الأديان رسالة سلام وحرية تعبير

 

في أي مجتمع من المجتمعات لها تاريخ وحضارة، لها  أهمية وبُعد في حياة البشرية، وليس مجرد أرشيف (Archive) لوقائع وأحداث وقعت في الماضي وزالت وانتهت بانتهاء شخصياتها، بل هي مستمرة وممتدة إلى واقعنا وحاضرنا وما سيحدث للبشرية من تطور في المستقبل معتمد عليها، لأنها مرتبطة ارتباط أزلي بتطورنا الإنساني والفكري والحضاري، وبوجودنا البشري على الأرض، وهي الدافع للاستمرار، ولن تنتهي ألا بانتهاء وجودنا وحياتنا نحن كبشر. وتاريخ البشرية على مر العصور المختلفة التي عاشها الإنسان ملئ بالأحداث والصراعات والتبشيرات والحروب والعلوم والمعرفة، وكذلك ظهور علمائنا وفلاسفتنا  وظهور الديانات المختلفة على مر التاريخ التي كان لها الدور المؤثر والحافز القوي لتقدم الإنسان والإنسانية ….

والإنسان مهما تقدم وتطور وواكب الحياة بكل أشكالها من حلوها ومرها، فهو ما يزال بحاجة إلى تعاليم يهتدي بها وتسمو بروحه ومشاعره، وميول نحو الاعتقاد بان الحياة بحاجة دائما إلى قوة خفية تواكبها وتباركها وتزيدها قوة وظهورا وثباتا. وهذه القوة التي تزيد الإنسان من الخير والعزة والحرية والسلام والاهتداء إلى طريق الصواب هي الله وتعاليمه السامية، والدين الذي هو قانون سماوي مقدس فوق أي قانون بشري وضعه الإنسان، فهو الذي ينظم علاقة الإنسان مع الله خالق الكون والبشرية، وعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان، وللدين أيضا رسالة في الحياة وهي اهتداء الإنسان إلى عبادة الله وتعاليمه، وتطهير النفس والذات، والسمو بكرامة وإنسانية وحرية الإنسان البشري الذي هو من صنع يدي الله، والدفاع عن حقوقه جماعات وشعوب، والنهوض بالبشرية لتواصل المسيرة بكل خير وسلام وعزة، دون تمييز بين هذا وذاك على حساب الآخر. وفي هذا يقول أرسطو:” يشعر الإنسان بأنه في حاجة إلى الهواء والماء والغذاء، كذلك هي روحه تشعر بأنها بحاجة إلى غذاء روحي”..

فمهما تقدم الإنسان في علومه وثقافته وتكنولوجيتيه، لكنه بالرغم من ذلك فهو لا يزال بحاجة إلى تعاليم الرب الإله، فهي الأساس والدافع له وأول العلوم والتعاليم التي تلقاها وكانت السبب في مسيرته وتقدمه وحضارته وقوة ثباته في الأرض وترسخه، وعليها كان اتكاله ومواصلته.  فهي التي تسير العالم بأجمعه، وهذا أكيد ولا يمكن لا احد ان ينكر أهميته وتأثيره على البشرية عبر تاريخها الطويل ولحد يومنا هذا. فهو الذي حفظنا من الضلال والضياع وجمعنا جميعا تحت رسالة واحدة وتحت حقيقة واحدة وهي ان الله واحد لا شريك له بالرغم من تعدد الصور والعبادات والديانات، وتشهد الكتب المقدسة بذلك ومنها الإنجيل المقدس، نذكر منها في العهد القديم بقوله:” الرب إلهنا رب واحد” (التثنية 6:4)، ونفسها أيضا وردت في أنجيل (مرقس29:12)،  بينما ورد في القران الكريم :” يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم …..” (سورة البقرة 22: 21). وهي بهذا  تؤكد على مبدأ واحد وهو التوحيد بين جميع البشر بان الله واحد رغم تعدد الديانات، ولكل واحد حرية التعبير عن آرائه ومعتقداته وما يؤمن به..

وهذا ما نصت عليه المادة 19  من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966  الذي تم التصديق عليه من قبل اغلب الدول في العالم، حيث نص في مادته الأولى: ” لكل إنسان  الحق في اعتناق آراء دون مضايقة”، كذلك مادته الثانية نصت:” لكل إنسان الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مطبوع أو في قالب أو في أي وسيلة أخرى يختارها”.. كذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 في المادة 19 : ان لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون مضايقة أو تدخل من احد ….”. وبهذا وبمقتضى نص المواد المذكورة أعلاه المتضمنة على احترام حرية الآراء يكون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية قد ضمن إحدى الحريات الأساسية التي يجب توافرها في بلد ديمقراطي متعدد الأديان والطوائف والأفكار كالعراق، الذي يمتاز بوجود ديانات مختلفة فيه منذ قدم الزمان، كالإسلام والمسيحية والصابئة والايزيدية والأرمن ويهود العراق..

فالإنسان منذ وجوده على الأرض أدرك الإيمان بوجود الله، فجسده بمختلف الصور والأشكال، فتعددت بذلك الأديان عبر مراحل التاريخ المختلفة، ورغم الاختلاف بين الطبقات البشرية على مر العصور ان كان في اللغة والثقافة والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعملية، والاختلاف الجغرافي لتواجد الإنسان على سطح الكرة الأرضية، إلا أن الدين ظل مركز ومحور هذه الجماعات البشرية رغم اختلافها في كل ما ذكرناه ورغم انحراف بعض الشعوب القديمة في تصور الإله،  ألا ان هذا زاد أكثر من حقيقة وجود الله وقدرته على البشرية، ودليلنا على ذلك هو استكثارهم من الآلهة وتعدد الطقوس التي مارسوها إلى ان اهتدوا بوجود اله واحد لعلمهم وإيمانهم بوجوده. وهذا ما أكدته البشرية خلال مسيرتها وتجاربها، وأثبته التاريخ على مدى عصوره..

 إنساننا قديما وفي مراحله الأولى، كان معذور لأنه لم يكن بنفس الدرجة من العلم والثقافة التي وصل أليها الإنسان اليوم.. فكان أسير محيطه ومقيدا به بكل ما يجري فيه، لأنه عجز عن فهم ما يدور فيه، وكذلك عجز عن تفسيره واستيعاب حقيقته وما يحدث فيه ولم يكن بالدرجة التي تؤهله ليفهم ما يحدث حوله، فظل حائرا مستغربا كيف كل هذا؟؟ من خلق الإنسان؟ من اوجد الطبيعة؟ من يُسير حياة البشر، وأستمراريتها؟ كيف وجدت جميعها؟ ما هي السماء؟ وغيرها الكثير من الأسئلة . من هذا كله حاول مراقبة والتعرف على الكون وحركاته والظواهر الطبيعية من زلازل وبراكين وأمطار وعواصف ورياح، وظل ساكنا، متعجبا أمامها !! فحاول التأمل والتفكير فيها ومن يحركها، فأدرك واستوعب بوجود قوة خفية في هذه الظواهر جميعها.. فأدرك وآمن بقوتها وتأثيرها على الطبيعة، وأدرك معتقدا  بأنها هي التي تسير العالم والحياة! وبان لها تأثير في حياته وفي عيشه وتواصلها. ولكنه في هذا كان مخطئ.  فالإنسان رغم كل محاولاته التفسيرية للرب والكون وحقيقة وجوده وابتداع التماثيل والأصنام ومختلف الآلهة من حيوانات ونار وغيرها،  وتنظيمه لطقوس دينية تتفق مع مفهومه للكون وتكوينه عبر مراحل تاريخية المختلفة، ألا انه توصل إلى استنتاج أكيد وثابت، وهو ان للإنسان أو الأصح للكون برمته خالق مبدع أبدع في خليقته وفي صنعه وفي خلق الكون وما فيه من طبيعة ودابة عليه ألا وهو الله خالق الكون والإنسان وصانع الحياة..

وقد ذكر الدكتور صاحب عبيد الفتلاوي في كتابه المعنون تحت عنوان (تاريخ القانون)،  بان العصور القديمة تميزت بالقوة لعدم وجود قواعد قانونية بالمعنى الحقيقي، فكان الإنسان أما يلجا للثار أو الانتقام كوسيلة وحيدة ورئيسية للوصول إلى حقه معتقدا بوجوده ووفقا لتصوره (الأخذ بالقوة)، ولكن بتطور الزمن تطورت العقيدة الدينية وتعددت بسبب تعدد الديانات، وظهرت طبقات رجال الدين وبدا الإنسان بالشعور بحقوق الآخر، فكان الناس يتحكمون إلى رجال الدين في منازعاتهم إدراكا منهم للفوضى المترتبة عن اخذ حقوقهم بالقوة أو عن طريق الانتقام، كونهم لاحظوا ان مضار الالتجاء إلى القوة أكثر من فوائده..

لهذا التجأ الناس إلى الكاهن لأنه امتاز بنظرهم بقدرته على الاتصال بالآلهة والتعرف على مشيئتهم وأرادتهم وتلقي أحكامهم، فإذا نطق بالحكم فانه يعبر عن أرادة الآلهة، وجميعنا يعلم بان الآلهة المعبودين قديما متعددين ومختلفين، فمنهم أسلاف الأسرة، والهة الجماعة والهة المدينة، والأصنام والتماثيل، ومنها ظواهر طبيعية التي كان كل منها موكولا إلى اله خاص، يجري بأمره ، كالقمر والشمس والأرض والسماء والرياح والأمطار والعواصف والزلازل، وقد امتدت فكرة التالية إلى الظواهر المعنوية كالحكمة والجمال والحب والعدالة والقوة والمعرفة …

 ولكن  الديانات الأكثر شيوعا والتي لازالت لحد ألان وأثبتت وجودها وترسخت هي الديانات السماوية  المرتبة تصاعديا من حيث التنشئة إلى: اليهودية والمسيحية والإسلام. يضاف إليها أيضا الصابئة المندائيين، لان مؤسسي هذه الديانات جميعهم من نسل إبراهيم (عليه السلام).. وتتشابه هذه الديانات من حيث المصدر الموحي به وهي السماء، وبان الله هو خالق كل المخلوقات والموجودات..  فاليهودية، تعتبر من أول وأقدم الديانات التوحيدية الثلاث يبلغ عددهم 19 مليون نسمة، وهي ديانة و طريقة حياة الشعب اليهودي، وتستمد شرائعها وعقيدتها الأساسية  من التوارة (أول الأسفار الخمسة من الكتاب المقدس)، واهم تعاليم وعقيدة الديانة اليهودية هي الإيمان بالله الواحد. أما المندائيين فهم أيضا من أقدم الديانات الموحدة التي كانت منتشرة قبل المسيحية ولا زالت لحد الآن، تدعو المندائية إلى الإيمان بالله ويسمى الحي العظيم أو الحي الأزلي حيث جاء في كتابهم (كنزا ربا ــ الكنز العظيم) ان الحي (الله) انبعث من ذاته وبأمره تكونت جميع المخلوقات والموجودات..

بينما المسيحية هي من أكثر الديانات أتباعا في العالم، حيث يبلغ أتباعها 2.1 بليون مسيحي، وجذورها تأتي من اليهودية التي تشترك في الكتاب المقدس ( العهد القديم أو التوارة)، والكتاب المقدس الأساسي للمسيحية هو (الإنجيل أو العهد الجديد).. أما الإسلام فهو ثاني اكبر الديانات أتباعا في العالم حيث يبلغ إتباعهم 1.3 بليون نسمة، ومعنى كلمة الإسلام هي الاستسلام لله في كل شؤون الحياة، ومن أسس العقيدة الإسلامية،  الإيمان بوجود اله واحد هو الله، والقرآن الكريم الذي هو مصدر التشريع الإسلامي الأول، وسُنة النبي هي المصدر الثاني لتشريع الإسلام. (نتمنى مراجعة الرابط أدناه، الذي هو موقع ملئ بالإحصائيات عن اكبر الديانات وأعظم المذاهب انتشارا في العالم)  أذن نقاط التوافق بين الديانات الثلاث هو بان مصدر هذه الرسالات الثلاث هي الله ووحدانيته وتدعو إلى الإيمان به، وكل واحدة مرتبطة بالأخرى وتكملها من حيث وجود طقوس تمارس في كل ديانة تكون موجودة في ديانة أخرى دون أخرى أي تمارس في ديانة وأخرى لا تمارسها أو بالعكس، كالصلاة التي هي مشتركة في الجميع، والصوم والتعميد والصدقة .

أذن أن الاطلاع على أصول وأهمية ديانات العالم وفكرة الخالق أمر ضروري، وعامل حي وفعال في مواكبة مسيرة  حياة الإنسان، وإدراكه بقيمة وميزة كل دين وعقيدة ومذهب وعبادة، وأهميته للذين يتبعونه ويؤمنون به، وإذا تعمقنا ودخلنا في عمق التاريخ أدركنا أهمية هذه الديانات للبشرية وسبب مجيئها.. أذن من حق أي إنسان أن يؤمن بما يشاء فلكل واحد حرية الرأي والتعبير والإنسان مخير وليس مسير، وهذا ما نصت عليه القوانين، وأكدها الفيلسوف ستيوارت ميل بقوله:” أذا كان البشر يمتلكون رأيا واحدا وكان هنالك شخص واحد فقط بينهم له رأي مخالف، فان إسكات هذا الشخص الوحيد لا يختلف عن قيامه بإسكات كل بني البشر أذا توفرت له القوة لذلك”.. .

وأي ديانة بالتالي فأنها تكتسب قيمتها من الإنسان نفسه لأنها وجدت له وهي بالتالي موجه إليه. فالأديان تشترك في ميزة واحدة وهدف واحد وهي الله، الذي كرم الإنسان من دون كل المخلوقات وميزه وفضله على كافة الموجودات الدابة على الأرض، بان خلقه على صورته ومثاله، ومنحه حرية الاختيار والإرادة في ان يسير وفق القانون الإلهي والأخلاق السماوية التي تؤدي به إلى الكمال والسمو وليس حسب قانون البشر الأرضي الزائل أو المتغير بين الحين والأخر ، فالإنسان وجد ليكمل مسيرة وجوده  منذ وجد على الأرض منذ أيام أبينا ادم (عليه السلام) لحد يومنا هذا، أذن علينا ان نبتعد عن التركيز على ديانة معينة على حساب أخرى، لان هذا يولد التعصب الديني والكراهية والتطرف والتي بالتالي تولد الإرهاب والعداوة بين الأديان، وهذا الذي بالفعل يعاني منه إنساننا اليوم، وهذا ما يحدث في بلدنا ويعاني منه الكثير والتي تكون ضحاياه أكثر بسبب التعصب والقومية والطائفية والمذهب، فنحن لسنا في العصور القديمة عصر القوة والثار والانتقام بأي وسيلة وبدون رادع أي مبدأ اخذ الحق بالقوة دون أي اعتبارات أو حساب لقيمة الإنسان والآخر  ..

http://www.adherents.com/

lenahirmiz@ymail.com

2010/6/22

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *