ذكـريات في رحاب الكـنيـسة ــ الحـلقة الـثانية عـشرة ــ في تركـيا ، بلغاريا ، الوصول إلى أثينا

غادرتُ العـراق مع أسرتي يوم 24/8/1992 ووصلنا إستـنـبول مساء يوم 28/8/1992 وجـرّبنا حـظـّـنا في اليوم التالي لكي نغادر إلى اليونان لكـنـنا فـشلنا ورمَـتْ بنا الأقـدار فأرجـعـتـنا إلى ألقـوش . ومن هـناك جـرّبنا مرة أخـرى فـفـشلنا ورجعـنا ثانية من الأراضي التركـية إلى ألقـوش ، وفي الثالثة نجحـنا وبقـينا في إستـنـبول حـوالي الشهـر ، ذهـبنا خـلالها بضعة مرات إلى كـنيسة الكـلدان الكائـنة في منـطقة ــ تـقـسيم ــ وفي إحـدى المرات أثـناء القـدّاس وصلتـنا إشاعة هـمساً من واحـد إلى آخـر مفادها أن شرطة تركـيا تقـوم بحـملة مداهـمة العـراقـيّـين في بـيوتهم وفي الشوارع لملاحـقـتهم وتسفـير الغـير الشرعـيّـين منهم ( ونحـن جـميعـنا غـير شرعـيّـين ) فـعـمّـتْ الفـوضى بين صفـوفـنا وتركـنا القـداس والكـنيسة بسرعة ، ثم عـلِمـنا أنها كانت أقاويل سماسرة تهـريـب البشر ـ القـﭼـخـﭼـيّة ـ غايتهم أنْ يُسرع العـراقـيّـون إليهم ويقـبلوا بعـروضهم وشروطهم لمغادرة تركـيا بالطرق غـير الشرعـية فـنفـرّغ ما بجـيـوبنا من جـهـد العـمر بأيـديهم لـيُحـقــّـقـوا منا أرباحاً خـيالية . وأثـناء تجـوالنا المحـدود في استـنبول شاهـدنا كـنائس عـريقة وقـديمة أبوابها مغـلقة بسلاسل قـوية لم يعـد هـناك ساعـور يعـتـني بها ولا كاهـن يقـدّس فـيها ولا مؤمن يـدخـلها ، وعـلى جـدرانها الطحالب الخـضراء ووقـفـنا عـندها فإرتـسم تاريخ الكـنيسة الـبـيزنـطـية أمامنا بطول سنينه في ثواني …….

في بلغاريا

في يوم 24/10/1992 دخـلنا بلغاريا بجـواز سفـر مزوّر كـسـوّاح وبقـينا فـيها أكـثر من أسـبوع مرَرنا خـلالها عـدة مرات بجانب كـنيسة للأورثوذكـس في مركـز العاصمة صوفـيا ودخـلنا فـيها يومَي سـبت ( متـتاليَـين ) حـيث تكـثر فـيها مراسيم الزواج فـشاهـدناها وإشتركـنا في تـناول الحـلويات التي كانت تـُـوَزّع للحاضرين . ثم سافـرنا إلى سْـكـوﭘـيا الحـدودية مع اليونان ( يوغـوسلافـيا المقـسَّمة ) ومكـثـنا مدة ليلتين في فـندق سياحي عـند الحـدود ، ومنها دخـلنا الأراضي اليونانية ليلاً ومشياً عـلى الأقـدام لمدة أربع ساعات وعـشر دقائق فـركـبنا حافـلة قـديمة تـنـتـظرنا في منـطـقة خالية وبعـد تسع ساعات وربع وصلنا ساحة إيـﮔالـيو حـيث يتجـمع العـراقـيّـون .

في أثـيـنـــا

وصـلنا ساحة إيـﮔـاليو / أثـينا في حـوالي الساعة التاسـعة والنصف من صباح يوم 4/11/1992 ، فـصادَفـَـنا رجـل ألقـوشيّ ( صباح ) من معارفي تربـطـني به صلة بعـيـدة فأخـذَنا إلى داره وتـناولـنا الـفـطـور ثم جاءت إلينا سيدة من معارفي ( وارينة ﮔـورﮔـيس / شـيّوز) زوجة ( نوري ريّس / ألقـوشي تعـرفـتُ عـليه هـناك ) وقـضينا نهارنا عـندهـم حـتى المساء حـين قادتـنا إلى دير الأم تيريزا القـريب من دارهـم واستحـصلتْ موافـقة الراهـبات عـلى أنْ نسكـن فـيه ومكـثـنا في ذلك الدير ما يقارب السنة ، ثم أربع سنين في دار مستأجـرة دون أن نـقـطع صلتـنا بالـدير الـذي كان يُقام فـيه صباح كل يوم أحـد قـداس لاتيني نحـضره بدون مشاركة فـعالة منا بسبب اللغة والألحان الإنـﮔـليـزية غـير المألوفة لدينا ، أما في المساء فـكان يُقام فـيها قـداس آخـر حـسب الطخـس البـيزنطي ( كاثوليك يتبعـون روما ولكـن مظهـرهـم كـثير الشبه بالأورثوذوكـس ) يقـيمه كاهـن شاب متواضع مرح ذكيّ يترجـم إيمانه وأقـوال الرب يسوع إلى أعـمال وخاصة في المجال المادّي ، هـو الأب مكاريوس من دير المخـلـّـص / صيـدا ـ لبنان جاء إلى اليونان لدراسة الموسيقى لمدة تسعة أشهـر . وقـد تعـلـّـمْـنا هـذا القـداس البـيزنطي إلى درجة أنـنا كـنا نشارك فـيه بصورة جـيدة جـداً ( في بداية تعـرّفي عـلى الأب الفاضل طـلبتُ منه تسجـيلاً صوتياً للفـقـرات الرئيسية للقـداس كي أتعـلـّمه بسرعة ، فـسجّـله لي بصوته عـلى كاسيت أحـتـفـظ به إلى الآن ) ، ويتميّـز عـن طخـسنا الكـلداني بأن فـقـراته ذات ألحان ثابتة تـُـرَنـّم بمقام واحـد لا يمكـن للشماس أن يتـناور فـيها كـيفـما يشاء ، ولأن فـرصة مكـوث الأب مكاريوس في اليونان كانت محـدودة فإن الذي إستطاعه تعـليمنا هـو القـداس ( حـسب اللحـن الرابع- بـيات ) فـقـط وكـتبه بهـيئة مَـقاطع وعـلى النوتة الموسيقـية لراهـبات الدير اللائي كـنَّ يشاركـن معـنا قـراءة وعـزفاً عـلى الـﭘـيانو ، وكم من مرة سألتُ الكاهـن أن نغـيّر المقام ( اللحـن ) كي نـتعـلـّم غـيره فـكان يـبتسم وكأنه يريد أن يقـول أن ذلك يتطلب أن نقـضي فـترة طويلة لتـَعَـلـّمه . كانت الكـنيسة تمتلىء بالعـراقـيّـين ومن بـينهم عـدد لا بأس به من شمامسة ذوي الأصوات الشجـية أغـلبهم ألقـوشيّـين ( إنْ لم أقـل جـميعهم ) ، أما الرسالة ( شليحا ) فـكـنا نقـرؤها بلغـتـنا الكـلـدانية وباللحـن الخاص بالقـداس الإحـتـفالي مثـلما تعـلـّمْـناه في ألقـوش . إنّ الأب مكاريوس لم تـتوفــّر له الفـرصة ليسْمع قـداسـنا الكـلداني مِنْ قـبْل إلاّ أنه لكـونه موسيقـياً خـبـيراً بالألحان وذو أذن حـسّاسة فـقـد قال لي أنّ قـراءتي للرسالة أكـثر توازناً موسيقـياً وإيقاعاً وتقـبُّلاً للأذن مقارنة مع قـراءات غـيري من الشمامسة ، وبمرور الأيام عـلـّمْـناه أن يقـول الكـلام الجـوهـري باللهجة الألقـوشية . وخـلال فـترة وجـوده في اليونان كان هـو الكاهـن الذي يقـدّم خـدماته الروحـية للعـراقـيّـين المقـيمين في أثـينا من : عـماذ ، زواج ، مرافـقة الموتى إلى مثـواهم الأخـير ، وكان هـو المناول للقـربان المقـدس الأول للأطفال عام 1993 من تعـليم وارينة ﮔـورﮔـيس والشماس ماهـر ( حالـياً في أميركا ) . لقـد كان أباً رائعاً إعـتـدنا نحـن بعـض المقـرّبـين إليه أن ندردش معه بعـض الوقـت في ساحة الكـنيسة بعـد إنـتهاء القـداس مساء كل أحـد ومن هـناك نـترافـق سوية في سهـرة يليق بها أن نسمّيها روحـية في دار الأخ نوري ريّـس حـيث الأحاديث الدينية والنكات العـراقـية ، وقـد ردّد لنا مرّة أهـزوجة رتـّـبها كـهـنة دير المخـَلص باللهـجة اللبنانية هي أشبه بمداعـبة المطران والقـُسس بصورة عامة . وكان لإبن نوري آلة موسيقـية بسيطة جـداً ( ﭘـيانو ) فإستغـلها الأب الفاضل في العـزف عـليها مرة ونحـن نـنشد ألألحان الكـنسية أو الأغاني الشعـبـية المعـروفة ، وبعـد العـشاء كان لا بد للأب أن يغادر إلى المطرانخانة في منـطـقة آخـرنـون حـيث يسكن ، فـكـُـنا نرافـقه كل مرة وكأنـنا نودّع عـريساً إلى الشارع العام حـيث يتكـفـّـل الأخ نوري بسيارة الأجـرة ، واستمرّينا هـكـذا حـتى غادر اليونان راجعاً إلى لبنان . وأتـذكـر أنـنا إحـتـفـلنا بالأوشعـنا لتلك السنة وفي كـنيسة الأم تيريـزا عـلى الطريقة المألوفة في ألقـوش والقـرى المسيحـية العـراقـية ، فـعـند بداية القـداس خـرجـنا بأهازيجـنا إلى الشوارع المحـيطة بالكـنيسة ونحـن نردّد كل أناشيدنا الكـلـدانية والعـربية وإندهـش لها اليونانيّون أهـل المنطقة تلك ثم رجـعـنا إلى الكـنيسة فأكـمَـلـْـنا قـداسنا .

مجّـاناً أخـذتـُم مجّـاناً أعـطوا :

إن أكـثر اللاجـئين أنفـقـوا مدخـّـرات حـياتهم في هـروبهم من بلدانهم سالكـين طرُقاَ سرية وخـطِرة مستسلمين ومسلـّمين حـياتهم إلى قـيادة سماسرة تهـريب البشر ورحـمتهم اللارحـيمة . وهـكـذا وصـلتُ بعـائلتي ( ستة أشخاص ) إلى أثينا ومعي 64 $ أميركي ( وأنا مديون 100 $ لسمسار عـراقي في صوفـيا ) ولم أكـن أملك غـيرها في هـذه الدنـيا غـير ثـقـتي بالله وبنفـسي . وعـليه فـقـد أسعـفـنا دير الأم تيريزا بأغـلب مستلزمات الحـياة ، هـذا جانب ، ومن جانب آخـر لم أكـن أعـرف لغة البلد كما يصعـب عـليّ تعـلـّمها وأنا في تلك المرحـلة من العـمر وأولادي أطفال صغار ، بالإضافة إلى أن مهـنـتي في العـراق لا يمكـن إستـثمارها للعـمل في اليونان ولا أعـرف أحـداً هـناك ، هـذه الأسباب كلها جـعـلتْ الجـيب فارغاً في الوقـت الذي لا بد من أنـنا سنحـتاج إلى بعـض النقـود ، فـما العـمل ؟ كان في الـدير رجل متـزوّج وله ثلاثة أولاد ، ويكاد وضعه وظروفه مشابهة لتلك التي لي وقـد إتـّـفـقـنا أن نذهـب سوية إلى المطرانخانة كـملجأ عـسى أن تـُسعـفـنا بـبعـض الدراهـم آنياً عـلى الأقـل ، ولما قابلـْـنا الأب مكاريوس هـناك وطرحـنا عـليه الفـكـرة قال : أن المطران طيّب القـلب وذي صدر رحـب ولكـنـني لا أعـتقـد بأن له خـُـططاً لمساعـدة اللاجـئين بالطريقة التي تريدونها ، وأضاف الأب : ولكـن إسمحـوا لي أن أرى ما الذي عـندي ، فـمـدّ يده إلى جـيـبه وأخـرج 000 60 دراخـما ( 300 $ أميركي في حـينها ) وقال هـذه لكـما ! قـلتُ له : يا أبونا … إنك طالب تدرس هـنا في أثينا وليس لك مورد مالي ، وإذا صادف أن تـكـرّم أحـدهـم بـبعـض المال لك عـن خـدمتك له فأنت بأمسّ الحاجة إليها ، فـقال الأب : كـلامك صحـيح ولكـن هـذه أخـَـذتـُها مجّاناً والرب يقـول في الإنجـيل ( مجّاناً أخـذتم مجّاناً أعـطـوا ) . قـلتُ لصاحـبي : أنـني رأيتُ كـهـنة كـثيرين في ألقـوش وبغـداد وكـركـوك ( طبعاً الآن في أستراليا أيضاً !!! ) ولم أصادف أن نطـق أحـدهـم بهـذه العـبارة أمامي أبـداً .

ووفاءاً مني للأب مكاريوس فـعـنـد سفـري إلى سوريا في شباط 2012 مررتُ عـنـده في دير المخـلص القـريـب من صيـدا / لبنان لمدة ــ ساعـتين فـقـط ــ فـتـفاجأ أولاً بزيارتي له وأكـرمته بأضعاف كـرمه لي أيام زمان ، وشاركـتُ الرهـبان في غـدائهم ، وأثـناء ذلك قال الأب مكاريوس عـني لرئيس الـدير : هـذا شماس من ألقـوش / عـراق سـيُـسمِعـك صوته !! فـرتـلـتُ له (( إمـَّـر لي عـيـتا … )) فسألـني هـل أن جـميع ألحانـنا بهـذه الروعة ؟ قـلتُ له : نعـم ولكـن مع الأسف فإنها تـتعـرض بمرور الزمن إلى الـتـشـويه لأنها غـير مـدوَّنة موسيقـياً بالـنـوتة ، عـدا المسجـلة منها صوتياً فـقـط .

موقـف مشـرّف لـثائر ياقـو خـيّاط ( تومكـّـا ):

عـلمتُ أنّ كاهـناً كـلدانياً مقـيماً في أميركا كان قـد قـدِم إلى أثـينا ـ قـبل وصولي إليها ـ إما في نهاية عام 1992 أو مطلع عام 1993 حاملاً معه تبرّعات جـماعة من أميركا للاجـئين العـراقـيّـين في أثينا مقـدارها ( 800 $ ثمانمائة دولار ) وسـلـّمها إلى شخـص لا أعـرفه . ولأجـلها شـكـّـلوا لجـنة من عـدد من الرجال من قـرى مخـتـلفة (( لدراسة أنجع الطرق المحـلية وأفـضل السبل الوطنية وأعـدل الوسائل الدولية دون مخالـفة الـبنـود القانونية للمنـظمات الـدولـية ، لـتـوزيع تلك المَـبالغ الـنـقـدية )) فـعُـقـدَتْ إجـتماعات عـديدة ودارت نقاشات مـديـدة وجُـمِعَـتْ آراء سـديـدة لتحـقـيق تلك الغاية الحـمـيـدة . وكان من بـين الإقـتـراحات ــ المطروحة عـلى طاولة الـبحـث ــ والـتي ذكـرَها رجـل من بـين أعـضاء تلك اللجـنة في أحـد الإجـتماعات : أنّ هـناك شاباً في الـدولة الفلانية يحـتاج إلى بعـض الـنـقـود لـيكـمّـل فـلوسه للقـﭽـخـﭽـي ويـصل إلى أثينا ، وعـليه أرى أن نبعـث له بعـض النقـود ….. وذكـر آخـر أنّ هـناك إمرأة عـجـوزة محـتاجة ….. وثالث قال أن هـناك عائلة ذات أربعة أطـفال وصلـتْ حـديثاً تسكـن في الدير والوالِـدان لا يشتغـلان ويستحـقـّـون بعـض المساعـدة ( المقـصود بها عائلتي ) ….. إلى هـنا فإن هـذا الكلام لم أكـن أعـرف به إلاّ لاحـقاً .

كان من عادتـنا أن نبقى أكـثر من نصف ساعة في ساحة كـنيسة الدير بعـد نهاية قـداس يوم الأحـد المسائي ، نـتبادل التحايا ونـتجاذب أطراف الحـديث ونستـفـسر عـن مصير كـل واحـد منا . وفي إحـدى المرات من عام 1993 ( وعائـلتي لا تـزال تسكـن الدير ) وبعـد قـداس مساء الأحـد جاءني الأخ ــ ثائر ياقـو تومكـّا ــ ودعاني إلى خارج ساحة الكـنيسة وصار يستـفـسر عـن أحـوالنا بصورة عامة ، فـوضع ظرفاً في جـيب قـميصي ، خـمّـنـتُ أنّ فـيه صوَراً أراد مفاجأتي بها فـقـلتُ له : ما هـذا الظرف ؟ قال : لا شيء ، ولما تحـسّـسْـتـُه لم أرَهُ سميكاً ! بمعـنى ليس فـيه صور وإنما دلّ عـلى وجـود ورقة قـد تـكـون رسالة ، وعـندها سألـتـُه : ممن هـذه الرسالة ؟ قال : ليستْ رسالة وإنما فـيها بعـض الشيء خـذه لك ! وهـنا تطلـّـب الأمر أن أفـتح الظرف فـتـفاجأتُ حـين رأيتُ فـيه نقـوداً ( 300 $ ) ولما سألتــُه ما هـذا ؟ قال : إنه مبلغ بسيط لك ؟ قـلتُ له : ممن هـو وما الذي أعـمله به ؟ قال : إنه من فاعـل خـير لعائـلتـكـم ، قـلتُ له : ما الذي ستعـمله عائلتي به ؟ قال : لمصرفـها اليومي ، قـلتُ له : إن عائلتي ليستْ محـتاجة لأن راهـبات الدير يوفــِّرنَ لها كل مستلزمات الحـياة . قال : خـذه لك ، قـلتُ : وأنا أيضاً لستُ بحاجة إليه لأن الراهـبات يزوّدنـَـني بكـل إحـتياجاتي من شفـرات الحـلاقة حـتى بطاقات التـنقــّـل … قال : ومع ذلك إحـفـظه في جـيـبكَ ، قـلتُ له : لا ! فأنا لستُ بحاجة إليه عـلى الإطلاق وشكـراً ، قال : إنه جـزء من مبلغ جاء به أحـد الكـهـنة من أميركا لتوزيعه عـلى العـراقـيّـين المحـتاجـين وليس منـّـية من أحـد ، قـلتُ له : بارك الله بالكاهـن وبكَ ، وأنا لستُ بحاجة إلى أي مبلغ من المال لأنـنا لسنا ندفـع بـدل إيجار ولا قـوائم صرفـيّات ، ولكـن توجـد عـوائل هي بحاجة فـعـلية إلى أيّ مبلغ كان لأنها تسكـن في دار مستأجـرة ….! ومهما ألحَّ عـليَّ إلاّ أني رفـضتُ أخـذها فإسترجع ذلك الظرف مني وإعـتذر وسلــّمه إلى اللجـنة المعـنية . وفي يوم الأحـد التالي وفي الكـنيسة نفـسها جاءني السيد نافـع حـبـيـب بابلاّ وإعـتذر مرة أخـرى وقال : لقـد حـصل سهـوٌ ولا تؤاخـذنا عـلى ذلك ، قـلتُ له : لا أبداً ، بل عـليّ أن أشكـر مشاعـركم وإذا كـنتُ في ظرفٍ آخـر كان عـليّ أن أساهـم معـكم في تـقـديم المساعـدة للمحـتاجـين مهـما كان نوعـها . وبعـد أيام أخـبرَتـني إحـدى السيدات – رحـمها الله – أن السيد صبري عـوصـﭽـي مدحـني قائلاً عـني أنـني رجـل شهم لم أقـبل تلك المنحة وإنما فـضـّـلتُ أن تـُـعـطى لغـيري …

 مايكل سيبي

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *