صدفة مع المنـدائيّـين ( عـلى هامش مقال الأستاذ حـبـيب تومي )

كانـت الساعة الخامسة من عـصر يوم الجـمعة 3 أيلول 2010 حـين أخـبرني زميلي تلفونياً عـن معـرض للصابئة سيفـتـتح مساء اليوم نـفسه الساعة السادسة في قاعة المتحـف / فـيرفـيلد / سـدني ، فـتـهيأتُ ووصلتُ وجـلستُ بجـوار صاحـبي وكان العـنصر النسائي هـو البارز بـين الحـضور ، ثم حـضر الرئيس الديني للصابئة في أستراليا . إنـتـظرنا بعـض الوقـت وصول مسؤولين من بلدية فـيرفـيلد لإفـتـتاح المعـرض إلاّ أن القائم عـلى إدارة المتحـف كـلمنا بإنـﮕـليزيته المصطبغة بالنبرة الفـرنسية وهـو إعـترف بذلك ثم قال : إن المسؤولين منشغلون وليس بإمكانهم الحـضور ولذلك نـحـن سنـفـتـتح المعـرض ، فألقى كلمته عـن تأريخ المندائيّـين حـسبما قـرأه من الشبكات الإلكـترونية ومن سجلات الأمم المتحـدة ، وعـلِمنا أن عـضوات رابطة المرأة المندائية في سدني هـنّ اللائي عـملن ونـظمن وأقـمن المعـرض المذكـور ، ثم قرأتْ رئيسة الرابطة كـلمتها وأشادت بجـهـود المشتركات بالمعـرض وبعـدها جاء دَور الرئيس الروحي والذي سمعـتُ لقـبه من إمرأة حاضرة وقالت ( كـنـزﭭـرا ـ إنْ لم أكـن مخـطئاً ) فألقى كلمته مشيداً ومادحاً أستراليا ، ثم قـدّم المسؤول عـن المتحـف باقة ورد كـبـيرة لرئيسة الرابطة إكـراماً لها ولدَورها ، ووردة لكل مشتركة في المعـرض مع المصافحة الجـميلة وهـدية للكـنـزﭭـرا ، ومن ثم دعانا إلى المعـرض والرئيس الروحي في المقدمة . كان معـرض رابطة المرأة المندائية في غـرفة إحـتوت عـلى منـتوجات صوفـية من نسج يدوي وتركيبات زهـرية ورسومات معـبّرة وفـساتين مزركشة جـميلة وﭙـوسـتـرات بالإضافة إلى الشعار المندائي المتمثل بالصليـب وقـطعة قـماش منشورة بأناقة فـوق ضلعه الأفـقي . وحـينما كان الكـنـزﭭـرا الموقـر منشغلاً بالإستماع إلى شرح الرئيسة للـﭙوستر الذي يحكي قـصة المندائيّـين ووصولهم إلى أستراليا ، لاحـظـتُ إمرأتين أستراليتين رشيقـتين متـقـدمتين بالعـمر تسألان عـن المندائية إمرأتين أخـريَـين مندائيتين في منـتـصف العـمر مكـتـنـزتين بعـض الشيء . ومما سجـلـَـتــْه ذاكـرتي من ذلك الحِـوار :
الأستراليتان : بماذا تؤمنون ؟  
المندائيتان : بـيوحـنا المعـمذان
الأستراليتان : هل أنـتم تؤمنون بالمسيح ؟
المندائيتان : نعم .
الأستراليتان : هل تؤمنون بأنه إبن الله ؟
المندائيتان : نعم .
الأستراليتان : هـذا يعـني أنكم لستم كـغـيركم الذين يعـتبرون المسيح نبـياً فـقـط ؟
المندائيتان : صحيح .
الأستراليتان : وهـذا يعـني أنكم مسيحـيون مثلنا ؟
المندائيتان : صحيح .
وكـرّرتْ الأستراليتان السؤال الأخـير : يعـني أنتم ونـحـن مسيحـيون ( مع الإشارة بالسبّابة إلى الإتجاهَـين ) ؟
المندائيتان : نعم .
وفي ركـن آخـر كان رجل مندائي مهندَماً أنيقاً في منـتصف العـمر يكلم أسترالياً تجاوز منـتصف عـمره ، ويشرح له الشعار وقال : إن الصليـب هـو صليـب يوحـنا وقـطعة القـماش هي ملابسه .
والآن ، بالرغـم من أنـنا عـراقـيون وإلتقـينا بالصابئة مرات كـثيرة في العـراق ( في الجامعة ، في الوظيفة ، في العـسكـرية ، في سوق الصاغة ، وطالبة درّستـها في دارها ، وفي أستراليا زميل في العـمل ) ولكـنهم لم يذكـروا لنا يوماً أي شيء عـن معـتـقـدهم مثلما نـفعـل نـحـن المسيحـيون بوضوح ، لابل لا يتشجـعـون أن يكـلمونـنا عـن مرتكـزات إيمانهم ولست أدري لماذا ، والأهم من كل ذلك إنهم يجـهـلون لغـتهم الكـلدانية ما عـدا رجال دينهم ( حسب إعـتـقادي ) . وفي إحـصاء 1987 كـنت عـداداً في مدينة الثورة ومن بـين البـيوت التي كـنت مكـلفاً بإحـصاء الساكـنين فـيها ( عائلة ) كانت من حـصتي ، وبدوبلوماسيتي بالكلام ومعـرفـتهم بديانـتي من خلال إسمي جـعـلـتها تطمئن لي وأنا كـذلك ، وعـلمتُ من خلال تسجـيلي لأفـراد الأسرة من بطاقاتهم الشخـصية أن العائلة صابئية ، ولكن الذي جـذب إنـتباهي أسماءُ الأطفال التي توحي لكل قارىء بأنهم من الإخـوة المسلمين مثل : أحـمد ، حـماد ، حـسون ، شيماء …. فـدعاني فـضولي إلى الإستـفـسار من ربة الأسرة وقـلت لها : نـحـن لنا أسماؤنا المتـداولة بـينـنا مثل حـنا ، بطرس ، ميخائيل ، ريتا ، إيفلين … أليس عـنـدكم أسماءاً صابئية مثل يحـيى وهـو إسم مقـبول أو غـيره فأنا لا أعـرف بأسمائكم المتـداولة بـينكم ؟ قالت : نعـم عـندنا ولكـنـنا لا نريد أن نـُـعَـرَف الآخـرين مَن نـحـن ، وأن سكان محـلـتـنا يتـصوّرون أنـنا مسلمون ، قـلتُ : ولماذا ؟ قالت : تجـنباً لبعـض الإستـخـفاف بنا وهـو شكل من أشكال الإضطهاد ، قـلتُ : ولماذا تسكـنون بـينهم ؟ قالت : إن المنطقة هي مورد رزقـنا فـنـحن نـتـعاطى الصياغة .
ورجـوعاً إلى موضوع المعـرض ، فـفي نهاية المطاف خـرجـتُ مع زميلي إلى الحـديقة الخارجـية في طريقـنا للمغادرة وتوقـفـتُ قـليلاً وقـلتُ لصاحـبي : إن المعـرض كان بسيطاً ، فـقال : ولكـنه كـبـير إعـلامياً  ، قـلتُ : فـعلاً ، فـسترى غـداً تكـتب الصحـف عـنه مثلاً : ألقـيَـتْ الكـلمات ، إلتـقِطـت الصور ، وأشاد مدير المتحـف بالإنجازات ، وقالت الرئيسة وحـكى الرئيس الروحي للصابئة ، ووُزّعَـتْ الهـدايا ، وهـنا عـلـقـَـتْ إمرأة مندائية كانت تسترق السمع عـلى حـديثـنا  فأضافـتْ : ( ووُزّعَـتْ القــُـبُـلات ….. ) .
ويـبقى سؤالي معـلقاً : الصابئة هم صابئة ولكن لماذا أجابت الإمرأتان المندائيتان بذلك الجـواب للأستراليتين ؟ ثم إنّ الصليـب معـروف تأريخـياً وعالمياً قـبل وبعـد الميلاد ، طيـب كـيف إرتبط بـيوحـنا المعـمذان ؟ كم بودّي أن أعـرف عـن المندائيّـين من حـيث كـتاب صَلاتِـهم ، رُتـبهم الدينية ، نظرة دينهم الرسمية إلى الأديان الأخـرى و الخـطيئة والغـفـران والحـياة الأبـدية ….. .

 

You may also like...

2 Responses

  1. علي الجـابري says:

    السـلآم عـليكـم ورحمة الله وبـركاته ،،
    أخي أنا صـابئي منـدائي وأي شيئ تريده وتريد تعرف بيه ،،
    راسلني عبر البريد الألكتروني ،،
    أما بالنسبة للجواب الذي معلقاً في ذهنك ،،
    أن لاشيئ صحيح عندما قالن للاستراليات نحن نؤمن بأن يسوع عليه السلام أبن الله ،،
    واما عن جوابهن للأستراليات بأن الصابئة هم مسيح أيظاا لا أساس له من الصحة ،،
    ولااعلم لماذا أجابن للأستراليات بهذا الجـواب هل ليكسبن تعاطف الاستراليات ،،
    أو جهلهن ،، أيضاا السؤال أصبح معلقاً في ذهني ،،
    تقبل تحياتي …

  2. Saadia Eidan says:

    الى السبد الاخ كاتب المقال مايكل؛

    لم اوفق وللاسف في حضور اي تجمع او مهرجان عربي عراقي ولاسباب اهمها الاطفال. بالنسبة لي لاامتلك اسبابا للتفرقة لاننا من طين خلقنا واليه نرجع نود ان نصل الى ذلك اليوم الذي لااعرفه متى ذلك اليوم الذي لايخاف فيه العراقي وان يشرح صدره ويجرا بالقول انه مسلم او مسيحي او صابئي وغيره لاننا ولدنا عراة وبدون دين ومن الغريب سنعود عراة ولكن بدين.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *