حـول تساؤلات السيد أبرم شبيرا

مع احترامي للسيد أبرم شبيرا، فإن قـوله في مستهل مقاله المعنون ( أين كنيسة المشرق

الآشورية من صخرة بطرس ؟؟؟ ) < أكره شيء الى نفسي هو التدخل بشؤون الآخرين ،

فمثلما لا نقبل نحن العـلمانيين الأصح “العـلمانيون” من رجال الكنيسة التـدخل بشؤوننا

القـومية والسياسية كذلك من المؤكـد أن لا نتدخل في شؤون الكنيسة ورجال الدين > لا

ينطبـق على واقعـه ، فإن أغلب مقالاته وإن كانت عناوينها غير ذات صلة كنسية لكنها

تـتطـرَّق الى الشؤون الكنسية ، ولا سبيل الى الإشارة إليها فهي كثيرة ولكنني أشير الى

إحداحا للدلالة وكانت بعنوان ( الكلدان والدعوة القـومية ) وبعد مقدمةٍ طويلة وغير متجانسة

ومشوهة قال <<  في منتصف القرن التاسع عشر تحددت المعالم الرئيسية للكنيسة الكلدانية

الكاثوليكية واستقرَّت امورها القانونية والرسمية وتحديداً في شهر كنون الأول من سنة

1847 عندما ثبت الفاتيكان مار يوسف اودو بطريركاً على الكنيسة وأطلق عليه ولأول مرة

اسم بطريرك بابل على الكلدان بعد أن خضع للفاتيكان فيما يخص أتباع الكنيسة في ماللِبار

الهندية ، ثم اعترفت السلطات العثمانية بالكنيسة وشملتها بنظامها المعروف بـ ” نظام

المليت ” الذي كان ينظم العلاقة بين المسلمين الحاكمين والمسيحيين الخاضعين ، فمنذ تلك

الفترة بقيت الكنيسة ورعيتها دائماً وبشكل مستمر موالين للسلطات المركزية والمحلية ولم

 يتدخلوا في المسائل السياسية إطلاقاً ولم يطالبوا بحقوق سياسية أو قـومية ولا إدَّعوا بأنهم

يشكلون قـومية معينة أو أثنية خاصة بأتباعها منفصلة او مختلفة عن بقية أتباع فروع

كنيسة المشرق وتحديداً أتباع كنيسة الأم ” الكنيسة النسطورية ” >> . وهنالك مغالطات

وتلفيقات وأوهام اخرى كثيرة في متن المقال ، وهنا لست في صدد الرد على هذه التخرصات

النيلية الحاقدة ، وإنما لجلب انتباه القراء الى عدم مصداقية السيد شبيرا فيما يكتب وبخاصةٍ

عندما يتعلق الموضوع بالأمة الكلدانية التي تعود طائـفـتُه الكلدانية النسطورية الإنعزالية

بجـذورها إليها ، فـتـنكَّرت لهذه الجـذور وتبنَّت الإنتماء الى جـذور غريبة لا صلة لها بها ،

 وإنما أغـريَـت لفعـل ذلك إن لم نَـقُـل خُـدعـت وأجبرت على انتحال تسمية وثنية لدولةٍ غابرة

هي ” التسمية الآشورية.

 

 

 

 وفي إحدى فقرات مقدمة مقاله موضوع التساؤلات ، التي لا يخفى مضمونها على أبسط

مسيحي ، حيث يعلم أن العدو الإرهابي هو عدو ديني، فبالرغم من علمه بانتماءاتنا القومية

 والمذهبية فهو غير معنيٍّ بها، وهذا لا يعني أنه بذلك يوحدنا بل إنما يستهدفنا على هويتنا

الدينية ، فهل هذه شطارة يا سيد شبيرا ؟ إن كُلَّ سياسيينا ورجال ديننا يملكون النظرة

التوحيدية التي أعني بها ” توحيد الخطاب والمسعى ” ولكن الطائفة الإنعزالية الضئيلة العدد

تسعى للهيمنة واحتواء الأمة التي خرجت من صلبها ! هل تريد أن تذعن الأمة للفـرع ؟

 

 

 نعم يا سيد شبيرا، إن كُلَّ رؤساءالكنائس قد قرأوا ما قاله يسوع له المجد لبطرس : أنت

 الصخرة وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وقوات الجحيم لن تقـوى عليها : ويُـقـرون

بأولـوية اسقـف روما ( البابا ) خليفة بطرس الصخرة . وكانوا كذلك حتى ظهور أصحاب

البدع والهرطـقات الذين غرَّهم المجد الدنيوي ، فابتعـدوا عن الكنيسة الأم الجامعة مؤسسين

 لهم كنائس انفرادية ، ومن جملتهم الكنيسة الكلدانية النسطورية ، وبمرور الزمن اكتشفت

خطأها وراحـت تسعى الى ايجاد حلٍّ والكثير منها عادت الى حظيرة الصخرة البطرسية ،ومن

 بينها الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية . ولا زال الباقـون يقطعـون الطريق ويحتاجون مزيداً من

 الوقت الذي لن يكون طويلاً بعون الله ، وهذا ما دَلَّت عليه زيارات خلفاء مار بطرس ولا

سيما يوحنا بولس الثاني وبينيدكتس السادس عشر . والكنيسة الوحيدة المعاندة في العالم ،

هي الكنيسة النسطورية المتأشورة بشقيها ، الكنيسة الأصغر بين جميع الكنائس . وهذا العناد

 الذي يخالف ما تُقـرُّه كافة الكنائس وهو قيام الكنيسة النسطورية بنبذ المذهب النسطوري

وإدانة تعاليم مُبتدعه نسطور بشكل علني وصريح هو الجواب لتسؤلاتك يا سيد شبيرا ولا

يحتاج الى شرح أكثر . وكنيستك النسطورية ليست أقدم كنيسة بل يبدأ دورها عند انعزالها في

 منتصف القرن السادس عشر ، ورغم هذا الإنعزال فإن كُلَّ بطاركتها كانوا يُرسلون بصيغة

ايمانهم الى السدة الرسولية في روما ويذيلونها بعنوانهم الشهير ” محيلا بطريركا دكلدايي “

حتى عهد البطريرك شمعون الرابع عشر 1700 – 1740 الذي قطع الوصال مع روما واحتفظ

 بالعنوان فقط . والعنوان هذا كان يُنقش معطوفاً على اسم كُلٍّ منهم حتى آخرهم شمعون

ايشاي الحادي والعشرين ، وبعد اغتياله في عام 1975  ومجيء دنحا الرابع تغير كُل شيء

حيث إتخذ لقب بطريرك الآثوريين ، ويمكن أن يُعتبر البداية للكنيسة الآثورية النسطورية .

 

 

   

 ليس هنالك صراع بين الكنائس ما عداصراع الأقباط مع النساطرة الكلدان الذين تبنوا

التسمية الآشورية ولا زالوا متشبثين بالمذهب النسطوري الذي يعتبرونه هرطوقياً ولا تعترف

به أية كنيسة بالعالم وهذا الأمر ليس بخافٍ على أحـد . وهو العائق الوحيد. ولو لم يكن ذلك

 لماذا لا تُعادي الكنيسة القبطية الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية لأنها نبذت المذهب النسطـوري

 منذ منتـصف القرن السادس عشر ، ألم تكـن الى هـذا التاريخ نسطورية المذهـب ؟ وإن كانت

 والحـق يجـب أن يُـقال نسطورية بالإسم ولكـنها بالـفعـل كانت كاثوليكية غير عـلنية . أما

القسم الضئيل مِن أبنائها الذين أصرَّوا على بقاء كنيستهم في بودقة النسطرة ، طبقـوا تعاليم

نسطور بعـد تأشورهم بحـذافـيرها ، وهذا الذي جعل جميع الكنائس أن تُقاطعهم ولا تعترف

بكنيستهم . وهنا يحضر السؤال : هل إن كُلَّ هذه الكنائس التي يجمعها < مجلس كنائس

الشرق الأوسط > وهي : الكنائس الكاثوليكية :الكنيسة الكلدانية  والكنيسة السريانية 

والكنيسة الأرمنية : الكنائس الأرثوذكسية الشرقـية : القـبطـية ، السريانية ، الأرمنية :

الكنائس الأرثوذكسية البـيـزنـطـية : الروم والروس وغيرهما . على خـطأ والكنيسة

النسطورية على حـق ؟ وكيف تقبل هذه الكنائس أن تحاور كنيسةً تعـتبر نسطور قديساً

وبإصرار وهي تعتبره هرطـوقياً وأبرز مَن كان سبباً في إحداث الإنشقاق في كنيسة المسيح

الجامعة .

 

 

 أنا لا أعـتقـد بأن مار دنخا الرابع أقـرَّ بصورة ايمانه بحسب المًـعـتقـد النسطـوري، وإلا كـيف

 كان يمكن أن يُقـرَّ قـداسة الـبابا الراحل مار يـوحـنا بـولس الثاني برسولـية الكـنيسة

 النسطـورية ؟ لقـد أقـر البابا برسولية كـنيسة المشرق وأصالة تعـليمها اعتماداً الى أقـوال

مار دنحا الذي ردَّد تعـليـمها القـويم امام البابا الذي كانت عـليه قبل اكتوائها بالهرطـقة . ولم

 يعترف مار دنحا بأن كنيسته تتبنى تعاليم نسطور ؟ ثم كيف يمكن أن يكون الخلاف بين

الكنيسة النسطورية وبقية الكنائس خلافاً باللفظ والكلام في حين إصرارها على كون نسطور

قديساً بالنسبة لها ؟ وكيف يحق لكنيسةٍ نسطورية تسمية نفسها بكنيسة المشرق بعد

انحرافها عن تعليمها ، ألا يُعتبر ذلك احتيالاً على الكنائس الأخرى .

لم تصدر أية قرارات مهمة نتيجة المباحثات التي جرت بين الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية

والكنيسة النسطورية الإنعزالية وإنما كانت مجاملات وتمنيات ، وأتحداك يا سيد شبيرا أن

 تذكر ولو واحداً من تلك القرارات المزعومة ، فقد كانت تأمل الكنيسة الكلدانية أن تعود

الكنيسة النسطورية لرشدها وتنبذ هرطقتها ، ولكنها لم تجرأ لمصارحة أتباعها بعدم صواب

المذهب النسطوري ، بعد أن خدعتهم به طوال قرون ، وعقدة الخوف هذه هي السبب الوحيد

الحائل دون قيام أيِّ إتحاد بل حتى أيّ تفاهم ! ومن هذا المنطلق على أتباعـها تفهُّم معضلتها

التي تخشى البَـوح بها ، تجنباً لثورتهم ضِدَّها . أما إتهامك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية بعدم

الإستقلالية بقراراتها فهو إتهام باطل ومغرض ،لأن أبناء الكنيسة الكاثوليكية لا يتدخلون

بقراراتها إطلاقاً والصحيح أن الكنيسة النسطورية هي أسيرة أتباعها المتزمتين حيث تتوقع

تهديداً جدياً من أتباعها فلا تستطيع إتخاذ أيَّ قرار دون موافقتهم .  نعم يا سيد شبيرا وكُل

 أتباع الكنيسة النسطورية التي مهما حاولتم تغيير إسمها < آثورية قديمة ، آشورية جديدة .

. . فهي نسطورية > . لملكوت المسيح باب واحد وطريق واحد يؤدي الى هذا الباب هو طريق

 المسيح الذي أوكل الصخر بطرس لتعريفه للمؤمنين بالمسيح ، بدءاً بالكباش ثم الغنم

فالخراف بقـوله له ثلاث مرات : أتحبني يا شمعون بن يونا أكثر مِن هؤلاء ؟ وكان يقصد

بهؤلاء تلاميذه الآخرين . وله وحده قال ايضاً : لكَ أعطي مفاتيح ملكوت السموات ، فما

تربطه بالأرض يُـربَـط في السماء وما حَلَـلته في الأرض يُحَـلُّ في السماء ، وكان المسيح

الرب قبل ذلك قد أوصاه بالمحافظة على إخوته التلاميذ ، وهذا ما فـعـل . فلا يمكن معرفة

الطريق للوصول الى هذا الباب إلا من خلاله ، فمتى سترعـوَون ؟ ! ! !

 

 الشماس د. كوركيس مردو

عضو الهيئة التنفيذية

في الإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان

في 30 / 10 / 2010     

 

 

 

 

 

 

 

 

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *