استفتاء شمال العراق وحلم الأنفصال والحلول الموضوعية

ممارسة جزء من القيادة الكردية (مسعود البارزاني) على إجراء استفتاء وحلم الانفصال ضمن مساحة جغرافية في عراق 1921 ، في الخامس والعشرين من شهر ايلول الماضي عام 2017 ، الهدف منه إقامة دولة كردية مستقلة على أرض العراق الشمالية فقط ، وما يؤسف له الجيش العراقي لازال مستمراً ومتواصلاً في حربه الشرسة بالضد من داعش الاجرامي الدموي السافل ، بأعتقادنا لم يكن الوقت موفقاً لا داخلياً ولا أقليمياً ولا دولياً ، كون الأمم المتحدة رافضة للأستفتاء المعلن والمنفذ ، كما والأمم المتحدة والدول الأقليمية المحاذية للعراق (سوريا وتركيا وأيران)  ، ناهيك عن العراق الرافض وبقوة في جميع مؤسساته البرلمانية والرئاسية والتنفيذية وحتى القضائية للأستفتاء جملة وتفصيلا ، وجميع الدول العالمية اعلنت تضامنها مع العراق ناهيك عن تهديد سوريا وايران وتركيا بغلق الحدود مع شمال العراق ، كما وحتى هناك قوى سياسية كوردستانية رافضة بالوقت الحاضر للأستفتاء ، وخصوصاً حزب التغيير والقوى الأسلامية وقسم من قوى الأتحاد الوطني الكوردستاني الدكتور برهم صالح وهيرو ابراهيم أحمد نموذجاً.

مما خلق توقف تام لحركة النقل الجوي وغلق انبوب النفط  ومنع التصدير من شمال العراق ، وتعطيل التعامل التركي مع الحكومة المحلية في شمال العراق ، مع تطور كبير في العلاقة بين الحكومة التركية والحكومة العراقية في التعامل الأقتصادي والسياسي وخصوصاً تصدير النفط  ، أضافة الى موقف أيران الحدي والقوي في قرار حكومة شمال العراق ، أنها مصيبة كبيرة تعرض الشعب الكوردي وبقية المكونات المتعائشة معه وخصوصاً الكلدان والتركمان والآثوريين والسريان والأزيدية والشبك والكاكائيين هم جميعاً في وضع لا يحسد عليه (حيث المكونات أعلاه بأستثناء الكرد مصيرهم مجهول حتى بعد الأستفتاء ونجاحه والأستقلال ، والسبب ليس هنالك مواقف واضحة ومكتوبة من الناحية القانونية والدستورية بأحقاق حقوق هذه المكونات المظلومة بأستمرار).

حق تقرير المصير لجميع الشعوب صغيرها قبل كبيرها هو مضمون في المواثيق اللوائح الدولية والمجتمع الدولي عامة الى جانب هذا الحق، ولكن عن أية حقوق وتقرير المصير نتكلم ؟ الشعب الكوردي وبقية المكونات مغلوبة ومنزوعة الحقوق في ظل السلطات العراقية المتعاقبة الحالية منذ التغيير 2003 ولحد اللحظة بما فيهم العرب ، من فساد أداري ومالي وسرقة المال العام من قبل الحكومات الأسلامية السياسية المتعاقبة سنية وكردية وشيعية ، متحالفة على أساس هدر المال العراقي العام ، وجميعهم مشتركين ومتفقين لفوائدهم الذاتية والشخصية ، بعيداً عن بناء الوطن والأنسان العراقي ومن ضمنهم الشعب الكردي والمكونات الأصيلة من الكلدان والآثوريين والسريان والأرمن والتركمان كما والعرب بشقيهم.
وعليه الخطوة المتخذة والمنفذة في 25 أيلول عام 2017 لم تكن موفقة ولا خادمة للشعب الكردي قبل غيره ، وهي خطوة بأتجاه التأخر وفقدان القضية وضياعها تماماً على المدى البعيد والقصير ، وخطورتها تعم على الشعب الكردي خاصة والعراقي عامة ، كون العراق يمر بمرحلة معقدة وعسيرة للغاية لأنها تخدم معاداة الأنسان وحقوقه والفاشية المتربصة للنيل من العراق والعراقيين بما فيهم الأخوة الكرد.
ممارسة حكومة الأقليم في الأستحواذ على مناطق مختلف عليها وفق المادة 140 والتي سميت بالمتنازع عليها زوراً وبهتاناً ، كون الأرض العراقية التاريخية الواحدة لا يمكننا تسميتها بارض النزاع ، فمن دون الرجوع للحكومة المركزية وأقله التشاور معها أحترماً للوطن والشعب ، هي حالة سلبية ومدمرة لمختلف مكونات الشعب العراقي والوطن بالكامل ، وهذه حالة مقززة للنفس الموضوعية العقلانية المطلوبة في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة جداً.
وهنا لابد من حلول لأي مختلف أو حتى صراع قائم ، يتطلب من جميع مكونات الشعب العراقي ، الحيطة والحذر من مكائد المغرضين وأصحاب النوايا الخبيثة لقسم من الدول المتربصة للنيل بالدول والشعوب الضعيفة لأستغلالها ، فاول الحلول العملية لمعالجة الأزمة المستفحلة القائمة ، هي توحيد جهود القوى المدنية العلمانية الديمقراطية ، للأستعداد لخوض الأنتخابات القادمة للسيطرة على قرارات السلطتين التنفيذية والتشريعية ، بغية أنهاء وجود السلطة السياسية الدينية والمحاصصة الطائفية والقومية التي أثبتت فشلها الكامل لأكثر من 14 عاماً ، للخروج من المأزق المدمر للشعب والوطن على حد سواء.
وبعد ذلك يمكنها التفاهم والأنفتاح الى جميع مكونات الشعب العراقي ومعالجة الأمور بموضوعية ودقة تامة ، لمنع الصراع الدموي الممكن حدوثه وهو ليس مستبعداً أبداً من قبل الحكومتين المركز والأقليم ، فعليهما أحترام القانون والنظام والدستور المتفق عليه.

السلطة الكردية الحالية تتحمل قسط كبير من أخفاق السلطات العراقية المتعاقبة ، كونها تحالفت معها بأستمرار منذ 2003 وقبلها ولحد الآن ، تنفيذاً لمصالح القيادة الكردية الذاتية حيث هي مشاركة في أخفاق السلطات العراقية المتعاقبة ، كما أخفقت أدارة السلطة المحلية في الأقليم ، كونها لم تقدم الطموح الكردي وبقية المكونات المتعائشة معه في المجالات الخدمية والأجتماعية والسياسية في التطور الديمقراطي ، والتطور الأقتصادي الزراعي والصناعي والسياحي والتجاري والخ ، وهذه نقطتين أساسيتين في أخفاق قادة الكرد أنفسهم في أدارة الحكومتين من خلال مشاركتهم في حكومات المركز المتعاقبة ، وأستمراهم في أدارة الأقليم ، كون الأول مشاركتهم الفعية بالسلطات العراقية المتعاقبة كاملة لأربعة عشر عاماً.. وقيادتهم بأخفاق لأدارة السلطة في المنطقة الشمالية في الأقليم كذلك لستة وعشون عاماً ، ناهيك عن سيطرتهم الشبه التامة في المناطق المختلف عليها ( المتنازع عليها) ، كونهم لم يقدموا شيئاً لهذه المناطق أيضاً ، غير الدمار والخراب المضاف الذي أكمله داعش وماعش من جوع وعوز وفقر وأغتصاب وقتل وتغييب وهجر وتهجير داخلياً وخارجياً ، ومعاناة لا زالت مستمرة لم تنتهي مع دماء نازفة ودموع سالية لا تنتهي والخ.
على القيادة الكردية الأستفادة من تجربة الأتحاد السوفياتي السابق والدول الأشتراكية ، نتجية الأخفاق والدمار الذي حلً بشعبهم سببه حرق المراحل ، حيث محاولة بناء الأشتراكية دون مرورها بالنظام الرأسمالي كانت نتائجه مدمرة ومخيفة ، حيث عملهم وممارسات قياداتهم كانت منافية للنظرية الماركسية عبر مراحل التطور الأقتصادي والأجتماعي والسياسي للشعوب والأوطان معاً.
كان على القيادة الكوردية أستشارة المفكرين الوطنيين وأصحاب الشأن ، وحلفائهم السابقين والحاليين في دراسة الأمور ، بجدية موضوعية بعيداً عن المخاطر وصولاً الى الهدف المنشود في تحقيق الحلم الكوردي لبناء دولة مصانة وأمينة وآمنة حتى وأن طال الزمن ، مع مراعاة وضع الشعب الكردي في بقية دول الجوار في سوريا وأيران وتركيا ، ومحاولة دعمهم وأسنادهم لتحقيق أمانيهم المطلوبة.

حق تقرير المصير محسومة فكرياً وشعبياً ودولياً ، فأول من طرح حق الشعوب في تقرير مصيرها هو المفكر الكبير والقائد العظيم لثورة أكتوبر التاريخية عام 1917 فلاديمير لينين ، ومن ثم تبنت القانون الأنساني للشعوب ، الأمم المتحدة فأقرته عام 1948.
ولكن هل الوضع الداخلي في الأقليم كما وفي عموم العراق ، وفي الدول الأقليمية والعالمية مهيئة تماماً ، الى تحديد مسار الأستقلال أستاناداً للأستفتاء الحاصل في نهاية أيلول من العام الحالي؟ وما هي النتايج ؟؟ وماذا ستكون مستقبل المنطقة وفق الصراع الدائر؟ بما فيه التصعيد العسكري لدول الجوار العراقي من جهة وتصعيد السلطة العراقية من جهة أخرى؟ كما والتصعيد المستمر من قبل حكومة الأقليم نفسها بما فيه تحشيد القوات لغرض المواجهة العسكرية داخلياً وخارجياً..
يا ترى من هو الغالب في كل ما آلت اليه المنطقة وسوف تؤل من توتر مستمر لا يحمد عقباه؟ وما هي النتائج المترقبة والمترتبة على المستوى الشعبي العراقي عموماً؟ وهل الشعب العراقي بكامل مكوناته مهيء وله القدرة على تحمل وتقبل الصراع الدموي المحتمل ، بعيداً عن الحوار والتفاهم بموجب الدستور المتفق والمستفتى عليه عام 2005 من قبل الشعب العراقي ومن ضمنهم الكرد المتفقين معه وهم جزء من تدوينه؟
بصراحة نقولها للصديق أولاً في غياب العدو ، أننا نرى الوضع الداخلي الكردي الحالي غير مهيء للأنفصال والأستقلال عن العراق ، بسبب الصراع الداخلي القائم بين قواه السياسية والشعبية ، بالرغم من النتائج التي أضهرها الأستفتاء في 25 أيلول\2017 ، والذي لا تخلوا من السلبيات ديمقراطياً ، بسبب فقدان المراقبة الدولية والداخلية للقوى الشعبية من جهة ، كما ويفترض موافقة السلطة الأتحادية والحوار المستمر لللتفاهم معها قبل الأستفتاء من جهة أخرى ، وهذا ما ظهر جلياً موقف السلطة العراقية من خلال رفضها الكامل للأستفتاء جملة وتفصيلاً ، وفي حالة عدم الغائه ليس هناك حوار مع السلطة في أربيل ، وهذا المعطى والمنحى هو أزمة عراقية وطنية بين التجاذبين والتصعيدين من قبل السلطتين الأقليم والمركز ، وهي حالة مؤسفة حقاً لا تروق للعدو قبل الصديق.

 

حكمتنا:(في غياب الحوار والحوار ومن ثم الحوار ، ليست هناك نتائج أيجابية تخدم الشعوب).

منصور عجمايا

12\10\2017

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *