اقتراح / مشروع استفتاء عام

في تاريخ الشعوب والامم وعبر تاريخ الانسانية الطويل تحضر هناك فرص وحقبات مصيرية تتطلب من  امة معينة او شعب ان ياخذ القرار المصيري والحاسم من اجل مستقبله ومستقبل اجياله القادمة وهذه مسؤولية مهمة وتاريخية تقع على عاتق ابناء تلك الامة وابنائها المخلصين , وذلك من اجل ان لا تضيع الفرصة لاتخاذ القرار التاريخي الحاسم والذي من الممكن ان يلعب دورا اساسيا في تحديد الاتجاه والمسار  الذي تسلكه تلك الامة او الشعب  لاجيال بل لقرون قادمة  .

التاريخ الانساني الطويل اعطى لنا امثلة عديدة ولا تحصى  وناصعة ايجابية كانت ام سلبية غيرت مسار حياة امم بهذا الشكل او ذاك  ولقرون تلت , خذ على سبيل المثال الثورة الفرنسية  التي اندلعت في نهاية القرن الثامن عشر على اثر المعاناة وانتشار الفساد الاداري والسياسي ووصوله الى درجة من الخطورة فبالاضافة الى الفساد الذي كان قد استشر في الكنيسة انذاك ومشاركة بعض رجال الدين مع السلطة المطلقة الحاكمة في قهر واستعباد العامة من ابناء الشعب المسحوقين , فقد عانى الشعب الفرنسي ما عاناه من حرمان وفقر مدقع في الوقت الذي كانت الطبقة الحاكمة ومن ضمنها طبقة رجال الدين تنعم بالحياة المترفة ومنغمسة في ملذات الحياة وجمع المال ناسية ومتناسية واجباتها تجاه رعيتها الدينية والدنيوية, كان ذلك  سببا اساسيا ومهما وايذانا ببدأ التحرك من قبل ابناء العامة من المسحوقين والمهمشين لان ياخذوا زمام الامور بايديهم ويعلنوا ((الجهاد المقدس)) ضد الفاسدين من رجال الكنيسة والطبقة الحاكمة . كان هذا مثال ايجابي يظهر المعاناة للشعب الفرنسي في تلك الحقبة من التاريخ وقراره التاريخي نحو التحرك والتغيير لازاحة الفاسدين من رجال الدين والسياسة وبالتالي ازالتهم من موقع القرار السياسي والكنسي بالنسبة للامة الفرنسية .

وعلى العكس من ذلك هناك مثال اخر سلبي في هذه الحالة تم على اثره وللاسف الشديد انقسام كبير في وحدة الكنيسة , وهو قرار الملك الانكليزي هنري الثامن في القرن الخامس عشر بالانفصال عن الكنيسة الكاثوليكية  لسبب شخصي بحت ولا علاقة له بمصلحة الشعب او الامة الانكليزية البتة , كانت فقط  لرغبته بالطلاق من زوجته الاولى الملكة كاثرين  والزواج من احدى نبيلات البلاط الملكي( ان بولين) والتي كان مغرما بها  , ولان الكنيسة الكاثوليكية لا تسمح بالطلاق الا لاسباب محددة  لسنا بصدد الدخول  في تفاصيلها الان,  فقرر الملك هنري الثامن ان ياخذ الامور بيده ويعلن انفصال الكنيسة الانكليزية من الكنيسة الام وينصب نفسه رئيسا لها , ونتائجها  لا زالت الى يومنا هذا . وهي معروفة لدى معظمنا .

القصد من سرد هذين المثالين هو ليس الدخول بالتفاصيل التاريخية للامم الاخرى , لان ما يعنيني هنا هو حالة امتي والمصير الذي الت اليه لاسباب عديدة  ومعروفة للقاصي والداني منها محلية ومنها اقليمية    ومنها ذات شأن داخلي . فالظروف والاسباب التي تحيط بشعبنا وامتنا نعرفها جميعا وبالتالي يسهل علينا تشخيصها واتخاذ الحيطة والحذر منها والتي في الحقيقة تاتي من ضمن الوضع العام الذي يعيشه ويمر به بلدنا العراق بشكل خاص ومنطقة الشرق الاوسط والعالم بشكل عام  وبالتالي فنحن جزءا من مرحلة عصيبة يمر بها العالم , مرحلة يتصاعد فيها التزمت والتطرف الديني والاثني في المنطقة وفي نفس الوقت التراجع والتدني في الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لدى المجتمعات الشرق اوسطية بشكل خاص وفي هذه الحالة يكون الضحية دائما الفئات الاقل عددا والمستضعفة سياسيا  في الشرق الاوسط ودول العالم الثالث بشكل عام  .

ما يهمني هنا هو الاسباب الذاتية والداخلية  التي ادت ولا زالت تؤدي الى هذا التراجع والتشتت الذي تعاني منه امتنا  سمها ما شئت ( الاشورية /الكلدانية/السريانية ….الخ) , كما قلت في اكثر من مقالة سابقة لي ان الخطر الاكبر على وجودنا ليس فقط من التهديد الاتي من المحيط حولنا على خطورته واهميته بل الخطر الاكبر هو الاتي من بين صفوفنا,  من بين فئات مجتمعنا ,وعلى وجه الخصوص  من الفيروسات السلبية والفاسدة التي نمت وتكاثرت فيما بيننا  للاسف الشديد والتي بالتالي تنخر في لحمة شعبنا وصرح امتنا , لا نستغرب ان نجد ان هذه الحالة من التشتت والعدائية بين فئات مجتمعنا المسيحي تنال الدفع والتشجيع من قبل جهات متنفذة وفي مواقع مهمة سواءا في الكنيسة او في المواقع السياسية وحتى وللاسف الشديد لدى بعض كتابنا ومثقفينا .

لذا فاني ارى ان الواجب علينا جميعا وخاصة المهتمين بشان شعبنا وامتنا ان نشخص هذه الفيروسات والامراض السلبية القاتلة المبتلية بها امتنا من اجل تركيز كل الجهود والعمل للتخلص منها , مبتعدين عن المهاترات والتناحر الذي لا نجني منه غير الدمار والتشتت والضياع.

دعوني ان اركز في هذه المقالة  على احدى  تلك الفيروسات والامراض الا وهي الفساد الاداري والمالي والاجتماعي وبالتالي التراجع ان لم يكن الغياب الكامل للايمان المسيحي الحقيقي لدى العديد من رجالات الكنيسة , خاصة القياديين منهم ( كنائسنا بجميع مذاهبها وطوائفها) , وهناك حالات عديدة وامثلة وممارسات لهذا الفساد لست في صدد تشخيصها بالاسماء على الاقل في المرحلة الحالية , منها وبشكل خاص استغلال الموقع الديني للاغراض الشخصية والارتزاق وتكديس الاموال والجاه , تاركين امور الكنيسة والدين وبالتالي الرعية مهملة لا راعي روحي وديني لها بل الادهى من ذلك  زرع روح التفرقة والعدائية بين اتباع كنائسنا وطوائفنا . حقيقة ان رائحة هذا الفساد بدأت تزكم الانوف.

……….(We have been taken for granted )

هذه جملة او مثل بالانكليزية تقال لوصف حالة من الخضوع والتاييد الاعمى لفئة معينة في اي مجتمع لفئة حاكمة او متسلطة او حتى بين الافراد  وفي هذه الحالة تنطبق على  العلاقة بين طبقة قادة كنائسنا ومعناها ان طاعتنا وتأييدنا لهم مفروغ منه ومطلق .

اعتقد بل انني اؤمن انه ان الاوان لنا ابناء هذه الامة المخلصين جميعا ان نقول باعلى صوتنا لرجال كنائسنا الفاسدين …. كفى …. وان نقول لهم نحن كذلك لسنا بحاجة اليكم  وسنرى ذا ما وحدت الامة كلمتها ماذا سيكون مصيركم , عاملين بمبدأ(( ان لا راعي بدون رعية)) اي بدون شعب وامة , فالسؤال يطرح نفسه ما حاجتنا  لمثل هؤلاء الاشخاص الذين يعتاشون ويرتزقون وهم  عالة وحمل ثقيل وغير مرغوب فيه علينا وعلى كنيستنا العريقة المقدسة ؟؟

من هذا المنطلق اود هنا ان اطرح على جميع الاخوة والاخوات من ابناء امتي ومن جميع طوائفها وكنائسها وعلى الاخص الفئة المثقفة منها , اطرح فكرة مشروع استفتاء عام  على شرعية وجود مثل هؤلاء (رجال الدين) المتهمين بالفساد الاداري والمالي والاجتماعي والذين بالضرورة يصنفون في مقدمة الاسباب الرئيسية في تشتت واضمحلال الامة , حيث يحلو لهم ان يدعون ويطلقون على انفسهم ((رعاة الكنيسة ورجال الدين) . انا واثق ومتاكد انه سيكون هناك الكثيرين من ابناء امتي المخلصين والغيورين من سيؤيد هذه الفكرة , ولكن من الطبيعي ان يكون هناك في نفس الوقت من يبادر الى رفضها وبل حتى التهجم ورشقي بالحجارة ونعتي بالخروج عن المالوف او او او … , وجوابي لهم الم تكن هكذا الحال في التاريخ الانساني مع كل فكرة جديدة او اكتشاف او حتى دعوة انسانية , حيث يرجم صاحبها بالحجارة ؟؟؟

 

الاستفتاء يكون على قسمين

اجراء استفتاء عام يدعى للمشاركة به اكبر عدد ممكن من ابناء شعبنا المسيحي في الداخل العراقي

والخارج , يطرح فيه السؤال عن :-

1- مدى قناعة ابناء الشعب والرعية باحقية ومشروعية رجال الدين الموجودين  والقيمين حاليا  على كنيستنا بجميع طوائفها ومذاهبها , وعلى مدى قناعة وتاييد ابناء هذا الشعب وهذه الكنيسة بشرعية وصدق ونزاهة هؤلاء , وهل يؤيد بالتالي على استمرار هؤلاء (المسؤولين) في البقاء في المواقع التي يحتلونها ام يصار الى مسائلتهم وبالتالي ازاحتهم عن مواقعهم اذا ثبت جرمهم .

2- مقترح لتشكيل (( مجلس ملي)) , هذا المجلس يمثل فيه اعضاء من جميع الطوائف والكنائس لامتنا من العلمانيين ورجال الدين المعروفين بتقيهم ونزاهتهم وحبهم للتقارب ووحدة شعبنا وامتنا , ويكون من واجبات هذا المجلس ادارة املاك الكنيسة واموالها بشفافية كاملة وتقديم كشوفاتها  الى الشعب سنويا للاطلاع عليها باعتبارها في نهاية المطاف ملكا له وليست ملكا او حكرا لهذا المطران او ذاك البطريرك , وانه ليس له الحق لاي كان مهما علا شأنه ان يتصرف باملاك الكنيسة او اموالها كانها حكرا له ولعائلته بدون موافقة هذا المجلس ( مجلس الملة ) .

الاخوة والاخوات الكرام  يا ابناء شعبي وامتي ,

هذه مقترحات اطرحها عليكم وبكل تواضع وذلك من منطلق حرصي وحبي لشعبي وامتي والحضارة العريقة التي نحن ورثتها وبالتالي دين على اعناقنا استمراريتها وديمومتها ومن باب القناعة ان البحر يبدأ بنقطة , اني ارى ان وضع امتنا وكنائسها وصلت الى حالة يرثى لها من التشتت والانحلال والضياع وعلى جميع الاصعدة في الوقت الذي نرى القادة الروحانيين لا يحركون ساكن لانقاذ الكنيسة (الكنائس) التي كانت دائما وعبر التاريخ الملجأ الاخير الذي كان يلجأ اليه ابنائها في اوقات المحن والشدائد , اقول يكفي بأن نقنع انفسنا بان الاوضاع ستتحسن وتسير نحو الافضل او في اسهل الاحوال نلعب لعبة النعامة  ونغمض اعيننا ونتظاهر كان كل شئ بخير  لان التغيير والتطور لا يمكن ان يحصل اذا لم ناخذ زمام الامور بايدينا , اذا لم يحصل هناك تغيير جذري وايجابي في مسار الامة بدءا بكنائسنا والقيمين عليها  لانني اؤكد واعتقد بانه  يتفق معي الكثيرين ان غالبية قادة كنائسنا الحالين غير مؤهلين وغير صالحين لان يكونوا بهذه المواقع, فبكل بساطة وعملا بمبدأ لا مستحيل في القانون ….. لماذا لا يتم ازاحتهم ؟؟؟؟

انا اعطي لنفسي الحق وكل الحق كفرد من ابناء هذه الامة وهذه الكنيسة (كما هو الحق للاخرين) من ان ارفع صوتي واتكلم واحتج وادعو الاخرين من ابناء امتي وكنيستي (كنائسنا) لان نرفع صوتنا جميعا وبدون وجل او تردد او خوف ونقول لهؤلاء المرابين والمخربين ان يرحلوا ويتركوا شعبنا وكنيستنا بسلام لان الساكت عن الحق شيطان اخرس , وخير ما فعل ربنا وسيدنا يسوع المسيح عليه السلام عندما حضر الى هيكل اوريشلم وشاهد ما شاهد من افعال  وتصرفات كهنة ذلك الزمن من  امثال بعض  كهنتنا اليوم حين طردهم شر طردة .

اتطلع الى اراء وتعليقات الاخوة والاخوات الكتاب والناشطين والمهتمين بالشأن القومي والكنسي لشعبنا وامتنا , املا ان يلقى مقترحي هذا قبولا واستحسانا لدي ابناء امتي من اجل خير كنيستنا العريقة وامتنا .

واذا حصلت قناعة وتاييد كبير عندها من الممكن الطلب والاستعانة باحد المواقع التابعة لشعبنا والواسعة الانتشار كموقع عنكاوة مثلا لما له من حضور واسع ومهم ومتابعين في كل انحاء العالم ,عندها نطلب من هذا الموقع الموقر والرصين ان يجري مثل هذا الاستفتاء .

لكم جميعا احترامي وتقديري

عمانوئيل تومي

فنان وناشط سياسي

13/06/2010

           elias.tomi@hotmail.com          

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *