عادات وطقوس الزواج في الموصل / ليث غنيمة

يفضل أهل الموصل( البنت العاقلي المدبرة الأصيلي المصنصلي ) والمصنصلي (أي الخالية من الشوائب)، أم بيت، وأم البيت هنا تعني أن تكون ( عجاني خبازي طباخة غزّالي خياطة ونقاشي)، وبنت أوادم، والأصيلي تعني ذات الأصل المعروف، حتى لو كانت فقيرة الحال، كما كان أهل ابنت يفضلون الشاب الأصيل فقير الحال على الغني غير معروف الأصل ويقولون (خذ الأصيل ونام عالحصير)، فهم يطلبون الكفاءة في الزواج، ولا ينظرون إلى حاله بل إلى مكانة أسرته في المدينة وحسن سمعته وسمعة أهله وأخلاقه ومعاملته مع الناس، ويفضلون ابن البلد على الأجنبي (الغريب)، حتى ان بعضهم كان يغالي في هذا فلا يزوج ابنته لشاب يسكن محلة بعيدة عن محلته، وقلما كنا (بها فانه يسميها باسم أحد ابناءه ( فلانة لفلان) فلا يتقدم أحد لخطبتها ، وقد تكون المرأة بديلة بين أبناء الأقارب ، فيتزوج كل منهما أخت الثاني ويسمى هذا الزواج ( كصة بكصة) ويقولون عن زواج الأقارب فيما بينهم ( حتى لا يطلع شيء بغا ) أي خارج العائلة، أو ( حتى لا يغوح خيغنا لغيغنا) أي ( حتى لا يذهب خيرنا لغيرنا).

  • ويتشائم أهل الموصل من الزواج بالأرملة، ويقولون في هذا ( أعزب دهر ولا أرملة شهر) على أن بعضهم يقدم على الزواج من الأرملة لأسباب منها انها (من عائلة طيبة أو ذكية أو جميلة) أو غنية (عنده فلوس كثيغ) ويقولون في هذا (خذ الأغملي واضحك عليها وطلّع من جيبها واصرف عليها). واذا كبر الولد واشتغل في عمل أو مهنة ما (صاغ غجال)، فإن الأم تفاتحه في الزواج، فتصف له بعض البنات وما هن عليه من الحياء والحسن والجمال (والعدالي) فتقول له: ابني فلان, بنت بيت، ما تطلع إلا مع أمها، ما تزور( تزوغ) أحد ولا أحد (يزوغة) إلا بالمناسبات ومع امها، باب الحوش (ما كن غشعتوا)، وحين ( تطلع عالسطوح لنشر الملابس (تنشغ الحواس) تكون ليبسي عبايي)، كتافها ما كن غشعوا الشمس، خاتون بنت خاتون، وكل من ياخذها ينسعد بيها، تريح قلبو، وترتب بيتو، وهيه بنت فلانة، وامها معروفي بالتدبير والحسن والأخلاق، وامها ( ام بنين) وزوجها مسعود بيها ومثل ما يقول المثل (حزّ البصلي واشتمه, البنت تطلع مثل امه) ، أو ( كب الشغبي على ثمه .. البنت تطلع على امه)، أما الأب فانه يفضل بنات اخوته وأهله، فيقول لإبنه: ابوها وامها من عدنا والمثل يقول ( الطين من هالطين والكعكي من هالعجين) .

    هذا الكلام يدور في الأمسيات الموصلية داخل العائلة، فإذا كان الشاب قد اقتنع بالزواج من احدى قريباته فإنه يصغي لحديث أمه ووالده ولا يعترض وإن هو لم يرغب باحدى قريباته فإنه يقاطع كلامهما مبديا عدم ارتياحه من الكلام الذي يتكرر كل أمسية، وانه لا يرغب بالفتاة التي يصفونها له، فتثور ثائرة الأم وتقول له: ابني (بنت خالك أو / بنت عمك/ معروفي عدنا ومعلومي أخلاقها، وهي من لحمنا ودمنا ومثل ما يقول المثل (الما ياخذ من ملتو يموت بغير علتو) فإن امتنع الولد، تبدأ المشاكل في البيت وتبدا الأم بتعداد الجيران أو انها تقوم بدعوتهم إلى البيت بحجة مساعدتها في بعض أعمال البيت، فيتسابقن إليها وهن متزينات كل واحدة تريد إظهار مهارتها أمام أهل البيت، لعل هذا يكون شفيعا لها عند الولد فإما أن ( تصيد المصيدة ) واما ل ، وتعاد الكرة في المساء فتبدأ الأم تردد على أسماع ابنها ما ( لفلانة) من خفة وشطارة، وانها ( شالت شغل البيت كلتو على غاسه)، وانها بنت جارتنا ونعرف أهلها وعائلتها ومثل ما يقول المثل (يا مثلنا تعالو عدنا) وامها معروفة وأم بين والمثل يقول (دحق بعباتها واخطب بناتها) ..( دحق : تعني أنظر)

    وكثيرا ما يأتي الولد بخبر عن أهل البنت يدور حول امها أو خالاتها أو عماتها، ومشاكلهن مع أزواجهن، وتفند الأم القول بالقول ( هذا الحكي ما من عندك، أعرف هذا الحكي من جارتنا فلانة التي تريد أن ( تحشك بنتها في بيتنا),( تحشك: تعني تدخل عنوة)، وتحلف الأم: والله والله فلا آخذ بنتها هذي اللي تشتغل ( صنطة بصنطة), ( صنطة: تعني بسكوت) ومثل ما يقول المثل ( أكو تين مطبق وأكو جوز مقشقش) . أما اذا فشلت هذه العملية في اقناع الولد بفتاة من الجيران، فتسعى الأم إلى ( الدلالي) التي تعرف بيوت المحلة والمحلات الأخرى وما فيها من أسرار البنات وكأنها (مختار المحلة) .

    اما اذا اقتنع الولد ورضي بواحدة من البنات ووافق على خطبتها، فتبدأ مراسيم أخرى، وهي قيام الأهل بالسؤال من أقارب البنت: هل هي مخطوبة أو ( منيشني) أو لها ابن عم أو ابن خال يريدها، فإن لم يكن شيء من هذا، فإن أهل الولد لا يباغتون أهل البنت بالموضوع خشية الطمع بهم وأن ( يتعززون)، فيرسلون أحدى النساء إلى بيت البنت لتخبرهم بأن بيت فلان يريدون زيارتكم فقط لأنهم يريدون تزويج ابنهم لبنت ( تشبه بنتكم)، فيرحب أهل البنت بعد أن عرفوا القصد، فينظفون الدار ويعدون غرفة الإستقبال ويزين البيت وتلبس البنت أجمل فساتينها وكل ما تمتلكه من حلي وذهب، وعندما يحضر أهل الولد تكون البنت في غرفة أخرى تشتغل بالخياطة أو النسيج أو النقش والتطريز وتضع ( تنشغ) جانبها بعض القطع من أشغالها كيما يرى انتاجها أهل الولد، ثم تنهض وتمشي في استحياء حاملة (الشرابت) وتقدم لهم مطرقة رأسها للأسفل ولا تتكلم حتى لو سئلت، وتجلس معهم بعد أن تأمرها أمها بالجلوس، وهي ساكتة وتحاول النساء من أهل الولد سؤالها والتكلم معها لكنها لا تجيب لأن أمها قالت لها قبل مجيء الخطار: إذا فتحتي ثمكي أقصوا للسينكي ! ويحاولن مرات ومرات حمل البنت على الكلام ليتأكدن من حسن منطقها وطلاقة لسانها، وتحاول احداهن مداعبة ما تلبسه من ذهب وحلي لكنها تتأكد من سلامة يديها ورجليها من أية أمراض جلدية، وفيما اذا كانت (سميني أو ضعيفي) لأن (السميني) هي المقبولة عند أهل الموصل، حيث يقولن عن السمينة ( مطبطبي) وعن الضعيفة (كومة عظام) ، وتعطيها احداهن بعض الجوز والبندق لتتأكد من سلامة أسنانها وتلقي احداهن بابرة في الأرض وتريدها أن تبحث عنها لتتأكد منسلامة عينيها وهكذا (فحص كامل) يعدن بعد ذلك إلى البيت، فإذا رغبن بها يكون الشرح أيجابيا أمام الولد وأبيه، وان لم يرغبن بها فإنهم يحاولون اظهار كل سلبيات البنت وبيتها .

    واذا تمت الموافقة تبدا التحضيرات ( للنيشان) ومتطلباته، والنيشان هو الإتفاق بين الطرفين على الحلي الذهبية التي تلبسها العروس ( والنقديي) أي المقدم والمؤخر ( عند المسلمين)، وأغلب الحاجيات الذهبية تكون (حجول وقايش وكردانة ومنتشي ومفردات وقاردون وسباح ومغاود ومحيبس إلخ) ومن طقوس الزواج :

    يوم النيشان: يتفق الطرفان على يوم النيشان ويقدم أهل العريس (الختن) أسماء عدد المدعوين من جانبهم لكي يعد أهل العروس (العغوص) ما يلزم لإستضافتهم، ويهب أهل العروس لتنظيف البيت وتجديد أثاثه وربما طلبوا من الجيران ما يكمل مظهر دارهم، ويعدون ألوانا من المأكولات ( الطبيخ) مثل: الدولمة (اليبرغ) والكبب والقيسي والمحلبية والكاهي والسنبوسك والبقلاوة و(حجي بادي) والشكرلمة وحلاوة من السما، ويشارك الجيران في اعداد المأكولات، وهنا تقول أم العروس لجارتها التي تساعدها: عيني أم فلاني .. يوم زواج ( فلانة ) انشاءالله ونوفيكي .

    ومن أغاني النيشان :

    يوم نيشانكي على ( فلان) مبارك

    عشرة طلبوك وعشرة خطبوك

    وعشرة كنسوا البيعة من كيصلي أبوك

    عشرة وقفوا على الباب

    وعشرة ردوا الجواب

    ويحد ايقول للاخ .. انا عبد لأبوكي

    ومنها أيضا ..

    ليلة الحنة: وهي الليلة التي تسبق يوم الزفاف، وتكون في بيت العروس للنساء وفي بيت العريس للرجال، ففي بيت العروس تجتمع الصديقات والقريبات ويأخذن بالرقص والغناء، وكذلك في بين العريس حيث يجتمع أصدقاؤه ويبدأون الرقص والغناء، وتتقدم ( الغسالة) وبيدها اناء جميل فيه حنة مجبولة وطاسة ماء نثر فيها زهر الجنبد أو ماء الورد وصينية فيها شموع وتتقدم وتحني كف العريس اليمنة ثم أصابع الشباب من أصدقاءه، وكلما حنت واحدا رمى كمية من النقود في الطاسة لتقول له: ان شاء الله احنيك ليلة حنتك. وبعد الإنتهاء يذهب العريس وبعض المقربين إلى بيت أهل العروس ليجلس هناك، لتكلف (مسعودي) وهي من سعدت بحياتها وزواجها للقيام بحنة العروس وهكذا . وهناك كلمة تستعمل مع الحنة، فحين تحنى يد أي واحد من الشباب ينهض احدهم ويصرخ (بردحاق صات ناصي ..هيه.. على راس بيت فلان وما يتبعم على عيني وراسي) وبردحاق : كلمة تركية مردحاق وتعني ( فليسلم هنا الحق) .

    ومن أغاني الحنة :

    الحنة الحنة هالليلة الحنة .. لآطلع ولالي بسطوح العلالي

    أمو تعالي دنجبل الحنة

    ويغني أهل العريس :

    هجمنا شيوخ شمر ..على دار المعمر

    وأخذناها ( لفلانة) .. على دار المعمر

    أخناها البنتكم .. أصيلي وما تتثمن

    ومنو كن ريضانا .. أبوها كن ريضانا

    (وفلانة) كن عطانا .. اصيلي وما تتثمن

    الحمالي: وهي ما تحمله العروس إلى دار زوجها، فتعقد جلسات لتحديد مفردات الحمالي، فأم الولد تطلب كل شيء حتى المستحيلات كما أن أم البنت تريد أيضا أن تظهر ( حمالة) ابنتها بمظهر يليق بالعائلة، ليراها الناس وهي تدور محمولة على (العربانات) في المحاليل والأزقة، والحمالي مكونة من أشياء حاكتها العروس أو أمها مثل المناديل والشراشف ( الجريجف) والسجادات ( المحيفيغ) والحرامات والستائر وأوجه المخاديد، وكذلك أوعية المطبخ والأباريق ولوازم الحمام مثل: المناشف والطاسات والقبقاب ( قوقاب) والحكاكي ( حجرة سوداء لتنعيم أسفل كعب القدم) ولوازم التجميل: المكحلة والملقط والحمرة والإسبيداج والديرم وأدوات النقش والتطريز وغير ذلك .

    ومن تجهيزات الحمالي ( كما ذكر الأستاذ الدكتور أكرم فاضل الباحث الشعبي في مقالة له بمجلة التراث الشعبي)

    المنامات. وتشمل المطارح ( الدواشك) والفراش ( اللحاف) والمخاديد والشراشف واليانات وهي دواشك صغيرة توضع فوق السجاد .

    الألبسة ومنها الزبون وهو قميص طويل، والفرمنة وهي سترة قصيرة، والإزار وهو ما ترتديه المرأة المتحجبة خارج البيت، والخيلية وهو البرقع الذي يوضع على الوجه والفيس وهو ( الطربوش) وغير ذلك .

    الخشبيات وتشمل (الصندليي) وهي صندوق خشبي وخزانات ودواليب مزخرفة توضع فوقها المنامات وتملأ داخلها بعض الأولني قليلة الإستعمال وغير ذلك.

    الخزفيات وأغلبها من الصيني وهي عبارة عن صحون وقوريات الشاي ( والقايغات) صحون كبيرة ( بلم) وبعض الشمعدانات والكلبدانات وهي اواني يوضع فيها ماء الورد.ة

    النحاسيات وهي كثيرة ومتنوعة ومنه : الدسوت (القدور) والطنجرات (القدور الكبيرة) والمعالق (المليعق) والجفجير (الكفكيغ) والجمجة والمصفاة (الصافويي) والطاوات والطشوت واللكنات .

    الزفاف ( الزواج): يهب أهل العروس في الصباح الباكر ويعنون كثيرا بتنظيف البيت وآثاثه، وبعد الظهر تأتي ( الحفافة والماشطة ) ليزين العروس، أما أصدقاء العريس فيأخذونه إلى الحمام ليغتسلوا جماعة مع الأغاني والرقص وعند العصر تبدأ الزفة لتخرج الغروس من بيت أهلها بين الهلاهل وبكاء الأم والأخوات لفراقها ،حتى تصل لبيت العريس وتدخله بالهلاهل أيضا .

    هذا ويشترك المسيحيون والمسلمون في مدينة الموصل بالعديد من عادات وتقاليد الزواج، لكن هناك بعض الأمور الخاصة لكل من أتباع الديانتين السماويتين، فالمسلمون لديهم كتابة عقد الزواج عند القاضي الذي اما أن يذهب اليه العروسان أو يحضر هو لبيت العروس، فيتصدر جلسة (العقد ويكتبه أمام والدي العروس والعريس والشهود . وبالنسبة للمسيحيين فإن مراسيم النيشان والزفاف يحضرهما خوري الرعية أو المطران، ولم تكن مراسيم الزواج تجري خلال فترة الصوم الكبير (صوم الخمسين) كذلك بالنسبة للمسلمين فلم يكن يجري الزواج في شهر (محرم الحرام)، وأغلب مراسيم العقود بالنسبة للمسلمين كانت تجري أيام الخميس ليلة الجمعة المباركة لديهم، أما بالنسبة للمسيحيين فكانت تجري مساء السبت على ليلة الأحد .

    ومن أغاني الزواج

    بللة فرشولو بصدر الإيوانا .. مات العدو واصفرت ألوانا

    فرشتولو( لفلان) وهلهلتلو .. بخشيش من عد أمو كن جانا

    ودقومي يا ميمتو وتباهي بقامتو.. هذا ( فلان) المدلل هليوم يوم زفتو

    ودقومي يا خيتو وتباهي بطلعتو .. هذا( فلان) المدلل هليوم يوم دخلتو

    وعاجادينا الجادينا .. الله عطى مرادنا

    ومن سكان البحر ( فلان) سكان البحر

    أخذ( فلانة) ومنتصر والله عطى مرادينا

    ويا بيت كسابا .. بللة افتحو البابا

    جبنا العروس والختن والشمع كن ذابا

    دقومي واتدحغجي من دوشكي العالية

    واستقبلوكي بنات العمي والخاليا

    غاليا غاليا (فلانة) يالغالية .. حلوة ويا مكذولة الكصة ويا متغاوية

    وغيرها الكثير.

    ملاحظة: الذي ذكرناه عن مراسيم الزواج وكل ما يتبع ذلك وغيره، كان يمارس حتى قبل نصف قرن، قبل 960 ، وما زال بعضه يمارس في محلات الموصل القديمة، لكن أغلب ذلك اندثر، أو تطور مع تطور الحياة والعلاقات الإجتماعية .

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *