شكراً للبيشمركة وشكراً لأمريكا وساستنا يكفي عبادة المنصب والكرسي

 

إنها لحظات سعيدة ان ترى عدو شعبك وعدو الإنسانية يتقهقر امام ضربات الطيران الأمريكي وأمام زحف قوات البيشمركة، هذا العدو الذي يخالف تعامله للناس مع كل المعايير الدينية والإنسانية. نتأمل ان يستمر هذا الزحف الى كل مدن وقرى شعبنا ومدن وقرى الأخوة الإزيدية الذين طالهم الظلم والقهر والفتك بشكل وحشي، والتي نجم عنها الهجرة الجماعية لعشرات الآلاف من المسيحيين والإزيدية، الذين كان الأنتقام والتطهير الديني قد طالهم بأبشع صوره فنأمل ان يزول الكابوس الجاثم على صدر العراق برمته لكي يعود هذا البلد معافياً بعد السنين العجاف ولاسيما ما آل اليه وضعه بعد اجتياح حدوده من قبل خلافة الدولة الإسلامية، داعش في الفترة الأخيرة.

لقد كان ثمة نقد لاذع موجه للمجتع الدولي وفي المقدمة الولايات المتحدة لسكوتهم عن الأنتهاكات الصارخة بحق الأقليات الدينية والعرقية في سهل نينوى بحق الشبك والتركمان والإزيدية والمسيحيين، كما كانت هناك انتقادات موجهة الى قوات البيشمركة في المنطقة حينما تركت مواضعها وانسحبت بصورة مفاجئة وغير مدروسة، حيث لم يتوفر وقت كافٍ لانسحاب الاف العوائل لا سيما في منطقة سنجار التي شهدت كارثة انسانية بسبب مباغته قوات داعش الإسلامية لمناطقهم المشمولة بالمادة 140 والتي عرفت بالمناطق المتنازع عليها.

ينبغي ان لا ننكر حقيقة ان هذه المناطق سادها الأستقرار والأمان طيلة السنين المنصرمة منذ سقوط النظام في عام 2003، إذ كانت هذه المنطقة تحت حماية قوات البيشمركة، وكان هناك ارتياح عام لهذه القوات لما تبذله من جهود في سبيل توفير حالة الأمن والأستقرار، في حين كانت كثير من المدن العراقية خصوصاً المختلطة (السنة والشيعة: بغداد، الموصل، ديالى، الأنبار، صلاح الدين، بابل) مسرحاً مفتوحاً لعمليات إرهابية انتقامية، والموصل كانت تأتي في مقدمة هذه المدن التي كان الأمن فيها مفقوداً وشوارعها مسرحاً لعمليات القتل والأبتزاز. بعكس المناطق المجاورة التي نتحدث عنها والتي كانت قوات البيشمركة ضامناً اميناً لأمنها ولأستقرارها.

الصفحة الثانية بدأت بعد تدفق عشرات الآلاف من النازحين الهاربين من بطش مسلحي دولة الخلافة الإسلامية ونبوت وضع إنساني مأساوي يتطلب التدخل الأممي، وامام تلك الصور الوحشية المفجعة إن كانت تلك التي طالت المكون الإزيدي او المسيحي والتي تعتبر من المكونات الدينية التي تسعى الدولة الأسلامية داعش الى استصالها وإقصائها. تسابقت الدول الغربية لتقديم المعونات السخية في المجالين العسكري والإنساني، كما نشطت منظمات المجتمع المدني في جمع التبرعات. والى جانب ذلك كانت الدعم العسكري وفي المقدمة قرار امريكا في توجيه الضربات العسكرية الجوية على قوات داعش في المنطقة.

في هذا المجال ينبغي التطرق الى الموقف العربي والموقف الخليجي اللاإنساني المخجل فلم نسمع عن مساعدات او دعم من هؤلاء والسبب معروف لأن المنكوبين من غير دين فكيف يساعدوهم؟ بعد ذلك هؤلاء مشغولين في دعم وتصدير الجماعات الإرهابية فمستواهم لا يرتفع الى مستوى المساعدات الإنسانية.

في العرف العسكري فإن الضربات الجوية لوحدها لا تجدي نفعاً ما لم يصار الى تعزيز الضربات بجهود قوات راجلة على الأرض، فقوات المشاة تعتبر العامل الحاسم في احتلال الأرض والأحتفاظ بها. هكذا جاء دور قوات البيشمركة لكي تنتقل على الأرض.

فكان هذا التعاون بين قوات البيشمركة وسلاح الجوي الأمريكي ان تمخص عن تحرير سد الموصل بالكامل نظراً لخطورته وأهميته في السياق الأستراتيجي للعراق، الى جانب تحرير بعض البلدات في سهل نينوى منها تلسقف وباقوفا وباطنايا وبعشيقة ونتطلع الى تحرير مدينة سنجار وتلكيف وبغديدة وبرطلي وكرملش وكل اصقاع سهل نينوى مع جميع المدن العراقية لتعود مدناً تزخر بالأمان والأستقرار.

كان سقوط النظام في نيسان 2003 انعطافة في تاريخ العراق لتبدأ مرحلة يمكن ان نقول عنها اختلط الحابل بالنابل، وكان رئيس الوزراء السابق نوري المالكي يتحمل مسؤولية كبيرة في عدم استقرار البلد، ولعل اختراق حدود العراق ودخول مسلحي قوات الدولة الإسلامية (داعش) كان اخر وأخطر تلك الكوارث التي حلت بالعراق.

عن ظاهرة داعش تنوعت التعليقات والتحليلات وقيل عنها الكثير وملخصها ان بداية التشكيل كانت في العراق على يد ابو مصعب الزرقاوي تحت اسم جماعة “التوحيد والجهاد” وكان ذلك عام 2004 وبعد ذلك اصبح اسمها “دولة العراق الاسلامية” بزعامة ابي عمر البغدادي.

وبعد مقتل الأخير في نيسان 2010 اختار التنظيم ابو بكر البغدادي والذي يحمل اسماء اخرى هي: أبو دعاء أو ابراهيم عواد ابراهيم السامرائي، والأخير يتميز بقوة المناورة العسكرية والسياسية ويختار العمليات النوعية من قبيل عملية البنك المركزي، ووزارة العدل، واقتحام سجني أبو غريب والحوت والتفجير السفارة الإيرانية في بيروت ..الخ وفي أبريل عام 2013 وبرسالة صوتية بُثت عن طريق شبكة شموخ الإسلام، أعلن أبو بكر البغدادي دمج فرع التنظيم “جبهة النصرة” في سورية مع دولة العراق الإسلامية تحت مسمى “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، وهنا بدأت قصة داعش.

حيث امتد وتوسع في العراق وسورية وهو يتجه نحو لبنان، ويمتاز بمرونة العمل وتعدد اللغات ولهذا يتميز بجذبه لمختلف الجنسيات لأن له القدرة على التفاهم بلمختلف اللغات.

ما نعرفه ان الحرب بين العراق وايران كان بين دولتين بعد وقف النزاع كل جيش انسحب الى حدود بلاده، والعراق حينما أُرغم على الخروج من الكويت عاد الى حدوده الوطنية، ولكن التوصل الى وقف العمل العسكري مع داعش يعني التنازل عن الأرض وما فيها، وفعلاً ان خلافة الدولة الإسلامية تتوسع عن طريق احتلال مدن وسدود لمسطحات مائية وأبار نفطية على حساب العراق وسورية، وهي (داعش) من جانبها ليس لها ما تخسره.

ومؤخراً كان توجهات الدولة الإسلامية في التوسع والأنتقام من مناطق المكونات غير الإسلامية من المواطنين العراقيين الأصليين من المسيحيين والإزيدية وتعمل على تهجيرهم بغية إسكان المهاجرين المسلمين بمناطقهم. إن الدولة الإسلامية قبل 14 قرن عملت على إلغاء ديننا والقضاء على لغتنا وقوميتنا وهويتنا، وتحملنا كثيراً لكي نحافظ على تراثنا وهويتنا القومية الكلدانية وأوابدنا وكذلك فعل المكون الإزيدي الأصيل، بقينا نحافظ على معتقداتنا الدينية واليوم تأتي الخلافة الإسلامية وتجبرنا بالقوة على اعتناق الدين الإسلامي او تهجيرنا والى الأبد من الأرض التي شهدت ولادتنا من أرحام امهاتنا منذ ألاف السنين.

انه انتهاك صارخ لكل المعايير الأنسانية إنها فاشية وعنصرية دينية في القرن الواحد والعشرين.

اقول:

ليس لهذه المحنة علاج سوى ان تتسم الطبقة السياسية برئاسة الدكتور حيدر العبادي بالنزاهة ونكرات الذات وأن تبقى ضمائرهم مستيقضة لبلورة خطاب سياسي مسؤول يتناسب وخطورة المرحلة، وأن يستلموا ما ارادوا من الرواتب والمخصصات وكل ما نطلبه منهم ان يعملوا بإخلاص وتفان وأن يبتعدوا عن عبادة الكراسي والمناصب وأن تكون مصلحة الشعب قبل مصالحهم الشخصية والحزبية، فهل تبادر الطبقة السياسية مرة واحدة فقط الى تفضيل مصلحة العراق على مصالحها الشخصية؟ سوف نرى في قادم الأيام.

د. حبيب تومي
اوسلو في 21/08/2014

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *