الوشا بخصر الثلاثون / بقلم باسل حنا

بخصر الثلاثون والخمسة دخلت غرفتي بوشاح رمادي اللون,غير مكترث بتستير اطراف كتفيها, وحينها وبذات النفس العميق اشتمت رائحة النساء اللواتي مررن من هنا يوما……. هكذا انت كما التقيت بك منذ اكثر من عامين بالميناء اليوناني, لم اعد استطيع حينها أن اميز بين رائحة السمك وبين رائحة بقايا رجولتك فوق فراشك الذي يحمل تواقيع نساء الحي الفقيرز هناك.

أنها تتكلم عن ذات الحي التي أتت منه…. هو حي مجاور للميناء برائحة السمك وقوارب الصيادين, حيث غرفتي التي استأجرتها من جارها السمين البليد, أمرأة اربعينية بكعب ازرق بحري اللون بنهدين حالمين يصدر منه رائحة لعاب رجال جاف قريب لرائحة حساء التوابل الهندي, كانت تدعى الوشا أي حامية الرجال باليونانية, غريبة الطباع  بشعر غير يوناني الشكل واسنان مرصوصة كاقطع الحجر الابيض المصقول…… تحبني وواستحق كما تقول ليلة خاصة كلما انهكت الدنيا اطرافي, تشحنني بل وتصعقني  لمرحلة جديدة وتغادر دائما بنصيحة غامضة لا أفهمها.

اليوم هى هنا, شائت الاقدار أن التقيها باحد مكاتب الاتحادية الالمانية, ولكنها اليوم رصيفة ورصينة متماسكة بل كانت تحاول ان تظهر على ماهى بدت عليه, قد ينطلي هذا على من حولها ولكنني انا خارج المعادلة, أبتسامتها الباردة المشتاقة الباكية كشفتها بكل تفصيل, هى تعرف تماما اني اعرفها جيدا واعرف كيف تنتهي انثويتها, كيف يرتسم صدرها حتى اسفل البطن ومن اين تلتهم مؤخرتها.

لعنة الأقدار عليك يارجل…. ماذا تفعل هنا بحق زيوس يامعتوه.

تلقبني بالمعتوه لانها تعتقد ان فاعلي الخير معتوهين اغبياء لامكان لهم بعالم الحيوانات هذا, وفي ذات مساد بينما وعلى طرف الميناء هناك  تخلل من بين زحمة حديث البحارة واضواء المقاهي ورائحة الكستناء المشوية, تخلل صوت عراك, علمت انها هى, حاولت ان اقحم نفسي بين زحمة الاجساد, كانت الوشا بزجاجة خمر مكسورة تستلقي على فخذيها حالمة وباكية ومنطفئة الجسد. أنها تسرق يارجل.. بصوت غاضب صرخ صاحب محلات الخمر المكشوفة, أنه ايتوس, معروف لدى اهل الحي بعنجهيته واسلوبه الاستفزازي, الم يعد اخاها بيدرو من رحلته الملعونة, فاليعد عله يدفع لي ما تنفقه هذه العاهرة على خمرها لتطفئ نارها الداخلي, وبذات التصرف الساذج تقدمت لادفع عنها, هكذا كانت ليلتي الاولى مع الوشا, أم اليوم فهى انيقة لاتحمل الخمر وانما حقيبة نسائية بجلد لاكوستي التصنيع ولكن بذات رائحة الحب.

وماذا بعد.

تعال على عجل.. اني اشتاقك بل واشتاقك.

وهل مازلت….

نعم مازلت احبك واكرهك.

وكيف لك ان تحبيني وتكرهيني بذات الوقت.

أحبك لاني ماشعرت برجولة كما هى عندك.. اشعرها حادة وساخنة…أنت تعرف  كيف تقبض علي وتعرف كيف تلويني من أسفل ظهري نحو شفتيك, تعرف تماما كيف تجعلني اصل لرعشتي الانثوية ومن اين تصنعها, تعرف كيف تمتص شهوتي ومتى تجعلني اشهق انفاسك عندما تأتي.

هذا لانك تحيني.. وماذا عن كرهك لي.

صوت صافرة الباخرة الحقيرة التي ابعدتني عنك في ليلة بقت ستائر غرفتك كما تركتها وانت تغادر, كنت حينها مع صاحب منزلك الذي اوصيتني بأن اسلمه الشقة… كان يتكلم عن باقي الأجور التي لم تدفعها, كان يصرخ بقوة, أما انا فكنت اناظر من النافذة أضواء رحيلك الابدي كيف تبتعد شيئا فشيئا, لن تتخيل كم كانت ليلة حقيرة تلك, كل شيئ بقى كما تركته وانت تحزم حقائبك الاخيرة, أواني العشاء الأخير وقصصاصة الورق ودفترك اليوناني,اللمسة الأخيرة لباب الخزانة المخلوع ومحارم الجولة الأخيرة وكبريائك بانك لاتحبني, روعة تفصل جسدك من الخلف وانحنائاتك لتجمع جواربك وماكينة الحلاقة المحطمة كنت كما لو انك تجمع حبك الذي تفجر داخلي, كنت اشعر بك صامت ولكنك تصرخ من الداخل, كنت تبكي اما على انثى تشتريها الرجال بزجاجة خمر او على قدرك الذي جعلن النساء يكتبون بمذكراتهن ( من هنا مر يوما )… لهذا اني اكرهك.

وكأن شيئا لم يكن سحبتها على مهلا واكملت لها بقية الاوراق لمكاتب الاتحادية, بصمت حاد وعميق كنا قريبين من بعضنا, برغم الصمت كنت اسمعها تصرخ وهى كذالك, اننا كنا نبتسم زيفا ونتصنع بهتانا

واليوم وبخصر الثلانون والخمسة خرجت من غرفتي صامتة , كانت تعرف جيدا كما اني اعرف انها ليست لي وانني لست لها, ومع ذالك اشتقت لها كما اشتاقت لي…. اليوم لايوجد ميناء ولا رائحة شمس دافئة, ليست هناك ابواب خزانة مخلوعة, كما انني اشتريت ماكينة حلاقة جديدة, لم يعد ايتوس يصرخ ورحل مع زجاجاته الحقيرة.وسوف لن ابحث عنها بعد الان بين زحمة أجساد البحارة. اليوم صباحا لم اجمع حاجياتي البالية كما فعلت ليلتها,  بل هى من فعلت, اريد كما هى تريد ان تشق طريقها بمفردها وهى تعرف اني اعرف من اين لها حقيبة الاكوست تلك وانها لاتريد ابواب خزانة مخلوعة لكن لاتريد ان تنساني… سابقى بعيدة وقريبة, احبك واكرهك, اغار عليك واغضب منك, اتخليك عندما اغفى مع غيرك من الرجال, ساجعلهم يأتون داخلي كما لو كنت انت, كما اني انا الوشا سأشتاقك

الوشا…….

بقلم باسل حنا

المانيا, شتاء 2016

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *