غـبطة الـﭘاطريرك لويس ساكـو ، إنك لا تهـدي مَن أحـبـبت حـتى يغـيّـروا ما بأنـفـسهم – بقـلم : مايكـل سـيـﭘـي / سـدني

إن مأساة أهـلـنا المسيحـيّـين في العـراق ـ وغـير المسيحـيّـين ـ باتت واضحة منـذ السنـوات الأولى لسقـوط الـنـظام السابق والتي تـتـطورت سلبـياً وإرهابـياً حـتى أحـداث الموصل الأخـيرة والممتـدة مع الأيام إلى مساحات أوسع في سنجار وزمار وقـصف تـلكـيف لاحـقاً ، وربما لا سمح الله أماكـن أخـرى سيسجـلها التأريخ لـنا في الأيام المقـبلة والأخـبار المتعاقـبة والتـوقـعات تـشهـد عـلى ذلك ………. ونحـن كـمسيحـيّـين وُلِـدنا وتـرعـرعـنا عـلى أرض آبائـنا وأجـدادنا من زاخـو إلى حـدود الكـويت ! يهمنا شعـبنا المسيحي خـصيصاً بسبـب الظروف المؤلمة المحـيطة به والمفـروضة عـليه إنـتـقائياً ، وفي ذات الوقـت كـمواطنين عـراقـيّـين يهمنا كـل العـراق وإخـوتـنا المواطنين الساكـنين عـلى أرضه ، لكـن الظروف المعـروفة لـدى الجـميع منـذ زمن جـعـلتـنا نـتـوقع السيء فإضطرتـنا وهاجـرنا وكان توقـعـنا صحـيحاً ، وها هـو الأسـوأ يأتينا الـيوم ، ومسيرة الهجـرة تستمر إلى أجَـل مجهـول الخاتمة رغـم أن ملامحها تـقـود إلى إستـنـتاجات مقـلقة سبق أن نـوّهـنا عـنها في مقال منـشور في 4/4/2006 ……… !.

إن قـضية المسيحـيّـين وبـداية تهجـيرهم عـنـوة بملابسهم من بعـض مناطق بغـداد ، ثم أخـيراً من الموصل بأشـد قـسـوة ، صارت مادة صحـفـية وإعلامية دسمة في مراكـز إخـبارية واسعة من دول العالم عـلى مستـوى منـظمات وقـيادات وشخـصيات ثـقافـية دون أن تكـون هـناك بشأنها ردود فـعـلية عـملية رسمية من الحـكـومات تـناسب مستـواها الكارثي المعـلن والموثـق بالصورة والخـبر .

ولا يخـفى عـلى أحـد أن أغـلب المواسين والمعـبِّـرين عـن إستـنـكارهم لهـذه الجـرائم بكـل مستـوياتهم ومنابعهم والـذين أبـدوا إستعـدادهم بقـدر إمكانياتهم للمساهـمة في معالجة أو تخـفـيف وقع هـذه الأزمة ومساعـدة أبناء شعـبنا المسيحي المُعـتـدى عـليه ، كانت إتـصالاتهم ومراسلاتهم وزياراتهم وعـروضهم ومكالماتهم كـلها مع المرجع الـديني الكـلـداني الأعـلى غـبطة ﭘـطريرك الكـلـدان مار لـويس ساكـو وليس مع أي مسؤول مسيحي آخـر ، ديني كان أم عـلماني والأسباب واضحة فالغالبـية العـظمى من أبناء شعـبنا المسيحي المهجَّـرين من الموصل الـذين حـلـَّـتْ بهم الكارثة هم الكـلـدان مع بعـض الإخـوة السريان لكأـنـنا إعـتـدنا أن نـقـول المسيحـيّـين عامة ، كما أن أغـلب الـذين تحـمّلوا متابعة هـذه المأساة المفجعة في شعـبنا المسيحي كان غـبطة ﭘـطريرك الكـلـدان ومعه المطارنة الكـلـدانيّـين .  

ورغـم جـسامة الموقـف ومحـدودية الإمكانيات المحـلية لتجـنـب أو القـضاء عـلى الإرهاب المـدعـوم والمبرمج مِن قِـبَـل قـوى دولية مجهـولة أو معـروفة فإن المرء لا يمكـنه الوقـوف مكـتوف الـيـدَين بل يتحـرك ويصرخ وينادي ويطـلب ويـدين ويستـنجـد ، إنها ردود فـعـل طبـيعـية غـريـزية هـدفها الـتـنـفـيس عـما هـو مكـبوت لـدى الإنـسان والتعـبـير عـن الخـوف والمعاناة والعجـز أمام مظلومية وكارثة بهـذا المستـوى عـسى أن تـلقى خلاصاً ، وإيصال الصوت المحـتج إلى أصحاب السلطة والقـرار في العالم ، وإلى أية أذن صاغـية من أجـل تحـريك الضمير للإقـدام عـلى فـعـل ما لمعالجة هـذا الموقـف المتأزم .  

إن الإرهاب موجَّه ضد المسيحـيّـين عامة كـشعـب مسيحي وعـليه فالمعاناة مسيحـية وردود الفـعـل الصارخة مسيحـية ، وهـكـذا كانت المظاهـرات التي نـظمها أبناء شعـبنا المسيحي في بلـدان المهجـر ، واحـدة من أساليب الإحـتجاج السلمي الرسمي المسيحي في تـلك البـلـدان .

لقـد عـمَّـت مظاهـرات شعـبنا المسيحي في أماكـن عـديـدة من العالم سـواءاً كانت بـدعـوة كـنسية أو من إتحادات وتـنـظيمات عـلمانية ولكـن طابعها كان مسيحـياً دون التـطرق إلى مـذهـب كـنسي أو إسم حـزبي أو قـومي ، وهـكـذا كان تبليغ كـنيسة مار توما الرسول الكـلـدانية في سـدني منـذ يوم الأحـد 27 تموز للإشتـراك في مظاهـرة سلمية إحـتجاجـية في يوم السبت 2 آب 2014 بإسم المسيحـيّـين هـدفها إيصال صوتـنا المحـتج إلى السلطات الأسترالية عـن الجـرائم المرتـكـبة بحـق شعـبنا المسيحي في العـراق ، دون أن نعـرف ولسنا بحاجة إلى أن نعـرف ، مَن هـو القائم بهـذا العـمل الإحـتجاجي البسيط والضروري دعـماً معـنـوياً إلى أبناء شعـبنا المسيحي المظلوم .

خـرجـنا وكـلنا صوت واحـد بإسم المسيح والمسيحـيّـين لا غـير ، ولما وصلـنا إلى مكان التجـمع الرسمي لاحـظنا غـزارة الأعلام الكـلـدانية والآثـورية المرفـوعة مع لافـتات كـثيرة نـصوصها غـير مناسِـبة من كـتابة إخـوتـنا الآثـوريّـين ، وكانت بعـض الفـرق ــ الجـوقات ــ الكـنسية وقـبل بـدء الكـلمات ، ترتل بعـض التـرانيم التي تـتلى أثـناء الـقـداس وباللغة الكـلـدانية المحـكـية ، وبالإضافة إلى آلاف من المسيحـيّـين العـراقـيّـين الـذين لـبّوا الـنـداء فـحـضروا ، وعـلمنا بـوجـود داعـمين لمظاهـرتـنا من إخـوتـنا في الكـنيسة السريانية والقـبطية وكـذلك من أبناء الجالية اللبنانية ، وعـنـد ختام الكـلمات هَـمَّ المتظاهـرون بالسير نحـو مكان آخـر عـلى صوت نـشيـد صلاة باللهجة الآثـورية ، حـتى تـوقـفـتْ المظاهـرة في مكان آخـر وبعـد مـشـوار كانت النهاية .

كـيف نـقـيِّم التـظاهـرات ؟

رجـوعاً إلى ذكـريات ما قـبل سقـوط  بغـداد 9 نـيسان 2003 حـين جابت تـظاهـرات في شـوارع عـواصم ومـدن كـثيرة من العالم  لإدانة أميركا والـدول المتحالفة معها ضد عـدوانها الوشيك عـلى العـراق ، وكان هـناك بث لقاء مباشر مع المستمعـين إلى الإذاعة المحـلية في أستراليا ــ تـو إيم إي … 2ME ــ  فـشاركـتُ وقـلتُ : إن المظاهـرات هـذه لـن تجـدي نـفعاً والـدول المتحالفة لن تـتـراجع عـن تـصميمها لضرب العـراق ، وهـذه المظاهـرات المناهـضة للحـرب هي إصطناعـية …. ولما أبـدى المذيع إنـدهاشه من كلامي قـلتُ له : إنـتـظر وستـرى ! .

إن القـوى العالمية تخـطط وتـنـفـذ للوصول إلى أهـدافها وتعـرف مسبقاً بالإحـتجاجات دون أن تبالي بالمظاهـرات والكـتابات والـنـداءات ، بل أن المسؤولين عـن الشعـوب المضطهـدة عـلى عـلم بـذلك ولكـنهم لا بـد أن يـبـيّـنـوا أمام شعـوبهم أنهم ديمقـراطيون وأنَّ شعـوبهم تـتمتع بالحـرية ومن حـقهم أنْ يرفـضوا ويستـنـكـروا ويعارضوا ويحـتجـوا …. ثم يرجـعـون إلى بـيوتهم ويواصلون أعـمالهم وكأن شيئاً لم يكـن .  

تـظاهـرتـنا المسيحـية السلمية في سـدني !

في الـبـداية إعـتـلت المنـصة شابة شجاعة تـلفّ حـول أكـتافها العـلم الآثـوري وصارت تهـتـف بلغة إنـﮔـليزية جـيـدة بموضوع التـظاهـرة الـذي من أجـله حـضرنا ، وبـدأتْ تـذكـر المسيحـيّـين عامة وتـنـبَّه السلطات الأسترالية إلى التحـرك لإنـقاذهم من الإبادة الجـماعـية مؤكـدة عـلى ماذا ؟؟؟؟ ….. صارت تـؤكـد عـلى إسم الآثـوريّـين فـقـط تعـبـيراً عـن عـنصريتها بل عـنـصرية الإخـوة الآثـوريّـين الـذين لم يوقـفـوها !! وغـبطة الـﭘـطريرك ساكـو يطمح إلى الوحـدة معـهم ….. أنـظروا إلى صورة اللافـتة الأولى ، أوقـفـوا الإبادة الجـماعـية للمسيحـيّـين الآثـوريّـين …….. :

 

 

وكان هـناك فـوق المنـصة شخـص تـوهـمتُ بشعـره ، فحلاقة جـوانبه كانت لرجـل أما هامته كانت شَـدة شعـر إمرأة ، لاحـظتُه من بعـيـد يكـلم الشابة من خـلف ظهرها ويـذكـِّـرها بالأسماء الأخـرى !! فـذكـرتْ الكـلـدان والسريان لمرة واحـدة ثم رجـعـت تـؤكـد عـلى الآثـوريّـين فـقـط ….. ثم رجع ذلك الشخـص صاحـب الشعـر ونـبَّـهها مرة أخـرى إلى اللبنانيّـين فـذكـرت إسم اللبنانيّـين أيضاً …. ثم تـذكـَّـرتْ !! فـذكـرَت إسم الكـلـدان والسريان لمرتين أخـريَـين وبعـدها صار إستـنجادها للآثـوريّـين فـقـط حـتى النهاية .. إذن الآثـوريون هـم الوحـيدون المضطهـدون في الموصل بالـذات والعـراق عامة ! وعـليه فإن عـصابات داعـش تـركـز عـليهم ، ولهـذا يطالبون بمنطـقة آمنة لتـكـون لهم سميل ثانية ….. وكـنيستـنا الكـلـدانية تـرفـض أي قـفـص للمسيحـيّـين ، وغـبطة الـﭘـطريرك ساكـو يطمح إلى الوحـدة معـهم ….. لاحـظوا صورة اللافـتة الثانية : أوقـفـوا قـتـل الآثـوريّـين …. نطالب بمنطقة آمنة في وطـنـنا الآن ………..

 

 

كانت الكـلمات التي ألقـيتْ معـبّـرة وجـيـدة ولكـن حـين نـنـظر إلى التـظاهـرة وهـدفها ، نعـلم بأنها ليست لـنا كي نسمع كـلماتها نحـن المسيحـيّـون العـراقـيّـون بل هي صوتـنا نـوصِله إلى الأستراليّـين ، والأستراليون لا يعـرفـون لغـتـنا ــ السورث ــ ولا اللغة العـربـية !! إذن يجـب أن نـكـلمهم بلغـتهم كي يعـرفـوا ما الـذي نريـده منهم ، لـذلك لا جـدوى من الكـلمات التي ألقـيت بلغـتـنا سورث البـيتية ولا العـربـية إلاّ تلك التي كانت باللغة الإنـﮔـليزية …….  وقـد لاحـظـتُ فـقـرة وردتْ في كـلمة أحـد الإخـوة الآثـوريّـين قـوله : أن إضطهاد الآثـوريّـين بـدأ في عام 1933 !!! وهـنا تكـمن العـنـصرية مرة أخـرى ، وغـبطة الـﭘـطريرك ساكـو يطمح إلى الوحـدة بـين أناس ناضلـوا وكافحـوا وإستـشهـدوا ، وأناس آخـرون لم يـذوقـوا من مرارة الزمن شيئاً أبـداً بل كانـوا جالسين عـلى أريكة في حـديقة تهـب عـليهم نسائمها الناعـمة ويستـنـشقـون رياحـين الزهـور ….. لاحـظـوا صورة اللافـتة الثالثة ، أوقـفـوا الإبادة الجـماعـية للآثـوريّـين .

 

أنا لا أريـد مناقـشة هـذا الـتاريخ 1933 هـل هـو بـداية إضطهاد الآثـوريّـين أم لا ، ولكـن أتـساءل ما الـذي نريـده من أستراليا بشأن معالجة أحـداث ذلك التأريخ ؟ ثم إذا كان هـناك تعـويض عـمن إستـشهـد من إخـوانـنا الآثـوريّـين في تلك السنة ، فإن المجاميع التي لجأت إلى ألقـوش وتم إنـقاذها بشجاعة الشباب الألقـوشيّـين وﭘاطريركها الألقـوشي الكـلـداني الشجاع المرحـوم عـمانوئيل تـومكا ، لا تستحـق التعـويض عـلى أساس أنها أنـقِـذتْ وسلمتْ عـلى حـياتها !!.

ونـقـول لغـبطة الـﭘـطريرك مار لويس ساكـو : يا سـيـدنا ، إن الجـماعة لا يريـدون الـوحـدة مع الكـلـدان ولا مع الكاثـوليك ، وقـد رأيت بأم عـينـك وسمعـتَ بأذنـك ولمستَ بأصابعـك في زيارتـك أنهم لا يريـدون الـوحـدة ؟ وفي طموحـك الصادق والـنـزيه الـذي عـبّـرتَ عـنه في رسالتـك إلى أستراليا في 17/5/2013 وقـلتَ فـيها :

1- أن لـقاءاتـك كانت عـيـداً ونـقـطة إرتـكاز وإنـطلاق . 2- من لا يعـمل من أجل الوحـدة هـو غـير مسيحي …………..

تـبـدو كـمن يكـتب عـلى الماء فلا ولن تـقـرأ شـيئاً ….. إنك لا تهـدي مَن أحـبـبت حـتى يغـيّـروا ما بأنـفـسهم ، ولن يغـيّـروه !! قابل هـيّة ﮔـوّة ؟ أنـظر إلى لافـتـتهم الرابعة مكـتـوب عـليها : أوقـفـوا إنـقـراض السكان الأصليّـين الآثـوريّـين في العـراق …..

 

 

 

 

 

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *