حبيب تومي ونِعمَ الإنسان / بقلم يوسف يوحانا

قال المسيح له المجد – < مَن آمن بي وإنْ مات فسيحيا > وهكذا كان الغالي علينا المغفور له الدكتور حبيب تومي مؤمناً بالمسيح، صبوراً في محنته الصحية المُفاجئة، مُسلِّماً ذاته للإرادة الإلهية! كان ذا مناقب عالية قَلَّ مَن يحملها في هذا العصر. إنساناً مُحِباً، دَمِثَ الأخلاق، مثقَّفاً، هاديء الطبع، مُسامحاً للمعتدين والمتهكِّمين عليه بالكلام الجارح وما أكثرهم. وفي الحقل السياسي كان متمرساً وفي الميدان القومي مناضلاً صِنديداً. كان يَراعُه يُسطِّر بلا مللٍ ولا كلل المئات من المقالات والردود متصدِّياً للمُعادين والمُعتدين على حقوق أمتنا الكلدانية، ومُهيباً بأبنائها لنبذ خلافاتهم الداخلية، والوقوف بشجاعة أمام شراسة المنتقصين من كرامتها والمشوهين لتاريخها المجيد!

لقد جاهد في رسم مسار ليسلكَه إخوتُه المناضلون الكلدان لغرض الوصول الى الهدف السامي من خلال رئاسته للإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان بدورته الأولى، فكان خير إداريٍّ دفع الإتحاد الى البروز وتوطيد وجوده في الساحة الثقافية والنضال القومي والوطني، لقد جاهد بترسيخ الأسُس والمباديء التي يجب أن تتبنَّاها الأحزاب الكلدانية مطالباً إياها بالتآخي وتوحيد الهدف السامي والسعي الى تحقيق مصير الشعب الكلداني وتفعيل دوره القومي والوطني باستقلالية تامة وعدم مطالبة الكنيسة الكلدانية بأية مساهمة عدا الإرشاد وإبداء النصح، إذ إنها مؤسسة روحية وليست سياسية.

لقد كان المرحوم مُساهِماً كبيراً في المُشاركة في أعمال المؤتمرين الكلدانيين اللذين انعقدا الأول في سان دييغو في كاليفورنيا ” مؤتمر النهضة الكلدانية” التي دعت إليه المنظمات الكلدانية برعاية سيادة المطران سرهد جمو والثاني في مشيكان ” المؤتمر الكلداني العام” الذي تبناه المنبر الديمقراطي الكلداني الموحد. لقد حمل المرحوم حبيب الهمَّ الكلداني الى آخر رمق من حياته، باذلاً جهوداً مضنية في بثِّ الوعي القومي والثقافي بين أبناء شعبه الكلداني، لم يبخل بزياراته المتكررة الى الوطن الأم العراق المركز والإقليم، داعياً إياهم الى التكاتف والتعاضد في سبيل امتهم الكلدانية المُجنى عليها من قبل القوى الظالمة البعيدة عن العدالة والمساواة، ولا سيما دُعاة الأخوة الكاذبة المتمثلة بأحزاب منتحلي التسمية الآشورية المزيَّفة وعلى رأسها تنظيم زوعا الشوفيني والمجلس اللاشعبي الأغاجاني، اللذين أعلنا حرباً شعواء لا هوادة فيها ضِدَّ الحزب الديمقراطي الكلداني وأمينه العام المناضل الكبير الأستاذ ابلحد أفرام، إذ كان الحزب الكلداني الوحيد العامل في الوطن الأم، مستخدمين كُلَّ الوسائل الإعلمية الملتوية الجائرة والإفترائية الكاذبة ضِدَّه، من اجل تحجيمه وإبعاده عن ساحة النضال القومي والوطني، فنجحوا في عملهم الشرير.

لقد كشف المناضل حبيب تومي ومن خلال مقالاته الرزينة المجبولة بحب الامة الكلدانيه وارثها الحضاري ولغتها وتاريخها الذي سعى الى سبر غور التاريخ الكلداني الى جانب اخوته المناضلين، ابلحد افرام وكوركيس مردو والباحث التاريخي عامر حنا فتوحي والبروفيسور عبدالله رابي وسياده المطرانين مار سرهد يوسب جمو ومار ابراهيم ابراهيم والاب الفاضل نوئيل كوركيس والاب الجليل صميم باليوس الذي ساعد المناضلين الكلدان في رفع العلم الكلداني الاغر في اغلب النشاطات الاجتماعيه والثقافيه، كذلك الابطال الاخرين مويد هيلو وفواد بوداغ وصباح دمان والبروفيسير البطل نزار ملاخا ومايكل سيبي وناصر عجمايا وموسيسي المنبر الديقراطي الكلداني الابطال منهم الدكتور نوري منصور- قيس ساكو والاستاذ البطل فوزي دلي والاعلامي الكبير شوقي قونجا والمئات غيرهم في الساحه النضاليه والسياسيه من المدافعين عن حقوق الامه.

لقد طالب المرحوم الحكومه العراقيه باعتبار الكلدان من الأقوام الأصيلة في العراق يتمتعون بكامل حقوقهم القومية والوطنية أسوة بالعرب والاكراد ومضمونة دستوريا وطالب بتبوء أبنائهم اعلى المناصب في الدوله وان يكون للكلدان اسم مستقل ضمن الدستورالمركزي ودستور إقليم كردستان. وموطنهم هو العراق باجمعه من الخليج الكلدي حتى ابعد نقطه حدوديه من شمال الوطن وكان المغفور له يطالب الحكومه عدم اعتبار الكلدان اهل ذمه لان هذا انتقاص لكرامتهم وفي الوقت ذاته منافٍ للحكم الديمقراطي والدستور الجديد. كما طالب بحكومة مدنيه بفصل الدين عن الدولة واعتبار الدين لله والوطن للجميع وان يكون القانون هو السائد على الجميع بدون تمييز. لقد تحمل الكلدان كافه صنوف الاحتلال تاريخيا منذ الغزو الفرثيين والمقدونيين والسلوقيين والساسانيين ثم العرب المسلمين القادمين من الجزيرة مؤسسي الدولتين الاموية والعباسية وقد اسقط المغول التتار الدولة العباسية ثم استوت الأقوام المتفرعة من المغول، وكان العثمانيون آخر الأقوام المغولية “الاتراك حالياً” ثم الانكليز والان الامريكان كل هذه الاحتلالات لبلدنا العزيز بلاد الرافدين، بقى الكلدان يتعايشون محتملين كُلَّ هذه الظروف القاهره ومضحين بالغالي والنفيس. ورغم خسارتهم الآلاف من الشهداء الا انهم لم يغادروا بلدهم الا في هذه الظروف التي دخل الاحتلال الداعشي بغفله من الزمن  واباد الاخضر واليابس ولا زال محتلا لأكثر من ثلث البلاد. ولكن حبيب تومي الانسان كان مؤمنا بانتصار شعبنا العراقي وبتوحد فصائله واحزابه الوطنيه والقوميه ضد التدخل الاجنبي بكل اشكاله ومسمياته ليبني حاضره ومستقبله بكل اخاء ومحبه ، ومثبتا الامان والاستقرارلكل ابناء الشعب العراقي – سيبقى ذِكرك يا حبيب لدى مُحبيك عزيزاً واسمك خالداً –

.

عديلك  يوسف يوحانا

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *