الرئيس البارزاني والدستور وكلمة الفصل تكمن في أستفتاء الشعب الكوردي

 

قطعاً إن اقليم كوردستان ليس سنغافورة في الصناعة وليس النرويج او سويسرا في الديمقراطية وليس دبي في البناء العمراني ، ونستطيع ان نوصف كوردستان بأنها تخطو الخطوات الأولى نحو تلك الآفاق الديمقراطية والبرامج العمرانية والصناعية والخدمية .

ثمة قصة حقيقية دارت احداثها في العرأق منذ عام 2003 والفصل الأول في هذه القصة يفيد ان العراق في نيسان 2003 تخلص من نظام حكم دكتاتوري ، وكان من المنتظر ان يشهد العراق بعد ذلك استقراراً امنياً وأن ينعم بالحكم الديمقراطي بعد عقود الحكم الدكتاتوري ، وأن يتفوق في البناء والتعمير والصناعة والزراعة والسياحة والخدمات ، لكن الذي حدث كان عكس تلك التوقعات تماماً ، فلم يصار الى إرساء قواعد حكم ديمقراطي ولم نشاهد مظاهر البناء والتعمير ولم ينعم العراقيون بالأستقرار والأمان . والى اليوم المدن العراقية غارقة في برك الدم وساستنا غارقين في مستنقع الخلاف الدموي الطائفي .

لكن في فصل آخر من هذه القصة الحقيقية ، تدور احداثها في منطقة من الوطن العراقي المعروفة بكوردستان او أقليم كوردستان ، إذ استفاد هذا الجزء من غياب الدكتاتورية فأفلح في إرساء دعائم حكم ديمقراطي ، وتمكن من ترسيخ النظام والأستقرار والقانون وخلق اجواء التعايش المجتمعي للنسيج الكوردستاني الجميل وفي هذه الأجواء كان تسابق وتناكف المؤسسات والشركات الأستثمارية للعمل في كوردستان التي اكتسبت سمعة دولية واقليمية متميزة ، فأخذت تدور عجلة التقدم في كوردستان ، والسؤال الذي يتبادر الى الذهن هو :

من كان وراء كل النهضة في كوردستان ؟ من كان مهندسها ؟ وهنا تتجلى شخصية البارزاني كرائد لهذه المسيرة انه رجل عركته سنوات النضال منذ ستينات القرن الماضي ليغدو سياسياً ماهراً في كوردستان وعموم العراق والمنطقة ولذلك فإن شخصية مسعود البارزاني لا تحتاج الى من يمتدحها .أن المسيرة التي قطعها اقليم كوردستان في معارج العلم والتقدم الحضاري ، ووضع ركائز قواعد ثابتة للعملية السياسية بالأنتقال الديمقراطي السلس للسلطة السياسية .

لكن برأيي الشخصي ان اهم انجازات الرئيس مسعود البارزاني أنه لم يتأثر ولم يقتدي بالنهج السياسي الذي سلكه القادة السياسيون العراقيون وهو اسلوب الأنتقام والثار والثار المضاد والأصطفاف الطائفي ، بل ادخل الأنسان الكوردي في اقليم كوردستان في واحة التسامح والتعايش فأعلن عن ولادة كوردستان جديدة ، لا مجال لثقافة الثأر والأنتقام ولا مكانة لعداوات سابقة ، لقد طويت صفحة الصراعات الدموية والمعارك ، إنها ساحة البناء والتعمير وبناء الأنسان لخلق مجتمع متفاهم متسامح متعايش ، في ظل الأمن والأستقرار للجميع . هذا هو الأنجاز التاريخي الكبير الذي يُسجل لمسعود البارزاني .

إن الرئيس مسعود البارزاني ليس بحاجة الى منصب رئيس الأقليم او اي منصب آخر ، إن كوردستان احوج ما تكون اليوم الى شخصية مسعود البارزاني الكارزمية والتي يحترمها كل الأطراف في عموم العراق وفي المحافل الدولية والأقليمية . لكن الأستاذ مسعود البارزاني يملؤه الأعتزاز والفخر حينما يلقب بالبيشمركة اكثر من اي لقب آخر حتى لو كان رئيس الأقليم .

قبل سنين رفض مسعود البارزاني ان يكون رئيساً للاقليم على اعتبار ان حزبه قد فاز في الأنتخابات ، وأراد ان يكون تفويضه من الشعب مباشرة ، وهكذا كان ترتيب انتخابات رئاسية ويكون الأقتراع من الشعب مباشرة ، ونافسه على المقعد عشرة مرشحين وكان بينهم من نافسه بشكل جدي فكانت نسبة حصوله من الأصوات تقترب من 70% وبقية الأصوات ذهبت لمنافسيه في العملية الديمقراطية .

إن ترشيح البارزاني لنفسه للمرة الثالثة سيفتح الأفاق للتنافس الحر والشعب حر في منح صوته لمن يشاء عبر صناديق الأقتراع ، أما ان كانت نصوص الدستور ، الذي لم يصار الى تصديقه لحد الآن ، إن كانت تناقض المصلحة العامة فتلك النصوص ليست مقدسة ، وكما قال شارل ديغول وأشرت الى قوله في المقال السابق يقول: لن اضحي بفرنسا من اجل نص ، اي بنص مكتوب في الدستور الفرنسي ، فالدستور وضع ليكون خدمة للوطن والشعب وليس نقيض ذلك ، من المؤكد ستكون هنالك منافسة قوية على إشغال هذا الموقع المهم .

طبيعة النظام في اقليم كوردستان

في الحقيقة رغم وصف النظام في كوردستان بأنه رئاسي ، ومطلب المعارضة الكوردية بأنها تسعى الى استبدال النظام الرئاسي بالبرلماني ، فإن هذه المعادلة لا تنطبق كلياً على اقليم كوردستان ، فالنظام الرئاسي الذي يتجسد بشكل واضح في النظام الأمريكي وفي دستوره ، إذ ينتخب رئيس الجمهورية بالأقتراع المباشر من قبل الشعب ، وتناط بالرئيس المنتخب السلطة التنفيذية ويصبح مسؤولاً عنها كلياً لعدم وجود رئيس وزراء ، كما هو معمول به في النظام البرلماني الذي تناط برئيس ومجلس الوزراء السلطة التنفيذية مباشرة .

وهنالك موقف يردد ذكره عن ابراهام لنكولن وهو الرئيس 16 لأمريكا حيث تمكن من ايقاف الحرب الأهلية ووحد الولايات وألغى نظام الرق في امريكا عام 1863 وهو الذي دعا مجلس وزرائه المتكون من 7 وزراء فقط ، للاجتماع ، فاجتمعوا في موقف على رأي مخالف له فقال : سبعة تقول : لا ، وواحد يقول : نعم ، وواحد هو الذي يغلب لأنه الصحيح .

في الحقيقة لا يمكن توصيف الحكم في اقليم كوردستان بأنه رئاسي بحت ، بل يمكن ان نقول انه نصف رئاسي او نصف برلماني ، او هو يأخذ من النظامين ، فمطلب المعارضة بتبديل النظام الرئاسي بالبرلماني غير واقعي ، ففي كوردستان مجلس وزراء منبثق من النتائج التي تفرزها صناديق الأقتراع ، وثمة مجلس الوزراء يملك بيده صلاحيات السلطة التنفيذية . وفي حالة اختيار الرئيس من قبل البرلمان كما تريد المعارضة ، فإن المنصب سيكون حتماً من نصيب الحزب الحاكم ، بينما حينما يكون الرئيس منتخب من قبل الشعب مباشرة قد يكون هنالك شخصية محترمة تفوز بثقة الشعب من خارج نطاق الحزب الحاكم .

برأيي المتواضع ان اقليم كوردستان بحاجة ماسة الى وجود شخصية الرئيس مسعود البارزاني في هذه المرحلة المهمة ، انه يمثل قبان توازن في محصلة العملية السياسية العراقية وفي المنطقة اما في أقليم كوردستان فإن الرئيس ( البيشمركة ) مسعود البارزاني يجسد الشخصية الكارزمية التي يلتف حولها قاعدة عريضة من ابناء الشعب الكوردي ، وهو الذي يتميز بالمواقف المعتدلة في حل الخلافات الناشئة على الأرض نتيجة الأختلاف في المواقف السياسية .

لم يمض على ممارسة الأقليم السلطات السياسية والأقتصادية الذاتية سوى عقدين من الزمن ، وقد مارس تلك السلطات بشكل اوضح منذ عام 2003 فحسب ، وهذه المدة القصيرة من عمر الزمن لا يمكن ان نعتبر الأقليم قد بلغ نقاط التكامل في عمره القصير وتجربته الفتية في ممارسة السلطات الذاتية ، ورغم قطعه اشواطاً مهمة في هذا الطريق .

نعود الى مسألة مهمة اخرى وهي مسألة إعادة مسودة الدستور الكوردستاني الى البرلمان لأعادة مناقشة تفاصيل مواد الدستور وتعديلها ، إذ كان هنالك مناقشات مستفيضة في البرلمان حول مواد الدستور واتخذت مواده الصيغة النهائية ، ولم يبقى سوى ان يصدر الشعب حكمه بالإقرار عليه او بعدم الموافقة عليه عبر عملية الأستفتاء الشعبي مباشرة ، الجدير بالملاحظة حتى بالنسبة الى ما يخص معارضتنا نحن الكلدان للدستور والتي تتركز على نقطة واحدة وهي ذكر اسم قوميتنا الكلدانية بشكل مستقل في مسودة الدستور الكوردستاني ، وكما هو منصوص عليه في دستور العراق الأتحادي ، وكانت المناقشات المستفيضة في البرلمان قد اقرت صيغة ذكر اسم القومية الكلداني بشكل مستقل ، لكن ان الصيغة بدلت الى التسمية المختلطة ( كلداني سرياني آشوري ) بعد انهاء كل المناقشات ، وهكذا جرى سلب حقوق الشعب الكلداني دون ان تكون هنالك موافقة عليها في البرلمان الكوردستاني ، ولهذا ينبغي إعادة الأسم الكلداني الى الدستور ، ولا يحتاج ذلك اي تأويلات او مناقشات .

لكي يتقدم اقليم كوردستان في معارج العلم والحضارة ينبغي بناء الأنسان قبل كل شئ ، وهذا يحتاج الى برامج طموحة في التربية والتعليم منذ سنوات الطفولة ، بأن يتمسك الطفل بالنظام والقانون وحثه على البحث والدراسة في مستقبل حياته ، والمعارضة والحكومة ينبغي ان يكون همهما الأول في هذه الناحية المهمة وهي الضمانة الأكيدة لمستقبل كوردستان . وإن التناكفات الأخرى سوف تزيد في الطين بللة ، وهذا ما يحصل في العراق حيث قد اهملت كل القضايا المهمة في تطور البلد ، واصبح الهم الوحيد هو التناكف السياسي ، والأصطفاف الطائفي الدموي ، والعراق الى اليوم يخوض في مستنقع العنف والأرهاب ، وهذا شئ مؤسف حقاً ان ينحدر العراق الى هذه الهاوية ، ولذلك اقول دائماً علينا ان نبني الأنسان قبل نبني المباني ونشيد الجسور .

د. حبيب تومي / اوسلو في 06 / 06 / 13

 

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *