الحزب الديمقراطي الكوردستاني بين مفهومي الحزب المناضل والحزب الحاكم

    
        بدءاً لم يحصل لي الشرف الأنتماء الى الحزب الديمقراطي الكوردستاني او اي

 حزب كوردي آخر ، لكن الشئ الذي اجزم وأتشرف به هو انني صديق

الشعب الكوردي ، وفي مجرى الأحداث المهمة في اقليم كوردسان ينعقد في

 العاشر من نوفمبر القادم المؤتمر الثالث عشر للحزب الديمقراطي

الكوردستاني  .

 سوف اكتب عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني برؤية مراقب من خارج

دائرة تنظيم الحزب ، ويمكن الأستشراف على مشهد تاسيس الحزب والنضال

السري ، إذ يتسلح الحزب ( اي حزب قومي طبقي وطني .. )  بحزمة من

الأهداف القومية والوطنية والطبقية ، وهو يسعى جاهداً لأيجاد ارضية داخل

 الجمهور وطبقات الشعب لتحريكها نحو الأهداف التي سطرها في برامجه .

إن هذه المرحلة من حياة الحزب هي مرحلة نضالية وقد تتطور وسائل

النضال الى الكفاح المسلح ، ويتعرض اعضاء وأصدقاء الحزب في هذه

المرحلة لعمليات الأعتقال والملاحقة والسجون وقد يصل الأمر الى السجن

 المؤبد او الحكم بالأعدام لبعضهم ، إن هؤلاء وهم يتحركون في هذه المرحلة

بإطار مجرد من الأنانية وحب الذات ، ويرون بالتضحية في حياتهم بمثابة

استحقاق وثمن متوازي  لتلك الأهداف النبيلة التي تداعب مشاعرهم .

إن منظومة التثقيف طويلة الأمد للجماهير يفضي الى خلق جمهور واع مؤيد

لقضيتك ، لكن المسالة تكمن في كيفية الوصول الى هذا الجمهور لجعله قوة

مؤثرة في الساحة ، وثمة فرق بين مرحلة النضال السلبي ومرحلة العمل

 العلني لا سيما حينما يكون الحزب بموقع الحزب الحاكم ، او يكون مشتركاً

في الحكم ، في مرحلة النضال ينبغي استثمار عواطف الجمهور وحماسها بل

 وهيجانها ، لكن في مرحلة الحكم ينبغي الأهتمام بالإطار الثقافي بمنأى عن

العواطف ، ليصب تثقيفها في إطار بنائي مثمر .  

 إن مرحلة النضال في فترة التأسيس والأنطلاق تحمل اهمية كبيرة لكي

ينهض الحزب على اقدامه ويمضي قدماً نحو الأمام ، من مرحلة قهر الظلم

والطغيان الى مرحلة تقديم لوائح ومطالب بحقوق الشعب الذي يناضلون من

 اجله ، والذي آزرهم في اقسى واصعب مراحل تكوينهم ، فعرض المطالب

الوطنية والقومية والمعيشية لمختلف فئات الشعب يشكل دعامة راسخة لكي

 تلتف الجماهير حول الحزب وتقديم التضحيات .

 إن من يقف الى جانب الحزب في تلك المرحلة  يكون كمن يقف مع الصديق

وقت الضيق ، ولا غرابة ان نصادف من يكتب مقالة سياسية في مرحلة

النضال ويلجأ الى كتابتها باسم مستعار ، وإن كشف امره فإنه يتعرض الى

 الملاحقة والأعتقال ، وثمة قوائم طويلة لمن دخلوا السجون والمعقلات

بسبب افكارهم . إن هذه الحالة تتوافق مع اشكال اخرى من النضال كأن يكون

 المشاركة في مظاهرة او اعتصام او اضراب ، لكن في مرحلة الحكم يتباهى

 الكاتب ليذيّل المقال  باسمه الصريح .

وإذا ما توالمت الظروف وتحققت الأمنيات للحزب المناضل واستطاع بعد

سنين من النضال ان يتحول الى حزب حاكم ، وقد يكون من المالوف

والطبيعي ان تعترض سبيله  إشكاليات وصعوبات ، وفي سياق مقالنا هذا

اقصد الحزب الديمقراطي الكوردستاني المعروف على الساحة الكوردستانية

خصوصاً وعلى ساحة الوطن العراقي عموماً .

لكن قبل التفاصيل عن ( حدك) نعرج نحو حزب سياسي عراقي كان له دور

في التاريخ المعاصر للعراق وللمنطقة وهو حزب البعث العربي الأشتراكي ،

والذي كان في العهد الملكي طرفاً في الجبهة الوطنية يومذاك ، اي كان حزباً

 مناضلاً في الساحة السياسية ، ويقدم التضحيات ، لكن حينما انتقل هذا

الحزب الى دائرة الحكم في شباط عام 1963 اتخذ لنفسه نهجاً غريباً إذ بدأ

حكمه بعمليات انتقامية ضد فصائل سياسية وشن حرب شعواء ضد الأكراد ،

وكان في وقت سابق يشترك مع القوى الأخرى في جبهة وطنية ، وإن ما تلا

ذلك من احداث درامية على الساحة السياسية العراقية معروف ولا ضرورة

للأسهاب في التطرق اليه .

وإذا عرجنا نحو ( حدك ) وهو موضوع مقالنا فقد اثبت هذا الحزب بأنه ليس

 من الضرورة ان يناقض الحزب الحاكم ماضيه النضالي ، لكن المكوث في

 مربع زخم التاريخ النضالي سيشكل صعوبة امام الحزب ، فمعطيات مكانة

 الحزب الحاكم كثيرة ومغرياته كبيرة ، ومن اجل  البقاء في المربع الجميل

 لزمن النضال ينبغي مراجعة الذات واستحضار الماضي ، بغية الأستفادة من

 امجاده وتجاربه وتوظيفها في الراهن ، لأن الحاضر يشكل لحظة غير ثابتة

من الزمن ، فالماضي اصبح بحكم الثابت المستقر ، وبات كنزاً للتجارب ، اما

 الراهن فهو في حراك وسيرورة دائمة وهو مقدمة لولوج المستقبل ،

فالمستقبل يشكل آمال الأمة ، وليس ماضيها التليد .

 لكي اقرب الفكرة التي اود ايصالها اعود الى تاريخ الكنيسة الكاثوليكية في

 القرون الماضية حيث كانت تحمل في يدها السلطة الدينية والزمنية ، وكانت

 قراراتها الزمنية متدثرة بالمقدس ، ويوم طرح كوبرنيكوس نظرية كروية

الأرض ودورانها حول الشمس ، شكلت تلك النظرية تناقضاً  واضحاً  مع

 المعتقد الديني والشعبي السائد واليقينيات الراسخة  بشروق الشمس صباحاً

ودورانها حول الأرض لتغيب في خدرها مساءً ، ولجأت الكنيسة على اعتقال

كوبرنيكوس   وأودعته السجن ، ولم يطلق سراحه إلا بعد ان وقع لهم تعهداً

بالتنصل عن مبادئه ، ويشار الى ان كوبرنيكوس بعد توقيعه على الوثيقة ،

قال : مع إني وقعت على الوثيقة  لكن تبقى الأرض كروية وهي التي تدور

حول الشمس وليس العكس . وبعد عقود من الزمن اعترفت الكنيسة بمبادئ

كوبرنيكوس العلمية ، وعرف بالأنقلاب الكوبرنيكي .

  لقد اسهبت في نقل المثال لاقول بان اي حزب لا يقبل بالأنفكاك من يقينيات

الماضي ، معتمداً على تاريخه الجليل غير آبه بما يدور حوله من مستجدات

 في الحياة في مختلف جوانبها السياسية والأجتماعية والعلمية والثقافية .

ويتحول في مرحلة من مراحله من حزب طليعي يحمل الراية في طليعة

الجماهير الى حزب مترهل يحاول اللحاق بالجماهير ويعاني من آلية

 البيروقراطية البطيئة . وفي الحزب الديمقراطي الكوردستاني لا شك ان

قيادته قد تداركت هذه الحالة وهي جاهدة لتبقي الحزب في الطليعة رغم

انتقاله الى مربع الحكم .

عجلة الحياة في حراك وتطور دائمين ، وينبغي على الحزب (حدك) وأي حزب

 آخر ان يواكب الحركة وان يبقى في سيرورة دائمة بل في حركة مضطردة

لكي لا يضطر في نهاية الأمر الى الإعتراف بدروان الأرض لكن بعد فوات

الأوان ، وعليه ان يعترف بدورنها في وقتها دون تأجيل لكي لا يتأخر عن

 الركب ، مستفيداً من تجارب التاريخ وتجربته الذاتية ايضاً  . إن تداركه لما

يحدث حوله ومواكبه الأحداث بعقلانية وإدراك ووعي سوف يضمن بقائه في

الطليعة بدل تأخره في موقع التابع الراكض وراء الجماهير .

الحزب الديموقراطي الكوردستاني وهو مقبل على عقد مؤتمره عليه ان يتذكر

 دائماً ان الجمهور هو الذي يستطيع ان يؤثر في صناعة القرار باعتباره

مجموعة ناخبين تسعى لتغيير السياسات والأوضاع والبرامج .

اشير هنا الى حالة اخرى في مسيرة ( حدك) وهي مسألة تمثيل المكونات

الكوردستانية الأخرى من غير الأكراد في المؤتمر المزمع عقده في الشهر

القادم في اربيل ، فمن الأطناب القول والتذكير بأن لشعبنا الكلداني مساهمات

فعالة الى جانب الحزب ( حدك) ،ورغم ان كارزمية ملا مصطفى البارزاني

كانت تشكل المحور في جذب فصائل كثيرة الى صفوف الثورة والحزب ،

وهذه حقيقة ليس الى نكرانها سبيل ، فعاملي الشخصية الكارزمية

والعشائرية كانت ولا زالت تلعب دوراً كبيراً في عهد الثورة وفي الوقت

الحاضر حيث الحزب ( حدك) يشترك مع غيره من الأحزاب الكوردستانية

لقيادة دفة الحكم في اقليم كوردستان .

 اقول :

 إن نخبة كبيرة من شعبنا الكلداني تعمل في صفوف ( حدك) لكن حظوظهم

في التمثيل في مؤتمر الحزب تبدو ضئيلة ، حيث ان حجز الكرسي في قاعة

المؤتمر يتطلب الحصول بحدود 1000 صوت حسب معلوماتي المحدودة ،

ووفق هذه الآلية سيكون من المتعذر صعودهم الى المؤتمر ، وفي حالة

غيابهم عن المؤتمر لا يمكن ان يجسدوا هموم شعبهم الكلداني ، وإذا ما

علمنا ان مؤتمر حزب الأتحاد الوطني الكوردستاني مثّل فيه المكون المسيحي

 بحدود 15 ـ 20 عضو ، وفي ضوء ذلك سيكون من الضروري إنصاف

المكونات الكوردستانية الأخرى من غير الأكراد بما فيهم شعبنا الكلداني ، ان

 يكون لهم تمثيل عادل في هذا المؤتمر المهم .

 وهذه مناسبة ايضاً لاعرض هموم شعبنا الكلداني لكي يعامل بإنصاف في

اقليم كوردستان الذي يأبى ان يهضم حقوق اي مكون كوردستاني  ، فينبغي

 على قيادة اقليم كوردستان الأسترشاد بلوائح حقوق الأنسان ، وذلك بإعادة

 التسمية القومية للشعب الكلداني الى مسودة دستور اقليم كوردستان ،

 وإنصاف هذا الشعب وفق لوائح حقوق الأقليات ودون وصاية من اي حزب

آخر ، فكما ان الشعب الكوردي لا يقبل بوصاية حزب آخر ، فإن شعبنا

الكلداني هو سيد نفسه وله شخصيته القومية وتاريخه معروف في الوطن

 العراقي وفي اقليم كوردستان ، ولا نقبل بأية تسمية سياسية لقوميتنا

الكلدانية في اقليم كوردستان او في عموم الوطن العراقي .

 حبيب تومي / القوش في 09 / 10 / 10

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *