الربّ ضِدَّ الإبليس أو يستسلم لإغوآت الإبليس ويخسر المسيح، ولذلك، فالى الإخوة القراء الأعِزاء أُوجِّه هذا الكلام، هل سيكون خيارُنا كخيارالمندهشين بمُعجزة شفاء الأعمى الأبكم فنقول “أتُرى هذا ابن داود؟” أم نتشبَّه بالفريسيين الذين جَدَّفوا على يسوع الرب ورفضوه؟ وكُلُّ مَن يُحاول أن يجمع بمعزل عن المسيح يكون عمله تبديداً. المسيح واحدٌ وأسَّسَ كنيسةً واحدة، وبنى الكنيسة على أيمان شمعون الصخر وجعله على رأسها (متّى16: 18-19) وراعياً للخراف (يوحنا21: 15 – 17). ليس هنالك حلٌّ وسط مع المسيح، إما أن تكون مع المسيح أو ضِدَّه! جاء المسيح لمصالحة أبناء البشرمع الله، فوقف الفريسيون بالضِدِّ مِن مسعاه منحازين الى جانب الشيطان.

لذلك أقول لكم: كُلُّ خطيئةٍ وتجديفٍ يُغفرُ للناس، وأما التجديفُ على الروح، فلن يُغفر. ومَن قال كلمةً على ابن الإنسان يُغفَرُ له، أما مَن قال على الروح القدس، فلن يُغفرَ له لا في هذه الدنيا ولا في الآخرة. (متَّى12: 31 – 32) يُقابلها (لوقا12: 10).

في الحقيقة إنَّ العدوَّ الشرير ولكي يُحطِم معنوية بعض رُخاة الإيمان زارعاً الشكوك في نفوسهم، يُحاول اسغلال هذه الآيات ويُصوِّر لهم بأنَّ أفكارهم ينتابُها تجديفٌ على الروح القدس، وبناءً الى هذه الآيات فإنَّهم لن يحصلوا على الغفران، وهدفه من ذلك قطع رجائهم وإدخالهم في دائرة اليأس. إنَّ التجديف على الروح القدس مارسه الفريسيون رافضو الروح القدس عندما جَدَّفوا وقالوا بأنَّ يسوع يطرد الشياطين ببعل زبول سيد الشياطين وليس بروح الله.. ولكننا أيها الإخوة القراء، إذا اعترفنا بخطايانا مهما كانت كبيرة ومُميتة وندمنا عليها ندامة حقيقية، فإنَّ الله البار والأمين يغفر لنا خطايانا ويُطهِّرنا من كُلِّ إثم. (1يوحنا1: 9). أيها الإخوة إنَّ الروح القدس هو الذي يُبكِّت على الخطيئة (يوحنا16: 8). فإذا أصَرَّ الإنسان على مقاومة تبكيت الروح القدس فيتخلَّى الروح عنه، ولذلك حذَّر رسول الأمم بولسقائلاً: ” لا تُطفِئوا الروح ولا تُحزنوا الروح ” فإذا انطفأ الروح في فكر الإنسان بسبب العناد “على مِثال الفريسيين” سيغدو غير قادرعلى تقديم التوبة لإنقطاع صوت الروح القدس عنه، وإذ يبقى بدون تقديم التوبة لن يحصل على غفران الخطابا، وهذا هو التجديف على الروح القدس بالنسبة للإنسان المسيحي الذي ذاق كلمة الله الطيِّبة… لا يُغفر (عب6: 4-6) أما بالنسبة لغير المؤمنين بالمسيح فإنَّ كُلَّ ما ارتكبوه من الخطايا تُغفر لهم عند ايمانهم بالمسيح مُخلِّصاً!.

الشماس د. كوركيس مردو

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *