الربيع العربي هل سيتحوَّل الى شتاءٍ إسلامي؟

إن ثَوَران الشعب العربي المُطلَق عليه ” الربيع العربي ” والذي عمَّ الدول العربية ابتداءً بتونس فمصر فليبيا فاليمن وسوريا لا يُعدُّ ربيعاً على الإطلاق، لأن الثورة بمفهومها الصحيح هي التي تقوم بتغيير طبيعة المجتمع الذي انبثقت منه تغييراً جذرياً، فهل ما حدث في تونس ومصر آلَ الى ذلك؟ في الواقع : كلا. ففي تونس ومصرمثلاً أزيح رأسا النظامين الحاكمين فيهما وبقي الوضع العام لمجتمعيهما كما كان عليه بل تحول الى الأسوأ وقد يزداد سوءاً لا سمح الله. إذاً ما الذي تغيَّر في مصر مثلاً؟ لقد حكمها حكامٌ عسكريون منذ عام 1952 بدءاً بجمال عبدالناصر وأنور السادات وحسني مبارك الذي أطيح به قبل بضعة أشهر بعد أن أناط الحكم بأيدي العسكريين آملاً أن يستلم عسكريٌّ آخر زمام السلطة ليُعيد إليه كرامته ويصرف النظر عن كُلِّ مساوئه التي عانى منها الشعب المصري طَوال حكمه الذي امتدَّ الى ثلاثة عقود.

تُرى ما الذي جناه الشباب المصري الذين فجَّروا الثورة ضِدَّ النظام الإستعبادي، وسقط الآلاف منهم قتلى فداءاً لها؟ ألم يلتف المجلسُ العسكري والإسلامُ السلفي على مطلبهم الرئيسي بقيام حكم مدني وطني ينتهج الديمقراطية ويمنح الشعب الحرية وينشر العدالة والمساواة بين كافة فئات الشعب بصرف النظرعن معتقدهم وفكرهم ورأيهم السياسي! فماذا نرى بديلاً عن ذلك، نرى رئيس المجلس العسكري يروج علناً لترشيح نفسه للرئاسة مخلاً بالوعد الذي قطعه المجلس بتسليم السلطة للمدنيين الشباب أصحاب الثورة، كما نرى الإسلاميين الوهابيين يقومون بتنفيذ عمليات إبادة للأقباط المصريين أصحاب البلد الأصليين، ناهيك عن عمليات هدم وحرق وتدمير للكنائس وقتل الأبرياء المجتمعين فيها للصلاة .

وفي تونس تحركت الحركات والأحزاب الإسلامية فور نجاح ثورة شباب تونس بالإلتفاف عليها وسرقتها من أصحابها، وها هم ينجحون في مخططهم التآمري من خلال معركة الإنتخابات فقد فازوا بنصيب كبير من الأصوات وهو المدخل الذي من خلاله يجعلون الحكم في تونس بحسب الشريعة الإسلامية النقيض الأكبر للديمقراطية التي قامت الثورة مِن أجلها. وظهرالإستياء واضحا في أوساط الشعب التونسي وربما قد يؤدي ذلك الى اقتتال داخلي وهو احتمال وارد .

وقبل تونس ومصر بثمان سنوات تجسد هذا المشهد في العراق بعد سقوط النظام البعثي، فظهر العديد من الأحزاب الإسلامية ذات النزعة الراديكالية المشوبة بالتطرف، فعبثت ولا تزال تعبث في أرض العراق فساداً، فمزقت نسيج المجتمع العراقي القويَّ التماسك والتآخي لغاية انهيار النظام رغم ما عاناه الشعب من مظالمه، تلك المظالم التي لم يُستثنى منها الشيعي أو السني ولا العربي أوالكردي ولا المسلم أو المسيحي، الكل عانوا من ويلات الحروب العبثية وضاقوا ذرعاً بالحصار الإقتصادي.

والأغربُ توقعاً هو ما سيحصل بعد سقوط حكام تونس ومصر وليبيا المستبدين وحتمية سقوط الباقين على شاكلتهم حين نرى النتائج السلبية التي تتمخض عنها الأحداث والآئلة باتجاه صالح الأحزاب الإسلامية المتطرفة التي بدأت تتحرك بشكل محموم للوثوب وخطف حُلم الشباب العرب الذين خططوا وفجَّروا الثورات في بلدانهم من أجل حصول شعوبهم على الحرية والديمقراطية وتحقيق ما كانوا يصبون إليه من طموحات التعايش المشترك وحياة الرفاه الكريمة وسيادة السلام والأمن والعدالة والمساواة. ولذلك سيكون المستقبل في هذه البلدان أكثرسوادا وايلاماً من السابق في حالة وقوع مقاليد الأمور بأيدي الإسلاميين، حيث سيقمعون المثقفين والمتنورين والأحرار من أبناء بلدانهم ويزيدون من تكبيلهم مجتمعاتهم بأغلال الدين والعقائد والتقاليد البدوية التي تجاوزها الزمن الحاضر المتمدِّن، تلك التي وفدت إليهم من الجزيرة العربية بؤرة التخلف الفكري، وليس بوسع هذه المجتمعات المقهورة التحرر منها بسبب سطوة المتزمين من رجال الدين القابضين على زمام الأمور وعلى مختلف الصُعُد.

إنها لكارثة ومأساة للشعوب العربية إذا ما انتهت خاتمة هذه الثورات الى الخطف من قبل الزُمر الإسلامية السلفية كما انتهت ثورة الشباب في ايران عام 1979 حين تَمَّ خطفها من قبل الأحزاب الراديكالية التي كان يقودها الملالي بزعامة خامنئي، فخابت آمال شباب ايران الذين قارعوا حكم الشاهنشاه الديكتاتوري لزمن طويل ، وذهبت تضحياتهم سُدىً باستحواذ مَن هم أكثر ديكتاتورية واستبداداً من الشاه، والأنكى هو ترويجهم الإدعاء بأن شريعة حكمهم قد إستمدوها من الله وعلى الشعب الإيراني وكل الشيعة في العالم إتباع ولاية الفقيه، يا لها من مهزلة في زمن الـتـنـــــــــور والإنفتـــاح! ! !

أيها الشباب الثوار في البلدان العربية، لا تأمنوا الأحزاب الإسلامية ولا تجعلوا دماء رفاقكم تذهب سُدىً، فإذا خُطفت ثوراتكم من قبل هذه الأحزاب ستكون طامة كبرى لشعوبكم، حيث سيُوقدون نار الفتنة ويُثيرون النعرات الطائفية والدينية والمذهبية والعِرقية بين أبناء شعوبكم بأسوأ مِما كانت أيام الحكام الديكتاتوريين، والخاسر الوحيد ستكون الشعوب التي تناضلون من أجل تحريرها لكي تنعم بحياة حرة وكريمة، في ظلِّ مجتمع متعدد الأجناس أبناء الوطن الواحد، كونوا حذرين لِئلا تخسروا كُلَّ آمالكم وتطلعاتكم ، وحافظوا على الربيع العربي لكي لا يُحَوَّل الى شتاء إسلامي!

وبالنسبة للمسيحيين فإنهم ينظرون الى الوضع المضطرب في عموم بلدان الشرق الأوسط ولا سيما العربية منها بقلق شديد وإن مخاوفهم مُبرَّرَة مِمّا ستؤول إليها الأوضاع وخاصةً في حالة استيلاء الإسلاميين على السلطة، لأن ثقافة الإعتراف بالآخرالتي وحدها هي الضمان للعيش معاً بسلام معدومة لديهم، فإذا لم يخرج للعلن فكر جديد يُقدس المواطنة ويؤمن بالقبول للآخر بالندية والمساواة والعيش المشترك لن يستتب السلام في أيٍّ من هذه البلدان. لقد عاش المسيحيون العراقيون قروناً طويلة تخللتها فترات من العنف والشدة والإضطهاد والتهميش، وفترات رافقها هدوء مشوب بالخوف والحذر، فهل ياتُرى ستستمرُّ وتيرة العُنف والإرهاب والقتل التي شملت المسيحيين العراقيين في بداية القرن الواحد والعشرين وبالتحديد منذ التغيير السياسي في نيسان عام 2003 ولا زالت حتى اليوم؟ وهل ستتحول الأوضاع في الدول العربية بالنسبة لمسيحييها الى ما تحولت إليه أوضاع مسيحيي العراق مِن قـتل واضطهاد وهجوم على الكنائس؟ إنها مـأساة لا تُطاق وقد ظهرت بوادرُها في مصر! ولا يُستبعَد امتدادُها الى بقية البلدان العربية الأخرى التي يسودها الإضطراب والغموض! إنها مخاوف لا يمكن الإغفال عنها. ومِن جانب آخر يملأنا الأمل والتفاؤل بأن القابضين على زمام الأمور الجُـدُد الحاليين والقادمين أن ينظروا بعين الإعتبار لتطور الزمن وتقدمه فيعمدوا الى سَنِّ قوانين تحترم حقوق المواطنة دون تفرقة وتمييز بين مواطن وآخر بصرف النظر عن عِرقـه ودينـه ومذهبـه!

الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيئة التنفيذية
للإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان
عضو قيادة التجمع الوطني الكلداني
في 4 / 11 / 2011

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *