ثـلاث قـراءات لوحـدة شـعبنا المسـيحي مـن الكلـدان والسـريان والآشـوريين

 

الدارج والظاهر للعيان ان اي مسؤول سياسي او رجل ديني او اي شخص مهتم بمصير شعبنا المسيحي من الكلدان والسريان والاشوريين والأرمن ، إنه يبدأ حديثه انطلاقاً من ضرورة الوحدة بين ابناء هذا الشعب المظلوم ولا يوجد من لا يؤمن بضرورة الوحدة ، لكن حينما نأتي الى التفاصيل نلاحظ ان لكل فريق قراءته ورؤيته لتلك الوحدة التي تترنح لحد اللحظة في إطار التمنيات ليس اكثر .

في الحقيقة ان المكون المسيحي يختلف شأنه عن الصابئة المندائيين او الإزيدية ، فهذه المكونات الدينية الوطنية يطالها الظلم والإضطهاد بسبب الهوية الدينية ايضاً، لكن الصابئة المندائيين على سبيل المثال يجمعهم الدين الواحد ولا يفرق صفوفهم الأنتماء المذهبي او اللغوي وهذا ينطبق على الأزيدية الى حد ما ، اما مسألة المكون المسيحي ، فمصطلح وحدة شعبنا ينم عن اختلاف في بعض صوره ، كتباين لغاته او لهجاته واختلاف في تسمياته وبعض الخصائص الثقافية ، ولهذا نلاحظ مفهوم وحدة شعبنا وكأنه مصطلح فضفاض يفتقر الى شفافية الوضوح وحدودية الأطر ، وغالباً ما يغلف بضبابية الشعارت التي تستخدمها الأحزاب القومية المتزمتة لتمرير اجندتها الحزبية .

ويمكن للمراقب الدقيق ان يرصد عدة قراءات لمصطلح وحدة شعبنا القومية او السياسية او المذهبية ، وفي النقطة الأخيرة أي الوحدة المذهبية وهي نتيجة تشظي كنيستنا المشرقية بين المذهب النسطوري المتمثل في الكنيستين : المشرق الآشورية ، والكنيسة الشرقية القديمة الى جانب الكنيسة الكاثوليكية للشعب الكلداني ، وإن إلتحام ووحدة هذه المذاهب متوقفة بشكل رئيسي على مواقف رجال الدين ، وإن كانت في هذه الكنائس في السابق تحت تأثيرات السلطات السياسية لكنها اليوم تتمتع بمساحة كبيرة من الحرية تؤهلها لاتخاذها قراراتها المستقلة .

إن هذه الكنائس يجمعها الطقس الواحد واللغة الآرامية الواحدة ، لكن استطيع ان اقول : بأن مسالة المناصب هي السبب الرئيسي في تشظي الكنيسة بعد ان ضعفت التأثيرات السياسية من قبل الدوائر السياسة في المنطقة وكذلك التأثيرات اللاهوتية على المؤمنين فالسبيل مفتوح امام رؤساء الكنائس وهم اهل لخلق وحدة حقيقية لكنائسهم ، ونحن العلمانيون نبارك لهم تلك الخطوات ، لكن بنظري ان هذه الوحدة بعيدة المنال على الأقل في المستقبل المنظور .

الوحدة القومية التي ترتبط بشكل كبير في الرؤية والمصالح السياسية تباينت القراءات ، وكل طرف ينظر اليها من زاويته الخاصة وفقاً لرؤيته :

اولاً :

قراءة للوحدة مبنية على اسس من التفاهم والحوار واحترام الخصوصيات والتسميات لكل ابناء شعبنا دون تهميش اي طرف ، وتجري اللقاءات والأجتماعات والمؤتمرات بين النخب السياسية والقومية لكل الأطراف ، مع مراعات الرموز والشعارات القومية لكل الأطراف ، كأن يكون العلم الكلداني مجاوراً للعلم الآشوري في الأجتماعات والمناسبات ، وبأن يصار الى احترام من يفتخر بقوميته السريانية كالذي يفتخر بقومية الآشورية والكلدانية والأرمنية فاسلوب تكميم الأفواه ليس بالحل السليم فحينما يفتخر وسام موميكا بقوميته السريانية ينبغي ان نحترم رؤيته وان لا نلجا الى إسكاته فهذا ليس اسلوب ديمقراطي ، ويتنافى مع حرية الرأي ومبادئ حقوق الأنسان .

فكما يحق ليونادم كنا ان يفتخر بقوميته الآشورية وحبيب تومي يفتخر بقوميته الكلدانية فمن حق وسام موميكا ان يفتخر بقوميته السريانية .

هذه القراءة الأولى المبنية على المبادئ الديمقراطية والمنسجمة مع لوائح حقوق الأنسان وتكون الأساس المتين لعقد اتفاق بين كل الأطراف لتحقيق وحدة حقيقية راسخة تضمن حقوق الجميع دون وصاية طرف على طرف آخر .

ثانياً :

القراءة الثانية للوحدة السياسية والقومية ( لقد اهملنا الوحدة الكنسية لأنها ضمن جدران كنائسنا كما مر في بدائة المقال ) بين ابناء شعبنا تكون على اساس إلغاء الآخر والأبقاء على الطرف القوي في المعادلة وهو ما يطلق عليه خلق مجتمع متجانس : لغة واحدة ، شعب واحد ، زعيم واحد ، حزب واحد ، لقد تبنى هذه النظرية كمال اتاتورك بعد تأسيس الدولة التركية على انقاض الأمبراطورية العثمانية المفككة في اعقاب الحرب العالمية الأولى ، فأراد اتاتورك تأسيس تركيا علمانية فيها قومية واحدة هي القومية التركية ولها لغة واحدة هي اللغة التركية ، وفرض حظر على اي نهوض قومي يخالف تلك النظرية ، ورغم ان القومية الكوردية تأتي بالمرتبة الثانية في تركياً فلم يسمح لأبنائها بالنهوض والتعبير عن ثقافتهم ولغتهم وقوميتهم الكوردية ، واعطي للاكراد مصطلح اسمه اتراك الجبال لا اكثر ، في هذا السياق عمل صدام حسين وحزب البعث على خلق امة عربية واحدة ذات رسالة واحدة من المحيط الى الخليج . وكل من يعيش في هذا الحيز الجغرافي فهو عربي القومية .

في مجال شعبنا المسيحي يروج السيد يونادم كنا وحزبه القومي الآشورية( الزوعا) لنفس الأديولوجية بدعوة خلق مجتمع مسيحي متجانس لا تفرقه القوميات والثقافات والأسماء ، وبغية تمرير هذه الأديولوجية يطرح هذا الحزب وغيره من الأحزاب الآشورية الفرضية الجغرافية القائلة بأن كل من يسكن الأقليم الأشوري القديم هو آشوري ، تماماً كالفرضية العروبية القاضية بجعل كل من يقطن الوطن العربي عربي . والغريب هو توافق الكنيسة الآشورية مع غلو الأحزاب القومية الآشورية بصهر جميع مسيحيي العراق تحت مظلة القومية الآشورية ، واعتبار الآخرين : الكلدان عبارة عن مذهب كنسي ، والسريان عبارة عن مصطلح ثقافي لغوي ليس إلا ، ويجري تمرير هذ الأديولوجية المتسمة بالمغالاة ، وتستفيد الأقلية الآشورية من قربها من مراكز صنع القرار منذ سقوط النظام عام 2003 ويملك هذا التيار امكانيات مالية وسلطوية وإعلامية كبيرة .

لكن هذا التيار تعرض الى مقاومة شديدة من القوميين الكلدان الذين يعتزون ويفتخرون بقوميتهم الكلدانية ، وتخفيفاً لردة الفعل هذه تعمدت الأحزاب الآشورية الى فبركة تسمية سياسية وهي كلداني سرياني آشوري وجرى ألصاقها بالكلدانيين والسريان وبقي الآشوريون على آشوريتهم .

ثالثاً :

القراءة الثالثة وهي المتمثلة في اللامبالاة وعدم الأهتمام بما يدور حوله الحديث ، والكثير من الكلدان يقولون نحن انتماؤنا كلداني لكنهم لا يهتمون بالعمل القومي ، وبعضهم ينطلق من مفاهيم دينية لا يكترث بالمفاهيم القومية ، حيث يركزون على الرابطة الدينية لكي تكون بديلاً للرابطة القومية ، وخير مثال لهذه القراءة ما كتبة الأستاذ لويس أقليمس في مقاله المعنون : ” عندما يصير الشعور القومي بديلاً للهوية المسيحية ” ومن المآخذ على الطرح ان اللجوء الى الرابطة الدينية المسيحية سيقابلها الرابطة الإسلامية ، اي سنعود الى القهقري الى وعاء المسلم والمسيحي ، لنقع في مطب اهل الذمة الذي نحاول تجنبه ونسيانه الى غير رجعة .

واستكمالاً لهذه الفريق نصادف اشخاص يبحثون عن المنافع المادية او الوظيفية ولا يهتمون من يقدم لهم تلك المنافع فيعلنون ولائهم له .

رغم ضعف الأنتماء القومي لهذا الفريق إلا انهم يمثلون الأكثرية او كما يقال الأكثرية الصامتة ويكون لهم دور كبير في الأنتخابات إذ يكون لأصواتهم التأثير الكبير في نتائج الأنتخابات ويسعى كل فريق الى التقرب من هذه الطبقة لكسب ودها .

اقول :

ثمة سؤال يطرح : هل نريد رأب الصدع بين مكونات شعبنا ؟ من المؤكد ان الجواب هو بالأيجاب ، ويترتب علينا في هذه الحالة النظر في مراة الذات التي تمور بكل انواع الأجندة الفكرية الأقصائية ، فلا يجوز النظر الى الآخر منظور ( انا ومن بعدي الطوفان ) ، وأن يسود شعوراً بالتعالي والنرجسية فالأحزاب التي تؤمن بهذه الأفكار ليس لها مكان للمخالف عنها فكرياً او اديولوجياً ، نحن اكثر من واحد وحينما يراد ان نكون واحد علينا التفكير بشكل سليم وبفكر منفتح حواري بمنأى عن النرجسية القومية ، وحينئذِ تتوفر مساحة كبيرة من التفاهم وتزول ازمة الثقة التي تخيم على الأجواء بيننا ، فهل نفلح في يوم من الأيام من خلق اجواء حوارية آخوية ؟

لكني اقول بكل اسف حسب تجربتي بأنه :

غالباً ما نكتب ونقترح ونخاطب من يعنيهم الأمر ونطرح افكار حول الوحدة لكن يبدو اننا نخاطب انفسنا لا اكثر ، ويبدو اننا ننفخ في قراب مثقوبة ، وعسى هذه المرة إن يكون هنالك من ينزل من برجه العاجي ويصغي الى ما نقوله .

د. حبيب تومي ـ القوش في 13 ـ 03 ـ 13

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *