أهوار العراق‎ .. محمية طبيعية تواجه تبعات صراعات الماضي

 

كتابات

تنتظر «أهوار العراق» قبلة الحياة لتستعيد لقبها الشهير «جنات عدن» بعد فاصل طويل من الخراب ‏والدمار أصاب مناطقها المعروفة بكنوزها وثرائها البيولوجي، عندما تحولت أجزاء كثيرة من هذا ‏المكان فى تسعينيات القرن الماضى إلى أطلال على يد الرئيس العراقى السابق صدام حسين، الذى ‏نقل صراعاته السياسية إليها وصارت كتلة من الجحيم مضحياً بمساحات كبيرة منها أثناء مطاردة ‏الشيعة الهاربين من قبضته وقتذاك.‏

ومنذ أيام، كشفت صحيفة «ديلى تليجراف» البريطانية أن «أهوار العراق» استعادت أكثر من نصف ‏ما فقدته من حياتها، موضحة أن هذه البؤرة فازت بلقب «جنات عدن» باعتبارها المحمية الطبيعية ‏الأولى فى العراق ومن أبرز القطاعات الرطبة على مستوى الكرة الأرضية فضلاً عن أنها أكثر ‏مراكز التنوع الأحيائى فى العالم لما تحتويه أراضيها ومواقعها من أحياء مائية وبرية فريدة ونباتات ‏وطيور نادرة.‏

وأشاد الكاتب جيفرى ليون فى الصحيفة بقيمة ومكانة «أهوار العراق» مشيراً إلى أنه قبل أكثر من 5 ‏آلاف عام بدأ جزء كبير من الحياة الإنسانية الحديثة حول هذه المنطقة، حيث نشأت الزراعة وبدأت ‏تظهر مدن حديثة، وهذا ما يفسر عمق المشاعر المؤلمة عندما تتراجع مساحة الأهوار بنسبة 93%، ‏وانخفض عدد سكان المنطقة من مئات الآلاف إلى حوالى 20 ألف شخص فيما وصفه برنامج البيئة ‏التابع للأمم المتحدة بأنه «أسوأ كارثة بيئية فى القرن الماضى».‏

وأهوار العراق عبارة عن مناطق فى الجنوب عند ملتقى نهرى دجلة والفرات، وتشكل الحوض ‏الطبيعى لهما وروافدهما، وتكونت منذ آلاف السنين من تغذية هذين النهرين، وأهم هذه الأهوار ‏‏«الجبايش» التى تعد أكبر المناطق وتبلغ مساحتها نحو 600 كيلومتر مربع، بالإضافة إلى المسطحات ‏المائية المتصلة تقريبا ببعضها، وموزعة على محافظات البصرة وذى قار وميسان على أرض تزيد ‏مساحتها على 3 ملايين دونم.‏

وأمام كارثة بيئية كهذه، سرعان ما تحرك مؤسس إحدى المنظمات المهتمة بالبيئة فى العراق عزام ‏علوش، الحائز على جائزة جولدمان للبيئة، وحاولت المنظمة إعطاء «قبلة الحياة» لـ«الأهوار» لتتمكن ‏من استعادة أكثر من نصف المنطقة حالياً بعد أن أبدت وزارة البيئة العراقية منذ شهر تخوفها من ‏نزوح السكان عن الأهوار لما تواجهه من مخاطر طبيعية تهدد أمن واستقرار الأهالى، وتعيش ‏‏«الأهوار» على مدار سنوات حالة من البؤس تتجسد فى افتقار بعض القرى إلى المياه الصالحة ‏للشرب والكهرباء، بينما تحتوى مناطق أخرى على مقذوفات حربية وعنقودية من نفايات الحرب ‏والصراعات المسلحة مما دفع «البيئة» العراقية إلى مباشرة المسح التقنى لرفع الألغام بالتنسيق مع ‏شركات مختصة فى هذا المجال حفاظاً على ما تبقى من رصيد تراثى وطبيعى لهذا المكان الحيوى.‏

ودق ملف «الأهوار» ناقوس الخطر فى العراق، فبادرت الوزارة بتبنى استراتيجية وطنية لحماية ‏البيئة تتضمن آليات لعمل وإنشاء المحميات الطبيعية فى مختلف البيئات العراقية للحفاظ على التنوع ‏البيولوجى وحمايتها من التلوث أو انقراض بعض أنواعها مما قد يتسبب فى اختلال التوازن الطبيعى ‏للبيئة بعد سنوات من الإهمال وما صاحبها من سياسات خاطئة كلفت العراق خسائر فادحة من ثروته ‏الحيوانية والنباتية.‏

ويعيش سكان الأهوار فى جزر صغيرة طبيعية أو مصنعة، ويستخدمون نوعاً من الزوارق يسمى ‏بـ«المشحوف» فى تنقلهم وترحالهم، ولـ«الأهوار» تأثير إيجابى على البيئة انطلاقاً من كونها مصدراً ‏جيداً لتوفير الكثير من المواد الغذائية من الأسماك والطيور والمواد الزراعية التى تعتمد على وفرة ‏واستمرار المياه كالأرز وقصب السكر.‏

واكتسبت «الأهوار» قيمة تاريخية من واقع ما أشارت إليه الدراسات والبحوث التاريخية والأثرية إلى ‏أن هذه المنطقة هى المكان الذى ظهرت فيه ملامح السومريين وحضاراتهم وهو ما كشفت عنه الآثار ‏والنقوش السومرية المكتشفة.

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *