جويس بلو : عالمة فرنسية في اللغة الكوردية وعملاقة في اختصاصها

جويس بلو عالمة لغوية مختصة باللغات الشرقية أو بالاحرى اللغة الكوردية من مواليد القاهرة عام 1932 تقيم في فرنسا منذ 1955. أستقبلتنا في مكتبها الصغير في المعهد الكوردي بـ باريس، مكتب ما أن يدخل المرء اليه حتى يجد نفسه في جو كوردي بحت، سجادة عليها صورة لأميرة كوردية ولوحة لطيورالقبج واخرى لبناية برلمان كوردستان في عاصمة الاقليم ومنارة أربيل الشهيرة ومروحة مصنوعة من الحصير وقبعة كوردية معلقة على الجدار..أمورتبعث على التساؤل لماذا كل هذا الاهتمام بالكورد؟

وكان لنا معها هذا الحوار :

س : لماذا هذا الاهتمام بالكورد ولماذا اللغة الكوردية بالذات ؟

– الأمر يعود الى صدفة بحتة، ففي بعض الأحيان تتهيأ لنا فرص في الحياة قد نستغلها أحيانا وأحيانا أخرى لا، لذا فهو سؤال يتعلق بالحظ، فحظي أنني التقيت بشخصية كوردية مميزة وهوالأمير كامران بدرخان سنة1959) ) لأسباب بعيدة كل البعد عن اللغة الكوردية والتراث الكوردي ولكن لمساعدته في العمل على نشر القضية الكوردية فقط وتعريف الشعب الفرنسي بها، في ذلك الوقت كنت مناضلة يسارية فعملت معه ومجموعة من الكورد .. كنت أطبع ما كان يطلبه مني من نصوص واترجمها من العربية الى الفرنسية حول الكورد وتأريخهم وعاداتهم وتراثهم ونضالهم، فتعلمت الكثير منه وهو الذي شجعني على دراسة اللغة الكوردية والتخصص فيها.

س : هل صحيح ما يقال عن أصلك بأنك مصرية ؟

– نعم، أنا من مواليد القاهرة 1932 من والدين ولدا في مصر أيضا وكنا نتكلم الفرنسية في البيت، الأمر الذي ساعدني جدا على الاندماج في المجتمع الفرنسي عندما أتيت الى هذا البلد .

س : هل انت مصرية فرنسية أم فرنسية مصرية ؟

– هذا السؤال تصعب الإجابة عليه، فقد تم استبعادي من مصر اجباريا بسب كوني يهودية أولا ومن ثم انخراطي في صفوف الحزب الشيوعي المصري الذي كان النظام يعتبره تهديدا له وخصوصا أنني كنت ناشطة شيوعية فعالة وقتها. لذا ففي العام 1955 وصلت الى فرنسا بوضع صعب جدا ماديا ومعنويا، ولحسن الحظ كان لدي أصدقاء ساعدوني حين ذاك ..فأول ما فعلت هو التسجيل في معهد اللغات والحضارات الشرقية لدراسة اللغة العربية، فقد كان طموحي أن اصبح استاذة في اللغة العربية..وقالت وهي تبتسم ضاحكة : في النهاية أصبحت استاذة في اللغة الكوردية.

س : هل كنت تعرفين شيئا عن الكورد من قبل ؟

– في الواقع، لم تكن لدي أي معلومات عن الكورد، ولم أكن أعرف بوجودهم الى أن التقيت بالأمير كامران بدرخان،إثر لقائي به قمت بدراسة الماجستير في اللغة الكوردية والتراث الكوردي، ومن ثم نشرت اطروحة الماجستير كأول كتاب علمي في فرنسا حول هذا الشعب، ففي العام 1963 بعد مرور أكثر من ثلاثين عاماعلى ظهور أول بحث حول الكورد في عام 1930 من جامعة السوربون في باريس. أستطيع القول أن بحثي هذا كان أول بحث علمي اكاديمي رغم إعتباره بدائيا في وقتنا الحاضرالا أنه كان في وقتها ثورة في عالم البحث العلمي عن الكورد.

س : متى بدأت بتدريس اللغة الكوردية ؟

– بعد حصولي على شهادة الماجستير، بدأت بدراسة الدكتوراه في مجال اللهجات والأنثروبولوجيا الكوردية، على إثرها تعددت زياراتي الى كوردستان العراق على الرغم من الحرب بين الكورد والحكومة العراقية عام 1967 الا أنني كنت مصممة على التعلم أكثر فأكثر عن الكورد والبحث عن وثائق تفيدني في دراسة الدكتوراه، لذا مررت ببغداد ومن ثم الموصل ومدينة العماديةحيث سكنت مع عائلة كوردية لم يكن فيها رجال أو شباب، الكل كانوا بيشمركة يحاربون في الجبال، ومن ثم ذهبت الى سنجار..وتعددت زياراتي الى كوردستان حتى في السبعينيات القرن الماضي أيضا..ما أن نلت الدكتوراه حتى بدأت بتدريس اللغة والتراث الكورديين في معهد اللغات الشرقية .

س : عندما تتكلمين عن اللغة الكوردية، أية لهجة تعنين ، السورانية أم الكرمانجية ؟

– انا أتقن اللهجتين السورانية والكرمانجية، ولكني بدأت باللهجة الكرمانجية لان كامران بدرخان كان يتحدث بها معي، ولكن التطورات الأدبية في اللغة الكوردية في العراق تلك الفترة دفعتني أيضا لتعلم ودراسة اللهجة السورانية.

س: ماذا عن نتاجاتك الأدبية في المضمار اللغوي الكوردي ؟

– كتاباتي كثيرة لا تعد ولاتحصى في هذا المجال ، من أهمها قاموس اللغة الكوردية/الفرنسية/الانكليزية الذي كان اول قاموس يظهر في هذا المجال في فرنسا، وقاموس كوردي / فرنسي و مدونات في استعمال اللغة الكوردية بالسورانية والكرمانجية والعديد من التراجم لأعمال أدبية للشاعرالكبير كوران، والكثير من الدراسات الأدبية .

س: سمعنا أن احد قواميسك ترجم الى اللغة التركية، هل ممكن أن تتحدثي أكثر عن هذا القاموس ؟

– نعم، بسبب تعلقي بهذا المجال كنت أتابع دوما المؤلفات في هذا الميدان وبصورة مستمرة، وسأقص عليك قصة طريفة من نوعها، في احد الايام اتصل بي صديق ليقول أن هنالك قاموس طبع ونشر في تركيا وهو قاموس كوردي/فرنسي/انكليزي/تركي لدار النشر التي تسمى سوسيال يلانيري ، انتابني الفضول للحصول على نسخة منه وقمت باتصالاتي بدار النشر ولمفاجأتي الشديدة، كان القاموس من تأليفي، سعدت كثيرا بل هنأتهم على ذلك لان هذا النوع من القواميس قبل زمن توركوت اوزال، كانت عقوبته السجن. طلبت منهم نسخة فقط، ولكنهم ارسلوا لي مئة نسخة قالتها بابتسامة..

س : اذن، دراستك للغة الكوردية جعلتك ايضا مناضلة لقضيتها ؟

– نعم، فقد كنت على اتصال دائم بالطلاب الكورد في فرنسا الذين كانوا يحضرون اجتماعات تعقدها جمعيات طلابية في جميع انحاء اوربا، كنت موجودة دائما بينهم، وفي الحقيقة كانوا في البداية عشرات الطلاب الذين وصلوا الى فرنسا في السبعينيات مثل كندال نزان، رفعت شهواني، يوسف ابراهيم، نوري طالباني..الخ.

س : ماهي علاقتك بالمعهد الكوردي في باريس ؟

– علاقتي بالمعهد تعود الى بدايات تأسيسه عام 1983 حيث كنت اشارك في فعاليات الطلاب الكورد في باريس من خلال جمعيتهم التي تسمى “مالا كوردان” أي بيت الكورد التي كانوا يستخدمونها في نضالهم للدفاع عن القضية الكوردية، ولكن ما أن تبوأ الحكم

الحزب الإشتراكي حتى قدم كندال نزان طلبا من الحزب اليساري لمساعدته في تأسيس المعهد الذي تم شراء بنايته من مساعدات الكورد في جميع انحاء اوربا وتبرعت أيضا بجزء صغير من المال رغم أني لم أكن املك الكثير.

س : ماهي ذكرياتك عن افتتاح المعهد ؟

– بمساعدة السلطات الفرنسية، تم افتتاح المعهد في باريس،على الرغم من الشكاوى والاعتراضات وعدم الرضى الذي أبدته السلطات العراقية والايرانية والتركية الا ان الحكومة الفرنسية تجاهلتها ومضت قدما في افتتاحه وان السيدة دانيال ميتيران هي التي افتتحت المعهد بحضورالعديد من الشخصيات الفرنسية والكوردية المشهورة . افتتاحه كان صدمة كبيرة للحكومات المذكورة. وما زال المعهد مستمرا بعطائه وخدماته للطلاب الكورد منذ 30 عاما وتم الاحتفال بهذه المناسبة في العام الماضي، وهو أول معهد يتحول الى مؤسسة ذات فوائدعامة وهوثاني مؤسسة أجنبية تحصل على هذا النوع من اللقب بعد معهد العالم العربي.

س : ماهي نشاطاتك الآن ؟

– أنا أعمل الآن بشكل طوعي في المعهد وأقوم بأعمال ادارية واقدم خدماتي في إختصاصي لجميع الطلاب الكورد الذين يأتون الى فرنسا، وبعد منحي لقب استاذة فخرية، مازلت إلى الآن أشرف على رسائل الدكتوراه وعضوة في لجان مناقشة الطلاب في مجال التراث الكوردي.

بعد إنتهاء المقابلة قالت : يمكنك ان تأتي الى المعهد متى شئت، فهو بيت الجميع ويرحب بالجميع..وودعتني لإنها كانت على موعد في نادي الجمناستك الذي تتردد إليه .

——————————-

1- تم فتح قسم اللغة الكوردية برئاسة روجيه ليسكو في عام 1945 ومن ثم تلاه في الرئاسة الأمير كامران بدرخان في عام 1947 والذي استمر في ادارته لعام 1970، ثم جويس بلو الى يوم تقاعدها في عام 2000.

من مؤلفات جويس بلو-2

– القضية الكوردية دراسة اجتماعية وتاريخية ,1963

– كورد العمادية وجبل سنجار , تحليل لغوي ونصوص فلكلورية, 1975

– يهود كوردستان ,1985

– التراث الكوردي,2012

د. تارا إبراهيم – باريس

 

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *