الحكم الذاتي لشعبنا, هو الحل

 لقد فرضت كارثة كنيسة سيدة النجاة في بغداد واقعا جديدا مريرا وحالة يرثى لها للواقع  المأساوي المتسارع والمتصاعد الذي يعيشه ابناء شعبنا المسيحي في العراق الان .

فماذا الان ؟ بعد ان حصل ما حصل وقتل من قتل وجرح من جرح وشرد من شرد , ما العمل بعد ان قتل وجرح ما يزيد عن مئة وخمسين انسانا مسالما وبريئا وفي سويعات قليلة  بينما كانو يؤدون صلواتهم ومناجاتهم الى ربهم مبتهلين داعين ان يحفظ هذا الوطن وان يحمي امن وسلام شعبه بجميع اطيافه واديانه وقومياته .

ما العمل الان بعد ان ثارت الهمم اثر الجريمة المروعة فكتبت المقالات وتعالت الصيحات وعرضت المقابلات التلفزيونية والمؤتمرات الصحفية , وملأت المقالات المواقع الالكترونية, ماذا بعد .. بعد ان خرجت التضاهرات الاحتجاجية في شوارع المدن في انحاء العالم وتعالت الهتافات منددة بجريمة كنيسة سيدة النجاة ومستذكرة الجرائم التي سبقتها بحق الفئة الاجتماعية الاكثر استضعافا من فئات المجتمع العراقي الاخرى  الا وهي مسيحي العراق .

ماذا الان وبعد ان شاهدنا كيف هرول وتسارع بعض المسؤولين  السياسين والقادة الامنيين والحكوميين  الى مكان الجريمة البشعة  ليستعرضوا بطولاتهم (وجنجلوتياتهم) امام الكامرات وليتبعهم بعد ذلك القادة الكنسيين والسياسيين المسيحيين ليسجلوا هم كذلك  حضورهم الروتيني  ( بس شلون , غير يحللون خبزتهم!!) امام كامرات التلفزة وليطلقوا بعض التصريحات البائسة التي لا تغني ولا تسمن ولا تقدم ولا تؤخر شيئا .

هل ننتظر ونترقب فاجعة اخرى ( لا سمح الله) , كي نبدأ سلسلة اخرى من التصريحات والاحتجاجات والمضاهرات والعويل والبكاء و.. و .. و .. وهكذا دواليك ,هذا من ناحية ومن ناحية اخرى  لماذا الانتظار؟ اليس القتل والتهديد اليومي مستمر بين هذه الفاجعة الكبرى والاخرى الفرق فقط ان هذه الجرائم اليومية لا تاخذ حقها من التغطية الاعلامية مثلما اخذت فاجعة كنيسة  سيدة النجاة والسبب هو حجم عدد ضحاياها و (( نوعيتها )) كما قال احد العباقرة المسؤولين  الامنيين .

ما العمل اذا , هل نستمر بهذا المنوال والنهج الاستسلامي الانهزامي الضعيف ام نفكر جديا الان قبل غدا بايجاد حل او حلول جذرية ومصيرية لهذه الامة وهذا الشعب المغلوب على امره والمسلوبة حقوقه  وارادته ؟؟هناك اسئلة ومطاليب موجه الى الجميع سواءا الحكومة العراقية او البرلمان او الرئاسات , ولكن قبل ان نبدأ بالاسئلة والمطاليب للحكومة العراقية وبرلمانها المبجل ورئاساتها,  علينا بتوجيه الاسئلة الى من تسمي انفسها قيادات سياسية ودينية لشعبنا المسيحي لنرى ماذا قدمت لقضية شعبها  ومن ثم الى كافة ابناء شعبنا وبكافة انتماءاته وتسمياته وخاصة المثقفين والناشطين منهم .

الم يحن الوقت لننهض من سباتنا العميق كي نبدأ بتنظيم صفوفنا وتوحيد كلمتنا والوقوف جميعا صفا واحدا وكتلة متراصة بعيدا عن الانانية والتعصب والمصلحة الشخصية وضيق الافق؟  نعم الم يحن الوقت بعد بأن نتحلى بالشجاعة ونعترف باخطائنا وسلبياتنا ولا اباليتنا  ونتوقف عن كل الممارسات السلبية والامسؤولة  التي عملت وساهمت ولا زالت تساهم وبشكل كبير في تقويض دعائم وجودنا على ارض اجدادنا والاستحقاق المشروع  لشعبنا اسوة بباقي الفئات الاخرى من ابناء هذا الوطن ؟ الم يحن الوقت بعد للتفكير مليا للبدأ بالعمل الحقيقي الجاد لما هو خير هذا الشعب المسكين والمغلوب على امره , الم يحن الوقت بعد كي ان نتوقف عن الهرب والاختفاء عندما تهب العاصفة بل ان نجابه العاصفة بشجاعة ورجولة  ونقف شامخين كما وقف اجدادنا لمئات بل الاف من السنين في وجه الشدائد والملمات واثبتوا جدارتهم وشجاعتهم وباحلك الظروف متشبثين بارضهم , لان المعدن الحقيقي للرجال الشجعان يظهر في الشدائد والملمات . اخيرا وليس اخرا الم يسكب (بضم الياء) ما فيه الكفاية من الدماء وزهقت الارواح كي ننهض جميعا ونقول (( كافي, كافي, كافي)) كما قال البطل الصغير ادم في تراجيديا كنيسة ام النجاة ؟

انا كلي قناعة بأنه قد حان الوقت الان كي نرتب بيتنا ونتكلم جميعا بصوت واحد لندافع عن حقوقنا المشروعة في وطننا العراق  لنضع على طاولة الاجندة السياسية للحكومة والبرلمان مطاليبنا العادلة والمشروعة والتي تتلخص بضمان حقوقنا كمواطنين اصلاء من الدرجة الاولى اسوة باخوتنا من الاديان والقوميات والفئات الاجتماعية الاخرى في هذا الوطن, انها مطاليب مشروعة لنا ومسؤولية تجاه اجيالنا والاجبال القادمة كي  نطالب بها وهي ليست منة او مكرمه من شخص او جهة او حزب او مسؤول , لان هذا الوطن ملكا للجميع والجميع متساوون في الحقوق والواجبات مهما علا شأنهم ودنت مرتبتهم .

واذا تفضل احدهم وقال نحن الاكثرية , ببساطة نقول نحن الاصل .

يجب ان يدرك المهيمنين على المسرح السياسي العراقي واصحاب القرار  بأن التعامل معنا يجب ان يكون على قدم المسواة حالنا حال الاخرين من ابناء الشعب العراقي لا فرق في الحقوق والواجبات مهما كبرت تلك الفئة الاجتماعية او صغرت , كذلك فانه يجب ان يفهم الجميع ان شرعية حقوقنا لا تقاس بعددنا او بوجود مليشيات لنا او عدم وجودها  بل بحق المواطنة وبمدى الحب والاخلاص للوطن والتاريخ يشهد لنا بذلك , المواطنة والعائدية التي ورثناها عن ابائنا واجدادنا لالاف السنين وهذا حق واستحقاق مكفول في جميع القوانين والشرائع السماوية والبشرية , بالاضافة الى ذلك فأن هذا الاستحقاق اكتسب من خلال العمل الدؤوب والمثابر من قبل ابناء هذه الفئة الاجتماعية الاصيلة التي عملت وساهمت بشكل اساسي وفعال  في بناء هذا الوطن وحضارته لاجيال واجيال. لقد ان الاوان لان نعيد اعتبارنا  من خلال تعاملنا  مع اخوتنا ممن يشاركنا في الوطن ليس استجداءا ومكرمة بل حقا اصيلا مشروعا.

متى ما حققنا ذلك عندها نستطيع ان نطالب باستحقاقاتنا وحقوقنا المشروعة ومن دون انتقاص كي نتعايش بامن وتاخي وسلام مع اخوتنا المكونات الاجتماعية الاخرى .

قبل ايام عرض بعض القادة السياسين الاكراد مشكورين لاستقبال بعض العوائل المهددة في بغداد والمناطق الاخرى الى اقليم كردستان على اثر الجريمة النكراء في كنيسة سيدة النجاة,  والسؤال هنا, هل يحتاج ابناء شعبنا المسيحي او اي مكون اخر لدعوة او ترخيص كي يذهب الى احدى مدن اقليم كردستان العراق ؟ باعتقادي ان لابناء شعبنا المسيحي الحق ان يعيش في اية منطقة يختارها سواءا كانت في مدن كردستان العراق او جنوبه او العاصمة بغداد , الا انه وللاسف الشديد لم يعد هذا ممكنا حاليا  وذلك بسبب تصاعد الهجمة الارهابية  الشرسة والتطرف الديني لدى البعض  على ابناء هذا المكون المهم والاساسي من مكونات الشعب العراقي فقد تصاعدت وتيرة وشدة الهجمات الارهابية ضد مسيحي العراق منذ سقوط النظام البائد وبالتحديد منذ العام 2006 ولحد الان . ما نحن بحاجة اليه هو ايجاد حلول جذرية لمشكلة المكونات الاجتماعية الاقل عددا والتي تعاني من التمييز بالاضافة الى كونها اصبحت هدفا سهلا للاعمال الاجرامية الارهابية , وليس الى حلول انية ترقيعية تجميلية هنا وهناك او ترحيل من هذه المنطقة الى تلك لبعض العوائل كلما وقعت كارثة او جريمة كبرى .

من دون شك ان  هناك اجندات اقليمية ومحلية تتوافق مع اجندات غربية لافراغ العراق ومن ثم منطقة الشرق الاوسط من سكانه الاصليين ( المسيحيين) , لقد اصبح الشعب المسيحي في العراق احفاد بابل واشور ككرة قدم يتقاذفها لاعبو السياسة والسلطة والقوى الاقليمية فيما بينهم   تحت انظار ومباركة واشراف القوى العالمية , نعم يتقاذفون ويلعبون بنا ككرة قدم وفقا لاهوائهم ومصالحم السياسية واجندتهم المستقبلية كل فئة وحسب البرنامج الذي وضعته لنفسها وكالعادة نحن  المساكين المغلوبين على امرنا  دائما الضحية (والمكفخة ) . الاحداث تتكالب في ما بيننا وحولنا وتتسارع لتحطم وجودنا  ونحن شبه صامتين صاغرين لا حول ولا قوة لنا نتلقى الضربات يمينا وشمالا من هذا الطرف او ذاك .

اما من يحلو لهم ان يطلقوا على انفسهم بالقادة الكنسيين والسياسيين لشعبنا المسيحي فقد اثبتو المرة تلو الاخرى انهم عاجزين وغير قادرين بالمرة للوقوف بشجاعة والدفاع عن حق ووجود هذا الشعب المسكين وهذه حقيقة واقعة , كيف يستطيعون الى ذلك وهم لا هم لهم غير انشغالهم بالاحتراب والصراع للبقاء على كراسيهم ومصالحهم الشخصية حتى لو ادى ذلك الى خراب امة واضمحلال شعب واندثار حضارة من الوجود !! لقد اثبتوا مرات ومرات انهم اناس غير مؤهلين ونزيهين لقيادة هذه الامة وغير مخلصين ليكونوا  في مواقع المسؤولية , شعب بهكذا حالة ماساوية وامة تقودها قيادات معضمها فاسدة وهزيلة  (سياسية كانت ام دينية ) هكذا امة  مالها الى الدمار والزوال والا كيف نستطيع مجابهة هذا المد الارهابي الاجرامي  بحق شعبنا ونحن مشتتين مستهدفين مبتلين بقيادات لا هم لها غير الاقتناء الشخصي مبتلين بقيادات كانت ولا زالت سببا اساسيا بتفرقة وتشتت وضياع هذه الامة العريقة , كيف يستطيع شعب ان يدافع عن وجوده ضد هجمات المجرمين ومخططات واجندات ازالتهم من على ارض اجدادهم اذا لم يكن لها قيادة سياسية مؤهلة ومتفاهمة , اذا لم يكن لها مرجعية دينية حقيقية امينة على مصلحتها وصادقة في تعاملها ؟خاصة في غياب حكومة فاعلة وقوى امنية وعسكرية تقوم بواجبها بالشكل المطلوب والمفترض بها لحماية رعاياها بمختلف انتمائاتهم الدينية والطائفية والعرقية .

ان الحكومة والبرلمان والساسة المسؤولين قد اثبتو ومن دون شك انهم عاجزين او بالاحرى غير ابهين لما يحدث لاحدى الفئات المهمة والاساسية في هذا الوطن ( على اعتبار احنا دائما الحائط الناصي) لقد فقدنا الامل بهم والاسباب واضحة ومعلومة لا نريد هنا ان نعيد اجترارها مرة اخرى .ما العمل اذا وكيف السبيل لشعبنا المسيحي المبتلي على امره غير حمل حقائبه والاتجاه صوب اقرب نقطة حدودية …  وهنا المصيبة  والطامة الكبرى . هل هذا هو الحل الامثل والافضل يا ترى؟ هل الهروب وترك ارض الاجداد هو الطريق الاصوب؟  الجواب طبعا كلا والف كلا .

في الحقيقة  لقد ان الاوان لان يوحد الخيرين من ابناء شعبنا المسيحي بكل طوائفه وكل مسمياته  صفوفهم وان يقفوا جميعا وقفة رجل واحد كي يطالبوا بحقوق شعبنا العادلة وعلى ارضنا .

ان مشروع الحكم الذاتي في سهل نينوى لابناء شعبنا المسيحي هو مطلب مشروع وضروري تمليه الظروف الحالية التي يعاني منها العراق والهجمة الارهابية الشرسة المستهدفة لابناء شعبنا المسيحي بشكل خاص ,ان مشروع  منطقة الحكم الذاتي في سهل نينوى سيشكل منطقة امنة يجمع كافة ابناء شعبنا المسيحي وبحماية قواة عسكرية مؤلفة من بين صفوفه تكون اداريا خاضعة الى القوات العسكرية النظامية للبلاد , لنا كل الحق ووفق الدستور ان  نطالب بحكم ذاتي  يكون ارتباطه بالحكومة المركزية في بغداد , وليس مرتبطا  باقليم كردستان او اي اقليم اخر  لان هذا سيجعل منا مواطنين من الدرجة الثانية او الثالثة  وببساطة يجب ان لا نرتضي لانفسنا ذلك , وبرأي فان الحاق منطقة الحكم الذاتي المقترح باقليم كردستان كما نسمع البعض ينادي به ستجعلنا شئنا ام ابينا مواطنين من الدرجة الثالثة , وفي الحقيقة يجب ان لا نقبل على انفسنا ان نكون تحت وصاية احد بل نحن مواطنين عراقيين اسوة بكل ابناء الشعب العراقي , نحن الابناء الاصلاء لهذه الارض ويحق لنا قبل غيرنا ان نكون مواطنين من الدرجة الاولى , لذلك فالحل الافضل هو حكم ذاتي في منطقة سهل نينوى تابع للعاصمة بغداد وبشكل مباشر , عندها يحق لاي مواطن من ابناء شعبنا ان يسكن في هذه المنطقة وفي نفس الوقت له الخيار ان يسكن في  اية منطقة اخرى من مناطق العراق اذا شاء له ذلك .

تابعنا مؤخرا بعض التصريحات هنا وهناك لبعض السادة والسيدات السياسين من ابناء شعبنا المسيحي  , واخص بالذكر السيد يونادم كنا والسيدة وجدان ميخائيل , حول موضوع الحكم الذاتي لشعبنا في منطقة سهل نينوى ,  قبل كل شئ ومع كل احترامي وتقديري  لا ادري من خول هؤلاء وغيرهم بالتحدث نيابة عن مصير ومستقبل  شعب بكامله , عن وجود شعبنا المسيحي  (الكلداني / السرياني/الاشوري) ؟ وعلى اية اسس استندوا باطلاق تصريحاتهم برفض  هكذا مشروع مهم وخطير الذي من الممكن ان يقرر مصير امة بكاملها,  ايها السادة والسيدات لكم كل الحق والحرية ان تطلقو تصريحاتكم اذ تعلق الامر باحزابكم السياسية او منظماتكم اما عندما يتعلق الامر بشعب بكامله وامة , فليس هناك اي حق لاي شخص مهما كان منصبه او موقعه دينيا كان اودينيويا ان يقرر او يصرح  برفض هذا المشروع او ذاك فما بالكم عندما يتعلق بموضوع مصيري الا وهو الحكم الذاتي لابناء شعبنا المسيحي حتى لو كان عضو برلمان او وزير في حكومة لانكم ببساطة لا تمثلون جميع ابناء شعبنا بل احزاب سياسية من هذا الشعب  ؟؟  

نحن على منعطف تاريخي يهدد وجود شعبنا على ارض اجداده لذا يلزم علينا جميعا والمخلصين من السياسيين ورجال الكنيسة والناشطين تضافر الجهود والعمل والتداول للوصول الى حلول معقولة لما هو في مصلحة شعبنا المسيحي وليس باصدار تصريحات متناقضة ساذجة ومرتجلة للاستهلاك الاعلامي , يجب ان يفهم هؤلاء السادة وغيرهم ممن هم في مواقع المسؤولية ان مصلحة شعبنا هي الاهم وهي خط احمر يجب ان تتوقف عندها كل المصالح والامتيازات الشخصية .    

يجب ان نبادر من الان الى المطالبة بحكم ذاتي لشعبنا المسيحي وبحسب ما يكفله الدستور العراقي كي يتم مناقشة المشروع في البرلمان من اجل اقراره .

بغير ذلك اقرأ على شعبنا السلام

 

عمانوئيل تومي

فنان وناشط سياسي

25/11/2010   

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *