الى المؤرخ الدكتور محمد مظفر الأدهمي، هل حقاً أن الكورد لم يثوروا في كوردستان ضد الدولة العربية الإسلامية؟! محمد مندلاوي

في الحقيقة بسبب كثرة مشاغلي لا أريد الخوض في مثل هذه المواضيع التي تفوح منها رائحة العنصرية، إلا أنني حين أشاهد، أو أقرأ كلاماً مزوراً عن قصد خبيث يحاول قائله أن  يشوه شعبي الكوردي الجريح، ويزيل وطنه كوردستان، أو جزءاً منه من الوجود، أتألم كثيراً، ويحز في نفسي، لذا لا أستطيع أن لا أرد على هؤلاء مزوري التاريخ القديم والحديث مهما كان موقعهم الأكاديمي أو السياسي، ومهما يحملون من أسماء وألقاب كبيرة، ومهما كان حجم إمبراطوريات الإعلامية التي وضعها تحت تصرفهم مالكيها أمراء البترول.

خلال مسيرتي الكتابية تصديت لعدد كبير من أعداء الشعب الكوردي، مزوري الحقائق على الأرض، لكن جميعهم كالنعامة عندما يداهمها الخطر، يرفعون مؤخراتهم عالياً، ويضعون رؤوسهم في الرمال، ويتجاهلون القلم الذي وقف لهم ندا، وفضح أكاذيبهم وادعاءاتهم الواهية وفق المصادر المعتبرة والمعتمدة، التي هي حجة عليهم، ويقبلها العقل والعلم والمنطق السليم.

بالأمس القريب ردينا على ادعاءات الدكتور محمد مظفر الأدهمي، التي أطلقها في الهواء في عدة حلقات تلفزيونية بعنوان: الكرد.. تاريخ وقضية. لكن إلى الآن لم يصلنا منه رداً أو توضيحاً منشوراً لا سلباً ولا إيجاباً، أي: لم يرد على كشفنا الحجاب عن الأخطاء التي وقع فيها سهواً أو عمداً، هل لا يملك الشجاعة ويعترف أنه أخطأ بحق الشعب الكوردي المسالم بوصفه إياه كذباً ورياءً بأنه جزء من ما يسمى بالشعب العراقي، وإلغائه بجرة قلم وطنه كوردستان، أو الأصح إلغائه لجزء منه، إلا وهو جنوب كوردستان، حين وصفه الأدهمي كجزء من أرض الكيان العراقي، الذي خرج عام 1920 إلى الوجود مع مليكها المستورد من قبعة الساحر البريطاني.

بالأمس عدت إلى حلقات الدكتور محمد مظفر الأدهمي الموجود في صفحة اليوتيوب (You Tube) للاستماع إلى بعض فقراته، وجدت أني لم أرد على فقرة مهمة في الحلقة الأولى من الحلقات المشار إليها أعلاه. يقول فيها الأدهمي الآتي: لا تؤشر المصادر إلى وجود مشكلة كوردية سياسية في عهد الدولة العربية الإسلامية في جميع العصور، حيث كان شأنهم شأن الشعوب الإسلامية تابعين لمركز الدولة. وكثيراً ما كانوا ينتفضون أيام الدولة العثمانية فتقمعهم. انتهى الاقتباس.

هل هذا الادعاء.. صحيح؟ سوف نرى من خلال المصادر العربية ذاتها، هل لم تكن هناك مشاكل بين الدولة العربية الإسلامية كما يسميها الدكتور الأدهمي؟. ثم هل أن العرب وطئوا أرض الكورد، كوردستان سلماً كما يزعم البعض، أم جاءوها كغزاة أجلاف للنهب والسلب وسبي النساء واغتصابهن، ومن ثم بيعهن في أسواق النخاسة لملء جيوبهم من مال السحت؟. عجبي، هل أن هؤلاء لا يقرؤون، أنه بفضل التكنولوجيا (Teknologi) لم يعد الكذب والتدليس بضاعة رائجة كما كان جاريا قبل الحداثة، إلا يعرفوا أن قائله الآن يصبح مادة دسمة للسخرية في العالم؟.  

عزيزي القارئ، لكي نعرفك بالشخص الذي نرد عليه في هذه الوريقات دعني أضع أمامك الشهادات الأكاديمية التي يحملها والمناصب الأكاديمية التي تبوأها كما جاءت في الموسوعة الحرة. 1- حصل على شهادة بكالوريوس في التاريخ عام 1965. 2- حصل على شهادة ماجستير في التاريخ الحديث من كلية الآداب جامعة بغداد عام 1972. 3- نال شهادة الدكتوراه في التاريخ الحديث من جامعة لندن عام 1978. 4- عمل مدرساً في كلية الآداب. 5- حصل على لقب الأستاذية عام 1989. 6- عميد كلية التربية في جامعة المستنصرية عام 1989. 7- مؤسس ورئيس قسم التاريخ بكلية التربية في جامعة المستنصرية بين أعوام 1986 – 1988. 8- عميد كلية العلوم السياسية في جامعة بغداد بين أعوام 2001 – 2003. وعمل مدرساً في جامعة الحسن الثاني بالمغرب للفترة 1982 – 1985. وأستاذ (بروفيسور) في قسم التاريخ بالجامعة المستنصرية بين أعوام 1989 – 2000 إلخ.

السؤال هنا، كيف أن شخصاً بتلك المواصفات أعلاه، وحاصل على كل هذه الشهادات الأكاديمية، وعمل  لسنوات طوال في جامعات عديدة داخل وخارج الكيان العراقي، لا يخاف على سمعته الأكاديمية حين يطلق لسانه لتزوير جانب من تاريخ شعب عريق، مثل الشعب الكوردي؟، الذي ذكرت ثوراته في بواطن كتب التاريخ العربي، ضد السلطات العربية الإسلامية في زمن حكم العباسيين وما قبلهم وما بعدهم، الذين قال أول خليفة لدولتهم أنه سفاح!. لمن لا يعلم،إن السفاح في لغة العرب يعني: سافك الدماء، مجرم، قاتل. يا ترى كيف أنه مجرم، ويزعم الأدهمي أن الدولة الإسلامية العباسية أنصف الناس، أو أنصف الكورد؟. هل أنصف المجرم أبو جعفر المنصور ذلك الشخص الكوردي الذي جاء بهم إلى سدة الخلافة، أعني ذلك الكوردي المغدور (أبو مسلم الخراساني) واسمه الحقيقي قبل تعريبه (بهزاد) الذي قتله المنصور غيلة. على أية حال، أن موضوعنا ليس أبو مسلم.  دعني عزيزي القارئ أضع أمامك قائمة بالثورات الكوردية التي زعم الدكتور محمد مظفر الأدهمي في سلسلة حلقات التي قدمها في قناة التغيير باسم: “الكرد تاريخ.. وقضية” وزعم في إحدى حلقاتها لم تحدث في زمن حكم الدولة العربية الإسلامية أو زمن حكم بني العباس. أولاً: إن كوردستان كبقية البلدان الأخرى احتلت بحد السيف العربي – إلا أنهم يطلقوا عليها اسم الفتوحات!- .

هل لا يعلم،من الذين ذكروا اسم الكورد في مدينتهم (موصل) الكوردستانية قبل الميلاد،القائد اليوناني (كزينفون)، وذلك في كتابه ( رحلة العشرة آلاف مقاتل )، الذي مر بـ(موصل) أثناء رجوعه من (بابل) إلى (اليونان)، وذلك في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد، فقد ذكرها هكذا “موسيلا” وذكر وجود (الكورد) في هذه المنطقة، وتحدث في كتابه المذكور عن صعوبة اجتيازه بجيش الجرار لمناطقهم، بسبب محاربتهم له، وتكبيد جيشه العديد من القتلى.لكن  لم يذكر (كزينفون) في كتابه المذكور، وجوداً للعرب، لا في ( العراق)، ولا في (الموصل). إن تسمية (موسيلا) التي ذكرها (كزينفون)، هي التسمية الكوردية الصحيحة، لا يزال الكوردي في موصل وتوابعها يقول (موسيل – MUSIL) و(كزينفون) دونها بالصيغة يونانية (موسيلا). ثم جاء (الغزاة) العرب،وغيروا اسمها إلى (الموصل)، أن سياسة تغيير أسماء الأماكن والأشخاص، كانت وما زالت سائدة عند العرب، وهدفهم منها هو تغيير الهوية الأصيلة لتلك المناطق والمدن التي يستوطنونها عنوة بعد احتلالها، ليتسنى لهم فيما بعد، الإدعاء بأن هذه المناطق عربية، كما حصل مع (موسيل) وغيرها من المناطق التي وصلتها حوافر خيولهم عند الغزو.

من الذين نستشهد بهم هنا هو (أحمد بن يحيى البلاذري) ميلاده بداية القرن الثالث الهجري، يذكر في كتابه الشهير (فتوح البلدان) فتح (الموصل) واستيطان العرب فيها، يقول: ولى عمر بن الخطاب عتبة بن فرقد السلمي الموصل سنة عشرين، فقاتله أهل (نينوى)، فأخذ حصنها وهو الشرقي عنوةً، وعبر (دجلة) فصالحه أهل الحصن الآخر على الجزية. ثم فتح (المرج) وقراه،وأرض (باهذرة)،و(باعذرى)، و(الحنانة)و(المعلة)، و(دامير)، وجميع معاقل (الأكراد). يذكر (البلاذري) أيضاً عن (العباس بن هشام الكلبي)،عن أبيه، عن جده قال: أول من اختط (الموصل) وأسكنها العرب ومصرها (هرثمة بن عرفجة البارقي). إن هرثمة هذا كان قائد الجيش العربي الإسلامي، الذي بُعث من مكة في بلاد العرب، إلى ديار الموصل الكوردية قبل (14) قرن، ويتضح جلياً من خلال كتاب (البلاذري)، حين غزت القبائل العربية تلك البلاد، كان الكورد موجودون فيها منذ آلاف السنين. سؤال موجه إلى كل عروبي، تسول له نفسه أن يتهكم بتاريخ الكورد المُشرق، ماذا يقول عن هذا المصدر العربي، الذي يذكر وجود الكورد في (الموصل) قبل الغزو العربي لها واستيطانهم فيها؟.

هناك مصدر آخر مهم، لا يقل أهمية عن كتاب (فتوح البلدان)، وهو كتاب (الكامل في التاريخ) لـ(أبو حسن علي بن محمد بن عبد الكريم)، المعروف بـ(ابن الأثير) المولود سنة (1160) ميلادية والمتوفى سنة (1233 ) ميلادية جاء في المجلد الثاني في كتابه المذكور الآتي: قدم (المثنى بن حارث الشيباني) وسلمى بنت خصفة زوج المثنى بشراف وكان المثنى بعد موت أخيه قد سار إلى قابوس بن قابوس بن المنذر بالقادسية وكان قد بعثه إليها الفرس يستنفر العرب فسار إليه المثنى فقفله فأنامه ومن معه وسار إلى سعد يعلمه برأي المثنى له وللمسلمين يأمرهم أن يقاتلوا الفرس على حدود أرضهم على أدنى حجر من أرض العرب ولا يقاتلوهم بعقر دارهم. ويضيف: أن أهل السواد (العراق) استغاثوا إلى (يزدجرد) وأعلموه أن العرب قد نزلوا (القادسية) ونهبوا الدواب و الأطعمة وإن أبطأ الغياث أعطيناهم بأيدينا وكتب إليه بذلك الذي لهم الضياع بالطف وهيجوه على إرسال الجنود. كلام واضح وضوح الشمس، لا يحتاج إلى تأويل، أو تفسير، حيث أن (القادسية) التي تقع في أقصى جنوب العراق، لم تكن جزءاً من أرض العرب، فكيف بوسط وشمال، (موصل)، التي تبعد عن (القادسية) بـ(600) كيلو متر، ذكر (ابن الأثير) هنا كلمة “الطف” فيها ضياع وقرى (الأعاجم). جاءت في القواميس العربية مثل (قاموس المحيط) لـ(أديب اللجمي وشحادة الخوري)، و(الوسيط) لـ(مجمع اللغة العربية) بمصر، و(محيط المحيط) لـ(بطرس البستاني)، و(لسان العرب) لـ(ابن منظور)، الخ أن “الطف” تعني ما أشرف من أرض العرب، على أرض (العراق) ، أي أن أرض العرب، كانت في غرب نهر الفرات، أو ما تسمى اليوم بصحراء (المملكة العربية السعودية). ويذكر (ابن الأثير) (فتح ) الموصل مشابه لما ذكره (البلاذري) يقول: إن عمر بن الخطاب استعمل عتبة بن فرقد على (الموصل) و(فتحها) سنة عشرين فأتاها فقاتله أهل (نينوى) فأخذ حصنها وهو الشرقي عنوةً وعبر (دجلة) فصالحه أهل الحصن الغربي وهو (الموصل) على الجزية ثم فتح (المرج) و(بانهذار) و (باعذرا) و(حبتون) و(داسن) وجميع معاقل “الأكراد” و (قردى) و (بازبدى) وجميع أعمال (الموصل) صارت (للمسلمين). أي صارت للعرب المسلمين. جاءت في هذه المصادر اسم الكورد نصاً كما يكتب ويتداول اليوم، وجاءت أيضاً في ذات المصادر، أسماء مدنهم الكوردية، وتلك المصادر، لم تذكر اسماً لأية مدينة، أو قرية، عربية في (العراق)، عدم ذكرهم في هذه المصادر، هو تأكيد على عدم وجودهم قبل تلك التي تسمى (الفتوحات) في بلاد بين النهرين (العراق) وكوردستان. بعد تلك التي سميت بـ(الفتوحات)، قام الكورد، بثورات عديدة في (موصل)،ضد الاحتلال العربي الإسلامي، من هذه الثورات، على سبيل المثال وليس الحصر ثورة الكورد الهذبانية في سنة (293). اشترك الكورد  في العهد الأموي، وانضموا إلى عبد الرحمن بن الأشعث في ثورته ضد السلطة الأموية.

جاء في كتاب (تاريخ الموصل) للقس (سليمان صائغ) ص (372) طبع مصر (1923م):” إن عرفجة بن هرثمة البارقي هو الذي جند الموصل وقام بتوطين أربعة آلاف من القبائل العربية، كالأزد وطيي وكندة وعبد قيس في الموصل”. ولحقت بهذه القبائل قبل قرنين أو ثلاثة، القبائل التالية ‌أيضاً:” البقارة، وشمر، والجبور، والدليم، والعبيد”.

يزودنا (البلاذري) في صفحات أخرى في كتابه (فتوح البلدان) حيث يقول: حدثني (أبو رجاء الحلواني)، عن (أبيه)،عن (مشايخ) شهرزور قالوا: (شهرزور) و (الصامغان) و (دراباد) من فتوح (عتبة بن فرقد السلمي). فتحها وقاتل (الأكراد) فقتل منهم خلقاً. ينظر أيضاً إلى ابن الأثير (الكامل في التاريخ) المجلد الثالث ص 408. وهكذا ينظر إلى البلاذري ص 331. شن جيوش عمر بن الخطاب العديد من الهجمات على كورد الأهواز – يظهر هنا أن أهواز لم تستعرب بعد- أنظر فتوح البلدان ص 282- 389 وكذلك الكامل في التاريخ المجلد الثالث ص 37. ثار الكورد في الموصل في زمن العباسيين، أنظر الكامل في التاريخ المجلد الخامس ص448. وإلى الطبري المجلد الثالث ص442. وفي سنة 839م في عهد الخليفة المعتصم انتفض الكورد في منطقة الموصل بقيادة (جعفر بن فهرجيسي)، أنظر إلى الكامل في التاريخ  المجلد الرابع ص 1- 630. وفي سنة 845م قام الكورد بانتفاضة في منطقة أصفهان وجيا وفارس. وكان للكورد دور متميز في ثورة العبيد عام 875م (أنظر إلى نولدكه – ثورة الغلمان في شرح تاريخي للشرق – أدنبره – لندن، 1892 2 146- 175). كما أشترك الكورد في انتفاضة يعقوب الصفار، مؤسس سلسلة الصفاري اشتراكاً فعالاً (أنظر إلى: ابن خلكان، وفيات الأعيان المجلد الرابع ص 304 – 308). انتفض الكورد مرة أخرى عام 897م بقيادة أبي ليلى أنظر إلى الكامل في التاريخ المجل السابع ص 325 – 337. كما دمر الكورد الهذبانيون بقيادة محمد بن بلال عام 906م منطقة نينوى، أنظر الكامل في التاريخ، المجلد السابع ص 371. شارك الكورد في ثورة التي قامت في الجزيرة ضد الخليفة العباسي هارون الرشيد. وقام الكورد مع قائدهم (خورم البابكي) ضد الخليفة العباسي المأمون. قام الكورد الإيزيديون بثورة بين أعوام 838 – 841م ضد بني العباس (العباسيون) (1). لكي لا نرهق القارئ الكريم نكتفي بهذا القدر إما إذا يريد الدكتور هناك المزيد من المصادر تحت أيدنا تذكر الثورات والانتفاضات التي قام بها الكورد ضد المحتلين العرب منذ أن وطئت حوافر خيولهم أرض الكورد، وامتداداتها في العصر الحديث كانت 1- ثورة الشيخ محمود البرزنجي عام 1919م. 2- ثورة التي قادها الخالد (مصطفى البارزاني) بين أعوام 1943 – 1945م. 3- ثورة أيلول بقيادة (مصطفى البارزاني) عام 1961م. 4- انتفاضة شعب جنوب كوردستان عام 1991م. 5- انتفاضة قامشلو في غرب كوردستان عام 2004. 6- ثورة التي قادها حزب الاتحاد الوطني عام 1976.  7- وثورة جولان (گۆڵان) عام 1976. 8- الثورة المندلعة الآن في غربي كوردستان ضد داعش الإرهابي والنظام السوري العفن.

أدناه ولاية كوردستان كما جاءت في خارطة ولايات مملكة العثمانية في آسيا لعام 1892م تضم 1- موصل معها دهوك، أربيل، سليمانية، كركوك:

      

” الثورة قوية كالفولاذ، حمراء كالجمر، باقية كالسنديان، عميقة كحبنا الوحشي للوطن” (تشي جيفارا).

1M.Th. Houtsma, 1993, E. J. Brill, s First Encyclopaedia of Islam, 1913- 1936: volume 4 – Page 1136, Brill.

16 02 2019

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *