الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن / الجزء الواحد والأربعون

كيف وفد الكلدان النساطرة الى العراق ومن جَلبَهم ومِن أين؟

 

في هذا المجال، لسنا بصدد انقراض آشوريي التاريخ القدماء بعد القضاء عليهم عام 612 ق.م  بسقوط نينوى وتدميرها على أيدي الكلدان ومُشاركة حلفائهم الميديين، ثمَّ مُلاحقة فلولهم التي لم تطلها ألسنة السيوف والنيران فلاذت بالفرار الى مدينة حرّان الغربية، وهنالك حاصرتهم القوات الكلدانية والميدية الحليفة بعد ثلاث سنوات من تدمير نينوى أي في عام 609 ق.م وتمَّ القضاء عليهم عن بكرة أبيهم. انظر التفاصيل في (الكلدان والآشوريون عبر القرون ج1 ص  194 وما يليها / الدكتور كوركيس مردو) مِمّا يدل بأن منتحلي تسميتهم المُعاصرين هم مُزيَّفون وعملاءُ أغبياء لأسيادهم الإنكليز الملعونين.

 

في الأجزاء المرقمة من التاسع والعشرين وحتى السادس والثلاثين تطرقنا بالتفصيل الى اصول منتحلي التسمية الآشورية بأنَّها كلدانية صِرفة، وأنَّهم الجزء العزيز من أبناء الأمة الكلدانية وكنيستها التي تبنَّت البِدعة النسطورية مذهباً لها خلال نهايات القرن الخامس لا حباً بهذا المذهب بل رغماً عن إرادتها حيث فرضته سياسة المملكة الفارسية نكايةً بغريمتها المملكة الرومانية التي نبذت الوثنية واعتنقت المسيحية. ولدى قيام نخبة مثقفة من أبناء الكنيسة الكلدانية النسطورية وبهدايةٍ من الروح القدس في منتصف القرن السادس عشر للعودة الى ايمانهم الكاثوليكي القويم الذي تبنّاه آباؤهم وأجدادُهم منذ نشأة كنيستهم التي أطلقوا عليها اسم “كنيسة المشرق” والذي اعتمده فيما بعد وثبَّته مجمعُ ساليق الثاني المعروف بمجمع مار اسحق المعقود عام 410م، الى جانب تصحيح مسار كنيستهم من الإستبداد العشائري الذي مارسته الرئاسة الأبوية لقرون عديدة، ناهض هذا الجزء من أبناء الكنيسة توَجُّهَ هذه الحركة التصحيحية المباركة، وأصرَّ على الإستمرار بتبني المذهب النسطوري والبقاء تحت عبودية الرئاسة الأبوية، مُفضلاً الإنعزال في منطقة هيكاري الجبلية في تركيا وفي جبال اورمية في ايران، فانعدم الوجود الفعلي للنساطرة في العراق، حيث تجاوروا العيش مع الأكراد في جنوب شرق تركيا الحالية و في أطراف أورْميا في إيران كفئةٍ دينية مُتمرِّدة ضئيلة منسية ومقطوعة الصِّلة بالعالَم المسيحي بسبب مُعتقدها النسطوري ذي التعاليم المناقضة لكل العقائد المسيحية الكبرى وفي مقدمتها الكاثوليكية ثم الأرثودوكسية واللوثرية. وبعد مرور زمن فاجأهم في عرينهم الإنعزالي الإنكليزُ الأنكليكان وعرَّضوهم للكثير من المآسي لم تكن في الحسبان!

 

بعد الغزو الأسلامي لبلاد الشرق في بدايات القرن السابع والذي تحوَّل الى فتحٍ واستيطان، تعرَّضَ المسيحيون  لأشكالٍ شتى من الإضطهادات القاسية، ولدى زوال سُلطان العرب بسقوط الخلافة العباسية ووقوعه بأيدي أقوام مسلمة من غير العرب كالمغول التتار والمتفرعين منهم كالجلائريين والتركمان والتيموريين والفرس واخيراً الأتراك العثمانيين، تضاعفت موجات الإضطهاد ضِدَّ المسيحيين وزادت حِدَّة، ولا سيما عندما باشرت دول أوروبية (مسيحية؟) بالتدخل بشؤون الدولة الإسلامية بأشكال مختلفة لتأمين مصالحِها في المنطقة.

لم يقتصر اضطهاد الدولة العثمانية في بداية تأسيسها للمكونات الصغيرة الخاضعة لحكمها بسبب دينها المخالف للإسلام دين الدولة كالمسيحيين فحسب، بل شمل اضطهادُها جميعَ الأقوام غير المنتمية الى القومية التركية مسلمة كانت او مسيحية مثل العرب والأكراد والكلدان فكان ذلك اضطهاداً قومياً، لذلك لدى بدء النضال الشعبي التحرُّري من ثقل النير العثماني الكبير، تحالف الأكراد المسلمون مع الأقوام المسيحية ضِدَّ الحكم العثماني الإستبدادي الجائر.

 

حرب القرم 1853 – 1856م

في سنة 1853 قرَّرَت روسيا القيصرية إرسال وحدات عسكرية “لحماية المسيحين” المُضطهدين في السلطنة  العثمانية، فاستطاعت هذه القوات وخلال مدة قياسية لم تتعدَّ بضعة أشهر تحقيقَ انتصاراتٍ ملحوظة على العثمانيين مما أثار مخاوف بريطانيا وفرنسا من انفراد روسيا بالسيطرة على منطقة القرم التي كانت طريقاً بريا مهماً يوصل أوروبا وبالدرجة الأساس (بريطانيا العظمى) بمستعمراتها في الهند وجنوب شرق أسيا. فتحالفت بريطانيا وفرنسا لمجابهة روسيا عسكرياً وقرَّرَتا في أذار 1854م إعلان الحرب عليها بدعم من النمسا بهدف ايجاد موقع لهما داخل ربوع السلطنة العثمانية وليس كما أشاعتا لحماية المسيحيين بديلاً عن روسيا. فلو كان هدف بريطانيا هو حماية المسيحيين كما زعمت، لماذا لم تتحالف مع روسيا التي كان لها هي الأخرى ذات الهدف؟ فلا بدَّ إذاً كان هناك لبريطانيا أسبابُها لإتخاذ موقف ضِدَّ روسيا، حيث كانت على عِلم، بأنَّ الكلدان الكاثوليك سيكون انحيازُهم الى فرنسا الكاثوليكية حتماً، والسريان المونوفيزيين سيكون ولاؤهم لروسيا المونوفيزية، فلم يبق أمامها إلا التحرُّك نحو الكلدان النساطرة المسيحيين  المتواجدين في بعض مدن السلطنة العثمانية،  لذلك بدأت بريطانيا توَجُّهها السياسي نحو الكلدان النساطرة في المنطقة تحت غطاء التبشير المُمارَس بأمرها بحجة التمويه من قبل الكنيسة البريطانية الأنكليكانية، ولا سيما أنَّ النساطرة كانوا أقلية مسيحية صغيرة ومُنغَلِقة على ذاتها، فرأت فيها صيداً ثميناً من السهل اقتناصُه.                                                                            

موقف السلطان عبدالحميد الثاني

منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى نهاياته كان عدد كبير من المسيحيين الكلدان بشقيهم الكاثوليك والنساطرة والسريان بفرعيهم الكاثوليك والمونوفيزيين ومعهم الأرمن يعيشون في منطقة شرق الأناضول في مقاطعات وان، هيكاري، أرضروم، دياربكر، بيطليس، خاربرد، سيفاس. وكانت تعتبر مدنَ ارمينيا الغربية. وفي بلاد فارس كان الكلدان النساطرة يعيشون حول بُحَيرة أورْميا.

بعد اتهاء حرب القرم بعشرين عام، تولّى عرش السلطنة العثمانية “السلطان عبد الحميد الثاني1842 – 1918م” وذلك في عام 1876م . انتهج اسلوباً ديكتاتورياً في حكم البلاد وطال عهدُه مدة ثلاثةٍ وثلاثين سنة، حاول أن يُخضع العالَم الإسلامي بأسره لسُلطانه. مارس اسلوب التصفية الجسدية الفردية ضِدَّ معارضيه، أما بحق أعدائه الذين يصفهم بالكفار”المسيحيين” فقد استخدم بحقِّهم أساليب جائرة لإبادتهم جماعياً، كما حرَّضَ الأكراد الحميديين لإرتكاب المجازر بحق الكلدان النساطرة الذين تحالفوا مع بريطانيا في حرب القرم.

في أكتوبر 1895 بدأت المجازر ضد المسيحيين في دياربكر وبعدها إنتشرت المذابح لِتَشْمل كل المدن حيث تم إبادة مئات الألاف من الأرمن وعشرات الألاف من الكلدان الكاثوليك والكلدان النساطرة، وتم إجبار ما يُقارب مائة ألف مسيحي لإعتناق الإسلام. بدأت أولى عمليات الإبادة على نطاق واسع في السنة  الآنفة الذكر والتي عُرفت بالمجازر الحميدية عندما قتل مئات الآلاف من الأرمن والكلدان الكاثوليك والنساطرة في مدن جنوب تركيا وخاصة بأدنة وآمد “دياربكر” بحجة افترائية أتهامية  للأرمن بمحاولة اغتيال السلطان عبد الحميد الثاني. غير أن السبب الرئيسي من وراء المجازر التي حلت بالكلدان بشقيهم الكاثوليك والنساطرة والسريان هي خشية العثمانيين من انضمامهم الى الروس والثوار الأرمن. يعتقد المؤرخون أن السبب الرئيسي وراء التورط الكردي في المجازر هو الانسياق وراء حزب تركيا الفتاة الذي حاول المُخادعون من أعضائه إقناع الأكراد بأن المسيحيين الموجودين في تلك المناطق قد يهددون وجودهم. وبالرغم من قيام الجيش العثماني بارتكاب المجازر ضد مدنيين أكراد في بايازيد وألاشكرت، إلا أن سياسة الترحيب والترغيب والتحريض للدفاع عن الإسلام دفعت معظم أفراد العشائر الكردية إلى التحالف مع الأتراك. كما استغلت ميليشيات كردية شبه نظامية فرصة احتدام الفوضى في المنطقة  لكي تفرض هيمنتها، فهاجمت قرى سريانية وكلدانية كاثوليكية ونسطورية من أجل الحصول على الغنائم.

يذكر توفيق السويدي في (مذكراته ص243) بعد انتهاء الدور الروسي بالنسبة لهؤلاء النساطرة، إبتدأ معهم الدورُ الإنكليزي، حيث تلقفتهم المملكة المتحدة، وأرسلت إليهم وفداً عسكرياً للتفاوض. إجتمع بقادتهم ودعاهم للثأر من الأتراك وتَمَّ الإتفاق بين الجانبين، وبحسب ذلك الإتفاق، بادرت بريطانيا بشحن كمية كبيرة من الأسلحة الى هؤلاء النساطرة في تموز 1918، ولكن الأتراك فاجأوا النساطرة بهجوم على تجمعاتهم في اورمية قبل أن تصل إليهم الأسلحة، مما أدّى الى قتل عدد كبير من هؤلاء النساطرة، فاضطرَّ الإنكليزُ الى نقل الناجين منهم الى منطقة بعقـوبة العراقية، وكان عددهم التقديري خمسين ألف نسمة بضمنهم عشرة آلاف من نسطـوريي ايران عادوا الى ايران بعد انتهاء الحرب العالميلة الأولى وخمسة عشر ألف أرمني ونحو خمسةٍ وعشرين ألفاً مِن نساطرة تركيا لم تقبل تركيا بعودتهم إليها متهمةً إياهم بالوقوف ضِدَّها ومحاربتها الى جانب الإنكليز، فوسمتهم بخيانة الوطن. فكان لزاماً على الإنكليز مساعدتهم على العيش في العراق، لأنهم كانوا السبب في إغـوائهم لخيانة بلدهم والتي جلبت لهم القـتـلَ والمآسي، فأقـاموا لهم مُخـيَّمات لسكناهم، واستخـدموا رجالهم بأعـمال الطرق.

« في: 06:41 21/11/2013  »

ننقل بتصرُّفٍ صياغي وبالمحافظة على المضمون كما ورد تماماً في مقالة للسيد بولص يوسف ملك خوشابا نشرها في المنبر الحر لموقع عنكاوا.كوم بالتاريخ المذكور أعلاه.

< بعد اغتيال قداسة البطريرك الشهيد مار بنيامين غدراً، تمت رسامة شقيقه مار بولس بطريركا بدلا عنه ولقد كان اغا بطرس وملك خوشابا اكثر المتحمسين والمؤيدين لهذه الرسامة لسبب عدم ترك الفراغ في هذا الموقع لكي تتفرغ العشائر للعمل من اجل الدفاع عن الشعب بدلا من الانشغال بتنصيب البطريرك الجديد … لم يكن لمار بولس البطريرك الجديد ايَّة رغبة في اشغال هذا الكرسي بل كان يريد ان يعيش حياة اعتيادية، ولكنَّ حِدَّة الضغوطات التي مورست عليه من قبل عائلته، والتاييد الذي تلقاه من قبل العشائر جعله يرضخ للامر الواقع، كان قداسته ضعيفا الى درجة انه كان يأتمر باوامر شقيقته سرمة خانم وقد لاحظ قناصلُ دول الحلفاء هذه الصفة فيه، ولذا قرروا تشكيل مجلس يضم ممثلين عن آثوريي اورميا وآثوريي هيكاري برئاسة الدكتور شيت القنصل الامريكي ويتكون المجلس من:
(آثوريي اورميا : القس (ي و ايشو) (الاستاذ بيرة امريخس) (بطرس خان وكيل اللجنة في الحكومة) (القس اسحاق م يونان) (الاستاذ بنيامين موشاباد) (دكتور دانيال ابراهيم) (الاستاذ ابرم اوشان) (الدكتور بابا فرهاد) …..
آثوريي حكاري : (ملك خوشابا يوسف) (مالك اسماعيل ياقو) (اغا بطرس ايليا) (الدكتور مرزا خامس) (القس كورييل) (الكسندروس) (الاستاذ منصور)…)

ولكن بحسب ما يذكره ريموند كوز في كتابه (تاريخ كنيسة المشرق/ مسيحيو العراق وايران وتركيا ص 285-286) وكان رئيسُ الكلدان النساطرة “الآثوريين” الروحي والسياسي في هذه الأثناء البطريرك شمعون بولس العشرون ذو الرابع والعشرين ربيعاً الذي اعتلى المنصب وراثياً بعد اغتيال شقيقه شمعون التاسع عشر بنيامين من قبل الزعيم الكُردي اسماعيل أغا الشكاكي عام 1918م، نزح الى همدان مُضطراً ومن ثمَّ وُضع في شبه إقامةٍ جبرية في معسكر بعقوبة آخر موقع لنزوح الكلدان النساطرة “الآثوريين” من موطنهم الأصلي في جبال تركيا وهضبة ايران، ومن بعقوبة أرسل موفده الى مؤتمر باريس مُحَمِّلاً إياه نَصَّ مُداخلته بشأن فرز مقاطعةٍ مستقلة للكلدان بشقيهم الكاثوليك والنساطرة. بعدها انتقل للإقامة في الموصل وأبدى نوعاً من التعاطف نحو الكلدان الكاثوليك، إلا أن الإنكليز حين نووا ضمَّ الإقليم الذي أراده وطناً للكلدان بشقيهم الى العراق، أبعده الإنكليز عن الموصل، فمات كمداً في بعقوبة عام 1920م.

 

وبناءً الى قانون توريث المنصب البطريركي النسطوري الذي سنَّه البطريرك شمعون الرابع الباصيدي، اختير الصبيُّ اليافع إبنُ داود شقيق البطريركين الراحلين شمعون بنيامين وشمعون بولس ليُمنح رتبة البطريرك باسم “شمعون ايشاي الواحد والعشرون” وهو في الثاني عشر ربيعاً من العمر، فرسمه خالُه المطران يوسف خنانيشو في بعقوبة حيث تواجد الكلدان النساطرة “الآثوريين” الذين أتى بهم الإنكليز من همدان في ايران بحسب الرواية التالية:

 

مهمة ملك خوشابا للاتصال بالحلفاء ودور الكنيسة الكلدانية في مساعدته

« في: 06:41 21/11/2013  »


ايها القراء الاعزاء كنت قد تعمدت عدم كتابة هذا الموضوع المهم حتى لا اتهم بانني اتوخى من كتاباتي سرد الاحداث التي تمجد بملك خوشابا دون غيره من الرؤساء وبالرغم من انني سبق وان نشرت مقتطفات من جريدة (كخوا) اي النجم الصادرة في اورميا سنة 1917 والتي تمجد فيها باغا بطرس وملك خوشابا وتصفهما بصفات قل ما وصف بها قادة. الا ان الاخوان الكوبلزيين الذين حاولوا ويحاولون جاهدين بتشويه أحداث التاريخ ومنها تشويه هذا الحدث من البطولات النادرة لكي يبرروا هزيمة العائلة الشمعونية من اورميا وترك المقاتلين بدون قيادة مما ادى الى مقتل اكثر من خمسة عشر الف آثوري مدعين بان غياب ملك خوشابا واغا بطرس عن المعركة كان السبب في هذه النكبة وهذا اعتراف صريح منهم بان الامة والقوات ألآثورية لم يكن هنالك من يستطيع حمايتها وقيادتها بجرأة وحكمة في حال غياب هذين القائدين البطلين …..


بعد الخسائر الفادحة التي لحقت بالقوات الاثورية في معركة سيري وقرب نفاذ عتادها، فكان لا بد من ايجاد مخرج من هذا المأزق، فاجتمع المجلس المذكور برئاسة الدكتور شيت لمناقشة هذا الموقف المتازم، فتوصل المجتمعون بضرورة الاتصال بالحلفاء وطلب النجدة منهم باسرع وقت ممكن.  والمنفذ الوحيد كان الوصول الى القوات الانكليزية المتقدمة من بغداد الى الموصل ووقع الاختيارعلى اغا بطرس للقيام بهذه المهمة، ولكن اغا بطرس اعتذر لإنعدام معرفته يطبيعة المنطقة حيث انه تركها منذ ان طردته عشيرتُه مع عائلته بسبب قضية مقتل ابن عمه على يد شقيقه سهواً، وكذلك لعدم معرفته بالعشائر الكردية المتواجدة في المنطقة، ولذلك اقترح اغا بطرس على المؤتمرين ان يكلف ملك خوشابا بهذه المهمة لتوفر كل ما سبق فيه، فقرر المؤتمرون بان يقوم ملك خوشابا بتنفيذ هذه المهمة على ان يصطحب معه قوة صغيرة لاجل حمايته لانَّ واجبه يتطلب منه شق طريقه بين صفوف الاعداء للوصول الى القوات الانكليزية وتم تزويده بالكتاب التالي:


يسر اللجنة المركزية الاثورية ان تُعرِّف المحترم ملك خوشابا يوسف بأنَّه قائد قوات لفرقتين نظامية ومتطوعين من ابناء عشيرته ومن ابناء امته، وبانه الشخص الذي قدم خدمات كبيرة لمصلحة الحلفاء وانه حقق انتصارات باهرة على الاعداء وهو شخص شريف وشجاع وصادق وموضع ثقة.
ونحن كلجنة وكامة لنا مطلق الثقة بهذه الشخصية المحترمة لذا نوصي كافة الضباط والمراتب الانكليز المحترمين الذين سيلتقون بحامل هذه المذكرة ان يعطوا له كل ما يسهل مهمته وهو في طريقه الى بغداد علما انه عضو بارز في هذه اللجنة …..
عن اللجنة
القس ي و ايشو
اورميا / ايران
اسماء المشتركين في هذه المهمة: (ملك خوشابا / داود ملك خوشابا / يلدا سلمو / الاستاذ شموئيل يلدا / لازار اوشانا / ماما خوشابا / برجم خوشابا / باكوس اوديشو منيانش /شماس طليا / اسخريا شمعون / شماس كندلو بثيو / توما كوركيس / كينا كوركيس …)
تحرك ملك خوشابا ورفاقه المذكورون ليلة 14 حزيران 1918 مسلحين وسالكين طريقا وعرا عبر جبال كردستان التركية الشرقية، متجهين نحو الموصل للاتصال بالقوات الانكليزية المتقدمة نحوها طلبا للنجدة الممكن تقديمها ضرورياً للاثوريين المحاصرين في اورميا. وفي اليوم الاول وصلوا قلعة قاشا اونر ومكثوا في احد كهوفها لان القوات التركية كانت تتحرك بكثرة على جميع الطرق متجهة نحو اورميا. ومن هنالك ارسل ملك خوشابا اربعة اشخاص الى اورميا لياتوا بالمعلومات اللازمة عن الموقف فيها ليؤجل على ضوئها سفره ويعود اليها اذا دعت الحاجة الى ذلك. ولم يَعُد من هؤلاء الاشخاص الا شماس اسرائيل تورخان الذي ظل الطريق ولم يتمكن من العثورعليهم الا انهم شاهدوا الاشارة المتفق عليها والتي كان قد وضعها في ماربيشو. وفي اليوم الرابع وصلوا الحدود الايرانية التركية وكانوا يسيرون ليلا ويختفون نهارا وهكذا واصلوا سيرهم في جبال حكاري الوعرة والوديان العميقة حيث جابهتهم مشقات عديدة ومصائب جمة شديدة خاصة من جرّاء ندرة المواد الغذائية في تلك المناطق، فاتخذوا من لحم الوعل غذاء لهم والذي كانوا يصطادونه بصعوبة خوفا من كشف امرهم من قبل الاعداء بسبب اصوات بنادقهم حتى وصلوا أخيراً منطقة برواري بالا  حيث اخذوا يقطفون سنابل الحنطة من حقول بعض القرى الكردية ويجرشون حباتها بين الاحجار ثم يعجنون طحينها ويخبزونه على الصخور. وعبروا نهر الزاب من جسر بلبل في برواري بالا ثم صعدوا جبل سر عمادية  وكان فيه الكثير من الاكراد المهاجرين من الشمال، ونزلوا من هذا الجبل حتى وصلوا قرية اينشكي حيث اتصلوا باهلها المسيحيين سرا حيث زودوهم بقليل من الطعام المتيسر،  ومن هناك توجهوا الى القوش عن طريق سوارة توكا / زاويتة / اينوت / جبل كمكة / دوستكة / القوش. واثناء السير في هذا الطريق تنبه لسيرهم الاكراد الا انهم لم يتمكنوا من التعرف على هويتهم الى ان وصلوا القوش وفيها تعرفوا على المطران فرنسيس الذي كان مبعدا من ارادن من قبل السلطات التركية،  فقسمهم المطران الى قسمين بحيث تسكن جماعة منهم في دير ربان هرمز والجماعة الاخرى في احد الكهوف والجماعة الثالثة ارسلها ملك خوشابا الى تلكيف لتستطلع الاخبارعن القوات الانكليزية المتقدمة نحو الموصل، وكان ملك خوشابا ضمن الجماعة التي اختبات في الكهف لكي لا يتعرف احد عليه اذ كان قد اخفى هويته وسمى نفسه بالشماس اوديشو لان اسمه الحقيقي كان معروفا في كل مكان ولما علموا من المطران فرنسيس بان قوات تركية كبيرة قد توجهت نحو اورميا غير ملك خوشابا رايه في الانتظار للاتصال بالقوات الانكليزية خوفا من ان ذلك قد يتطلب وقتا طويلا فاراد العودة الى اورميا باسرع وقت ممكن ليكون مع القوات الاثورية لمقابلة القوات التركية المهاجمة لذا قرر الذهاب الى تلكيف بنفسه ومعه الاستاذ شموئيل يلدا ليعيد الاشخاص اللذين ارسلهم اليها ليتاكد بنفسه من المعلومات المتوفرة عن موقف القوات البريطانية في الشرقاط. فسافرا ليلا الى تلكيف متنكرَين بالملابس الكردية وكان الموسم صيفا …
ووصلا في الصباح الباكر الى منزل السيد منصور سيسي الشخصية المعروفة في تلكيف ورئيسها والذي كان صديقا لوالد ملك خوشابا وكان يعرف ملك خوشابا جيدا فاستقبله السيد منصور سيسي بحرارة قائلا يا للقدر كيف يدخل ملك خوشابا بيتي وانا عاجز عن نحر الذبيحة امام قدميه، ثم جمع رؤساء تلكيف بصورة سرية لان مدير الناحية التركي وعائلته كانوا يسكنون في الطابق الثاني من داره. ومع ذلك جلب خروفا وذبحه امام رجلَي ملك خوشابا في الطابق الاسفل من داره حيث كان رفاقه الاربعة الذين ارسل معهم رسالته الى بطريرك الكلدان مارعمانوئيل في الموصل وجاءه رد البطريرك بان الانكليز لا يزالون في الشرقاط وان القوات التركية لا تزال تقاوم تقدمهم وان نهر دجلة ملغوم في اكثر من محل وان الكثير من الارمن قد حاولوا الوصول الى القوات الانكليزية الا ان القوات التركية قد القت القبض عليهم … عاد ملك خوشابا مع رفاقه الى القوش بعد ان مكث ليلة واحدة في دار السيد منصور سيسي في تلكيف ثم سافر مع رفاقه من القوش الى اورميا سالكين طريق القوش / كورة كافان / سوارة توكا / بيناثا / اينشكي / سرعمادية / هييز / بيت طنورة / سرزر / زرني في تياري السفلى / ماثا دقصرى في تياري السفلى / بيت زيزو / جبل سيف / جبل بارشنا / ابرك / جبال ديز / بحيرة ماربيشو / قلعة قاشا اونر / اورميا، وكانوا يشترون طعامهم اثناء عودتهم من بعض القرى المسيحية في منطقة العمادية او بقطفون سنابل الحنطة من الحقول او بالسطو على اغنام الرعاة الاكراد من المراعي حتى وصولهم الى اورميا، وعند وصولهم الى جبال هيكاري ارسل ملك خوشابا شخصين من جماعته للحصول على المعلومات عن مصير الاثوريين في اورميا من اكراد المنطقة الذين رافقوا القوات التركية الى اورميا وعادوا الى بيوتهم فاستغرقت رحلتهما اثني عشر يوما وعند وصولهما الى برواري بالا وجال علما بان جميع العشائر في اورميا قد رحلت الى جهة مجهولة ولم يبقَ  فيها الا بعض الاسرى من اثوريي اورميا فقط
.

المصادر :
مذكرات الاستاذ شموئيل يلدا الذي كان مشاركا في هذه المهمة
من كتاب القس يوئيل وردة الامة الاثورية لن تموت
مذكرات الشماس داود الاشوتي
تاريخ اشور كلدو للقس شموئيل داود

مُغادرة الكلدان النساطرة “الآثوريين” اورميا

ننقل بتصرُّفٍ صياغي عن مقالةٍ للسيد بولص يوسف ملك خوشابا منشورة بتاريخ 22/1/2013 في موقع عنكاوا.كوم  يصف فيها ترك الآثوريين لمدينة اورميا في رحلةٍ مأساوية حيث يقول: إنَّ الاثوريين المُقيمين في مدينة اورميا تركوها بصورة مفاجئة وتخلَّف فيها الكثيرُ منهم لعدم علمهم باخلائها الا بعد فوات الاوان. وعندما عزموا اللحاق بإخوانهم وجدوا انفسهم مُحاصرين من قبل القوات التركية والإيرانية والكردية التي أغلقت بوجههم كافة الطرق، فاضطر قسم منهم للجوء الى دور بعض اصدقائهم وجيرانهم الايرانيين، بينما توزَّع القسم الأكبر منهم الى دور الارساليات الأمريكية البروتستانتية والفرنسية الكاثوليكية وقد بلغ عددُ هؤلاء اللاجئين الى هذه الدور حوالي ستة عشر الف نسمة. احتوت الدور الفرنسية التي كان يديرها المونسنيور سونتاك الفرنسي ستة آلاف لاجيء، اما الدور الأمريكية فاتسعت لإيواء العشرة آلاف التي كان يُديرها الدكتور ياكرت الذي كان معروفاً ومحبوباً من مختلف الأوساط الإيرانية لخدماته الإنسانية الجليلة التي كان يُقدمها لهم بصفته طبيباً بدون تمييز، ولبث ملازماً لهؤلاء المستجيرين به حتى عودة ملك خوشابا ورفاقه الى اورميا بعد استكمال المهمة التي أنيطت به للإتصال بالإنكليز في الموصل. وبعد اربعة ايام من ذلك التاريخ اخذ الدكتور باكرت اسيرا الى تبريز من قبل القوات التركية، اما المونسنيور سونتاك الذي كان رئيساً للإرساليات الفرنسية الى جانب كونه ممثلاً للحكومة الفرنسية، وبالرغم مِن قيامه في الماضي بحماية الكثير من الشخصيات الإيرانية منقذاً إياها من الموت ومن جملتهم أرشد هميون الإيراني حاكم اورميا الذي كان قد أنقذ حياته وحياة زوجته من الموت المحتم عندما أراد الآثوريون المنتصرون في أحداث اورميا قتله لدوره في تحريك تلك الأحداث، فكان جزاؤه من قبل هذا الخائن ناكر الجميل القيام بتعذيبه وقتله، يوم اقتحم دور الإرسالية الكاثوليكية الفرنسية في 31 تموز 1918م. ثم استولى ارشد همايون على صندوق كان يحتوي على مبلغ كبير من المال والحلى المؤتمنة عند الارسالية والعائدة للاثوريين. وبعد ان اختار لنفسه عشرة نساء جميلات من الاثوريات الاسيرات، أمر رجاله المُسلحين بقتل كُلَّ مَن في الدور مِن الرجال والنساء والأطفال باساليب وحشية يندى لها الجبين مستخدمين ابشع انواع التعذيب في قتلهم. كما قتلوا المطران توما اودو والخوري يوسف، وسعوا في إثر الاثوريين المختبئين عند اصدقائهم الايرانيين حيث أخرجوهم وبضمنهم اربعة قساوسة والمطران بطرس وبعض الشخصيات الاثورية وبعد تعذيبهم قتلوهم في شوارع المدينة.

ولم يكن مصير الاثوريين الموجودين في دور الارساليات الامريكية أفضل من مصير اولئك الذين قُضيَ عليهم في دور الإرساليات الفرنسية، اذ انهم اخرجوا من قبل الاتراك والايرانيين والاكراد وبوقاحةٍ قاموا بنزع  النساء مِن ملابسهنَّ وساروا بهن عاريات في شوارع المدينة، وانتزعوا الاطفال من امهاتهم وسحقوهم تحت حوافر خيولهم والقوا بجثثهم في ابار متروكة. اما الرجال والشبان فكان مصيرهم القتل الجماعي. ولم ينجُ من هؤلاء اللاجئين سوى ستمائة نسمة فقط. بهذا الشكل الوحشي المُخجل ورد وصفُ تفاصيل هذه الجريمة النكراء في كتاب (تاريخ اشور _ كلدو/ تاليف القس شموئيل داود الذي كان شاهد عيان للحدث) وكذلك في كتاب (الامة الاثورية والكنيسة/  تاليف القس يوئيل وردة) وكان شاهد عيان للحدث ايضاً.
اما الاثوريون الذين تمكنوا من الافلات من اورميا والذين يقدرون بعشرات الالاف فلقد شقوا طريقهم باتجاه همدان، تحت حماية  قادة الالوية المقاتلة الابطال الذين أبلوا بلاءً نادراً في الذود عنهم بالمقدمة والميمنة والميسرة والمؤخرة مؤمِّنين الحماية لشعبهم وكانوا يصُدون الهجمات التي كانت تشن عليهم من كافة الجهات بهجمات مقابلة لابعاد الاعداء عن الشعب حتى وصولهم الى ساين قلعة، حيث التقوا باغا بطرس وقواته، فقام بتنظيم عمل القطعات وشقوا طريقهم الى همدان بمعجزة بعد رحلة دامت ستة عشر يوما هلك الكثيرُ منهم في الطريق وتُرك العديدُ منهم لعدم تمكنهم من مسايرة البقية ليلقوا مصيرهم المحزن. عند وصولهم همدان التقاهم المستر( ت  ت) ماكارثي المسؤول الانكليزي في همدان، وفور وصولهم، امر مكارثي بتجريدهم من سلاحهم وكل ما كانوا يملكون من المواشي والحيوانات بالاضافة الى المئات من الاسرى من ضباط وجنود اتراك تم تسليمهم الى الانكليز في همدان . وكذلك استلم الانكليز من الاثوريين اثني عشر الف بندقية وستة وثمانين رشاشة وثلاث بطاريات مدفعية جبلية وخمسمائة وعشرين عربة مُحملة بكمية كبيرة جداً من الذخيرة، وصادر الإنكليز مقتنياتهم البالغة خمسة وعشرين الف راس من الخيول والبغال والثيران. وفي همدان تفرق الاثوريون حيث جرى ارسال قسم منهم الى مدينة كرمنشاه. وقسم من اثوريي ايران توجَّهوا الى قزوين وطهران وتبريز واما القسم الاكبر من الاثوريين النازحين من منطقتي هيكاري والعمادية في تركيا وبمعيتهم الارمن وقسم كبير من اثوريي ايران فتم ارسالهم الى خانقين ومنها الى بعقوبة في العراق. والى الجزء الثاني والأربعين قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو

في 30/11/2015

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *