الـرحـمة خـير من الـذبـيحة .. رد عـلى مقال : الطاعة خـير من الـذبـيحة

بتأريخ 12 كانـون الأول 2014 كـتب الأخ نبـيل جـميل سـليمان في الـفـيسـبوك : ترقـبوا مقالتي الجـديدة  ” الطاعة خـير من الذبـيحة …. سِـفـر (1) صموئيل الإصحاح 15 والعـدد 22   .فعـقـبتُ عـليه قائلاً : تعـليقي عـليها جاهـز قـبل أن تـنـشـرها ….. قال : فـليكـن !

قـلـتُ : ولكـن لم تسألـني كـيف هـيأتُ التعـليق وأنت بعـدك لم تـنـشر مقالتك ؟ قال : لأنك في قـلبي .. وأنا في قـلبك … تـناغم أرواح ….

وفي الـيوم التالي نـشـر مقاله فعلاً … وللمعـلومة فـقـط إنّ عـنـوانه وردَ في نسخة الكـتاب المقـدس الـتي بحـوزتي ، آية بصيغة : هـوَ ذا الإستماع أفـضل من الـذبـيحة ، ولا مشكـلة في الصيغة الأولى .

وبدلاً من رد قـصير أكـتبه تحـت مقاله ، فـضَّلتُ مقالاً مستـقلاً أكـتبه بعـنـوان ـ الرحـمة خـير من الـذبـيحة ـ مشتـق من آية في سِـفـر هـوشع 6:6 والـذي أعاد ذكـره الإنجـيلي متى في الإصحاح 9 عـدد 13 أريـد رحـمة لا ذبـيحة .

******************

ليست الـذبـيحة معـضلة سـواءاً كانت حـراماً للـشبعانين البطرانين أو حلالاً للجائعـين المحـرومين .. إنما مشكـلة الـبـشر هي الطاعةوالرحـمة والتـفاضل بـينهما في وقـت الأزمة .. فإذا كانت الطاعة تـقـدَّم للـسـيد إذلالاً ، فإنّ سـيـد آخـر يعـطي الرحـمة إجلالاً ! وهـذا هـو الفـرق بـين مَن يريـد الأخـذ ، وآخـر يفـضل العـطاء ! .

إنَّ ديمومة الحـياة لا تـتحـقـق فـقـط بنسغ نازل ملتهـب من شمسـنا ! ما لم يتـواصل في تماس مع النـسغ الرطب الصاعـد بحـيـوية من تربتـنا لتـكـتمل دورة البناء بحـكـمة خالقـنا ، ولكـل منهما حِـمْله ووظيفـته يشتـركان سـوية لـتستمر النـسَمة في شـجـرتـنا ……..

تـخـتـلف قابليات الناس وثـقافاتهم ويتباين حـماسهم فـنميز القادر عـلى إرتـقاء شجـرة باسـقة وآخـر يزحـف عـلى أرض مستـوية … وهـناك مَن يولـد في غابة أشجارها مثمرة غـذاؤه وافـر … وآخـر يرى الـنور في أرض قاحـلة تـتعِـبُه حـتى يسـد رمقه وخـبزه نادر ، وليس لـنا القـول سـوى أنَّ هـذا حـظه عاثر .

إنّ هـذا التـفاوت الحاد في ظروف الأفـراد يفـرز عـنـدهم الإقـدام والتـراجع ، الرفاهـية والفـقـر ، النـشاط والكـسل إبّان المحـن خاصة في هـذا العـصر ، فـتبرز المناصِب والطبقات بـين أبناء البشر ! وجـماح الإستعلاء والعـدوان موجـود عـنـد الجـميع بـدون حـصر ، ولا يكـبحه إلاً لِجام تربـية الـدار والأخلاق المكـتسبة من الجار ، فـتحافـظ عـلى السليم وتـرمِّم الرميم من الأمر .

بعـيـداً عـن الـدكـتاتـورية والعـنجهـية والإرهاب .. الطاعة ليست طأطأة الرأس بخـنوع أمام مَن يَـنهى عـن خـلق ويأتي مثـله ، ولا هي سَمْعٌ وإنحـناءة ذليلة صاغـرة لـنرجـسيّ زائغ مساره ….. وإذا كـنا جـميعـنا ، المتعـلم والأمي قـد تـشبَّعـنا من طاعة كلاسيكـية مُـذلة بلا حـدود وقـيـود ( نـفـذ ولا تـناقـش ) فإنّ ثـقافـتـنا العـصرية قـلـبتْ الموازين والقـناعات فـنـبـذتها وتغـير مفهـومها في عـدة مجالات ، حتى لـدى القـيادات وعـنـدنا أمثـلة وإثباتات !

إنّ مذبحة معـسكـر ( سْـﭘايكـر ) المؤلمة المفاجـئة والطارئة عـلى ساحة الوطـن لم تكـن متوقعة في الأحلام ولا تأتي عـلى بال منـتجي الأفلام ، إلاّ أنّ الطاعة النظامية العـمياء ـ الروتينية ـ كانت أحـد أسبابها … وهـذه جعـلتْ ــ عـلى الأقـل ــ الإنـسان العـراقي يعـيـد الـنـظر في أعـراف مألوفة لـتـتـبـلـور إلى معاني جـديـدة مغايرة لمفاهـيمها الـموروثة ….  

وبـذات النهج يمكـن القـول أنّ الأمس ولّى حـين لم يكـن يُـسمح للفـتيات بالإقـتـراب إلى المـذبح بل يُـمنعـن عـن الكلام في الكـنيسة فـيـطِعـن (تـوصيات ﭘـولس الرسـول ) ! أما اليوم جـئـن يطلبن الإقـتـراب والإنـتـساب أيضاً حـتى صِرنَ شماسات فـوق المـذبح ينافـسن الشمامسة الرجال ، وتهـميشهم قادم غـداً لا محال ، ولا نستغـرب بعـد غـد أن يكـون لـنا مطرانة وﭘـطريركة فـنـطيعـها ونـقـبِّـل أناملها الناعِـمة الـنـظِـرة وأظافـرها الملونة العـطرة ! وعـليه فـقـد أسـدِل الستار عـلى مفـهـوم الطاعة الـقـديم ليحـل بـدله معـنى جـديـد ….

******************

الطاعة في الكـتاب المقـدس ، وعـنـد آباء الكـنيسة ؟

نبحـث في رسائل ﭘـولـس الرسول فـنـقـرأ عـن معارضته لمار ﭘـطرس ويقـول : (( قاومته وجهاً لوجه لأنه كان يستحـق اللـوم )) إذن مار ﭘـولـس لم يـطِع خـليفة المسيح بل وقاومه أيضاً …

مضيفاً في رسالته وهـو يكـلم الجـمع : (( لو كـنتُ إلى اليوم أتـوَخـّى رِضا الناس ، لـَما كـنتُ عـبـداً للمسيح )) ومار ﭘـولـس لم يسعَ إلى الفـوز بكـلمة عـفـرم الرخـيصة …. ليحـصلها من مبتـذل رخـيص !!…

ثم يخـتـتم ويقـول : (( فـليكـن لكـل إمرىءٍ رأيه إذا كان عـلى يقـين منه )) فـمار ﭘـولـس يمنح لـنا حُـرية الـتعـبـيـر وتلك هي قـمة الـديمقـراطية ، ولم يقـل ـــ  أنا أستمع إليكم … ولكـن في الأخـير رأيي هـو السائـد  ـــ  كما يفـعـل بعـض المتـسلطين الفارغـين … ولكـن مع الأسف ويا حـيف عـلى الحاشية … المثـقـفـين ، أصنام مْحَـرَّكة وتـلـبَـس ثـياب !..

إذن الكـتاب المقـدس وقـبل 2000 سنة لم يقـبل بالطاعة العـمياء ، ولا بفـرض الرأي بعـنجهـية ظلماء وإنما يعـطينا حـرية إبـداء الرأي ومقاومة المخـطىء ، فـما بالـنا الآن في القـرن الحادي والعـشرين ؟ أين أكاديمياتـكم وأربـطة أحـذيتـكم اللماعة يا رفاق !.

ومع الكـتاب المقـدس ، هـو ذا قـداسة الـﭘاﭘا يطالبنا الـيوم بأن : نـثور ونمشي عـكـس الـتيار وضد ثـقافة المؤقـت …… وينـبَّهـنا إلى مسألة مهمة قائلاً :

نجـد في زمنـنا العـديد من الأصنام والعـديد من عـبدة الأصنام ، وبهـذا أظهروا غـباءهم بإستـبـدال مجـد الله الخالـد بصور وتماثيل ((بشخـصياتهم وأفكارهم ورفاهـيّـتهم )) .

أما غـبطة الـﭘاطريرك ساكـو ومنـذ إعـتلائه السـدة الـﭘاطريركـية قال : أريد ان أوحّـد لا أقسّم ، وأن أجمع وأقـرّب (( ولا أوقِـف أحـداً)) …….. لم تبقَ في الكـنيسة عـقـلية نخـبة تملك السلطة (( والبقـية تـطـيعـها )) ! .

إذن ما الحـل ؟

لا أحـد يمكـنه أن يـزيـد ذراعاً عـلى طوله …. فالـبـديل هـو الحـوار بمودّة وليس بإستغلال السلطة وإساءة إستخـدامها … المحـبة تـشع الرحـمة التي تـقـود إلى طاعة عـفـوية تلقائية دون أن تـكـون أمراً سـلطوياً ، لـذا فالـذبـيحة لا تـشفي جـرحاً وإنما الرحـمة تـنـقـذ جـريحاً وتغـمِر صاحـبها فـرحاً …. والآن نحـن أمام آيتين كلاهـما من العـهـد الـقـديم  :

(1) أريـد رحـمة لا ذبـيحة !! …. (2) الطاعة خـير من الذبـيحة …. والـبشـير متى في العـهـد الجـديـد يـذكـر الأولى فـقـط !! ولا يـذكـر الثانية وهـذه قـفـزة نـوعـية …… . فأي منهما نـفـضل : الرحـمة أم الطاعة ؟ .

بقـلم : مايكـل سـيـﭘـي : سـدني

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *