المطران مار باوي سورو جسّد الوحدة الحقيقية لشعبنا بحضوره المؤتمر الكلداني

بقلم : حبيب تومي / سان دييكو
habeebtomi@yahoo.no
بالرغم مما اثير حول انعقاد المؤتمر الكلداني من تساؤلات ومن تحفظات من ان يشكل المؤتمر خطوة لتعميق الهوة بين مكونات شعبنا لا سيما بين الكلدان والآشوريين ، فإن تلك المزاعم والتكهنات لم يكن لها وجود على ارض الواقع . فهدف المؤتمر الرئيسي كان من اجل تثبيت الهوية الكلدانية والوقوف بوجه المحاولات التي تستهدف إلغاء القومية الكلدانية من الخارطة القومية العراقية ، بجهة ان حرية المعتقد والأنتماء  حق طبيعي لأي مكون اثني او ديني ومنهم شعبنا الكلداني الذي يملك حق المحافظة على هويته القومية وكيانه في وجه محاولات التذويب والأقصاء ، فوجود اي مكون تكفله  لوائح حقوق الأنسان وحقوق الأقليات التي تشكل ركناً هاماً من تلك اللوائح .
كان ثمة زخماً كبيراً جداً من البحوث والدراسات والكلمات والأشعار وكلها تنتظر فسحة زمنية لعرضها على المؤتمرين ، وفي خضم هذا الزخم كان من المهم فسح المجال لأخواننا الأشوريون الذين حضرروا المؤتمر بقلوب متفتحة طيبة طافحة بالمحبة ، وهكذا كان لهم منذ اليوم الأول مكان في الصدارة ليعبروا عن آرائهم بكل حرية . وجاءت كلماتهم مليئة بمعاني التعاون والتآزر وعلى الأسس المبنية على الأحترام المتبادل وهي بمجملها كانت تشيد بالمؤتمر وتدعو الى التماسك بوحدة الصف بين مكونات شعبنا من الكلدان والسريان والآشوريين .
إن تلك الكلمات كانت تبعث الأمل في النفس بأن هنالك شريحة مهمة من الأخوة الأثوريين يختلفون في تفكيرهم عن الأحزاب القومية الآشورية المتزمتة التي تطرح التنظيرات والأديولوجيات الشمولية التي بعثرت شعبنا بدلاً من ان تجمعه . بنظري ان الطبيعي بل من الضروري ان يكون للاخوة الأثوريين حضور في مثل هذه المناسبات المهمة التي تعمق التفاهم وتبادل وجهات النظر بين ابناء شعبنا من منطق الأحترام المتبادل , لكن مع الأسف يبدو ان المسالة تبدو غير مألوفة اي تعتبر من الأستثنائيات ان يحضر  الأخوة الأثوريون لمؤتمر كلداني ، ولهذا كان تقديري واحترامي للمطران الجليل مار باوي سورو وكذلك الشخصية الآثورية المعروفة الأستاذ لنكولن مالك وهو ناشط قومي وسياسي آشوري معروف .  
في جلسة الأفتتاح كانت كلمة سيادة المطران مار سرهد جمو ، التي اشار فيها الى تاريخ الكلدان التليد في ارض الاباء والاجداد في ارض بابل واور الكلدانيين ، وكيف تحمل هذا الشعب العظيم قساوة الغزاة من الفرس والعرب والاتراك والمغول والمحن التي مر بها خلال ال 2000 سنة الاخيرة ، وحتى انبثاق الحكم الملكي الوطني عام 1921 . كان الكلدان ممثلين في البرلمان ومجلس الاعيان العراقيين وكان الكلدان بوطنيتهم وثقافتهم واخلاصهم احد العوامل التي ساهمت في نهضة العراق الحديث ، ولكن بعد سقوط النظام الملكي بدأت المضايقات تمس خاصرة الكلدان وبقية المسيحيين.
وبعد ذلك كانت كلمة السيد مايكل كولاين وكيل وزارة الخارجية الامريكية مسؤول الملف العراقي فيها. تحدث باسهاب عن عمل وزارته في العراق والسياسة المتبعة في مساعدة كافة اطياف الشعب العراقي .
ثم القيت كلمة السيد لنكولن مالك ، والقتها نيابة عنه السيدة جاكي بنجامين ، هنأ فيها انعقاد المؤتمر الكلداني العام. ثم تبعه السيد السفير بيتر بودي ممثل السفير الامريكي في العراق . وبعد ذلك اتيحت الفرصة لطرح الأسئلة على السيدين مايكل كولاين وبيتر بودي فيما يخص الأوضاع في العراق .
 ولكن ما لفت انتباهي كانت كلمة سيادة المطران مار باوي سورو حيث استهل كلمته بقوله :
اقف بينكم كمسيحي وآثوري وأقدم لكم التهاني من اخوانكم الآثوريين ، وأقول ان النهضة الكلدانية هي نهضتنا ايضاً ، اجل نحن كلدان وآثوريون ولكننا كشعب واحد وعائلة واحدة ، وليس من حقنا إلغاء اي مكون ، نحن جميعاً لنا الحرية ، والحرية هي هبة ومنحة إلهية ، ولا ينبغي تقييد حرية الأنسان .
 واضاف سيادته في سياق كلمته قوله :
حينما اقدم نقد على من يتعصب ويلغي الكلدان ، فأنا اطلب من الكلدان  بأن لا يعيدوا نفس الخطأ او يلجأون الى التعامل بالمثل ، إن التعصب سم مرير وهو خطأ يرتكبه الأنسان ولا يمكن ان يستمر لأن الله خلق الأنسان ليكون حراً .
 واضاف المطران الجليل قوله :
نشكر احتضان الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية  لنا حينما قدمنا انفسنا كآثوريين كاثوليك ، وقد عاملونا كأهل الدار فقسموا الرغيف الواحد بيننا وبينهم .
 واستطرد سيادته :
 انقل لكم محبة واحترام اخوتكم الآثوريين الذين حملوني مشاعرهم وحبهم وتقديرهم لكم انتم اخوتهم الكلدان ، واؤكد ان مؤتمركم / النهضة الكلدانية / هو بحق نهضة لنا جميعا نحن الآثوريون ايضا ، وانا اتأسف من بعض اخواني وابنائي الاثوريين بمحاولتهم الغاء الكلدان والكلدانية . عليه ان الشعور القومي للجميع هو عطية من الرب لاننا كلنا اولاده ، واطلب منكم انتم الكلدان ان لا تردوا بالمثل على اخطائهم وخطابهم الاقصائي ، واحب ان اشارك بالفرح معكم اولا في الايمان الكاثوليكي وثانيا بالعودة الى احضان الكنيسة الكلدانية الام.
وفي إشارة ذكية وموفقة للمطران الجليل اورد المثل الخاص بإشفاء الرجل الذي يده يابسة في يوم السبت رغم ان الفريسيين اعتبروا ذلك انتهاكاً لقدسية يوم السبت وكان تفسير المطران مار باوي ان يوم السبت هو من اجل الأنسان وليس العكس ، وهكذا القومية هي من اجل الانسان وليس العكس ، فينبغي ان تكون القومية لتعزيز وحدتنا وليس من اجل تمزيقنا ، وهذا ما فهمته من حديث المطران المطران الجليل الذي تعرفت عليه لأول مرة . لقد قوبلت كلمة نيافته بالتصفيق الحاد عدة مرات وبمشاعر فياضة من قبل المؤتمرين لمدلولاتها الكبيرة ومعانيها السامية .  
اما الدكتور لنكولن مالك وهو ناشط قومي آثوري فقد تضمنت كلمته عبارات وأفكار نيّرة حيث أفاد قوله :
 اتكلم كشخص سياسي وفيما يخص الشأن القومي فأقول نحن نحمل ثلاث هويات هي آشورية وكلدانية وسريانية ولهذه الهويات خصوصياتها ، وكل منها تعتمد على التاريخ ولهذا لا يجوز التنكر لهذه الهويات التاريخية او تهميشها ، وإن من يقدم على نكران هذا الواقع سيخيب أمله مهما كان الدعم الذي يحظى به .  
إن اي حل يجب ان يبدأ من الواقع وذلك بالأعتراف بالهويات الثلاث ، وإن ما يجمع هذه الهويات هو اكثر مما يفصلها عن بعضها ، فلغتنا الآرامية واحدة مع اختلاف اللهجات ، كما نشترك في الوطن الواحد ، ولنا تاريخ مسيحي واحد ، ولكن اهم من كل ذلك هو اننا نحتاج بعضنا البعض لبقائنا ، وإن هذا التوحد ينبغي ان يستمر ويتعزز دون المساس بخصوصياتنا ، ويمضي الدكتور لنكولن مالك الى القول :
 علينا ان نعترف بعضنا البعض وأن يسود الأحترام المتبادل بيننا ، ولا نريد لأي مكون ان ينصهر ، فالوحدة التي ننشدها هي التي تجمعنا وتحترم وتحافظ على خصوصياتنا وهي بالتالي توحد هويتنا البنهرينية .
أقول :
نحن المسيحيون من الكلدان والسريان والآشوريين الذين نفتخر بهويتنا البنهرينية ، ينبغي ان تكون مثل هذه المناسبات عوامل للجمع بيننا ، إن الخطاب الذي يجري تمريره اليوم بغية توحيد خطابنا ، هو مع الأسف أسلوب كسر العظم ، او باستخدام الجزرة والعصا وهذا منافي لقواعد الأحترام المتابدل ، وغريب عن روح التعاون والمحبة التي ينبغي ان تسود بين ابناء الشعب الواحد . نحن الكلدانيون نفتح قلوبنا لكل جهود خيرة تجمع شملنا على اسس من التعاون الندي المتكافي المبني على قواعد المساواة والأحترام المتبادل ، ونحن نعتقد ان هذا الطريق هو الأمثل للتفاهم بيننا .
إن حضور سيادة المطران سرهد جمو الى جانب نيافة المطران مار باوي سورو والدكتور لنكولن مالك في المؤتمر الكلداني الذي عقد في سان دييكو وإلقائهم تلك الكلمات المفعمة بالتفاهم والأحترام المتبادل تشكل ارضية خصبة لزرع ورود وجني ثمار المحبة التي تعمل على انعاش وازدهار الواحة الخضراء المزدهرة التي تجمع مكونات شعبنا من الكلدان والسريان والآشوريين في وطننا العراقي الجميل .
ملاحظة : كنت قد سطرت هذا المقال قبيل مغادرتي مدينة سان دييكو ولهذا ارتأيت ان تبقى باسم المدينة التي كتبتها .
حبيب تومي / سان دييكو في 04 / 04 / 11    

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *