الفكر القومي الكلداني في دائرة الضوء

تتعرض كتابات المثقفين والأدباء الكلدان لهجوم منظم وحملة تشويه، ناتجة عن أحكام مسبقة تفتقد إلى الأساس المعرفي والتاريخي العلمي وتعبر عن جهل تام بأهم الكتابات والأفكار المطروحة على الساحة السياسية والاجتماعية. لقد تمكن الفكر القومي الكلداني من استقطاب جمع لا بأس به من أبناء الكلدان العاملين في حقل السياسة والمؤسسات الثقافية والاجتماعية سارع في مواجهة الأفكار السياسية الإقصائية والشمولية من خلال توضيح المنهج الكلداني في التعامل مع الواقع. الكلدانية حقيقة تاريخية لا يمكن نكرانها بأي شكل من الأشكال وأن استثارتها يعتبر عملا دفاعيا، على أساس أن الفكر القومي قدر له ان يكون فكرا مقاوما نظرا لاستهدافه، ولسنا بحاجة إلى تقديم إثباتات لبرهنة هذه الحقيقة. لقد أخطأ من ظن أن الكلدانية حزب سياسي أو اجتماعي أو مذهب ديني، ويخطئ من يشير إلى وجود انفصام بين الثقافة الكلدانية والانتماء الوطني أو يعتقد بأن الانتماء الثقافي البيئي والمجتمعي  يمثل انغلاقا. إن الثقافة في جوهرها تعني انفعال المثقف وتفاعله مع ما يدور حوله في هذا العالم ليقوم بتطوير ما يمكن تطويره إلى الأفضل، إذ أن لكل ثقافة مقوماتها وخصائصها وإمكاناتها، فهي انتماء وهوية قومية وعلى الآخرين وجوب احترامها.
أن الفكر القومي الكلداني المعاصر ليس كلاما مجردا بلا مضمون ولا ترفا فكريا أو سياسيا ولا هواجس خيال بل هو انبعاث الأمة الكلدانية ونهوضها التاريخي والقومي والإنساني إلى الوجود بفعل إرادة الحياة التي فعلتها كلمة الحق وصدق الإيمان وشرف الانتماء القومي ، إيمان بحقيقة وجود الأمة ومقوماتها المستمدة من تاريخها وتراثها وقيمها الروحية وإلى قضاياها المصيرية العادلة. هذا الإيمان هو الذي يجعل القومي الكلداني الصادق في إطار الواقع المعاصر يعمل من اجل تحقيق الممكن دون نسيان الطموح وفقدان الأمل، والقادم لن يكون بطبيعة الحال أسوأ مما كانت فعلا في أي يوم مضى. هو الذي يحول الأمل إلى عمل حقيقي ويخطو إلى الأمام، ولو زحفا، خطوة تستهدف تجاوز الوضع الراهن، إيمانا منه أن محرك الإرادة الحرة والإدراك العميق يدعمه الإحساس بالانتماء إلى الأمة، هو الفكر الحي المتجدد وأن قوة الحياة تكمن في انبعاثها من حالة الركود هنا وهناك إلى حال الحركة والفعل ومجابهة الصعاب. الكلداني القومي الصادق كذلك هو الذي ينتمي قولا وعملا والوقوف في صف الأمة مستلهما من وعيه بمخاطر وتحديات الحاضر وآفاق المستقبل، وضرورة تجاوز حالة الإحباط والانتظار إلى حالة النهوض والتصدي الواعي الصادق لكل ما من شأنه  تهديد الوجود الكلداني الساعي إلى تكبيل إرادة الأجيال وحرمانها من ممارسة الحقوق المشروعة لها قانونا، وخياراتها الحرة والواعدة. فإذا كنا اليوم في حاجة إلى عقل ثاقب ورصين، نكون أيضا في أشد الحاجة إلى الإيمان والتعبير عنه بممارسة الانتماء للجماعة من خلال الانخراط العملي اليومي والطوعي لخدمة القضية الكلدانية.
 ليس بوسع المؤمنين بالمشروع الوحدوي في إطاره السياسي كطريق للخلاص من المأزق الراهن مواجهة الواقع بالتمني والركون للنقد أو انتظار القائد المنقذ. فذلك زمن قد ولى وآليات التغيير القديمة قد أصابها الصدأ وحان الوقت الذي لزم أن ينتفض فيه السياسي والباحث والمفكر والمثقف والفنان والطالب والكاسب والعامل والفلاح في مهمة الدفاع عن الحق والديمقراطية وانتمائه القومي وكرامته وحياته ضد سياسات الزيف الرافعة للشعارات القومية المصطنعة والهجينة المتمسكة بالخصوصية الأشورية حصرا.
عندما يعتز كل قوم بقوميته، فبأي حق يحاول بعض الكتاب تجريد أمة كاملة من انتمائها القومي وقيم حضارتها المتجذرة في عمق التاريخ ؟ إنهم يجانبون الصواب بطروحاتهم تلك لأنه لا يمكن للوحدة أن تقوم بطمس هوية فريق على حساب الآخر. أنا كلداني وافتخر بكلدانيتي واعتقد أنني جزء من هذه الإنسانية ولي الحق في العيش المشترك ولا يحق لي أن أتطاول على أمة أخرى تعاملني بالمثل. إن المشكلة الحقيقية في اختلافاتنا هي مشكلة فئة معينة من المنتفعين والانتهازيين، فئة تحاول أن تفرض أجندات تسيء إلى التاريخ. لقد آن الأوان لرجال الفكر والوعي أن يميزوا بين صوت النصيحة وبين بوق الفضيحة وبين الأصوات التي تنادي بوحدة مفبركة وتلك التي تنشد وحدة قائمة على قدم المساواة. نعلم جيدا أن الحفاظ على الهوية والانتماء القومي يعتمد على تصحيح السلوك العام في الحفاظ على وحدة شعبنا المسيحي العراقي من الكلدان والسريان والأشوريين في ضوء العقيدة الدينية التي نؤمن بها جميعا، وليس على إنكار الهوية التي إكتسبناها بالولادة وحملت اسمنا. وهل بمقدور أحدنا آن يتنكر لهوية والده وجده؟

wadizora@yahoo.com
2010 07 30

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *