تركيا تستخدم الكيمياوي ضد الكورد / بقلم سلام كبة

   حققت التجربة الكردستانية العراقية المنجزات على صعيد الحقوق القومية وتوفير الأمن والاستقرار،وتنتظرها الكثير من المهام الاجتماعية والاقتصادية  لتوفير الخدمات ومعالجة قضايا البطالة ومكافحة الفقر والفساد،وتردي العملية الانتاجية وتأمين انتعاشها وضمان حقوق الكادحين في المدينة والريف،وتطوير الحياة الثقافية وكل ما يساعد على الحياة الحرة الكريمة الآمنة للمواطنين.واثبتت التجارب السابقة فشل محاولات فصل القضية الكردية عن الديمقراطية لعموم العراق وسط خارطة الظروف الموضوعية المعقدة التي تحيط بالقضية الكردية بشكل عام.

    الا انه من اهم ثغرات ونواقص العملية السياسية الجارية اليوم في بلادنا،العملية السياسية التي دافعت عنها القوى الوطنية والديمقراطية وكل المخلصين من ابناء الشعب العراقي،الى جانب الخروقات الكبيرة للملف الأمني وتدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية والخدمية للمواطنين والسلوك العبثي للكتل السياسية المتنفذة والمتنافسة على النفوذ والسلطة وتناطحها على المناصب والمواقع،هي التدخلات الاقليمية السافرة في الشأن العراقي،خاصة انتهاك حرمة الأراضي العراقية والاعتداء على سيادة العراق من جانب النظامين الايراني والتركي تحت ذرائع مختلفة!

    القصف الايراني – التركي المشترك للاراضي العراقية منذ صيف 2007 تعبير عن معاناة الكرد لقمع وبطش الانظمة الاستبدادية والشمولية وعن ارتعاش هذه الانظمة للنهوض الديمقراطي في كردستان الجنوبية في العراق الجديد ومن تنامي قوة البيشمركة كجيش كبير يربو تعداده على 200 الف جندي.القصف الايراني – التركي المشترك للاراضي العراقية منذ صيف 2007 تعبير عن الجهود المبذولة من مختلف الاطراف الدولية والاقليمية لاحتواء القضية الوطنية التحررية الكردستانية ولتدجين العقل الكردي.واذا اخذنا بنظر الاعتبار استمرار هذه الاعتداءات وتكررها بين الحين والاخرى منذ عقود ترافقها الحملات الظالمة لقمع الكرد ولانتهاكات حقوق الانسان وتعميق الجروح الاجتماعية في تركيا وايران وسوريا..لقدرنا مدى الجهود المبذولة من حكام هذه البلدان لاستعادة اوهام الامجاد المفقودة!

   وقد عاودت المدفعية الايرانية اواسط آب الجاري قصف مناطق لولان وخنيره وخواكورك والقرى الحدودية في منطقة سيدكان التابعة لقضاء سوران شمال اربيل،وفي ناحية سنكسر التابعة لقضاء قلعةدزه(160 كم شمال شرق السليمانية)،مما ادى الى اشعال النيران في مساحات واسعة من حقول وبساتين الفلاحين في هذه المناطق والحق اضرار كبيرة بتلك الحقول.وتؤدي الاجتياحات واعمال القصف الى العشرات من الضحايا وحرق الهكتارات من البساتين والاراضي المكسوة بالاعشاب وتدمير عدد غير قليل من الدور السكنية والخيم – الرشمالات.ولم تجد نفعا المذكرات الاحتجاجية لاقليم كردستان،حكومة وشعبا،الى اقطاب الحكم في انقرة وطهران.وتتذرع كلا الحكومتين المعتديتين بالحجج العتيقة وتدعي ملاحقة قوى سياسية كردية معارضة لها اتخذت من كردستان العراق ملجأ لها!لقد ازدادت مخاوف تركيا وايران وسوريا من تغير الموقف الاميركي الاستراتيجي من”مغازلة كرد العراق وغض النظر عن سحق كرد تركيا”الى”مغازلة الكرد في العراق وتركيا وايران معا”.

   والملفت للانتباه عودة الكيمياوي مجددا الى كردستان العراق،بعد ان اثبتت الدلائل استخدام تركيا له ضد مواقع حزب العمال الكردستاني داخل الاراضي العراقية ايلول 2009،وكأن اراضي كردستان العراق قدر لها،بين الحين والاخرى،ان تكون ساحة تجارب لأسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها الدول الاقليمية!بينما لازالت ذاكرتنا مشبعة بمراسيم دفن مئات الاكراد من ضحايا الانفاليات الصدامية في ثمانينات القرن المنصرم،والذين حملتهم النعوش اواخر 2009 واوائل 2010!ويعتبر استخدام الكيمياوي كارثة عسكرية بحق تفتعلها الحكومة التركية التي لم تستفد من التجربتين الصدامية والايرانية،وشرخ كبير في العقيدة الأمنية والعسكرية التركية والأمن الاستراتيجي الاقليمي والعالمي،كارثة ترتقي الى الجرائم الدولية ضد الانسانية والتي لم يألفها التاريخ المعاصر،وبذلك تدشن تركيا استخدام الكيمياوي في القرن الواحد والعشرين،وهذه المرة ضد الشعب الكردي ايضا،اي في حرب اهلية!    

    والكيمياوي سلاح دمار شامل استخدمته كلتا الدولتين المتحاربتين،العراق وايران،بالعقد الثامن من القرن المنصرم في الحرب العبثية التي طالت ثماني سنوات،وتحت مرأى ومسمع المجتمع الدولي والمنظمة الدولية – الامم المتحدة دون ان يتحركا ساكنا.ودشن استخدام الكيمياوي في حينه مرحلة تاريخية في الشرق الاوسط اتسمت بفوضى السوق والإيرادات الاقتصادية والعسكرية المتنامية من كل حدب وصوب.الكارثة الاخطر ان صدام حسين استخدم الكيمياوي ايضا في حرب ابادة شاملة ضد الشعب الكردي لتحطيم ارادته،وفي سياق سياسة تطهير عرقي فريدة من نوعها.

    من البديهي النظر الى موضوعة التسلح التدميري الشامل لا بمعيار توازن القوى العسكرية فقط بل من زاوية التحدي الحضاري،لأنها رمز لنتائج عملية تراكمية متعددة الأبعاد والمستويات تضع البشرية أمام خيارات صعبة ومفترق طرق خطير.ويحدث استخدام الكيمياوي تداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية وأخلاقية عميقة وتحولات جيوسياسية – استراتيجية في المنطقة،وليجر نقل الازمات الداخلية العامة الشاملة الى خارج الحدود،تمهيدا لاحكام القبضة الشمولية على السلطات بالانتهاكات الوحشية لحقوق الانسان!هذه التحولات الجيواستراتيجية تهشم سياسة الأمن الاستراتيجي في الشرق الاوسط وتنعكس آثار ذلك بحدة على شعوبه.

    واذ يعيق استخدام الكيمياوي بشكل ملموس انضمام تركيا الى الاتحاد الاوربي،فانه يعكس مدى القلق التركي المتعاظم من النهوض الديمقراطي وانتعاش حركات الاصلاح الديمقراطي وحقوق الانسان والمجتمع المدني والطبقة العاملة داخل تركيا نفسها الامر الذي يضغط كثيرا على القيادة التركية وينذر بمزيد من الازمات السياسية المتتابعة،..وكذلك من حالة الاستقرار الامني النسبي في كردستان العراق وتنامي التجربة الديمقراطية فيها لحصول الكرد على حقوقهم الإنسانية والقومية بصيغة الفيدرالية ونجاحهم المعزز بالاستقرار والسلم وبالمسيرة الديمقراطية!…ومن مقترحات القيادات الكردية في تركيا بشأن الحل السلمي الديمقراطي العادل لحقوق الكرد القومية والانسانية وازدياد التضامن الأممي الدولي وقطاعات واسعة من ابناء الشعب التركي مع هذه الحقوق العادلة!

 

بغداد

27/8/2010

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *