ذكـرياتي في رحاب الكـنيـسة ــ الحـلقة الثامنة عـشرة ــ الكـلـدان أصالة وإيمان

المقال الإفـتـتاحي في جـريدة ( عـما كـلدايا ) الغـرّاء :

أقام الكـلدانيون سنة 2001 في مدينة ملبورن إحـتـفالاً بمناسبة عـيد رأس السنة البابلية ( أكـيتو ) ، ومن الطبـيعي أن تدعى الشخـصيات الكـلدانية إليه قـبل غـيرها وفي مقـدمتهم كاهـن الرعـية الكـلـدانية هـناك للمشاركة فـيه لكـنه إمتـنع عـن الحـضور ! وأكـيـداً تـلقى توجـيهات من سيده الآمـر ، ولم يكـتـفِ بـذلك بل هـيّأ مقالاً يـذمُّ فـيه المحـتـفـلين الكـلـدان ومتهماً إياهم بالإنـتماء إلى تـنظيمات سياسية ، وأراد نشر المقال في مجـلة الكـنيسة ( نوهـرا ) بإسم هـيئة التحـرير التي إعـتـرض أعـضاؤها عـليه !! فـنـشره بإسمه الشخـصي ولم يُـبال لمشاعـرهـم قـيـد أنملة ، ولما كـتبنا مقالاً إفـتـتاحـياً بهـذا الشأن لجـريـدة ــ عـما كـلـدايا ــ في العـدد الرابع الصادر في شـهـر أيار 2001 منع الأخ الكاهـن تـوزيع ذلك العـدد في ساحة الكـنيسة ، وفي نهاية المطاف ترك كـنيسته الكـلـدانية …

المقال الإفـتـتاحي ــ الكـلدان أصالة وإيمان

تجـري مياه الأنهار من إنصهار ثلوج متراكـمة أو ينابـيع طبـيعـية في الجـبال والوديان ، أصولها مرتبطة بـبحار من المياه الجـوفـية ، لسنا نحـن بصدد الإبحار فـيها وإنما أوردناها مثلاً لنقـول إن الشعـب الكـلداني نابع من أصول عـميقة في تاريخـها غـزيرة بتراثها غـنية بلغـتها تستحـق الإفـتخار بها والإعـتزاز بأمجادها كـيف لا ، والكـلدانيون هـم أهـل العـلوم المخـتلفة وآثارهـم تدل عـليهـم . إنـنا أحـفاد أولئك العـظام حـريّ بنا أن نفـتخـر بأصلنا حافـزاً للغـد ، أليس الإفـتخار بالأجـداد أصالة ؟ إن مَن لا يشعـر بذلك قـد يكـون منبثقاً مِـن جـدار وهـذا شأنه وحـده . وعـلى صعـيد آخـر فإن عـبقـرية العـقـل الكـلداني وقـبل آلاف السنين لم تقـبل بالفـراغ الفـكـري ولم ترتض أن تستسلم للمصير الغامض ، ولكـن هـذا العـقـل أعـجـب بالكـون وقـوانينه وإندهـش لدقة حـركاته ، لذا نسب كـل ذلك إلى قـوى قـديرة تستحـق العـبادة فإفـترض أو ظن بوجـود آلهة فـصوّرها أصناماً ولقـّـبها أسماءاً ( حـيث لم تكـن قـد وصلتهـم رسالة رسـول أو نبـوّة نبي ليتعـرفـوا عـلى السرمدي مبدع الكـون والحـياة ) .

نعـم كان أجـدادنا الكـلدانيون وثـنيـين ونحـن مُـنعَـمون بمعـرفة خالقـنا رغـم أن البعـض لا يزال وثـنياً في صومعـته يفـكّـر بالمادة والمنصب وفـرض الرأي وحُـبّ الظـهـور وحـسابات الجـمع والطرح بعـيدة المدى . فـقـد كان الإله مردوخ في بابل ، وفي مدينة أربـيل أربعة آلاهة ، وآشور في نينوى التي جاءها النبي يونان وأبلغ أهـلها بأن غـضب الله آتٍ عـليهم ما لم يتوبوا عـن شرورهـم ، فـلبوا النداء وانقـطعـوا عـن العـمل ثلاثة أيام صائمين راكـعـين عـلى الرماد طالبـين الغـفـران من ( الله ) الذي جاء من عـنده يونان ولبساطتهم خافـوا منه واعـتبروه إلهاً من الآلهة يتميّز بالذكاء والقـوة ، وبقي أهـل نينوى من بعـد ذلك عـلى وثـنيتهم شأنهم شأن أهـل بابل أكـثر من 700 سنة وظـلـّوا يمارسون هـذا التقـليد الوثـني حـتى بعـد تقـبّـلهـم بشرى الخـلاص عـلى يد مار ماري تلميذ مار أدّي . وإزاء ذلك ، هـل يمكـن القـول بأن الكـنيسة تمارس طقـوساً وثـنية موروثة من أجـدادنا الوثـنيّـين ؟ طالما أن هـذا الفـعال يتصف بالتقـوى والرجـوع إلى الرب وطلب الغـفـران منه ؟ .

فـلـقـد تفاجأنا بمقالة في مجـلة نوهـرا الغـراء كـتبها قـلم واحـدٍ من أهـل البـيت إستمدّ حـبره من قـنانيَ مجـهـولة ، تعْـظم في عـين الصغـير ، وتصْغـر في عـين الكـبـير ، يقـول فـيها : إن الإحـتـفال برأس السنة البابلية ( وأسلوبه يؤكـد بأنه ضعـيف في مادة التاريخ ) هـو عَـودَة إلى الوثـنية ، ونسي أو لم ينـتبه إلى أن طقـوس الباعـوثا التي يمارسها هـو ( وإستـناداً إلى تأويلاته وتحـليلاته هي الوثـنية بعـيـنها ) . ولطالما كان أصغـر منا عـمراً فـهـو أقـل خـبرة ولن نبخـل أن نسدي له نصيحة لنقـول له : إن التقاليد الموروثة التي لا تـتعارض مع إيمانـنا بالله ، لا غـبار عـليها .

كـتب القـلم وكأن صاحـبه يخـطب بـين جـموع من سُكان غابات الأمزون في الماضي ، لم يسمعـوا قـط بإسم يسوع ، ويـبدو أنه لا يدري بأنـنا نحـن الكـلدان قـبـِلنا يسوع المسيح مخـلـّصنا منذ ألفـَي عام طريقاً وحـقاً وحـياة لنا يسكن قـلوبنا وهـو إعـتزازنا ، نعـم المسيح فـخـرنا إيماناً وعـقـيدة مثلما هـو للروس واليونانيّـين والإيطاليّـين ، ولكن هـل نـنسى أصلنا لنكـون بدون أصل ؟ وهـنا أقـول : لقـد فاته أنه يصلـّي كل يوم مع المبتهـجـين بدخـول الملك يسوع أورشليم فـيقـول : أوشعـنا لإبن داود ! لماذا داود ؟ أما يكـفي للرب أن يكـون هـو الإله المتجـسّد ؟ وربما لم يقـرأ ما قاله ﭘـولص الرسول في معـرض دفاعه عـن نفـسه في القـلعة بأورشليم : أنا يهـودي ومواطن روماني ! ولم يقـل أنا مسيحي أبشـر بالمسيح !! أيريد صاحـبنا أمثلة من العـهـد القـديم ؟ كان أبونا إبراهـيم فـخـوراً بقـوميّـته حـينما أوصى وأصَرّ أن يخـطب لإبنه إسحاق فـتاة من أرض آبائه آرام النهـرين ! أما كان ذلك إعـتزازاً بأصله ؟ وهـكـذا فـعـل إسحاق لإبنه يعـقـوب . أيسألنا مثلاً حـياً اليوم ؟ هـو ذا قـداسة الـﭘاﭘا يوحـنا ﭘـولص الثاني ينزل من الطائرة وقـدماه تطآن وطنه الأرضي ﭘـولونيا فـيُـقـبّـل ترابها ! فـليسأل كاتبنا قـداستــَه ، لماذا ؟ وقـد يقـول معـلـّمنا ما لنا وللـﭘولوني ، نقـول طيّـب ، هاك مثال لرفـيق لك في الإيمان . فـلقـد قال الأب ميخائيل بزي أثـناء زيارته لأستراليا في أوائل التسعـينات : إنـني أحـتفـظ بحـفـنة من تراب بلدي تحـت مخـدتي ليرتاح رأسي عـلى تراب أجـدادي ! فـليسأله لِـمَ ذلك التراب ! . أيريد المزيد ؟ فـعـندنا الكـثير . فـفي أكـثر من مناسبة يوصي كاهـن كـنيستـنا ويصرّ عـلى التشبـث والإعـتزاز بقـوميتـنا الكـلدانية وخاصة في المواقـف الرسمية ، وهـذا موقـف مشـكـور . ولنذكـّره إنْ نفـعـتْ الذكـرى ، إنّ الكـنيسة التي قـبــِلتـْه غـصيناً فـيها تسمى : كـنيسة بابل للكـلدان . فـهـل أن يسوع المسيح أو أحـد تلامذته أوصوا بهـذه التسمية ؟ إن مَن يريد الإصطياد بالماء العـكـر، يذهـب إلى المستـنقـعات وليس إلى ينابـيع المياه الصافـية ، فـلقـد ولـّت الأيام التي كان يقال لأحـدهـم : هـذا فـيه روح شريرة إحـرقـوه . وذلك جـدّفَ عـلى الصنم الفـلاني إقـطعـوا رأسه . وقـد فات زمن السكـوت بوجه مَن يَغـيْر من ضوء الشمعة المنيرة فـيشوّه سمعـتها قائلاً : إنها حارقة ، ولن ترجع الأيام التي كانت فـيها الفـلسفة واللاهـوت والعـلوم الأخـرى مقـتصرة عـلى جـماعة . وقـد كـتـب صاحـبنا عـن البعـض وعـن القـومية والمؤرخـين فـهل يُريد منا أن نكـون منبراً للوعـظ ؟ فـنحـن لها . وإذ قال : نعـم ، فـسيقـرا من كـتاباتـنا ، الفـلسفة واللاهـوت ما يجـعـله يندهـش . أما عـن ذكـره كـلمة السياسة في أسطره فإنـنا نقـول له بالحـرف الواحـد : إن مَن يخـدم سيدين هـو المتورّط في السياسة فـهـل يريد منـّا تعـبـيراً أوضح ؟.

ولنا كـلمة أخـيرة نقـولها له رجاءاً ، أنْ يُـفـرق بـين الوثـنية والعـيد ، فـفـي عـيد رأس السنة البابلية ، لم يـؤتَ بصنم في قاعة الإحـتفال ، ولم يُردد هـتاف : يعـيش الإله الفـلاني ولم تـفـرش سجادة للصلاة وإنما كان نشاطاً ترفـيهـياً لتـنمية المشاعـر القـومية عـند شعـبنا الكـلداني ليس إلاّ . فـقـد ألقـيتْ قـصائد بلغـتـنا الجـميلة عـن الحـبّ والهـجـرة والبطولة والمعاناة كـلها من أحـداث الساعة وليس من حـوادث آلاف السنين خـلتْ . إن إعـتزازنا بقـوميّـتـنا لن يكـون عـلى حـساب كـراسي غـيرنا ، إطمـئـنوا .

زيارة الـﭘاطريرك مار روفائيل بـيداويذ :

بتاريخ 10/11/2001 زار غـبطة الـﭘاطريرك المرحـوم مار روفائيل بـيداويذ سـدني / أسـتراليا وإفـتـتح رسـمياً البناية الجـديدة لكـنيسة مار توما الرسـول الكاثوليكـية للكـلدان . وبعـد القـداس شاء الكـثيرون أن يلتـقـطوا صوَراً شخـصية تذكارية مع غـبطته ــ لوحـده ــ إلاّ أن نيافة القـس ( أبو الكـنيسة ) أبى إلاّ أن يكـون طـفـيلـياً ويقـف بجانب غـبطته مع كـل شـخـص إلـتـقـط صورة منـذ الأول وحـتى الأخـير ، كي ينـتـفخ بـوقـوفه مع الـﭘاطريرك من جهة ، ويراقـب المشهـد خـوفاً من أنَّ أحـداً يكـلـّم الـﭘاطريرك أو يسـلمه رسالة أو أي شيء من هـذا الـقـبـيل .

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *