غزو العراق يحصد أرواح 10 الاف عالم واكاديمي من مختلف التخصصات


العرب اليوم – احمد صبري
100 الف عالم واكاديمي ودبلوماسي وطبيب وعسكري عراقي محرومون من حقوقهم المدنية
الاجتثاث والاستهداف يحول دون عودة آلاف النخب العراقية الى الوطن
عبدالعزيز الدوري لم يحصل على راتبه التقاعدي
لم يعرف العراق هجرة ابنائه الى الخارج منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 غير ان الاحداث السياسية التي مر بها خلال العقود التي تلت تأسيس الكيان العراقي دفعت الآلاف من علمائه ونخبه الى مغادرة العراق إما بحثا عن فرصة عمل او تفاديا للقتل والخطف والاعتقال.
موجات هجرة العقول العراقية بشتى اختصاصاتها بدأت محدودة خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي حتى اتسعت خلال الحرب العراقية الايرانية 1988/1980 مرورا بحرب الخليج الثانية 1991 .
غير ان اعداد المهجّرين من نخب العراق وكفاءاته تصاعدت بشكل لافت حتى بلغ ذروته بعد احتلال العراق عام 2003 .
وسجلت الاعوام التي تلت الغزو-تحديدا خلال فترة العنف الطائفي في الاعوام 2006/2005 /2007 ومازالت رغم انخفاض منسوبها -هجرة الآلاف من نخب العراق تفاديا لاستهدافها ما دفعها للبحث عن مكان آمن لتفادي الوقوع بالمحظور .
وشهدت سنوات العنف الطائفي مقتل واختطاف نحو عشرة آلاف من نخب العراق في تخصصات الطب بكل فروعه واساتذة الجامعات والعسكريين والدبلوماسيين والاعلاميين ورجال الدين .
وادى هذا الى استهداف هذه الشرائح التي كانت عمود هيكل الدولة العراقية وديمومة استمرارها الى مغادرة العراق الى دول الجوار العربي واوروبا وامريكا وكندا وبريطانيا بحثا عن ملاذ آمن ومستقر .
وطبقا لاحصائيات متطابقة فقد بلغ عدد العراقيين ومن ضمنهم النخب والكفاءات والعلماء الذين هاجروا الى دول الشتات بعد غزو العراق نحو اربعة ملايين توزعوا على قارات العالم .
ورغم ان التطورات السياسية التي تشهدها بعض الدول التي تستضيف العراقيين ومصاعب الحياة الاقتصادية فقد فضل الآلاف منهم العودة الى البلاد رغم مخاطر العودة ومشاكلها.
وما يزيد من مصاعب واشكالية اوضاع الكفاءات والنخب العراقية الموجودة في الخارج حرمانهم من حقوقهم االمدنية و خاصة التقاعدية التي كفلتها القوانين العراقية الامر الذي دفع الآلاف منهم الى العزوف عن تلبية دعوات السلطات العراقية العودة الى الوطن
وهنا نتوقف عند حالة الدكتور عبد العزيز الدوري مؤسس جامعة بغداد واحد ألمع علماء العراق الذي قدم خدمات جليلة للتعليم العالي في العراق فقد توفي ولم يحصل على حقوقه وراتبه التقاعدي رغم تخرّج آلاف السياسيين على يديه .
وامثال الدوري الآلاف لا سيما بعض رموز المؤسسة العسكرية العراقية الذين دافعوا عن العراق وعروبته فضلا عن علماء بالمعرفة والفنون والاثار والعمارة التي تتعلق بتاريخ العراق القديم والحديث.
رغم ان أقران النخب والكفاءات العلمية الموجودين في العراق ازدادت رواتبهم بشكل لافت الا ان اجراءات الاجتثاث والاقصاء حالت دون حصول الآلاف منهم على حقوقهم وشكلت عائقا امام عودتهم الى البلاد .
يقول الاستاذ الجامعي الدكتور حازم طالب مشتاق الذي تخرج من جامعة اكسفورد ونال شهادة الدكتوراة بالفلسفة اليونانية القديمة غادرت العراق الى الاردن عام 1993 لاسباب قاهرة واقمت فيها ومازلت واعمل حاليا استاذا في جامعة الاميرة سمية للتكنولوجيا بلغت خدمتي الجامعية 50 عاما قضيتها متنقلا بين الجامعات العراقية ورغم متابعاتي مع الجهات ذات العلاقة بعد موافقة وزارة التعليم العالي وجامعة بغداد كلية الاداب على ترويج معاملة حقوقي المدنية خاصة التقاعدية لتسديدي للاستقطاعات التقاعدية عن تلك السنوات الا ان المعاملة توقفت والسبب برأي مشتاق ان جهاتا لم يسمها حالت دون حصوله على حقوقه التقاعدية مشيرا الى هذه العوائق لا تساعد وتدفع النخب والكفاءات العلمية بالعودة الى العراق اضافة الى تفاقم معاناتهم بالغربة.
واوضح ان المطلوب رعاية واحتضان الكفاءات العراقية والاستفادة من خبراتهم ولاسيما ان العراق بحاجة الى خبرة هؤلاء في شتى الميادين.
اما طبيب القلب المعروف الكتور عمر الكبيسي فقد لخص معاناة الكوادر الطبية الموجودة في الشتات بأنها مشكلة كبيرة لعزوف هذه الشريحة المهمة من العودة الى البلاد خوفا من الاستهداف اضافة الى عدم وجود ضمانات حقيقية لتلبية دعوات العودة الى العراق
واجمل الكبيسي عدد الاطباء في تخصصاتهم بالشتات بنحو “30” الفا يعانون من محنة الغربة ومصادرة حقوقهم المدنية مشيرا الى ان المئات من الكفاءات الطبية سقطوا شهداء على أيدي جهات مجهولة كانت تستهدف افراغ العراق من ابنائه الذين كان لهم الدور في بنائه وتقديم افضل الخدمات الطبية للعراقيين .
وحمل الكبيسي مسؤولية معاناة واستهداف الاطباء والكوادر الطبية الاحتلال والسلطات العراقية التي قال انها اخفقت في تأمين عمل الاطباء ورعايتهم وتوفير الامن .
وتحمل عالمة الفيزياء ابتهال عبدالله الاحتلال مسؤولية استهداف العلماء والنخب والكفاءات والعراقية لانه كان احد اهدافه هو القضاء على البنية التحتية للدولة العراقية وافراغها من عقولها وأدواتها التي كانت صمام امان لاستمرارها.
واضافت ان معاناة النخب العراقية في الخارج تكمن بالاجراءات التعسفية التي اصدرتها سلطة الاحتلال التي حرمت الالاف منهم من حقوقهم المدنية التي كفلتها القوانين المدنية. وشرعة حقوق الانسان اضافة الى العمليات المنظمة لاستهداف النخب العلمية بكافة فروعها
بدورها القت مؤسسة رعاية وحماية النخب والكفاءات العلمية العراقية الضوء على هذه الشريحة وأنماطها واتجاهاتها، واستعراض تطورها والتحري عن أسباب الهجرة وأضرارها، و المعالجات لهذه الظاهرة للحد منها أو تخفيفها وعكس اتجاهها.
تعد هجرة العراقيين إلى الخارج، بأعداد كبيرة، ظاهرة حديثة إذ لم يعرف تاريخ العراق المعاصر مثيلاً لها باستثناء هجرة اليهود العراقيين إلى إسرائيل بعد قيامها في 1948- 1951 حيث كانت أعداد قليلة تهاجر إلى الخارج. فقد بلغ عدد العراقيين في الخارج 40984 وذلك في تعداد 1957، وانخفض قليلاً في تعداد 1965 حيث بلغ 40818 منهم 29892 في الكويت، أي بنسبة 73,3%.
هاجرت أعداد قليلة من الكفاءات العلمية في العقود التي تلت تأسيس الدولة العراقية عام 1921 بسبب ضعف دوافع الهجرة إضافة إلى قلة أعداد الطلبة الدارسين في الخارج. فقد بلغ مجموع البعثات العلمية العراقية في الخارج 9 فقط في السنة الدراسية 1922-1923 وهي أول سنة تظهر فيها إحصاءات رسمية تخص هذا الجانب. وأعلى عدد سجل في الأربعينيات كان 258 في سنة 1946-1947 وفي الخمسينيات 234 في سنة 1951-1952.
وتزايدت أعداد الطلبة الذين درسوا في الخارج ولم يعودوا بعد حركة 8 شباط 1963 ومجيء حزب البعث والقوميين للسلطة. فبلغت أعداد الذين درسوا في الخارج 6954 في كانون الثاني 1965، وتخرج 367 من معاهد التعليم العالي خارج العراق سنة 1964-1965. ويشير تعداد 1965 إلى وجود 3145 شخصاً يحملون الشهادات العالية في الخارج منهم 503 يحملون شهادة أعلى من البكالوريوس أو الدبلوم، و269 يحملون شهادة الدكتوراة في مختلف التخصصات .
ويتضح أن النسب الأعلى للخريجين العراقيين غير العائدين للفترة 1958-1970 تركزت في الدول الغربية 83% من المجموع بالأخص الولايات المتحدة وألمانيا الغربية سابقاً وبريطانيا. وتراوحت نسبة التخصصات العلمية من المجموع لغير العائدين بين 66,7% في الدول الاشتراكية و92,1% في ألمانيا الغربية.
وطبقا للمؤسسة المذكورة التي استندت اليها الدراسة فان اليونسكو اكدت أن العراق من ضمن سبعة بلدان عربية يهاجر منها كل عام 10,000 من المتخصصين كالمهندسين والأطباء والعلماء والخبراء وأن 50% من حملة الشهادات الجامعية الأولى “البكالوريوس” في العلوم الهندسية و90% من حملة الدكتوراة هم خارج العراق .
وفي الثمانينيات ازدادت هجرة الكفاءات بسبب الحرب العراقية- الإيرانية. وقد امتنع الكثير من الطلبة الذين أكملوا دراستهم في الخارج من العودة إلى العراق في هذا العقد بسبب عدم رغبتهم في التجنيد في ساحات القتال رغم من أن الكثير منهم قد أرسل لإكمال دراسته في الخارج على نفقة الدولة.
وقد تصاعدت أعداد طالبي اللجوء العراقيين في الدول الصناعية بعد السماح بالسفر بعد توقف الحرب العراقية-الإيرانية في عام 1988. ففي عام 1989 بلغت 3901 شخص وهذا الرقم مرتفع مقارنة بالسنوات السابقة. أما في أوروبا فقد بلغت 24750 وذلك خلال الفترة 1980- 1989 موزعين في 15 دولة.
وفي التسعينيات من القرن العشرين شهد العراق هجرة كثيفة غير مسبوقة شملت الكثير من الكفاءات بسبب اجتياح الكويت عام 1990 وما نتج عنه من اندلاع حرب الخليج الثانية وفرض العقوبات الاقتصادية الصارمة على العراق، وتوجه الكثير من الكفاءات بالأخص أساتذة الجامعات إلى الدول العربية بالأخص ليبيا حيث كانت نسبة العراقيين مرتفعة بشكل لافت للنظر في جامعاتها وكذلك إلى اليمن والأردن ودول أخرى.
ويذكر التقرير انه غادر العراق بين 1991-1998 أكثر من 7350 عالماً تلقفتهم دول أوروبية وكندا والولايات المتحدة وغيرها، ومنهم 67% أساتذة جامعات و23% يعملون في مراكز أبحاث علمية. ومن هذا العدد الضخم هناك 83% درسوا في جامعات أوروبية وأمريكية أما الباقون فقد درسوا في جامعات عربية أو في أوروبا الشرقية ويعمل 85% من هؤلاء في تخصصاتهم. وهذا النزوح لعدد كبير من الكفاءات عالية المهارة في فترة زمنية قصيرة قلما شهدته بلدان أخرى.
و يقدر عدد أفراد الجالية العراقية في بريطانيا والولايات المتحدة بأكثر من نصف مليون. فطبقا لتصريح رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير في آذار 2003 بلغ عدد العراقيين في بريطانيا 350 ألفا. وعلى افتراض أن 5% من هؤلاء من الكفاءات والكوادر، فإن عدد الكفاءات العراقية في الحقول العلمية المختلفة يبلغ على أقل تقدير 25 ألف شخص. ويعمل عدد كبير من الكفاءات العراقية في الحقول العلمية المختلفة في بريطانيا والولايات المتحدة. وطبقا للسجلات الطبية البريطانية فإن عدد الأطباء العراقيين العاملين في المستشفيات البريطانية يقدر بحوالي 3000 طبيب في جميع التخصصات. و مازال عدد كبير من الكفاءات يعملون في مجالات أخرى غير مجالات تخصصاتهم.
وتشير بعض الإحصاءات إلى إن أكثر من 4000-4800 طبيب عراقي هاجروا إلى دول غربية بعد 1990. وقد أقرت الحكومة العراقية عام 1999 بأن عدد الأكاديميين وأصحاب الكفاءات العلمية الذين تركوا العراق وأقاموا في الخارج زاد على 23,000. وبسبب الهجرات الجماعية للعراقيين، وبضمنهم الكفاءات العلمية.
ويلاحظ أن سبب الهجرة لغالبية العراقيين حسب مسح اجرته المؤسسة المذكورة عام 2009 كان العنف الطائفي او البحث عن عمل فيما قدرت عدد الضحايا من الاساتذة الجامعيين بنحو 230 استاذا جامعيا عراقيا اغتيلوا منذ دخول القوات الأجنبية التي قادتها الولايات المتحدة إلى العراق وحتى ذلك التاريخ ، وقد أقر بهذا الرقم رابطة التدريسيين التي اكدت أن هناك كارثة حقيقية يعاني منها قطاع التعليم في العراق بسب عمليات الاستهداف المتكررة ،التي طالت 230 أستاذا جامعيا اغتيلوا حتى الآن نتيجة عمليات العنف التي تشهدها البلاد فيما راح 820طبيباً بين قتيل وجريح ضحايا عمليات العنف خلال تلك الفترة ما أثر بشكل سلبي ليس على عمل الوزارة فحسب بل حتى على سير الدراسة في الكليات الطبية علما أن المؤسسات الطبية التي كان يشغلها هؤلاء الأطباء أغلقت تماما بسبب الهجرة. و تراجع الخدمات الصحية في العراق.

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *