الكلدان إلى أين؟

إن الطبقة السياسية التي تولت مقاليد الحكم في العراق ما بعد تأسيس الدولة العراقية قي عام 1921م ، عليه توفرت وسائل وآليات التحكم في الرأي العام العراقي لتوجيهه وفق الوجهة الخادمة لمشاريعها الواضحة والمعروفة للعالم أجمع ، كونها تحمل نظرتها العروبية المنفردة والمستبدة لأحادية الجانب القومي العروبي في إلغاء المكونات القومية الأخرى..القومية الكلدانية مثالاً وليس حصراً ، حيث رفضت الوجود القومي الكلداني كمكون مميز تاريخيا حضارياً ووطنياً ثقافياً ، مما ترك أثره الواضح على مسار بناء وترسيخ دولة المواطنة ، يفترض تحولها الى دولة مدنية ديمقراطية تعي حقوق المواطنين جميعا وتقر بحريتهم ووجودهم وتحترم خصوصياتهم الإثنية والقومية ، ليعقبه النظام الجمهوري بحكوماته المتعاقبة المستبدة في العراق ، عاكسة ممارستها العروبة أولاً لتعزز الطائفية الدينية المقيتة ، لخراب ودمار البلد فكرياً وثقافياً وأدبياً دون مراعاة التاريخ العراقي وحضارته العظيمة قبل تواجد الأديان  ليوضعوا الكلدان في خانة الطائفة المسيحية الدينية.

فهكذا كان في شهر نيسان من عام 1972 صدور قرار من مجلس قيادة الثورة لنظام البعث الشوفيني البائد ، على أساس منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية بعيدا عن الحقوق القومية ، هادفاً إلغاء وجودهم القومي الكلداني و المكونات الأخرى لجعلهم ضمن العربية عنوة وكرها ، معززاً الطائفية المقيتة وصراعاتها المدمرة في البلاد ، وهكذا استغلت الحكومة البعثية جميع منابرها وبرامجها ومناهجها الإعلامية والتعليمية والفكرية لأكثر من 35 عاما وبذلك أبعدت أجيالا من الكلدان عن هويتهم الحقيقية.

ضن الكلدان بأن الدستور العراقي الجديد الدائم أقر بالوجود القومي الكلداني كقومية رسمية بموجب المادة 125 الواردة في الدستور المقر والمستفتى عليه عام 2005 بعد سقوط الصنم ، هي بداية تعبير عن إرادة سياسية مسؤولة بضرورة إنصاف الوجود القومي الكلداني بالاعتراف بلغتهم وثقافتهم ووجودهم الحضاري التاريخي ، لما تعرضوا له من إقصاء وتهميش منذ عقود متتالية ومتراكمة ، ولكن وللأسف الشديد ، الحقيقة والواقع يتكلم وينطق في خلاف الواقع تماما ، كونهم عمدوا إلى وضع الكلدان ضمن تسمية المكون المسيحي الطائفي دون الإشارة إلى استحقاقات الهوية والانتماء القومي ، بالرغم من مخالفتهم الدستورية الواضحة تماماً ولم يتراجعوا عن ذلك لحد اللحظة.

لذا فالكلدان مازالوا ضحية التهميش والإقصاء السياسي والاقتصادي والاجتماعي من قبل السلطات العراقية المتعاقبة ، معتبرينهم طائفة مسيحية والحال كذلك بالنسبة للمكونات القليلة العدد الأخرى، مهمشين ومقصيين ومضطهدين ومبتزين ومغيبين ومهجرين من ديارهم من قبل الجماعات الإرهابية والعصابات الإجرامية قبل داعش والأخير أفعالهم واضحة للداني والقاصي ، لأفعالهم الإجرامية خصوصاً في محافظة نينوى ، مدينة الموصل ، بلدات سهل نينوى ، الأقضية والقصبات الأخرى التي اغتصبت وأبيدت بشكل جماعي ، باعتراف الحكومة العراقية الحالية كما اعترفت بذلك حكومات العالم والمنظمات والهيئات الدولية ، بانتهاك الحرمات وسبي النساء وقتل الرجال وتهجيرهم من ديارهم ، ناهيك عن فعل الجماعات الإرهابية والعصابات الإجرامية في غالبية مدن العراق من بصرة وبغداد وكركوك والمدن الأخرى ، هدفهم الأساسي تهجيرهم وتغييب وجودهم والقضاء على تاريخهم وحضاراتهم عبر أكثر من سبعة آلاف عام ، وهذا واقع حال مورس ولا زال يمارس ليس للكلدان فحسب بل ولبقية المكونات القليلة العدد ، بعد الهيمنة والسطو المسلح والقتل العمد وممارسة العنف لشرائح مسالمة تعي وتحترم حقوق ووجود الآخرين ، بالرغم من دخالتهم للبلد وهم بعيدين عن الاحترام الإنساني ووجوده وديمومة بقائه.

وهنا السؤال  يطرح نفسه إلى متى يظل الكلدان العراقيين مقصيين مهمشين مضطهدين مبتزين مغيبين مهجرين في بلادهم الأصيلة؟ لماذا تستمر الحكومة العراقية وأحزابها المهيمنة على مقدرات الشعب العراقي ، في سياسة الرهان على الوقت لاستنزاف واحتواء مطالب الكلدان العادلة في الحرية والأمن والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص ومقومات العيش الكريم واحترام حقوقهم كبشر؟

ولكن قبل هذا وذاك.. هناك سؤال ماذا يريد الكلدان؟ هل قضية الكلدان قضية لغة مهددة بالانقراض ، يجب إحيائها فقط كما يحاول القانون التنظيمي في الدستور العراقي الجديد لتفعيل اللغة السريانية؟ أم إن الكلدان لهم طموح سياسي واجتماعي يتمثل في الوجود الفعلي للكلدان ككيان مميز تاريخيا وثقافيا واجتماعيا ضمن مكونات الشعب العراقي؟ وهل تتوفر لدى الإرادة السياسية للسلطة العراقية والأحزاب والتيارات الحاكمة بالاعتراف العملي الفعلي بالكلدان كمكون سياسي وثقافي واجتماعي كشعب قائم كامل الوجود والمقومات  حسبما جاء بقوانين حقوق الإنسان والقانون الدولي للشعوب الأصيلة؟

هل الكلدان محرومين من السياسة لأنهم يرفضون الخوض فيها وممارستها ؟ أم لان السياسة العراقية الموروثة عبر عقود من الزمن ترفضهم ووجودهم التاريخي الحضاري ، بشكل يضمن تزوير التاريخ أمام الرأي العام ، وخلق أحزاب تابعة لغايات محددة وواضحة لاستكمال وممارسة كل أنواع التسلط بفرض الأمر الواقع؟

هنا يفترض بروز دور الرابطة الكلدانية غير السياسية التي صرفت لتواجدها ألاف الدولارات ، بإشراف كامل من البطريرك مار لويس روفائيل ساكو وقدرتها على التفاعل مع الوضع السياسي والاجتماعي والثقافي القائم في العراق ، هل سيكون هناك دور قيادي سياسي للبطريركية الكلدانية نتيجة انزواء فرضتها الظروف والأوضاع على الأحزاب الكلدانية؟

في محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة ، استطيع القول بان الذي يحدد هوية الإنسان هو المكان ( الوطن) الذي عاش فيها الآباء والأجداد وذويهم بالتعاقب ، كون هوية الإنسان وانتمائه القومي يولد بها ولا يختارها بنفسه ، وهنا الكلدان وتواجدهم ملك للكلدانية وليست ملكا للآخرين أن تفعل بها كما يحلو لهم ، وهذا الواقع ينطبق على الشعوب والبلدان دون اقتصارها على الكلدان. فالمواطن الكردي مثلا ملك للهوية الكردية التي جعلت انتماءه كرديا وكذا إن كان عربياً أم تركمانياً … والخ . لأن الهوية ليست ملكا لأحد يمنحها أو يسلبها متى ما أراد ذلك.

الكلدان اليوم بحاجة إلى وحدة البناء وتنسيق الأمور تكاملياً وترتيب الأولويات وتغليب المشترك العمومي على الخصوصيات ، ولابد من تجديد الخطاب الكلداني في بناء البيت الكلداني عاجلاً وفق متطلبات المرحلة العسيرة والمعقدة ، مع بلورة خطاب سياسي جديد وفق حده الأدنى ، الابتعاد عن نقاط الخلاف وتدارس الاختلافات بدراية وحكمة موضوعية ، يتبنى الكلدان خطاباً سياسياً واضحاً متفق عليه جميع القوى الكلدانية ونشطائهم ومفكريهم ومثقفيهم ضمن القاسم المشترك الأصغر تحت اللافتة القومية الكلدانية ، بالتعاون الوطني بما فيه التحالف مع القوى الوطنية التي تحترم وتحرص لوجودنا وحقوقنا القومية والوطنية وتساندنا في نيلها ، لبناء دولة الوطن والمواطنة ، دولة مدنية وطنية ديمقراطية علمانية لا دينية ولا طائفية ، حريصة ومهتمة بالإنسان ووجوده وديمومة بقائه وتطوره وتقدمه اللاحق.

وديع زورا

12/12/2016
wadizora@yahoo.com

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *