تجارب واختلافات

لاشك بان ايماننا في حق تقرير المصير هو حق أي شعب في أن يختار شكل الحكومة أو الدولة التي يريد أن يعيش في ظلها وفي اختيار السياسة التي يريد أن يسلكها، أو بالأحرى هو حق  كل أمة أن تحكم نفسها وفق الشكل الذي تريده وفي تغيير هذا الشكل متى أرادت، ووسائل تنفيذه تاتي من خلال الإستفتاء الشعبي الذي هو لجوء السلطات العامّة إلى الشَّعب ليُبدي رأيه في موضوع ما عن طريق التصويت عليه ، فإمّا أن يقرَّه أو يرفضه ، ويكون من خلال التصويت المباشر.

لقد اتخذت الاستفتاءات على مستوى العالم أشكالا كثيرة، ولكنها كانت في مجال إمكانية تأسيس دولة، وتنوعت التجارب ما بين استفتاء على انفصال جزء عن الدولة، أو إجراء تجربة إصلاحية ، أو عزل رئيس من منصبه، أو إعطاء آخر ولاية جديدة ، مع وجود استفتاءات للتعديلات الدستورية والامور الاجتماعية وجميع الحالات تعتبر قمة في تطبيق وممارسة الديمقراطية .

الاستفتاء على انفصال قوم او جزء من الدولة ، مثلما شهدت السودان حيث توجهت كل الأنظار إلى الاستفتاء الذي أجري في التاسع من كانون الثاني لعام 2011 واستمر لمدة أسبوع، وأطلق عليه استفتاء تقرير مصير جنوب السودان، وأجري وفقا لاتفاقية نيفاشا التي لم يكن الجنوبيون ليوقعوا عليها إلا من أجل الوصول إلى هذا الاستفتاء لتحقيق حلم الاستقلال عن دولة الشمال المختلفة معهم عرقيا ودينيا،  وليتجدد الأمر من خلال الاستفتاء الذي نظمته قبائل (دينكا نقوك) في منطقة أبيي عام 2013، بشأن البقاء ضمن شمال السودان، أو الانضمام إلى الجنوب (والذي أسفر عن تأييد 99.9% للانفصال والانضمام للجنوب ).

 ويعد الاستفتاء الاخير أحادي الجانب من طرف ابيي، حيث لم تدعمه أي من جوبا أو الخرطوم أو المجتمع الدولي رسميًا، وأثار هذا الاستفتاء توترا دوليا حيث دعت الأمم المتحدة قبل انعقاده كل الأطراف إلى الامتناع عن أي عمل أحادي الجانب من شأنه أن يفاقم التوتر ، ولم يكن تخوفها في محله كون الشعوب عليها ان تقرر مصيرها واليوم جنوب السودان هي جمهورية معترف بها من قبل الامم المتحدة ولها كيانها المعنوي والسياسي والاجتماعي .

اقليم كوردستان حالة مشابهة لجنوب السودان سياسيا من حيث تخوف الجيران من اقامة دولة مستقلة في شمال العراق ، وعودة المناطق المتنازع عليها الى اصلها ، ولكنها مختلفة عنها من حيث التكوين الاجتماعي لأهلها والاقتصادي والذي يمثل مواردها ، كما اختلاف المناخ وطبيعة الارض،  فالكورد مسلمين وتتبع الغالبية منهم  المذهب السني اسوة بجيرانهم في تركيا والعراق وسوريا على عكس ايران المسلمة والتي تتبع المذهب الشيعي ، والتي هي على خلاف واختلاف مع غالبية جيرانها لاسباب (سلطة المذهب).

  واقتصاد كوردستان يعتمد على النفط والسياحة والاستثمارات ، كما لاننسى الاختلاف الجوهري بين جمهورية جنوب السودان واقليم كوردستان حيث اقليم كوردستان يتمتع بكيان شبه دولة غير معترف بها رسميا منذ 1991 وهذا مايخدمه في تسيير دولة قوية متماسكة على عكس هشاشة جمهورية جنوب السودان التي تتقاذفها المشاكل من كل حدر وصوب.

وسوف تثبت معطيات ستة وعشرون سنة من الحكم الذاتي والاقلمة في كوردستان العراق، الخبرة في الادارة وبناء او تقوية مؤسسات رصينة عسكرية ومدنية ونهج ديمقراطي يتجانس مع ثقافة المجتمع الكوردستاني ، قوة وثبات كوردستان بعد الاستفتاء الناجح في الخامس والعشرون من ايلول القادم….

 والله الموفق .

بقلم لؤي فرنسيس

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *