التحمُّل – التحدِّي …. أن تبتسم وفي عينينك ألف دمعة

حياة الإنسان بشكل عام لاتخلو من التقلُّبات ، فيها لحظات هدوء ولحظات صخب، وفيها الحزن والفرح، واللقاء والوداع، الصحة والمرض، كما هو البحر هاديء وجميل تارة وفي أخرى مضطرب، لذا فهناك من يشبِّه حياة الإنسان على شكل مركب يعوم في هذا البحر المتقلِّب بين مدٍّ وجَزر يحافظ على مسيرتها الربَّان الماهر، يعرف كيف يقود دفتها ويتحكَّم في مجدافيها ليكون في برِّ الأمان مهما إرتفعت مناسيب المياه وعَلَت الأمواج. حياتنا تتجمَّل بصعوباتها متى عرفنا كيفية التعايش مع ظروفها الصعبة والخروج بنتيجة إيجابية حتى في أقسى حالاتها. لكن كيف يمكن ذلك؟

يحدِّثنا البعض عن تاريخهم في لحظاتها العسيرة مهما تباينت عُسرتها بين شخص وآخر ومن حالة إلى أخرى، وما أكثر العسر في الدول التي يجور حكَّامها على شعوبها والدول التي تكثر فيها الحروب والحاجة إلى أبسط مقومات الحياة. ويأتي حديث البعض عن مقدار تحملهم للألم والمرض والغربة وعدم الإستقرار وغيرها مهما صعبت، وهناك من يستخِف بأيَّة مرحلة صعبة يمر بها شخص ما أو قد يكون الغرض المواساة وتقوية المعنويات، ويقول له وهل تسمي هذه صعوبة؟ ويبدأ يسرد له مامَر به من ألمٍ وقدرته على التحمل حينذاك: فهل يعني هذا أّنَّ مَن عَبر أزمته يكون قد تحمل وهو نوي ذلك التحمّل في وقتها أم مجرد ظرف طرأ وانتهى من حاله ؟

في بعض الأحيان نرى أو نسمع عن أشخاص ذاقوا الأمرَّين بحسب تعبيرهم وبعد إنفراج أزمتهم يتكلمون عنها كبطولة، إلا إنهم في وقتها لم يكن لهم خيار آخر، وفي وقتها أيضاً كانت نفسيتهم صعبة وطباعهم حادة ومَن تسود حياته الكآبة أو يبكي كثيراً ويولول أكثر ويتشكى أكثر وأكثر. وهناك من إنقلب عدائيّاً على الآخرين من أقرانه الذين يعيشون نفس مصيبته، وهناك من تنازل وتملَّق وباع الغالي برخص والرخيص ببلاش، لكن أيضاً هناك في نفس الظروف من قرَّر أن يبقى محباً في أزمته، يساعد الآخر في تقوية معنوياته، يفكر ويشارك الآخرين في التفكير لإيجاد صورة حل، وإن لم يجد الحل فعلى الأقل سيجد السلام والهدوء.

في هذا الوقت أيضاً هناك من يعيش بأزمة أو عدة أزمات ستصبح روايات، وهنا سيكون دور التحمّل. نسمع من البعض عبارات تتكرر تحمل في طياتها شكاوى وإيمان مثل (كما يريد الله، هذه قسمتنا، المكتوب على الجبين تراه العين، الله قدر لي ذلك هو من رسم كل خطوة في حياتي، هذا عدله وهذه مشيئته) وجميعها تصب في خانة نحن عبيد ونحن ننفذ خطة وكإننا لم نوجد أحراراً، وبالنتيجة ستؤثر سلباً على ثقة الشخص بمن يسيره، ونعود ونناقض أنفسنا وأيضاً بداعي الإيمان ونقول بأننا نؤمن بإله مطلق المحبة، فهل إله المحبة هذا يذيق أحباءَه الويلات والعذابات!!! لاأريد الجدل بفحوى الإيمان وإنما بتسليط قبس من نور عن معنى الإيمان ودوره في تحمّل الأزمات. فإرادة الله بحسب إدراكي ووعيي هي بمعايشة الصعوبة وتقبُّل الظرف الذي يحياه مهما طال أمده، حتى وإن كان الشخص يستسخف مثل هذه التعابير أو لا ديني لكنه بالتأكيد يتمنى الإنتصار على عرقلات مسيرته وأن يخرج من الأزمة بأقل خسائر نفسية ومعنوية وغيرها فكيف الحال وإن خرج من أزمته وكان له دور بشد أزر من حوله وزرع الحب بمحيطه .

قد لا نجد الحل لمعضلاتنا وقد تكون حلولها مستحيلة فماذا علينا أن نفعل؟ هل نكشِّر وجوهنا ونتعصب على بعضنا؟ أم تلبسنا الكآبة وتتحول حياتنا جحيماً ويكون تأثير المشكلة سلبياً أكثر علينا وعلى الآخرين؟

في أعتى ظروفنا ينبغي أن نضع في ذهننا أنَّ مَن نلتقيه لاذنب له لتلقي ردود فعل سلبية، فلكل إنسان مايكفيه من الألم، وعوضاً عن زيادة حدَّة المشكلة فنُقحم بها أنفسنا مع الآخرين لنعمل على تجاوزها متى ما إلتقينا بالآخر.

فإن أجمل إبتسامة يقدمها بحب من يعيش الألم، وأكبر مشكلة تهون عندما نمد جسور الخير مع الآخرين. فالإنسان بطبيعته كائن علائقي وليس منفرد، وعليه أن يراعي حضوره مع الآخر وحضور الآخر معه كي يكون أكثر إنسانية وتتجمل فيه ومعه الحياة.

زيد ميشو

zaidmisho@gmail.com

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *