الشرق الاوسط: ثلثا المسيحيين تركوا العراق منذ 2003 بعد استهداف 60 من كنائسهم

 

الشرق الاوسط

بالنسبة للأقليات الدينية في العراق, من مسيحيين وصائبة ويزيديين وشبك, وصلتها بما حصل من تغيير جذري عام 2003 واستمرار تداعياته المختلفة حتى اليوم، لا ينطبق عليها المثل المشهور بين المطرقة والسندان إلا بالمقلوب. فبسبب حجومها الصغيرة في بلد لا يزال فيه مفهوم الأكثرية والأقلية يعتمد على العدد وليس على المعايير السياسية العابرة للتكتلات الطائفية والعرقية والمذهبية، تقع الأقليات الدينية تحت سندان الحجوم التي ربما كانت السبب الأكثر مباشرة في استمرار وقوعهم تحت مطرقة الإرهاب.

وتقلصت أعداد المسيحيين في العراق إلى الثلث منذ اجتياح عام 2003. وتشير أرقام كنسية إلى أن نحو ستين كنيسة من بين عشرات الكنائس ودور العبادة استهدفت في العراق منذ 2003. بينما أدت هذه الهجمات إلى مقتل أكثر من 900 مسيحي عراقي وإصابة نحو ستة آلاف بجروح. ويقول بطريرك الكنيسة الكلدانية لويس ساكو: «كانت هناك 300 كنيسة في العراق ولم يبق منها سوى 57. وحتى المتبقية، فهي معرضة للاستهداف». وساهمت هذه الهجمات، وخصوصا جريمة «سيدة النجاة»، في دفع المسيحيين نحو الهجرة إلى الخارج. وتوضح، من جهتها، وزيرة الهجرة والمهجرين السابقة، باسكال وردا، أن «الكثير من الشباب المسيحيين يريدون الهجرة وعندما أسألهم: لماذا؟ يقولون: (وفري لنا العمل لنعيش والأمان لنبقى)، هنا أصمت وأعجز عن الإجابة». ويتوزع المسيحيون على محافظات بغداد ونينوى وكركوك، وكذلك دهوك وأربيل في إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي، وتوجد أعداد محدودة منهم في محافظة البصرة بجنوب العراق. ويقول رئيس منظمة «حمورابي لحقوق الإنسان»، ويليام وردا، إن «السنوات العشر الأخيرة كانت الأسوأ على مسيحيي العراق، لأنها شهدت أكبر حالة نزوح وهجرة لهم في تاريخ العراق». وأكد ويليام وردا أن «عدد المسيحيين انخفض من نحو مليون و400 ألف في 2003 إلى قرابة نصف مليون حاليا، مما يعني هجرة أكثر من ثلثيهم».

ويقول السياسي المسيحي البارز يونادم كنا، (عضو سابق في مجلس الحكم ورئيس كتلة الرافدين في البرلمان العراقي)، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الكتل الكبيرة، للأسف، هي التي عملت على مصادرة القرار السياسي في البلاد بعد التغيير، مع أن التغيير الذي حصل والذي قام به الأميركيون لم يكن يعتمد على قاعدة الحجوم، بل القدرات». ويضيف أن «المسيحيين في العراق، وهم جزء من مسيحيي الشرق، هم من بناة هذه المنطقة الرئيسين على كل الأصعدة والميادين»، مشيرا إلى أنهم «لعبوا في العراق الحديث أدوارا كبيرة لم تنكر، لكن ما حصل بعد التغيير أن نظام المحاصصة الطائفية والعرقية جعل الكبار من حيث الحجوم يحتكرون القرار السياسي».

وبشأن العلاقة بين مفهوم المواطنة لديهم وتهديدات الإرهاب لهم بضرورة تركهم البلاد ومغادرة الكثيرين منهم، خصوصا بعد حادثة كنيسة «سيدة النجاة» عام 2011، قال إن «التهديدات طالت كل العراقيين، ولكن المسيحيين كانت لهم حصة الأسد لأهداف معروفة لنا كمسيحيين، حيث هناك على ما يبدو قرار لإفراغ الشرق من المسيحيين، ولكننا متمسكون بعراقيتنا وهويتنا الوطنية، ولعل كل قادة المسيحيين ورجال الدين البارزين يحثون أتباع الديانة المسيحية على عدم ترك العراق»، مؤكدا «أستطيع القول إن هجرة المسيحيين من العراق، وإن كان التركيز عليهم من قبل الإرهاب، ربما لكونهم الأضعف وبلا حواضن كبيرة، إلا أنها في عنوانها العام لا تكاد تختلف عن هجرة العراقيين من أديان وقوميات مختلفة، وذلك بحثا عن الأمان والاستقرار».

أما القيادي الصابئي وعضو البرلمان العراقي خالد الرومي، فقد أكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» حول وضع الأقليات الدينية في العراق اليوم، أن «حال الأقليات في العراق اليوم أفضل مما كانوا عليه في العهد السابق، لأنهم في العهد الديكتاتوري لم يكونوا قادرين في الغالب حتى على ممارسة طقوسهم بحرية». ويضيف الرومي قائلا: «لكن، علينا الاعتراف، بشكل عام، بأننا نعاني مشكلة وهي عدم الاعتراف بالآخر أو قبول الآخر أو التعايش معه، بالإضافة إلى أن السياسيين ورجال الدولة في العراق اليوم مهتمون بأمورهم وأوضاعهم الخاصة أكثر مما هم مهتمون بكيفية بناء البلد على أساس من المواطنة الصالحة التي تجعل الجميع يذوبون في بوتقة الوطن بعيدا عن الحجوم أو الانتماءات القومية أو الدينية أو المذهبية».

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *