شتاينبيك وعراق على طريق الخطأ / خلدون جاويد

تناول جون  شتاينبك اخلاق ما في زمن امريكي ما ليبرع في تصوير الخطأ في روايته ” باص على طريق الخطأ ” باص على شارع يؤدي الى معبر نحو العمل والشهرة ، فكل من توجه في هذه السفرة  ينوي تألقا أو صفقة .  شيكو خوّان زوجته . أليس شيكو تتجسس على من سواها خاصة النادلة ( نورما ). المستر بركارد رجل أعمال بل تاجر حتى بعواطفه . ارنست هورتون ذئب من ذئاب المال والجنس . كاميليا اوكس تمثل جمال اميركا الذاهب الى لوس انجلس في استعراض جسدي في البارات الليلية يطمح الى صفقة زواج مع مليونير عجوز . المال شرط المعاشرة وليس الحب . ميلدر هي الاخرى تمثل النفاق الاجتماعي الذي يفضح عن نفسه ودخيلته في تهالك جنسي شنيع داخل حظيرة خنازير على الطريق وفوق كومة من الاوساخ . الجميع ذاهبون الى عالم مختلف آثم والكل يحلم بعبور المعبر تحت وقع الأمطار واحتمال انهيار الطرق الوعرة … انهم يتآمرون على بعضهم ، حتى على وفاء الخادم الذي وجد محفظة واعطاها الى صاحبها بأن قدم الأخير خمسة دولارات كهدية للشغيل فلم يصل اليه سوى دولار واحد . عالم ( يشفط ) أدران المادة  كما تفعل المكنسة الكهربائية ، تلك هي أمريكا في نظر شتاينبك وبالتحديد الأغنياء والعاهرات .
ذلك هو باختصار الفحوى العام للقصة . وهنا يكمن الاكبار لقضيتين :1 ـ مصداقية الأديب في الحديث عن واقع.
2 ـ بدلا من تقصيب وذبح جون شتاينبك واصدار فتوى ضده ! يمنحونه في اميركا لاسواها جائزة بوليتزر التي لا تقل اهمية عن نوبل والتي حصل عليها هي الاخرى في 1962 . اما نحن في اوطاننا المزيفة للحقيقة فانها تعمل على الوجه التالي :
ـ اي حكومة ذات طابع حزبي تعمل على نشر نتاج مكاسبها المزعومة والمبالغ بها . لا تتناول الواقع برزاياه بل تجمّله على قاذوراته وتمكيجه وهو تجاعيد لاينفع معها مونتاج.
ـ اية وزارة ثقافة تظهر فقط ما يعزز ويدعم رؤآها وإيماناتها . تخشى “الرواية ” على سبيل المثال لأنها تهبط الى قاع المجتمع وتصور المأساة الممنوعة  . تخشى كافة المصنفات الابداعية المشاكسة  ، تخشى النقد .
ـ لاتوجد دراسة ميدانية لكل ما موجود في الواقع لكي يعكس في ادبيات ونشريات المرحلة اياها . البحث والتقصي والاحصاء عدو السلطة الرجعية او الحزبوية لأن ذلك يضعها امام احراجات او امام نكبات اجتماعية عليها حلها ، بالوقت الذي تقوم فيه الاحزاب بالتغطية على كوارث الفقر وجرائم الدعارة والقتل والنهب والاثراء الخ كما ان صحافة الأحزاب الصماء تشارك بجريمة حجب النتاج الجريء .
ـ سلطة الدين السياسي وبالتطبيق العملي عامل معيق للحرية .
ـ بلاد متقولبة ومتحزبة لا يمكن الأ ان تصدر ثقافة معادة مكرورة . انها على الضد مما هو جديد ومغاير ومختلف . تعتمد الماضي ولا أثر للحاضر ونزقه وتمرده في الأدبيات المعلنة : ممنوع .
ـ لا مكان لجون شتاينبك ولاباصه على طريق الخطأ في بلدنا المبتلى بالرشوة والفساد ولو قام اي اديب او صحفي بالفضح او التعبير لنال عقابه ولما نال جوائز واوسمة كما نالها شتاينبك . بل تعرفون ماذا سينال ! .
ـ ان مراوحة وضعنا الثقافي مأزوم بأسبقيات “مثالية” وايديولوجية تجعل من الصعب جدا على الجديد والتقدمي والتحرري ان يشق طريقه .
والأنكى من ذلك ان اجواءا مثل هذه تنتج بل تفرخ ادباءا مزيفين لهم خطوط حمراء ازاء النقد فهم يخافون تناول الرئاسات والزعامات بل ان البعض منهم يتفانى في سبيل مآرب ما ويستخذي كالكلب امام قدمي صاحبه.
هناك صحافة جريئة لكن طريقها صعب للغاية وروعتها في ضربها المثل والمثل في فضح التجار والمرابين وخونة الشعب من شاربي دمائه . هناك ابطال وشهداء بدلا من ان يقيموا دورهم ويشيدوا  به، يعملون على قمع كل من يقف مع الصدق والحقيقة اي ضد ” باص على طريق الخطأ ” .
ـ الخاتمة بل الحتمية هي انتصار ادب وصحافة الجرأة والفداء والتغيير . ومهما تصامدت وتراصّت ترسانة القديم فان الجديد سيل مهدم عاجلا ام آجلا .
ـ العراق في مظاهراته العتية هذه هو فضح لباص على طريق الخطأ . لقد اسهم الفكر التحرري حقا وفعلا في  بناء ارضية من ثقافة كامنة في تربة هذا الوطن وفي وعيه الشعبي ثقافة الصراع الطبقي التي اتت ثمراتها الآن مرحى لمن يكشف عن الخطأ والخزي والعار لمرتكبيه والمتسترين عليه .
وأخيرا فان قمع الثقافة وتمظهرها في اصدار كتاب وصحيفة في تشكيل حزب او رابطة ادبية او سينما ومسرح في كل المصنفات الابداعية المعروفة ، ان قمع الثقافة هو اسلوب رجعي كابح للحقيقة . ان الوقوف بوجه المظاهرات الشعبية العراقية هو اغتيال لحرية الشعارات والمبادىء والمطاليب التي ينشدها الشعب .
ان العراق باص على طريق الخطأ ، دعوا للتظاهرات اليوم ان تضع قدم العراق على المسار الصحيح . والا فان اغتيالها ـ التظاهرات ـ هو انزلاق في ديكتاتورية كامنة ومقيتة .
طوبى لشتاينبك ولرفاقه العالميين في كل مكان . طوبى لهم على سبيل الفضح والنقد والتغيير . انهم مشاعل النور .

*******

توْق ٌ أخير : وجه الشاعر مقولته لعشاق الحرية والتمرد فقال : ” إن قلتـَها تمُتْ ، ان لم تقلـْها تمُتْ ، قلـْها ومُت ْ ” القول هنا يعني الموت ! اية  بلاد هذه ؟ .

4/3/2011

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *