البطريرك ساكو – رسالتي في الذكرى الرابعة لانتخابي بطريركًا

البطريرك لويس روفائيل ساكو
أشكرُ اللهَ على كلِّ شيء. أشكرُهُ على كلِّ الاحداثِ الثقيلةِ والمصيريةِ التي حلّت بنا خلال الثلاث السنوات الماضيّة وتداعياتها، والمصاعب والتحديّات المتسارعة التي تواجهنا، والألم الذي يرافقها، لكنها لن تتمكن من نزع الرجاء فينا، نحن متأكدون من انه سيتحقق. وأشكرُ جميعَ الذين بصلواتهم ومحبتهم وتضامنهم وآرائهم شجّعوني على مواصلةِ المسيرة بعزمٍ وحسمٍ.  وأذكر باعتزاز مُعاونَيَّ المباشِرَين، وإخوتي الأساقفة والكهنة والراهبات، والعديد من الأصدقاء في الداخل والخارج. بهذه المناسبة أني اغفر من كلِّ قلبي لمن انتقدني وحاول الإعاقة، انها سنة الرحمة وانا أول من ينبغي ان يُمارسَها، كما أطلبُ المعذرةَ مِمَّن قد سبَّبتُ لهم إساءة ما. الإدارة شيء والعلاقات الشخصية شيء آخر.

أدرك تماماً أن الصليب ثقيل، لكني أحمله بإيمان وثقة وفرحٍ خدمةًً لكنيستي الكلدانيّة، ومسيحيّ العراق، وبلدي ارضاً وبشراً لأني منهم ولهم، وسأعمل ما بمقدوري ومع الاخرين ذوي الإرادة الطيبة، للحفاظ على وجودنا وهويّتنا، ورفضِ الظلم بكلِّ اشكاله، ودعم قاعدة السلام، وتعزيز لغة الحوار والعيش المشترك. هذه المسؤولية أحملها على ضعف كاهلي، طالباً من الرب ان يقوّيني للتضحية والعطاء، ويُنير دربي في تحقيق روحيّة برنامجي: “الاصالة والوحدة والتجدد”.

خلال السنوات الثلاث هذه، تحققت بعضُ إنجازات، أذكر منها على سبيل المثال: اعتماد السينودس اختيار اساقفة جدد استناداً الى الروحيّة العميقة والقيادة الرشيدة والثقافة المنفتحة والرؤية الواضحة، والانسان المناسب للمكان المناسب. وتمت رسامة ستة أساقفة جدد. الشكر لله.  وفي شأن الطقوس، عملنا على تجديد رتب القداس والمعمودية والتكليل الخ، بشكل يُحافظ على أصالتنا المشرقية ويتلاءم مع ثقافة مؤمنينا وعقليتهم المعاصرة، فهي لهم حتى تتحول حياتهم الى ليتورجيا. فالأجواء مؤهلة لرفع كلِّ التقاليد الغريبة التي لا تتماشى مع الانجيل والواقع الجديد، كما أوصى البابا فرنسيس في 22/1/2016.   سعينا لتفعيل القوانين الكنسية وتحقيق العدالة بين أعضاء الاكليروس قدر الإمكان، وشددنا على الروحانية والاندفاع الى الخدمة والالتحام في الكنيسة كفريق واحد رسولي، كما تحركنا لتقوية مكانة البطريركية ودورها خصوصا على ارض الوطن لان مستقبل كنيستنا هي قبل كل شيء في ارضها، لكن من دون اهمال الخارج! كما اذكر بافتخار ما قامت به الكنيسة الكلدانية والكنائس الأخرى في مجال مساعدة العائلات المهجَّرة والتخفيف من معاناتها ولا تزال، كذلك أذكر اللجنة المالية التي ضبطت الحسابات من الفساد.

لا أدعي القدرة على صنع العجائب، فالعجائب يصنعها الله وحده، وليس بالضرورة ان أرى ثمار جهديّ، لكن المهم ان يرسوَ كلُّ شيء على قاعدة متينة انسانيّا وانجيليا. ولا تهم الانتقادات لان من ” يده في النار ليس كمن يده في الماء”، ولا بد للحقيقة ان تنجلي يومًا ما وتحرر!

يحزُّ في نفسي رؤية بلدي مشتتا وممزقا والاف القتلى والجرحى وملايين المهجَّرين وهول الدمار. لقد حان الوقت لتجديد التزامنا بأرضنا وأُخُوَّتِنا البشرية، فنحن عائلة واحدة عراقية بالرغم من تنوعنا. إني واثق من ان وجود اشخاص هم علامات مضيئة، واحتواء البلد على ثروة فكرية واقتصادية سيساعد على البناء وسيدفع الى السلام والاستقرار والأمان.

يؤلمني تشتت المسيحيين وتبعثرهم في كيانات قومية متزَّمتة، بعضها اسميّة وغير فعالة، وكنائس رسولية صغيرة تقتنص ابناءها الجماعات الانجيلية الوافدة، لكنني مؤمن بأَنها في النهاية ستصل إلى مرحلة النضوج وتتحد في كنيسة مشرقية، مشرقة وشاهدة، لأن لا خيار لها غير الوحدة لاستمرارية تاريخها العريق ورسالتها السامية.  الوحدة قوة روحية وإنسانية واجتماعية وسياسية متميزة.  الوحدة تُعزز الشركة والرابطة بيننا من دون ان تهمّش احداً.  اننا امام مسؤولية مسيحية واخلاقية تجاه ما يجري لشعبنا المستهدف في الصميم. إنه واقع خطير ومرير عسى ان يدفعنا الى الاتحاد.

تقلقني عمليات التهجير ونزيف الهجرة، وتشغل بالي لأنها تهدد تراثنا ولغتنا وتقاليدنا ووجودنا التاريخي في هذه البلاد التي هي بلادنا وارضنا، لذلك نحتاج إلى تضامن ملموس من
أخواتنا وإخوتنا في العالم، ومن المجتمع الدولي للإسهام في تحرير عاجل لمناطقنا وتمكين عائلاتنا من العودة الى ديارها بأمان، نحتاج الى أفعال وليس الى كلام وخطابات.

لتخطي هذه التركة التاريخية الثقيلة، وللخروج من الماضي واطرنا الضيّقة والمضيعة نحتاج الى الصلاة والقلب الكبير، والتواضع، وقراءة علامات الأزمنة والتفكير والتحليل، واحترام وجهة رأي الاخر شرط ألا تكون قرارات وأوامر. نحتاج الى القدرة على التعايش مع الاختلاف، والاهم ان نعود الى كلمة الله ونجعلها حية في حياتنا وعملنا. هذا الاندماج سيجعل من خلفيَّاتنا القوميّة المتنوعة وكنائسنا المختلفة حقيقة واحدة، وجماعة واحدة   ولا سيما ان الوحدة امنية يسوع ورجاء الكنيسة، وحلم كلّ مسيحي.

أخيراً مستندا الى الخبرة المُعاشة، والعديد من المؤشرات المصيرية، أجدد النداء الذي وجهته في 16/1/2016، إلى تشكيل “تجمع مسيحي مسكوني موحد”، يكون بمثابة مرجعيّة سياسيّة للمسيحيين يقدم صورة واضحة وشاملة عن الوضع وخطّة مدروسة وآليّة تنفيذ عملية، ويدخل الى الانتخابات القادمة بقائمة واحدة للمرشحين ممن لهم القدرة والشجاعة ليعملوا من اجل ان يأخذ المسيحيون مكانتهم الوطنية في البلاد وفي مراحل صنع القرارات. انها فرصة ذهبية لا نضيعها خصوصًا إننا نعيش اليوم حالة غير مسبوقة تهدد وجودنا.  قريبًا سوف ادعو الى لقاء شامل للفعاليات السياسية والمراجع الكنسية لطرح الفكرة ودراسة المشروع!

كما ادعو بناتي وابنائي الكلدان في كل مكان الى الانخراط في الرابطة الكلدانية ودعمها لتؤدّي دورها القيادي في بناء “البيت الكلداني” في هذه المرحلة المفصليّة لتُساهم بالتالي في تقوية التوجه نحو الوحدة هذه.

وبمناسبة قرب حلول موسم الصوم الكبر ادعو الجميع الى الصيام قدر الإمكان والصلاة حتى تنتهي آلامنا وتؤدي الى فصح (القيامة) تفيض حياة وسلامًا وبركة.

شكراً على صلاتكم.

رابط الموضوع http://saint-adday.com/permalink/8416.html

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *