بطريركية بابل الكلدانية الى أين؟

علمتنا الحياة وما أتت به من تجارب، بأن المشاكل و العراقيل التي تواجه التطلعات و ألأهداف المستقبلية سواءً كانت لفرد او لمجتمع ما لا يمكن ان تٌحل جميعها في آن واحد، و انما تحتاج الى صدر واسع و نفس طويل و التأني و بتدريجها حسب الاهمية و الضرورة. بمعنى آخر بأن على الانسان ان يعمل باتجاه هدف واحد هو الأهم مرحلياً، و يبذل فيه كل جهوده و يستخدم كل طاقاته و امكانياته من اجل تحقيق ذلك ألهدف. و بعد نجاحه في مهمة الوصول الى الهدف الاول عندها يستطيع ان يدخل معترك المرحلة الثانية والعمل على تحقيق الهدف الضروري الآخر في المرحلة الجديدة و هكذا.

طبعاً تحقيق النجاح في الهدف الأول سيكون له تأثيرات ايجابية عند الخوض في المرحلة الثانية نحو الهدف المنشود.

و باختصار شديد بأن على من له قدرات و امكانيات محدودة جداً و يعرفها جيداً( بعيداُ عن الأمنيات)، عليه اعطاء الاولوية للأهم من أهدافه و التركيز في العمل و على محور واحد ليستطيع تحقيق الممكن منه. وبعكسه فإن العمل بقدرات و امكانيات محدودة و متواضعة وعلى عدة محاور و أهداف في آن واحد سيؤدي حتماً الى تشتيت الجهود و الامكانيات و من ثم الفشل في تحقيق كل الاهداف و باتجاهاتها ألمختلفة، او على الأقل سيبقى مراوحاً في مكانه دون التقدم خطوة نحو الامام. و عندما يصيب احدهم هكذا نوع من الفشل و خيبة أمل، ستهبط معنوياته الى درجة الصفر او ما تحتها بحيث لن يستطيع ان يحاول الكرّة مرة أخرى و سيتحمل نتائج فشله يوما بعد يوم الى ان يصل حالة اليأس التام و القاء اللوم على الحظ و الآخرين، حينها تكون الطامة الكبرى.

لنعود الى موضوعنا و بطريركيتنا العزيزة ، فبعد ان استبشرنا خيراً بغبطة البطريرك مار لويس روفائيل الاول ساكو الجزيل الاحترام و انا اراقب الإعلام بأنواعه و من كلا ألطرفين، الرعية و ألراعي، من برقيات التهاني و مقالات الكلدان و آرائهم و مقترحاتهم و امنياتهم و مقابلات و زيارات و تصريحات غبطة البطريرك عندما اعلن عن شعاره (الأصالة ، الوحدة، التجدد) ، و تصريحات و بيانات البطريركية المتسارعة و المتتالية، تبين من كل هذا بأن للبطريركية الموقرة مجموعة أهداف، وهذا امر طبيعي جداً، لكن يبدو بأن البطريركية تعمل على كل تلك الاهداف في آن واحد دون الفصل بين المهم و الأهم منها، و دون التلميح بإعطاء الاولوية والاسبقية لأي منها، أو على الأقل هذا ما يبدو لنا كمتابعين، و في هذه الحالة تبقى الرعية تراقب و تنتظر كما كانت تعاني من الانتظار الممل في السابق لتعرف اين ستكون وجهة بطريركيتها الجديدة بدلاً من أن تكون الرعية متفاعلة و مساهمة في ورقة عمل واضحة المعالم.

نرى اليوم بأن بطريركيتنا قد وجدت في نفسها قدرات لحل المشاكل المزمنة و المستعصية و تستطيع أن تلعب الدور الفاعل في حلها و منها نذكر بأن:

الباطريركية الموقرة تريد العمل على توحيد الصف الكلداني ، و هي تريد توحيد الصف المسيحي ، و ربما توحيد الكنائس في العراق حتى لو كانت على حساب الكرسي البطريركي الكلداني في العراق و العالم، و الذي هو ملك لكل الشعب الكلداني. وهي تريد ان تسعى من اجل المصالحة بين الكتل السياسية في العراق. وهي تريد ان تبني علاقات مسيحية اسلامية في البلد الذي سيطر الارهاب على بعض مذاهبه و هجر المسيحيين من جنوبه و وسطه. و هي تريد ان توقف نزيف هجرة المسيحيين من العراق، و أخيرا و ليس آخرا فهي تطلب منا ان ننتخب المرشحين لمجالس البلديات في العراق في بيان خاص لها، في حين نحن الكلدان لا ناقة لنا في هذه الانتخابات ولا خٌف جمل!.

و أنا هنا لست بصدد ثني عزيمة البطريركية الموقرة في تحقيق ما تريد تحقيقه ، و انما ندعو الرب لها بالتوفيق دائماً و نتمنى مخلصين تحقيق كل أهدافها، ولكننا ككلدان نعاني الامرين في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ امتنا و علينا ان نسأل بطريركيتنا عن كل ما يجول في خاطرنا من تساؤلات و استفسارات حول اولوياتها لكي يكون الطريق واضحاً امام ابناء هذا الشعب المغلوب على أمره كي يستطيع أن يرسم مستقبله و مستقبل اجياله القادمة ، نأمل ان نتلقى الاجابة الشافية حولها في قادم الايام وهي:

كيف ستعمل البطريركية الموقرة على تحقيق كل تلك الاهداف السابقة الذكر لنعيش بسلام و أمان في بلدنا و بيتنا الكلداني( وهو العمق الاستراتيجي للبطريركية) يعاني من الفرقة والتشتيت و ابوابه مفتوحة لكل مخترق شرير للنيل من ابنائه و ليعيثوا فيه خراباً و فساداً ؟.

كيف لها ان تصلح بين الكتل السياسية الحاكمة و نحن اساساً مضطهدين من قبلهم و من قبل مؤسساتهم ؟.

كيف تريد البطريركية في أن تساهم في ايجاد حل لمشاكل الحكومة الفيدرالية و نحن الكلدان فيها مهمشون و مقصيون؟.

كيف لها ان تدعوا ابناء شعبنا الكلداني الى الذهاب الى الانتخابات و نحن ليس لدينا مرشح فيها؟.

كيف لها ان تتوحد مع الآخرين و هؤلاء قد جٌبلوا بأفكار شوفينية وهم لا يريدون الخير للكلدانية ولا لأي كلداني ؟.

كيف لها ان نوقف نزيف الهجرة و الكلدان كسكان العراق الاصليين ليس لهم فيه أي دور وهم الاكثر معاناةً ، و قوميتهم تنحر كل يوم ؟.

كيف تستطيع البطريركية في ان تٌفعّل دورها و تسترجع مكانتها و هي مهمشة و مقصية أوقافياً واستسلمت لقرارات الآخرين و خياراتهم في الماضي القريب و ما زالت؟.

كيف نتقدم و كل راعي لكنيسة من كنائسنا يتصرف و كأنه زعيم لإقليم فيدرالي؟.

كيف وكيف و كيف؟…..!.

إن تحقيق هكذا أهداف لا تأتي بالصلاة و الصوم وحده، و انما يجب ان تكون هناك مؤسسات سياسية و ثقافية و قومية تدعم هذه الأهداف من أجل زيادة الزخم والعمق الجماهيري و تعبئة العناصر الواعية و الناضجة في المطالبة بالحق المسلوب و تحقيق الأهداف و الأماني في الواقع و ليس في الخيال.

من هذا يبدو بأن الشعب الكلداني ، بكل مؤسساته، اي البطريركية و الأحزاب و كل المثقفين و القوميين و المؤمنين الكلدان لا يستطيعوا من التقدم خطوة واحدة الى الامام دون ان يكون البيت الكلداني متماسكاً شامخا قوياً و قادراً على حماية اهل الدار والتصدي لهجمات الجبناء و الانتهازيين و اعداء الامة الكلدانية . نعم البيت الكلداني يجب ان يكون أول الأهداف و من اولويات الجميع ، الكنيسة و السياسيين و الكتاب و المثقفين و الأكاديميين و رجال الأعمال. وعندما نتمكن من ترميم بيتنا الكلداني و نحسن وضعنا الداخلي، عند إذ سيكون الشعب الكلداني قوياً بكنيسته و برجالاته من السياسيين و القوميين و المثقفين و الاكاديميين و الطلبة ورجال الاعمال و بالنتيجة سيكون اكثر حظوة و مكانة عند باقي مكونات الشعب العراقي و تكون آراء قادته و قراراتهم اكثر استجابة لها من قبل الحكومات مهما كان شكل و نوعية تلك الحكومات. عندها نذهب الى صناديق الإقتراع لإنتخاب كلدانيين يمثلوننا و يهتموا بأمورنا و كلنا في سرورٍ و فرحٍ و أمل.

رأي حول توضيح اعلام البطريركية الكلدانية بخصوص موقف الكنيسة الكلدانية من القضايا السياسية و القومية:

طالعتنا وسائل الإعلام الأنترنيتية مؤخراً على توضيح مفاجيء و مثير للاستغراب و القلق في نفس الوقت ، صادرعن اعلام البطريركية الكلدانية حول موقف الكنيسة الكلدانية من القضايا السياسة و القومية، و خاصة ما جاء في الفقرة الرابعة منه و التي تقول فيه:” هناك تمييز بين العمل القومي و العمل الكنسي. و ان كان هناك من يدمج المجالين فهو المسؤول عنه. لكن لا يمكن لمؤسسة كنسية بحجم الكنيسة الكلدانية و مسؤولياتها ان تزج نفسها في العمل القومي و السياسي على حساب رسالتها. هذان المجالان هما من اختصاص العلمانيين.” انتهى الاقتباس.

و لكي تتوضح عندنا بعض الأمور علينا ان نسأل البطريركية الكلدانية بخصوص النقطة اعلاه:

1/ اليس اصدار بيان لتشجيع المسيحيين و حثهم للذهاب الى انتخابات مجالس المحافظات عملا سياسياً و خاصة هناك جهات سياسية ترفضها ؟. و اليست محاولة التدخل في تقارب وجهات النظر بين الاطراف السياسية المتصارعة في الحكومة عملاَ سياسياَ أيضا ؟.

2/ يقول التوضيح بأن الكنيسة لا تزج نفسها في العمل القومي.. وهذا امر في غاية الخطورة و الغرابة.

فلماذا اذن اسم كنيستنا هو الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية ؟ و لماذا سميت بطريركيتنا ببطريركية بابل على الكلدان؟ و لماذا قدّاسنا يقام باللغة الكلدانية؟ اليس هذا دليل انتمائنا و اعتزازنا بقوميتنا الكلدانية و حضارتنا البابلية العريقة؟ فلماذا التملص من هذه الحقيقة اذاَ؟.

كما المْ تكن البطريركية نفسها قد ارسلت في الأمس القريب وثيقة موقعة من قبل جميع المطارنة الأجلاء الى الحاكم الأمريكي بريمر تطالبه فيها بحقوق شعبنا الكلداني القومية و السياسية و الدينية و الثقافية؟؟ فهل يا ترى حصلنا اليوم على كافة حقوقنا؟ فما الذي تغير اليوم اذاَ؟.

ثم لو فرضنا بأن هناك جهات سياسية تعمل جاهدة على تغيير و تشويه التسمية القومية الكلدانية لشعبنا و تعمل على سلب كافة انواع حقوقه في بلده، هل ستقف الكنيسة مكتوفة الأيدي و تبادر الى اختلاق الأعذار لكي لا يقال بأنها تتدخل في الأمور القومية؟. ثم من الذي سيقول لها ذلك ؟ اليسوا اعداء الكلدان و كنيستهم؟. فهل من الحكمة ان نرضخ لهم و لأقاويلهم؟.

3/ اما محاولة فصل القومية الكلدانية عن الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية فلها مخاطر جمة و عواقب وخيمة، و كأن فيها رائحة تغيير اسم الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية الى الكنيسة الكاثوليكية في العراق!، اي الغاء الخصوصية القومية منها، وهذا ما يتمنونه و يصبون اليه أنداد الكلدان لتشتيتنا و اضعافنا داخلياً، وهذا لا يستبعد احتمالية تسببه في حدوث شق عامودي في الكنيسة نفسها إن صح ذلك، وكذلك الى فك الأواصر الرابطة بين المؤمنين الكلدان و كنيستهم بمفهومها الجديد الغير مبالي بحقوقنا القومية و ما يترتب عن ذلك من ابعاد سلبية اجتماعية .

فعندما تنفصل الكنيسة الكلدانية عن كلدانيتها تحت أية ذريعة كانت ، و تتأخر عن الدفاع عنها عند الضرورة ، حينها سيصبح سيان عند المؤمنين الكلدان في ان يرتبطوا بها او بأي كنيسة أخرى كاثوليكية أو حتى غير كاثوليكية المنتشرة حول العالم، وبذلك سيتقلص عدد رواد و مؤمني هذه الكنيسة و من ثم سينكمش حجمها و سيتناقص واردها المالي أيضاً، وبالنتيجة سيضعف معها دورها.

كما سيساهم هذا التغيير السلبي في العلاقة بين الكنيسة الكلدانية والقومية الكلدانية في هجرة ما تبقى من المؤمنين الكلدان الى خارج البلاد لما سيسبب لهم هكذا قرار من احباط في معنوياتهم وآمالهم، و بذلك تكون الكنيسة قد فقدت دورها المهم الجامع لشعبها الكلداني.

4/ صحيح ان رجل الدين الكلداني له واجباته الدينية و التزاماته الكنسية ، لكن في نفس الوقت فهو إنسان له انتماؤه القومي ، و قد يكون له اهتمامات فكرية و ثقافية و فنية كأي انسان آخر ، وهو أيضاَ فرد في المجتمع يتأثر بكل ما يجري حوله من أحداث سياسية و ثقافية و اجتماعية ، لذا فليس من الصحيح وضع الحصار على آرائه و أفكاره التي تخدم شعبه في خضم الأحداث و المستجدات المتعاقبة ، و التي قد تؤثر على كنيسته بصورة مباشرة او غير مباشرة أيضاً. و عليه فإن حصر رجل الدين الكلداني ضمن محيط الكنيسة و الإصرار على هذا النهج ، أصبح لا يتماشى مع متطلبات هذا العصر و وسط كل هذه التحديات التي تحوم حول أمته ، بالإضافة الى كون الأمر مجحفاً بحقه كإنسان له دوره في المجتمع، وبالنتيجة فإن دور الكنيسة في المجتمع سيتناقص تدريجياً من خلال تحديد دور رجالها، و من ثم سيتقلص هذا الدور الى ان يصبح دوراً رمزياً مقارنة بالكنائس الأخرى و رجال دين الأديان الأخرى، في الوقت الذي يفترض ان يكون رجل الدين الكلداني الأكثر نشاطاً و تفاعلاً مع الأحداث في هذه الظروف الاستثنائية.

البطريركية الكلدانية و المؤتمر القومي الكلداني العام في مشيغان

امامنا اليوم فرصة ثمينة تخص وضعنا الداخلي و بيتنا الكلداني علينا استغلالها و الاستفادة منها على اكمل وجه وهي عقد المؤتمر القومي الكلداني العام في مشيغان للفترة من 15/5 – 19/5/2013 ونتمنى من ان تشارك البطريركية الكلدانية الموقرة بكل ثقلها في هذا المؤتمر و في مقدمتها غبطة ابينا البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو السامي الاحترام لكي تكون له بصمات تحرك الشعب الكلداني الى الامام ، و مقولات ترسم على صدور أبنائه إفتخاراً، و لكي يطلع مباشرة على امكانيات و أفكار رعيته و يساهم مع العلمانيين و السياسيين و القومييين في حل هموم الشعب الكلداني في الوطن و المهجر من خلال العمل الجاد و المشترك من اجل نيل حقوقنا القومية و السياسية و الدينية في ارض آبائنا و أجدادنا.

ولابد هنا من الاشارة الى نقطة في غاية الاهمية بخصوص شعبنا الكلداني علينا ان لا نغفله، وهو كون كل مؤسساته السياسية و القومية و الدينية و المدنية على متن مركب واحد ، وعندما يوجه اعداء امتنا الكلدانية سهامهم تجاه اية مؤسسة فإنها ستصيب الجميع و تضعفهم ، كما ان قوة اية مؤسسة تعني قوة لكل المؤسسات الأخرى. فلو كان لنا تمثيل سياسي كلداني حقيقي في البرلمانين العراقي و الكوردستاني و الحكومتين العراقية و الاقليم ، و كذلك في مجالس المحافظات و حسب حجم و زخمنا الحقيقي لما تمكن كل من هب و دب من حجب دور الكنيسة أوقافياً و من التلاعب بمصير شعبنا على مزاجه من اجل ملء جيوبه الخاوية بالأموال كهدية لعمله الشنيع في طمس الهوية الكلدانية العريقة.

بارك الرب بطريركيتنا الموقرة ، بطكريركية بابل على الكلدان في العراق و العالم و وفّق كل رجال ديننا الأفاضل و عاشت أمتنا الكلدانية و الى غدٍ مشرق بعون العذراء و اليسوع.

سعد توما عليبك

saad_touma@hotmail.com

18/04/2013

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *