سبحان مغير الاحوال من حال الى حال

كان الكورد في اغلب الاحيان يخشون ان يكتبوا قوميتهم او لقبهم في اي استمارة رسمية وحاول الكثير منهم الهرب خارج العراق او تغيير اسمائهم خشية من التمييز الشوفيني الذي مارسته اجهزة النظام في الزمن السابق ضدهم وضد غيرهم من العراقيين وكان ابن الجنوب يحاول ان يغيّر لهجته لكي لا يتم الكشف عن هويته الحقيقية. والتي كانت ربما ستجلب له ولمستقبله متاعب ليس من الحكمة التعرض لها . وكانت الدولة تتعامل مع الكورد بقسوة وهمجية منطلقة من النهج الذي كان يمارس ضد انتماؤهم القومي ومع الشيعة منطلقة من الانتماء المذهبي، وهكذا المسيحيين وغيرهم من المكونات.

لقد عانى الكورد على مدار عقود من الاضطهاد على يد الحكومات العراقية التي تجاوزت المعايير القاسية من القمع الداخلي في المنطقة وربما في العالم. فمنذ ستينيات القرن الماضي وحتى 1991، تعرضت العديد من المناطق الكوردية للدمار الشامل وعلى جميع المستويات والطبقات الاجتماعية، وكان يطلق على المواطنين الكورد (بالعصاة والمخربين) وينعتون بشتى الكلمات الخيانية ، وعلى سبيل المثال وليس الحصر عندما كان المواطن الكوردي يعمل في المؤسسات العسكرية والمدنية للدولة العراقية ، كان دائما مسؤوله وبتوجيه من قياداته العليا، يتهم الموظف الكوردي ان كان في سلك الحمايات للمسؤول او موظف عادي، بالخيانة ويثير الشكوك لمن حوله بان هذا المواطن ربما يكون من العصاة او المخربين ولا تثقوا به ولا يجوز ان يستلم ذمة ادارية او أي ذمة اخرى كونه غير اهلا للثقة .

سبحان مغير الاحوال عند اؤلائك المتخونين للعراقيين ، فاليوم على المسؤول في الدولة العراقية ان يبحث عن مواطن كوردي ليثق به ويضعه في الاماكن الحساسة من عمله ويجعله كاتما لأسراره ومن المقربين جدا اليه كونه اهلا للثقة المتناهية ، وعلى المستويات العليا للدولة، فاذا احست القيادات العراقية في المحافظات او في المركز بخطر على أي مؤسسة فليس عليها الا ان تطالب بسرية او فوج او مجموعة اشخاص من البيشمركة، من القيادات الكوردية العاملة في تلك المنطقة ليتولوا الحماية، كونهم يتمتعون بالشجاعة والشهامة وضبط النفس والثقافة العالية في عملهم والتدريب المنضبط والالتزام بالواجب مهما كانت الظروف ولا يخونوا من ائتمنهم ، فاليس المواطنين الكورد هم نفسهم الذين تم نبذهم واتهموا بالخيانة من قبل القيادات في السابق الذين اغلبهم اعيد الى منصبه وعمله بعد التغيير، اذا الخلل كان في النهج الذي كانت تنتهجه السلطة في ذلك الوقت .

في الختام لقد كفل الدستور العراقي الدائم بعد التخلص من الدكتاتورية والشوفينية العنصرية تحقيق حالة من التجانس بين حقوق المواطنين و واجباتهم تجاه وطنهم، مهتدياً في هذا الصدد بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والمتمثلة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 وكذلك ما جاء من تفصيلات في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي لحقوق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. وعلى الرغم من أن الدستور والقوانين قد كفلوا مايتحقق به مبدأ المواطنة، إلا أن المواطنة بمفهومها الإنساني لا تتحقق فقط بالقوانين بل لا بد لها أن ترتكز على عوامل وممارسات اجتماعية تنبع من شعور كافة المواطنين بالمساواة وقدرتهم على المشاركة في الحياة العامة للبلاد جنب إلى جنب مع سلطات الدولة المختلفة، حيث أن المواطنة في صحيح فهمها هي الطريق نحو تحقيق الوحدة الوطنية وغرس الشعور بالانتماء إلى الوطن والمجتمع بما يحمله من هوية تعكس ثقافته وأصالته وتاريخه وهمومه المشتركة.

 

بقلم لؤي فرنسيس

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *