رثاء… في حفل تأبيني جدير… بمقام أديب ومثقف كبير

إلى زميلي وصديقي الفقيد الراحل حبيب تومي المناضل والإنسان، الذي سيبقى طيفُه بيننا على مدى السنين وقادم الأيام….

لم أصدق هول ما سمعت وفاجعة ما قرأت… لقد كان الخبر ناقوسُ شؤم أوقف ما كُنا به من حديث ووئام ، ومزًق ما كان في نفوسنا من هدوء وسلام . إرتبكت النظرات وتبعثرت الكلمات، ونحن نسترقُ السمعَ لخبر يقين  يُفندُ تلك الإدعاءات .

سادَ الصمتُ وعمَ الحزنُ لحظات… وبعد حين … بان مشهدُ المأتم وصدقت الحكايات .  فتسألت: لمن أقدم العزاء ، وكيف سأكتبُ الرثاء ؟ وبعد (حُبَّا) من سيحمل رسالته من الأدباء ؟ غمرني شوقٌ غريب كي أتصفح الماضي، بحثاً عن صور قديمة ومحطات مضيئةٍ  ولقاءاتٍ حميمةٍ ، كانت من أعز الذكريات…

إلى حبيب تومي الكاتب والربّان : لقد مر بك الردى وخطفك من بيننا قبل الآوان ، وأنت في أوج عطائك رغم وعورة المسار، وما قدمَّت من تضحيات مع رفاقك في جبال كردستان ، وما جنيت من صِعاب في بحثك عن الأمان ، وما فعلتّه بك عواصف الأزمان ، ومع ذلك بقيت شامخاً كالبنيان، فلم تخسر الرهان ، سيما بعد تسنمك رئاسة إتحاد الكتاب والأدباء الكلدان… ولكن القدرُ كان لك بالمرصاد وأنت مطمئن البال…

أما الغربة فما إستطاعت أن ترتشف من رحيق عمرك بالمنوال ، ولم تنل من عزيمتك في الترحال، ولا أنين العمر عرف كيف يسرق منك أجمل الأمنيات، ولا قسوة الحياة أن تنتزع إصرارك لإثبات الذات، وتحقيق ما كان بنفسك من طموحات، رغم سيول الإنتقادات وهشاشة الإتهامات التي كانت تتلاشى بقلمك كالفقاعات.

كنتَ تكتبُ بلا غرور، وتدافع عن مبادئك بثقة وإيمان لا يمور، وبقيتَ في ردودك حليم صبور ، فلم تجرح مشاعر غيرك وفي كيدهم لك ظلم وزور ، بل كنت تنحت أفكاركَ بكل أدب وسلوك وقور، فترسل بدل سهام النقد والكره والنفور، باقات محبة وتواصل وحبور، بين ثناياها عطور، فزرعت من التسامح بذور، وقدَّمت من العطاء نذور، كالشجرة المثمرة تٌرمى بالأحجار فتعطي أطيبَ الأثمار…

أخي حُبّا الودود : بعطائك … فرشت جبلنا الشامخ بالورود، وأضفت حلَّة مميزة إلى بدلة عُرس أميرتِنا الحبيبةِ ألقوش ، وأكملتَ زينتها بعِقد نفيس بدل الرتوش ، وأبدعت في وصف جمالها ، حين وضعت حول عنقها وشاحاً مطرزاً كبوابة بابل بالنقوش.

ستفتقدك المواقع الإجتماعية أيها الفارس الهمام ، كإحد رموز التسامح والتواضع والسلام ، وسيكون لقلمك فيها وحشة ، ولحضورك لهفة في كل مناسبة ومؤتمر ولقاء في كل مكان …!

واليوم في حفلنا هذا نقيم لك هذا التوديع ، نقلدك فيه وسام شرف رفيع، نُزين به صدرك الرحب الوسيع، وندوِن على ضريحك حروف حزنٍ عميق، ونقف وقفة بمقامك تليق.

نتضرع  إلى الخالق المنان ، أن يسكنَك فردوسه برحمة وحنان ، ويلهم عائلتَك وأبناءك المفجوعين برحيلك الصبر وينعم عليهم من ذكراك السلوان ، ويعمق في قلوبهم نور الإيمان، ليتحملوا بعد غيابك ، مرارة الفراق وغدر لص الزمان الذي إقتحم داركم بلا إستإذان .

وفي الختام…أودعك وصورتك ماثلة أمامي بحسنِ محياك ، فأهمس وأقول وكأني أراك : نم يا أبا رياض قريرَ العين في مثواك… طيب الله ثراك… يا أرقَ جليس ، أعزَ صديق وخيرَ أنيس ……

سان دييكو/ كالفورنيا

صباح دمّان

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *