المسيحيون والإزيدية وصيحات: هاوار.. هاوار.. هاوريلا

 

في اللغة الكوردية مصطلح هاوار هو لطلب النجدة والإستغاثة وقت الشدة، لكن في القوش نستخدم لفظة (هاور.. هاور او هاوريلا.. هاوريلا) لحث الرجال للخروج من البيت مع سلاحهم حينما يحيق بالبلدة خطر ما، وينبغي على الجميع الخروج للذود عن البلدة ضد الخطر المحيق. وهذه اللحظة تكون مناسبة لظهور وبروز اسماء الشجعان. لكن صيحات: هاوار.. هاوار اليوم مختلفة فهي تعني قلع الجذور من الأرض التي ولدنا فيها نحن وآبائنا واجدادنا لألاف السنين. نعم كان اليأس من الحياة بعد التعامل اللاإنساني الذي تعرض له هذا القوم من قبل الدولة الإسلامية (داعش) الناهضة بعد الربيع العربي الذي قطف ثماره التيار الديني الإسلامي والشعار الرئيسي الذي فرض نفسه بقوة على الساحة اليوم ولا صوت يعلو عليه هو صوت الهجرة .. الهجرة او منطقة آمنة بحماية دولية.

لقد ادخل المالكي العراق في سلسلة من الأزمات وكأنما كانت تعوزه ازمات قاتلة اخرى حينما اخترقت قوات الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) الحدود (وكأنها في نزهة) لتصل الى مدينة الموصل وتستولي عليها في ساعات ثم تتجه جنوباً لتستولي على مدن مهمة اخرى، وحينما تلكأت مسيرتها نحو بغداد، تبدل اتجاه بوصلتها نحو اقليم كوردستان، فكانت المناطق المتنازع عليها والتي يقطنها مكونات التنوع العراقي من الكلدان والآشوريين والسريان من المسيحيين وكذلك الإزيدية والشبك والتركمان، وكانت هذه المكونات الضعيفة هي الضحية الأولى التي وقع عليها اختيار الدولة الإسلامية لترويعها والأنتقام منها بتطبيق الشريعة الإسلامية بحقها خاصة الإزيدية والمسيحيين، وذلك بإجبارهم على اعتناق الدين الإسلامي او دفع الجزية او الهجرة او مواجهة السيف بالنسبة للمسيحيين باعتبار انهم اهل الكتاب ، وعليهم تنطبق احكام اهل الذمة.

اما بالنسبة للإزيدية فأمامهم خيار اعتناق الإسلام وإلا فعليهم مواجهة حد السيف، فوقعت الأفعال اللاإنسانية بحق هذه المكونات، وكانت البداية في الموصل حيث اجبر وضع المسيحيون امام اعتناق الدين الإسلامي او دفع الجزية او مواجهة السيف، او ترك كل شئ غنيمة للدولة الإسلامية والخروج بملابسهم من الموصل التي اصبحت ديار الإسلام تحت شريعة السيف.

وبعد ذلك كان دخول قوات خلافة الدولة الإسلامية الى المدن المسيحية تمكن هؤلاء الإفلات تاركين بيوتهم وحلالهم، وذلك حفاظاً لكرامتهم من الإهانة على يد قوات داعش، بالأضافة الى الحفاظ على اعراضهم من اعتداء المسلحين في الدولة الإسلامية التي تجيز الأعتداء على اعراض الناس تحت احكام وتفاسير دينية.

إن الذي وقع في هذه المحنة كان المكون الإزيدي المسالم الذي وضع امامه خيار اعتناق الدين الإسلامي فقط وإلا مواجهة حد السيف، فكان النزوح من سنجار والقرى التابعة لها من قاطنيها الإيزيدين متجهين صوب الجبل والحماية بشعابه الوعرة، وفضلوا الموت من الجوع والعطش وتحت رحمة الطبيعة على الإذلال وإهانة كرامتهم على يد داعش، ومن لم يحالفة الحظ في اللجوء الى الجبل فقد كان مصير الرجال منهم القتل والنساء أخذن كسبايا يُبعن كجواري في سوق النخاسة في مدينة الموصل.


هكذا يبقى مسلسل العنف والدم والهجرة سارياً ما داموا يحملون هويتهم الدينية اللاإسلامية

بل اكثر من ذلك فإن هذا الغلو الديني قد دفع مسلحي الدولة الإسلامية، داعش، على مهاجمة اتباع دينها الإسلامي فهدمت مقامات دينية للصوفية السنية والأضرحة الشيعية، كما شنت داعش حرب إبادة وتهجير معلنة ضد التركمان والشبك الشيعة في منطقة نينوى وتلعفر، فقد نزح عشرات الآلاف نحو مدن الجنوب، وفي البرلمان عبر الجلسة المفتوحة اكد احد نواب البرلمان عن المكون التركماني ان داعش ربما امهلت المسيحيين ساعات للخروج من الموصل لكن التركمان لم يكن لهم اي إنذار مسبق.

وهكذا وقع على يد داعش شكلاً سافراً من التطهير العرقي والديني والمذهبي فكان نزوح الشيعة نحو مدن الجنوب الشيعية (رابطة مذهبية شيعية)، ونزوح المسيحيون الى اقليم كوردستان الى المدن والقرى المسيحية (الرابطة الدينية المسيحية)، ونزوح الأزيدية نحو اقليم كوردستان (رابطة قومية الكوردية). إن هذا النزوح السكاني الكثيف قد خلق مأساة إنسانية، لاسيما في اقليم كوردستان، فألاف اللاجئين من المكون الإزيدي لا زالوا عالقين بين تضاريس وشعاب جبل سنجار ينتظرون إجلائهم بسلام وقالت الامم المتحدة إن نحو 700 ألف إيزيدي شردوا منذ ان استولى مسلحو تنظيم الدولة الاسلامية على سنجار من القوات الكردية التي تدافع كانت عن المدينة، وعن بي بي سي باللغة العربية ان موظف اغاثة إيزيدي كان على متن طائرة تابعة للقوات الجوية العراقية تشارك في إجلاء اللاجئين المحاصرين، وصف الموقف بأنه “إبادة جماعية”، مع وجود ما بدا أنه مئات الجثث. .. هكذا منطقتنا تواجه مأساة إنسانية كبيرة بالنسبة لهذا المكون الأصيل.

اما بالنسبة للمسيحيين فحدث ولا حرج فهناك الآلاف الذين تقطعت بهم السبل وفرشوا ساحات الكنائس والمدارس والحدائق العامة ، ومن خلال تمرير عدسة المصور للقنوات التلفزيونية المختلفة تظهر على وجوه هؤلاء اللاجئين أمارات المعاناة محفورة على وجوههم، ولا يعلمون ماذا يخبئ لهم المستقبل، والى متى يكونون في هذه الحالة المزرية.

لقد كانت احاديث من الرجال والنساء تدفع على الأسى والأسف من هذا الإنسان الذي يتنكر بين ليلة وضحاها معاني الوفاء والصداقة والجيرة، فتقول إحدى النساء هذا الجار المسلم الذي قضينا العمر بصداقة ووئام ، يتنكر اليوم ويقوم بإرشاد الداعشيين لبيتنا، ويقول هذا بيت مسيحي، او اذهب الى الوكيل فيقول لها انتم مسيحيين ليس لكم حصة . هذا غيض من فيض من معاني اللاوفاء وثقافة الكراهية والتنكر للقيم الإنسانية:

يقول طرفة بن العبد

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة        على المرء من وقع الحسام المهند

وعموماً نقرأ في الخطاب الإسلامي اشياء منافية للروح والأخوة الإنسانية، فالمسلم يدعو الله الى تدمير غير المسلم ويقول ويطلب من الله.

رمّل نساءهم، ويتم اطفالهم، وجمد الدماء في عروقهم، اجعلهم وأموالهم ونساءهم وذراريهم غنيمة للمسلين.

فمن تربى على هذه الخطابة وهذه الثقافة يجب ان لا نستغرب منه اي فعل منافي للمشاعر الإنسانية والتسامح والتعايش الإنساني.


الأيزيديون من حصار مسلحو داعش الى حصار الجوع والعطش على جبل سنجار الأجرد

نحن في القرن الواحد والعشرين ولا شك ان استهداف الأقليات المسالمة يعتبر جريمة بشعة، فهذه الأقليات لم يكن لها اي مقاومة لقدوم داعش، ولم يكن لها اي مظاهر العنف مع جيرانهم المسلمين، فلا مبرر للكراهية والسلوك الأنتقامي البغيض اتجاه المسيحيين او الإزيدية، لقد دخل الجيش الأمريكي للعراق، وزُعِم بأنه كانت هناك حالة اغتصاب واحدة في المحمودية اشارت اليها بعض وسائل الإعلام، ولكننا نجد في مسلحي الدولة الإسلامية يعتدون على اعراض هذه المكونات ويسبون بناتهم، ويعتبرون ان الأمر طبيعياً، فيوزعون الجميلات على امرائهم، والبقية يصار الى بيعهن كجواري في سوق النخاسة ، هل هناك جرائم ابشع من هذه الجريمة؟

هكذا امام الحكومة العراقية وحكومة اقليم كوردستان والمجتمع الدولي تقديم المساعدة العاجلة لوضع حد لمأساة إنسانية تجري على الأرض، وتتمحور الإغاثة في ايصال المساعدات الحياتية لهؤلاء البؤساء ومن ثم إجلائهم الى مناطق آمنة يتوفر فيها الحد الأدنى للعيش.

وقد انفرد جوناثان كرون مراسل صحيفة ديلي تلغراف الذي صاحب طائرات الجيش العراقي لاغاثة افراد الأقلية الايزيدية الذين فروا إلى سفح جبل سنجار حيث كتب تحت عنوان “ليلة في جبل الجحيم”، تفاصيل الليلة الاولى التي قضاها وسط أفراد طائفة الايزيدية.

أمضى الايزيديون هذه الليلة في البحث اليائس عن النوم والطعام والماء على أضواء القمر ونيران صغيرة أضاءت جانباً من الجبل امتد إلى الحدود السورية على مدى النظر.

ويوضح أنهم قضوا الليلة على الجبل في محاولة لنيل قسط من الراحة التي لا يمكن ان يجدوها وسط العراء ووسط وعورة المنطقة وذلك ليستعدوا ليوم شاق جديد يبحثون فيه عن المياه التي ان لم يجدوها أو لم يتم ارسالها عبر طائرات المساعدات التي تقذف لهم زجاجات المياه بين الحين والاخر سيكونون في عداد الموتى خلال 24 ساعة وسط ارتفاع درجات الحرارة إلى 40 درجة مئوية…

وتساؤل اللحظة: الى متى تستمر هذه الحالة؟ الى متى يبقى الأزيديون معلقين في سفوح الجبل؟

الى متى تبقى العوائل المسيحية نزيلة المدارس والحدائق والكنائس؟

ما مصير الأموال والبيوت التي صودرت في ليلة وضحاها عن اصحابها التي شقوا وتعبوا وكدحوا لبنائها طول العمر.

الى متى يستمر الأقصاء الديني والقومي في بلد متعدد الأديان والأعراق؟

الى متى تستمر شريعة الغاب؟

إنها اسئلة كثيرة لا يوجد جهة محددة نوجهها لها او تجيبنا عليها.

اصوات الهجرة تعلو على ما عداها من الأصوات، ثم هنالك اصوات تطالب بمنطقة آمنة برعاية اممية. لكن في كل الأحوال قبل هذه وتلك ينبغي توفير المأوى والمأكل لهذه المجاميع التي لم يعد لها إلا الملابس التي عليها . ودائماً تطفو على السطح اسئلة عديدة:

متى تنتهي المعاناة؟ وهل ثمة امل ان تعود البسمة؟ اليس من حق هذه المكونات اللاإسلامية ان يكون لها حريتها وتعيش حياتها الكريمة في ظل القوانين الوضعية للدولة البعيدة عن الشريعة الإسلامية؟ متى نعيش في وطننا كبقية المواطنين وكبقية البشر في اوطانهم؟

إنها عاصفة هوجاء نأمل نهايتها، والأمل يجب ان يبقى قائماً لكي تستمر الحياة، وبرأيي المتواضع ان قبس من النور يلوح في نهاية النفق الذي ادخلنا فيه نوري المالكي طيلة 8 سنوات، وإن التشكيلة الجديدة لرئاسات الجمهورية والبرلمان والحكومة لهي بداية النهاية لتلك المرحلة الصعبة، ونأمل ان ينهض العراق من كبوته ليحل فيه التطور والبناء والسلام في ربوعه والتعايش بين مكوناته.

بقلم: د. حبيب تومي
اوسلو  14/08/2014

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *