الحقائق تتكلم حباً بالشعب وأحتراماً للزمن

ونحن في الشهر الأول من العام الجديد الميلادي لحياة البشرية جمعاء ، يفترض أن نستفاد من تجارب الماضي البعيد بكل سلبياته ونشخصها ، أملين بتحويلها وتغيير مسارها نحو الأيجاب لخدمة الأنسان أولاً ، وكأقله نراجع عامنا الماضي قبل 12 شهراً أو 52 أسبوعاً أو 365 يوماً أو 8760 ساعة او 525600 دقيقة او 31536000 ثانية.

لربما أحداً من القراء والمتابعين الأعزاء يتسائل:لماذا كل هذا التوسع والحساب الدقيق للسنة في جميع مفرداتها أبتداً من السنة وأنتهاءاً بأرقام الثواني من (1سنة أو 3153600ثانية).

نعم لكم الحق في التساؤل: وجوابنا هو:أحترام الزمن واجب ومطلوب ، ومن لم يحترم الزمن لا حياة له في الكون.

بموجب عملنا السياسي في الزمن الغابر القاتل ووووووالخ ، كان كل التأكيد على أحترام الزمن وبدقة متناهية ، كل ذلك من أجل الضرورات الأمنية من حيث ممارسة الفعل السياسي في الزمن السلبي القاتل للأنسان وللبلد ، حتى وصل حالنا الى ما هو عليه الآن من هجر وتهجير وقتل ودمار بسبب تلك السياسة الهمجية والأوضاع الأستثنائية المدمرة للفكر والأنسان والعلم والحضارة والتاريخ وكل ما هو مفيد للبشر ، فكانت ردود الفعل من قبل السلطات القمعية ومتابعاتها المتواصلة لقوى المعارضة على أشدها قسوة ورعونة وهمجية ووحشية ، وعليه أخذ بنظر الأعتبار التحوطات الأمنية لتفويت الفرصة للخصم الأستبدادي الجائر . وبحق أستفدنا من هذه التجربة المُرّة والعسيرة كثيراً ليس في بلدنا الأصيل العراق فحسب ، بل وفي الغربة والتشرد في بلدان العالم وخاصة في دول الأنتظار ما قبل الأسقرار الدائم . وهذا الدرس الزمني الأحتياطي المطلوب ، كان له مغزى وفعل قوي للبناء الذاتي قلّ نظيره ، ولحد الآن نحن في دولة متطورة ومتقدمة نسبياً تحترم الزمن ، وهذا هو الطريق المريح الذي نراه سليماً لمسيرتنا وأجيالنا اللاحقة يفترض منّا تقييمه والألتزام به.

ما يؤلمنا هو عدم أحترام الزمن بالنسبة لغالبية أبناء شعبنا العراقي وشعبنا الأصيل منه بالتأكيد كونه جزء لا يتجزأ من العام ، وهذه حالة مربكة من جميع مناحي الحياة التي تدر على المجتمع بأسرة كونها حالة سلبية مدمرة من الصعوبة وضع الحلول الناجعة لها.

وهنا العقلية العنفية تتعشعش في المخيخ بناءاً على أستنشاق الهواء النفسي العليل ، فلا نستغرب من طروحات عنفية وعنف مضاد ، وغالبية شعبنا قد تحول من بلاد العنف والقتل والدمار والخراب الى بلدان الأمان والأستقرار ، ولكن ذرات التلوث في الرأتين لا خلاص منه ، كونه بعيداً عن المحبة والتسامح وحب الآخر ومحاولة التقليل من معاناة الغربة والأغتراب ، وأحياناً تنشاً بين المختلفين أنفسهم ردود  أفعال عنفية من جهة معين يقابها عنف مضاد من جهة أخرى بطرح مماثل لما قبله ، لينسى نفسه في معالجته للخطأ وفق ممارسة أكثر خطاً وأكثر عنفاً..فالناتج والمحصلة بالتأكيد يعول على الخطأ دائماً في معالجة الخطأ نفسه ، وللأسف زيد من الناس ينسون أو يتناسون رفاقهم وزملائهم لمجرد الأختلاف في وجهات النظر وكأنهم أعداء بالرغم من الولائم والعشرة المتواصلة لسنين عديدة بعقودها الكاملة ، فلا يروق لهم أي فكر مختلف عن تفكيرهم وتقبل النقد حدث ولا حرج  لمعالجة الخطأ وعدم القبول به وكأن السماء مطرت قنابل ومتفجرات عليهم ، تراهم يشنون حملتهم الظالمة بالضد من نصيرهم الدائم ، وهذا غالباً يكون سببه العاطفة والمحابات لطرف معين دون الطرف الآخر ، حتى نسى وتناسى نفسه عندما كان يشن حرباً أعلامية بالضد من نصيره الحالي على حساب نصيره الأول أو القديم . دون مراعاة المباديء الوطنية التي يفترض أن  يتربى الأنسان العراقي عليها في زمن الأنسانية العراقية السمحاء ، وليس زمن الأستبداد والأستعباد والفاشية التي دمرت روح المحبة والتسامح والألفة والحنان ومحبة الآخر. وهنا سبحان الغير الأحوال !! وعليه هو خادم الخصم القومي من حيث يعلم أو لا يعلم ، وبالرغم من المعرفة الكاملة يقيناً ((من غير النقد ليس هناك تطور ولا تقدم في الحياة)) ، خصوصاً في الأمور السياسية كونها علوم تتغير وفق الزمن والمكان والظرف والتفاعل الأنساني مع الطبيعة ، نزولاً للمصالح المشتركة للشعب بحكم الواقع من أجل التغيير نحو الأفضل ، أي ليس هناك عداوات دائمة ولا صداقات دائمة في العلوم السياسية ، وهنا تغيير فكر الانسان واجد وواجب ومطلوب ومتجدد كذلك ، حباً بالقضية وتطورها الناجح زمناً ومكاناً.

وهنا لابد من فرز وتحديد وفصل الأفكار الدينية الروحانية ، عن العلوم السياسية المفترض أدائها لخدمة الناس وليس العكس ، وعندما نطالب بفصل الدين عن الدولة وعدم تدخل رجال الدين بأمور الدولة .. هذا لا يعني هو التقليل من دورهم الأرشادي الروحي أو التدخل في أمورهم الدينية ، بل العكس هو الصحيح .. والدليل حتى قول الرب يسوع يؤكد على فصل الدين عن الدولة بقوله (أترك ما لله لله وما لقيصر لقيصر) فهل الرب حشاه كان مخطئاً في قوله هذا؟! وعليه جميع رجال الدين مسلمين ومسيحيين وأزيديين وصابئة وكاكائيين وبوذيين ويهود ، يفترض منهم الأبتعاد عن المنهج السياسي أحتراماً وحفاظاً على الدين نفسه ، كونه يحمل خطوط ثابتة ومناهج روحية جامدة لا تقبل التأويل ولا التغيير وفق متطلبات الزمن والوضع المتجدد ، وفي عكس ذلك سوف تفسد تلك الأفكار الروحية التي يقال عنها في الكتب بأنها منزلة من السماء واليها تعود الحياة ، ورجال الدين عليهم بصفات مثالية في الأرض وصولاً الى الجنة الموعودة لهم ، بموجب تعاليمهم الروحية من خلال التلقين الثابت لهم ، ليكسبوا مبتغاهم في السماء دون مغريات الأرض لا مالياً ولا سلطوياً ، وما عليها من ممتلكات وأموال وأنتعاش النفس الزائلة لا محالة (أما الدنايا وأما الآخرة).

ممثل المسيح على الأرض يفترض أن يكون الخادم المطيع للأنسان ومتواضع فاعل له ، وهو حامل رسالة طوباوية أشتراكية وفق تعاليم السيد المسيح المثالي ، الذي لا يمكن لأي أنسان أن يضاهيه مرتبةً مهما وصل الى العلوم الدينية ، وهنا نؤكد لرجل الدين الكهنوتي ، الأستفادة من النقد وأي نقد كان حباً برسالة المسيح الحي المثالي للوصول الى الطريق السوي العادل ، ليكون مثالاً وقدوة ومحباً صادقاً للآخرين ومحبوباً عفيفاً من قبل عامة الناس ، وهنا الرسالة المسيحية لا تكمل الاّ بالأفعال على الأرض والتعامل الأنساني مع الشعب بعيداً عن البغض والكره والضغائن ، ((فحاشاه من هذا وذاك))، ومن يتحمل المسؤولية الثقيلة وخصوصاً الروحية منها يفترض منه السير على السكة الحديدية المستقيمة كما يسير القطار الحديث لا يميناً ولا يساراً ، لأن الطريق واضح ومرسوم له ، فلا يحتاج الى أجتهادات وأبتكارات وفعل ورد الفعل وووو الخ ، مقارنة  بالعلم السياسي الخالي من قوالب ثابتة كما هو الدين ونصوصه المزروعة المثبتة سلفاً في الأنسان قبل أكثر من 2000 عام ، كلها  لخدمة أخيه الأنسان في كل شيء وخصوصاً التسامح والمحبة الصادقة والعفيفة ووالخ كما والأبتعاد عن كل فحشاء ونكراء للمسيرة الأيمانية المطلوب تنفيذها والتقيد والألتزام الصادق بها ، كما قال السيد المسيح عليه السلام ، من ساعد أخي ساعدني ومن أعطى لأخي الأنسان أعطاني ، ومن فتح الباب للفقير فتح لي بابه ، ومن تواضع كسب الحياة ، ومن أنحنى زادت قامته ، ومن نزل صعد ومن رأى نفسه عالياً أنخفض وهلم جرا.

هذا الطريق واضح لا يحتاج الى معلم ، كون المعلم يعلم جيداً طريقه من خلال المسيح نفسه ومن خلال تعاليمه والرسول بولص كونه تعلم من روح القدس فعلم الآخرين.

فكيف به وهو معلماً وخير المعلمين ينحرف عن مهمامه الأساسية في روحانيات الدين وتعاليمه المثالية للأقتداء بها؟؟

فلا يمكن لأي أنسان سوي وذو بعد فكري أصيل أن يختار ملكان أو يختار طريقان أو مبدآن مثالي ومادي علماني  في آن واحد ، مهما ملك من قوة وفطنة وذكاء ، فيقيناً سوف يفشل ولا يصل الى مبتغاه لا روحياً مثالياً ولا علمانياً مادياً.

يفترض برجال الدين مهما كانت منزلتهم ووجودهم ومن أي دين كان الأبتعاد كلياً عن العمل السياسي والقومي ، كون ذلك لا يخدم الدين ولا العمل السياسي والقومي على حد سواء لان ذلك خارج أختصاصهم جملة وتفصيلاً ، حيث لهم مهامهم الكثيرة والمتشعبة من الناحية الروحية والأرشادية ، يفترض فيها أن تكون مُنصبّة لخدمة الأنسان في الكون من أجل الآخرة لرجل الدين نفسه ، كونه ناذرها  في التقوى والعمل الصالح ، دون أدخال الله في سيرة الأنسان للأفعال المشينة القاتلة الدامية ، مستغلين كلمة الله وبأسم الله وأكبر يقتل ويذبح الأنسان من الوريد للوريد ، حتى يبررون فعلتهم الدموية القاتلة بذريعة قبول الله لهذه الأفعال المدمرة للعباد ولله نفسه.

بأعتقادنا المتواضع لو لزم رجال الدين ومن لفّ لفهم الطريقين معاً (الدين والسياسة) لا سامح الله سوف يفشلون في الأثنين معاً ، فليس بأمكانه ممارسة السياسة وأدارة الدين في آن واحد.. وكل ما ذكرناه أعلاه وسابقاً هو محبتنا للدين ورجاله وليس العكس ، كما يستوعبونه للأسف المتملقين وضعفاء النفوس وخصوصاً المتملقين منهم ومساحي أكتف رجال الدين زوراً وبهتاناً بالضحك عليهم ، نتمنى منهم الكف من خداعهم وتملقهم الأجوف الخالي من القيم الحضارية والأنسانية ، الذي لا يخدمهم ومسيرتهم الأيمانية لا قديماً ولا حديثاً وهناك تجارب حيّة تتكلم وفق هذا المنظور.

فأدخال الدين بالفكر القومي والسياسي هو بمثابة عملية أنتحار للدين والقومية والسياسية معاً ، كون الدين ليس له علاقة بالقومية ولا يدخل ضمن مقومات القومية أطلاقاً ، ولكن مع كل هذا وذاك ممكن أن يكون لرجل الدين رأيه الخاص بأمور السياسة كفرد ضمن المجتمع المعين من دون المزج والخلط بين المفهومين الديني والقومي السياسي ، وحتى بأمكان رجال الدين دعم ومساندة السياسيين الذين يحضون بثقتهم ولكن بدون أبتزازهم وفرض شروطهم ونواياهم ومصالحهم الخاصة ، فلابد لهذه النوايا أن تكون سليمة وخالية من فرض الرأي والتحكم بمصير الشعوب قاطبة ، وعند حدوث ذلك معناه تبني لنهج وفكر بعثي فاشي عروبي قومي من حيث يعلمون أو لا يعلمون ، كونه هو وحده  الذي ربط القومية العربية بالدين الأسلامي وبالعكس ، وهذه كانت كارثة أنسانية حدثت في العراق وجميع الدول العربية التي تبنت الفكر العروبي البعثي الفاشي الذي أثبت فشله بالتمام والكمال.

لذا نؤكد كما أكدنا سابقاً .. الدين وأي دين كان .. لا ولم ولن يدخل ضمن المقومات القومية أبداً .. فممكن للأنكليزي أن يكون بوذي وكاثوليكي وبروتستاني ومسلم ومسيحي وديني ولا ديني وملحد والخ ، ومن مختلف البلدان والقوميات ،  لكنه بالأخير هو أنكليزي بريطاني تعيش فيه جميع هذه المكونات أثنية وقومية بسلام ووئام. وكما هي أستراليا حالياً تتعائش بها ما يقارب 200 قومية وعروق متنوعة وأديان متعددة ولا دينيين ، جميعها خاضعة لقانون الدولة العلمانية بنظامها المدني الديمقراطي ، تحترم سكانها الأصليين وتمنحهم حقوق أضافية عن باقي المكونات المتعائشة سلمياً ، وكذلك هو الحال في أمريكا وفق  تعاملها مع الهنود الحمر.

وكما هي الحالة بالنسبة للألماني والعربي والكردي والتركماني والكلداني والآثوري والسرياني والأرمني والصيني والهندي وجميع القوميات المتنوعة في دول العالم.

فرجل الدين مهما كانت منزلته ووجوده الديني لا يمكنه أن يمثل شعبه بالكامل من الناحية الدينية كما والقومية ، حتى قداسة بابا الفاتيكان لا يمثل جميع المسيحيين في العالم ، بالرغم هو يمثل الغالبية منهم والتي يقدر تعدادهم حالياً 1.2 مليار مسيحي ، فهناك الملايين من المسيحيين هم خارج الفاتيكان ، منهم الأقباط في مصر والأنجيليين الموزعين في العالم والآثوريين وشهود يهوة والأخرين ، وكما هي الحالة في الأسلام بمختلف المذاهب والطوائف التعددة والمتنوعة في جميع بلدان العالم  .

حكمتنا:السياسة والدين قطبان متنافران لا يتجاذبان ، وهما كالخطان المستقيمان لا يلتقيان مهما أمتدا.

منصور عجمايا

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *