اضطهاد الكلدان والسريان بشقّيهم قبل مئة عام / الحلقة الثامنة

 

نواصل كما وعدنا القراء الكرام سردَ ما دوَّنه ماراسرائيل اودو مطران الكلدان في ماردين في كتابه حول اضطهاد المُواطنين المسيحيين من قبل الدولة العثمانية الباغية، وننقل ذلك بتصرُّفٍ صياغي كعادتنا دون المساس بالمضمون. ففي ( الصفحات 112 – 121) يروي مار اودو قائلاً:

بسبب انهماكِ السفاحين القتلة بسبي النساء المسيحيات وقتل الأخريات، أجَّلوا قتل العديد من رجال الأرمن الماردينيين المُحتجزين لديهم، بالإضافة الى عدد آخر منهم ظلّوا مختبئين في دورهم ومنهم: كريكور انفياهجي الآمدي، كان مؤمناً كاثوليكياً صالحاً تقياً وفي ذات الوقت ثرياً. وبسبب ما عاناه من سجانيه استحوذ عليه الخوف فداهمه المرض وهو في السجن. ولم يكن حال التاجر سليم حيلو بأفضل من كريكور، حيث كانا كلاهما ضحية جشع السجانين الطامعين بمالهما. تعرَّضَ سليم للتنكيل الشديد محتملاً أنواعاً قاسية من التعذيب زهاء أكثر من شهرين، حتى اقتنع القتلة بنفاذ أمواله وأموال بقية الأثرياء المسجونين معه بسبب استنزافهم إياها.

في صبيحة يوم عيد الأضحى الذي صادف في 27/10/1915م أخرج القتلة سليم من السجن وكريكور من داره، وإذ لم تقوَ لوسيا إبنة ميخائيل الأزميري الكلدني من أهالي آمد زوجة كريكور على فراق زوجها، فلحقت به غير مبالية بالتحذيرات والتطمينات التي أبداها القتلة بأن تعدل عن اللحاق بزوجها، مُطمئنين إياها بأنَّ الإضطهاد والقتل لا يشمل الكلدان، لكنها لم تأبه لتهديداتهم حيث قالت لهم، بأنها ستُرافق زوجها في حالتي الحياة والممات، فتركت دارها وطفليها وهي هائجة كمَن فقدت رشدها. وأخذت تجري مع القتلة ماسكة بيد زوجها، ولما بلغ الموكب الى الموضع المقرَّر لذبح الرجلَين الواقع في الجانب الغربي للمدينة، حاول القتلة تفريق زوجة كريكور عنه، وإذ لم يُفلحوا ذبحوهما معاً مع سليم، وقرَّبوهم ضحية في عيدهم عيد الأضحى. هذا ما قاله القتلة انفسهم الذين ينتمون الى عشيرة  المشكاويين. الى هذا الحد بلغ الحقد والهيستيريا بهؤلاء الإسلاميين المتزمتين أن يقربوا بشراً ضحايا لدينهم الوثني ! ( وهنا تمَّ قول المسيح الرب في (يوحنا 16: 2) < سيفصلونكم من المجامع، بل تأتي ساعة يظن فيها كُلُّ مَن يقتلكم أنَّه يؤدي عبادة لله > وبعد ذبح ثلاثتهم قرب مدخل للمغارة، القوا جثثهم فيها. عاد السفاحون مبهوتين وبالعجب مأخوذين مُقرّين بقوة الدين المسيحي الذي في سبيله يستخف مُعتنقوه بالموت! كان لكريكور وزوجته لوسيا طفل بعمر ثمان سنوات وطفلة بعمر لا يتعدّى العشرة أعوام، بعد استشهاد والديهما، أخذهما خادم الدار عبد اللطيف الى منزله واهتم برعايتهما لمدة شهرين، ثمَّ أرسلهما الى أقاربهما في آمد. ويضيف مار اودو بأنَّه دفع لعبد اللطيف من ماله الخاص كُلَّ المصاريف التي انفقها لهذين الطفلين. وإنَّ قصة استشهاد هؤلاء الشهداء الثلاثة كتبها نقلاً عن لسان القتلة أنفسهم.

قصة القس يوسف تفنكجي

ذكرنا في الحلقة الرابعة من هذه الحلقات بأن العديد من المسيحيين كانوا قد هربوا الى جبل سنجار، وبعد هدوءٍ نسبي للإضطهاد عادوا الى دورهم، ومن جملة العائدين كان القس يوسف بن الشماس حنا تفنكجي المارديني الأصل. إنَّه أحد خريجي معهد مار يوحنا الحبيب الكهنوتي في الموصل التابع للآباء الدومنيكان، كان قد عبر العقد الثالث من عُمره حين اضطرَّ للهرب، والسبب لذلك هو قبوله ودائع عدد من النسوة الأرمنيات اللائي كُنَّ على وشك الترحيل، فوقف على الأمر بعض الطامعين بأموال المُضطهَدين، وراحوا يُشدِّدون الرقابة عليه ويُسببون له الكثير من المضايقات، متحيِّنين الفرص لإنتزاع تلك الودائع التي كانت بحوزته ممّا جعله في حيرةٍ من امره، وشعر بالخوف على حياته، إذ لو ضُبِط عليه متستِّراً على اموال الأرمن لكان عقابُه القتل. فاعتقد بأن لا نجاة له إلا بالهرب، وعليه فعمد للهرب الى جبل سنجار في 15 / 10 1915م مع هاربين آخرين. وفي الطريق تعرَّض لسلب نقوده وأمتعته من قبل قطاع الطرق، إلا أنَّه استطاع أن ينفذ بجلده ووصل الى جبل سنجار بسلام، وانضم للحال الى الجماعة الهاربة البالغ عددُها وقتذاك المائتي نسمة، فقام بتقديم الخدمات الروحية لهم بكُلِّ هِمَّةٍ ونشاط وغيرةٍ رسولية الى جانب إقامته القداديس والصلوات.

وحدث أن انتشر بين الهاربين وباءُ الرعشة، وهذا لم يُقلِّل من همة القس يوسف في تقديم الخدمة لهم، بل ضاعف اهتمامَه بهم دون تأفُّفٍ او تلكؤ، بل احتضنهم بحنوٍّ مُساعداً المُستغيثين به ومُعزِّياً المتضايقين منهم. ثابر على ذلك مدة سنة واحدة، تحت حماية الشيخ “حمو شرو” اليزيدي الشهم الذي تحدثنا عنه في الحلقة الرابعة، كان رجلاً صالحاً محباً للمسيحيين ولم يبخل بتوفير الحماية لهم. وعاد القس يوسف الى ماردين بسلام ، وأقام فيها مؤدياً خدماته الكهنوتية لمدة سنة وثلاثة أشهر.

القس يوسف تفنكجي يُسجن للمرة الأولى

في شهر كانون الثاني لعام 1917م وصلت رسائل الى القس يوسف من بعض الأرمن الملتجئين في جبل سنجار، مكتوبة باللغة الأرمنية، ومن تلك الرسائل موجهة واحدة منها إليه، يطلب مُرسلها من القس يوسف، أن يُرسل تلك الرسائل لذويهم المقيمين في الرُّها وحلب. وبالصدفة كان ثلاثة رجال من الرّها موجودين في ماردين في ذلك الوقت، وكانوا على وشك العودة الى مدينتهم، فكلَّفهم القس يوسف أن يأخذوا تلك الرسائل معهم ويوصلوها لأصحابها. وافقوا وأخذوها ووضعوها في حقيبة كانت معهم، ثم ذهبوا وباتوا في الفندق. ولدى مغادرتهم الفندق نسوا الحقيبة فيه. وبعد رحيلهم صادف أن الشرطة داهمت الفندق لغرض التفتيش، فعثروا على تلك الحقيبة. فلما أُبلِغوا بأنَّ الحقيبة تعود لرهاويين كانوا نازلين في الفندق، فتحوها فعثروا على تلك الرسائل في داخلها، ومن ضمنها رسالة باللغة العربية مُرسلة الى ميخائيل جنانجي المقيم في حلب. كانت هذه الرسالة خطيرة، تناولها شخص صديق من بين الرسائل الأخرى الموضوعة على الطاولة وخبّأها لئلا تُثير سخط الشعب، وكان هذا العمل مدعاةً لإبعاد الشك عن القس يوسف، وبلا شك بأن الذي جرى كان بتدبير الهي! إذ إنَّ الرسالة كانت تحمل توقيع القس يوسف، وفيها يُطلعه على مقدار المبالغ التي أقرضه أثناء سبي زوجتي شقيقيه نعوم وجرجس اللتين نالتا اكلبلي الشهادة ضمن المجموعة النسائية الأولى ويطلب منه أن يُرسل له جزءاً من ذلك الدين لأنه في حاجةٍ ماسة الى المال. بالإضافة الى تنديده بقساوة حكام الدولة العثمانية الجُدُد العتاة التي تجلَّت في ترحيل وإذلال المسيحيين وفتلهم بأساليب عنفية بربرية لا يُقدِم على ارتكابها حتى الوحوش، لمجرَّد أنَّهم يدينون بالمسيحية لا غير! ولدى تقديم الرسائل الى مدير الشرطة الذي يُعرَف بـ”القوميسير” أوعز في الحال الى مُساعده وإثنَين من العسكر، بالإتيان بالكاهن والرجال الرهاويين الثلاثة، وما إنْ جيء بهم في 19 / 1 / 1917م حتى زُجّوا في السجن، وظلوا قابعين فيه لمدة 53 يوماً، ثمَّ نُقلوا في 14/3/ 1917م الى سجن آمد ليُحاكموا فيها. ومن جرّاء القهر والعذات داهم المرض إثنين من الرهاويين أودى بحياتهم! أما ثالثهم فبعد مرور ثلاثة أشهر من موت رفيقيه، أخلت المحكمة سبيله لبراءَته. وبقي القس يوسف في السجن يُعاني شتى أنواع العذاب والكثير من المضايقات، أثَّرت في تدهور صحته، مَثُل أمام المحكمة العسكرية مراراً عديدة، وفي الآخر حُكِم عليه بالإعدام بتاريخ 16/6/1917م مع حق تمييز قرار الحكم. وافق له وزير العدل رضوان بيك البغدادي بحق التمييز إكراماً للصداقة التي تربطه بمار سليمان صباغ مطران آمد، حيث لم يألُ المطران جهداً في إنقاذ القس يوسف تفنكجي من الموت. أبلغت محكمة عسكرية  في اسطنبول القس يوسف للمثول أمامها يوم 15/8/1917م للمرافعة، فحضر في اليوم المحدَّد الذي كان يوم عيد انتقال مريم العذراء الى السماء، وتمَّ استجوابُه للمرة الأخيرة، وأعيد الى السجن انتظاراً لصدور قرار الحكم. وفي 11/11/1917م صدر قرار المحكمة ببراءَتِه وإطلاق سراحه على الفور. فرجع الى ماردين، وشرع بمواصلة خدمته الكهنوتية حتى ربيع عام 1918م.

القس يوسف تفنكجي يُسجن للمرة الثانية

ساءَت أحوال القس يوسف تفنكجي من جراء تعرُّضه للسجن كما تقدم ذِكرُه، بالإضافة الى تضاعف الغلاء بسبب أوضاع التغييرالصعبة التي كانت تجري في أواخر العهد العثماني الطويل والمرير، وتناقص عدد المسيحيين بسبب تعرضهم الى أبشع اضطهاد أودى بحياة عددٍ كبير منهم فضلاً عن هروب كثيرين آخرين الى أماكن توفِّر لهم الأمان، فتقلَّصت  ايرادات الكنائس والكهنة بدرجةٍ فظيعة، وكان القس يوسف أحد هؤلاء الذين قسى الزمن عليهم، إذ لم يبق لديه شيء، فوقع في ضيقٍ وفقرٍ كبيرَين. ففكَّر في ايجاد مخرجٍ من محنته، فعنَّ له الذهاب الى حلب لعلَّه يجد وظيفة تعليمية في إحدى المدارس تُساعده على تدبير عيشه وتُبعِد الجوع عنه! فكتب للأب سيمون الدومنيكي المقيم في حلب، يشرح له فكرته، ويسأله إذا كان بوسعِه تأمين عملٍ له في إحدى المدارس في حلب، لكي عن طريقها يُدبِّر أمر عيشه ولو لفترةٍ من الزمن.

وصادف أثناء هذه الإتصالات أنَّ فتىً لا يتعدى عُمرُه الإثني عشر ربيعاً يُدعى بطرس معمار باشي، كان في حلب وينوي العودة الى ماردين، فقصد الذهاب الى الأب سيمون ليودِّعه، فانتهز الأب سيمون هذه الفرصة ليُرسل معه رسالة، ومِمّا جاء في الرسالة: انتصرت فرنسا أما المانيا فاندحرت. بلِّغ الأب تفنكجي بأن لا توجد أية فرصة عمل في حلب. و قد طلِب من الفتى بايصال الرسالة لمار جبرائيل تبوني. عند وصول الفتى بطرس معمار باشي درباسية، خضع للتفتيش كما تقضي الأوامر، فعثر المفتش في جيب الفتى على تلك الرسالة، فصودرت منه. وبورود اسم الأب يوسف تفنكجي ولو جانبياً في تلك الرسالة، فقد ادَى ذلك الى إلقاء القبض عليه ثانية، وعلى المطران جبرائيل تبوني، ومعهما ثلاثة أشخاص آخرين هم: سعيد سيدي، عبدالمسيح سفر، ومنصور جبوري بتهمة ايوائهم للفتى بطرس معمارباشي في دورهم ليس إلا. فاودع السجن جميعهم، إلا أنَّ الأشخاص الثلاثة تمَّ إخلاء سبيلِهم بكفالة بعد ثلاثة ايام من الإحتجاز وانتظارتبليغ من المحكمة العسكرية في آمد للحضور أمامها لمحاكمتهم، وبمتابعة الأمر من قبل بعض الأصدقاء والأشراف لم يتأخر التبليغ طويلاً، حيث ابلغوا في 17/6/1918م بقرار ترحيل جميع المشمولين بهذه القضية الى حلب، ليُحاكموا فيها لأنها مصدر صدور الرسالة، وما إن وصلوا حلب حتى اودعوا السجن. فظلَّ القس يوسف قابعاً في السجن لمدة شهرين وسبعة أيام، وفي 24/8/1918م أصدرت المحكمة حكماً ببراءَته وإطلاق سراحه. وللمرتين يفلت القس يوسف تفنكجي من قبضة المجرمين، وللحال توجَّهَ الى بيروت وأقام فيها مقدماً الخدمة للطائفة الكلدانية.

( بلغ عدد العوائل الكلدانية في لبنان حسب تقديرات الأب تفنكجي حوالي 450 عائلة سنة 1922. عين الأب يوسف تفنكجي كاهناً في بيروت التي وصلها في 27 كانون الثاني سنة 1927 وهو من مواليد ماردين 1885، رسم كاهناً في الموصل سنة 1907.  وهو أول من شيد كنيسة الكلدان في بيروت، على اسم القديسة تريزيا، وقد بدأ العمل ببنائها عام 1930م، وتكونت لجنة لجمع التبرعات مؤلفة من السادة: الدكتور حنا زبوني، نصري تمرز، وديع نعيم، ريمون عبوش، طوبيا عطار، بولس شوح . ا”بعد وفاة الخوري منصور قرياقوزا يوم عيد الميلاد لعام 1934م والذي كان قد وصل الى لبنان في 19 ايلول عام 1909م” عُيِّن القس يوسف تفنكجي وكيلاً بطريركياً في بيروت. في سنة 1936م  قام الأب تفنكجي باحصائيات للكلدان في لبنان وارسلها الى البطريركية وكانت كما يلي: بيروت 1225 نفساً، زحلة 160، حدث 20، جونيه 35، طرابلس 68، رياق وبعلبك 20 قرى أخرى 110. وفي عام 1937م رقي الى مرتبة الخوري. رقد بالرب في 23 تشرين الثاني 1950. ويُقال بأنَّه  في سنة 1970 رقد الخوري تفنكجي قرير العين. للأب تفنكجي كتاب بعنوان ( الكنيسة الكلدانية بين الأمس واليوم) باللغة الفرنسية / ط . 1913م، إنَّه أحد المصادر المُهمة رغم عدم  دقة بعض المعلومات الواردة فيه تاريخياً. )

أما المطران جبرائيل تبوني فقد ظلَّ في السجن فترة أطول من القس يوسف تفنكجي أي حتى نهاية شهر ايلول، إذ في 1 تشرين الأول 1918م أُعلِنت براءتُه، فأطلِقَ سراحُه بعد مُعاناة صعبة وضائقةٍ مالية مؤلمة.

الإستيلاء على كنيسة الكلدان وهدم اسوار ساحتها

في مستهلِّ عام 1916م شرع الألمانُ حلفاءُ العثمانيين بالقدوم الى البلاد، جالبين معهم الكثيرَمن العجلات والآليات المتنوعة، لغرض نقل التجهيزات العسكرية الى الموصل وبغداد. ولما كانت أزقة ماردين ضيِّقة ومتعرجة، فكانت تسبب عرقلة لمرور تلك العجلات، ولذلك أصدرت السلطات أمراً بتعريض الأزقة ولا سيما الزقاق المار في وسط المدينة. وتنفيذاً لهذا الأمر، فإنَّ الكثير من المنازل طالها الهدم، وشمل الهدم أسس المبنى المُلحق بكنيستنا المحاذية للشارع الذي بوسط المدينة حيث سُوِّيَت بالأرض، وبذلك صارت ساحة كنيستنا مفتوحة ومشاعة أمام العامة. وبعد سنتين هُدِمت لنا حوانيت أربعة والغرف المشيَّدة فوقها. وأخيراً في 16/1/1917م استولى الجيش على كنيستنا جاعلاً منها مخزناً لتجهيزاته، ولم يُبقِ منها لإقامتنا إلا الطابق الثاني، حيث جعلنا أحد أجنحته موضعاً للصلاة ولإقامة الذبيحة الإلهية. وبعد سنتين من استحواذ الجيش على كنيستنا ووضع الحرب العالمية الأولى أوزارها، وفي ذات اليوم أي 16/1/ 1919م وبناءً الى طلبنا المتكرِّر، لبَّى الجيش رقبتنا فترك كنيستنا بعد إفراغها من تجهيزاته التي كانت معبأة بها.

زيارة مفاجئة لمار بطرس عزيز لكنيستنا

وفي غمرة انشغالنا بتطهير الكنيسة وإعادة تكريسها، وشمس يوم الجمعة نهاية كانون الثاني 1919م كادت توشك على المغيب وإذا بسيادة مار بطرس عزيز مطران سلامس /ايران السامي الإحترام، يفاجئُنا بزيارة، يُرافقه خمسة كهنة وخمس نساءٍ وطفل واحد، لأنَّ أبرشيتي سلامس واورميا في ايران قد طالهما الدمار، وإن المطران وكهنته زُجّوا في السجن فقبعوا فيه لمدة ثلاثة أشهر. وبفضل طبيب ذي تأثير أُخليَ سبيلُهم، فهربوا ووصلوا الى آمد بحالةٍ يُرثى لها بسبب ما تكبدوه من صعوبة شديدة في طريق الهرب، بحيث أنَّ أجسامهم تشوَّهت بالأدران والقروح وقد التصقت بها ملابسهم الممزقة البالية، إلا أنَّ ما أظهره تجاههم مارسليمان صباغ مطران آمد من فرح في استقباله لهم، والإعتناء البالغ الذي أمر ببذله لراحتهم، خفَّفَ الكثير من تأثير بلواهم، فقد زوَّدهم بثيابٍ جديدة وواساهم بكلمات رقيقة، وامتدَّت استضافته لهم ثلاثة أشهر، ثمَّ ودَّعهم لدى توجههم الى مقرِّنا.

ونحن بدورنا كان فرحُنا في استقبالهم عظيماً، وشملتنا غبطة كبير بسلامة أخينا مار بطرس عزيز ومُرافقيه، وأوعزنا ببذل كُلِّ ما مِن شأنه أن يُريحهم جسديا ونفسياً، فأمضوا في ضيافتنا ثمانية عشر يوماً، ثمَّ غادروا مقرَّنا الى نصيبين يوم الثلاثاء الموافق 18/2/1919م ومنها الى الموصل. والى الحلقة التاسعة قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو

في21 / 7 / 2015

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *