أقصاء اللغة الكلدانية

لم تكن المحاولات التي جرت منذ ما بعد عام 2003 لتقزيم دور الكلدان وتهميشهم من قِبل أخوة لهم في الدين (مع الأسف) وما تلاها من مشاريع جميعها تهدف الى ألغاء الأسم القومي للكلدان السكان الأصليين لهذا الوطن (العراق) والذين وُجِدوا فيه منذ ما بعد طوفان نوح كما هو مثبت في الكتاب المقدس، وأسسوا فيه أعظم الأمبراطوريات وكان ملوكهم وقادتهم من أشهر الملوك والقادة على الكرة الأرضية، وشرّعوا دساتير وقوانين لا تزال معظم القوانين في العصر الحديث تستند على بنودها وفقراتها، ونبغوا في نظريات رياضية وعلوم الفلك أبهرت علماء العصر الحديث، تلك النظريات والعلوم والقوانين التي لم تستطِع الأمم والشعوب التي عاصرتها من فهمها وأستيعابها لذلك أطلقوا عليهم صفة السَحَرة وعابدي النجوم في الوقت الذي أشاد بهم وبملوكهم الوحي في الكتاب المقدس كما جاء في سفر دانيال4: 34- 37. ويقول نصّها:

” 34. وَعِنْدَ انْتِهَاءِ الأَيَّامِ: أَنَا نَبُوخَذْنَصَّرُ رَفَعْتُ عَيْنَيَّ إِلَى السَّمَاءِ فَرَجَعَ إِلَيَّ عَقْلِي وَبَارَكْتُ الْعَلِيَّ وَسَبَّحْتُ وَحَمَدْتُ الْحَيَّ إِلَى الأَبَدِ الَّذِي سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ وَمَلَكُوتُهُ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ.35. وَحُسِبَتْ جَمِيعُ سُكَّانِ الأَرْضِ كَلاَ شَيْءَ وَهُوَ يَفْعَلُ كَمَا يَشَاءُ فِي جُنْدِ السَّمَاءِ وَسُكَّانِ الأَرْضِ وَلاَ يُوجَدُ مَنْ يَمْنَعُ يَدَهُ أَوْ يَقُولُ لَهُ: مَاذَا تَفْعَلُ؟36. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ رَجَعَ إِلَيَّ عَقْلِي وَعَادَ إِلَيَّ جَلاَلُ مَمْلَكَتِي وَمَجْدِي وَبَهَائِي وَطَلَبَنِي مُشِيرِيَّ وَعُظَمَائِي وَتَثَبَّتُّ عَلَى مَمْلَكَتِي وَازْدَادَتْ لِي عَظَمَةٌ كَثِيرَةٌ. 37. فَالآنَ أَنَا نَبُوخَذْنَصَّرُ أُسَبِّحُ وَأُعَظِّمُ وَأَحْمَدُ مَلِكَ السَّمَاءِ الَّذِي كُلُّ أَعْمَالِهِ حَقٌّ وَطُرُقِهِ عَدْلٌ وَمَنْ يَسْلُكُ بِالْكِبْرِيَاءِ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُذِلَّهُ “.

صحيحٌ، هناك آيات في الكتاب المقدس تعتبر الكلدان كغيرها من الأمم والشعوب الأخرى التي لم تكن تعرف الله ومتمرّدة على الله الخالق، وهددهم وعاقبهم كما ذُكِرَ في مواضع عديدة من الكتاب المقدس، ولكن ذلك كان أيضاً حال جميع الأمم التي كانت عابدة للأوثان وتحيد عن مبادىء الخالق في بعض الأحيان، ومن ضمنهم حتى الشعب اليهودي الذي كان يعرف الله وحافظَ عليه وخَلَّصه من مِحَنٍ كثيرة لأنه كان شعباً مُختاراً من الله.

محاولات أقصاء اللغة الكلدانية بدأت منذ بداية السبعينات من القرن الماضي عندما رفعت الدولة آنذاك عن الأخوة الآثوريين الحظر لا الذي كان مفروضاً عليهم منذ أحداث سمّيل التي أعتبرتها الحكومة آنذاك كتمرّد، وسحبت منهم الجنسية العراقية، وصدور قرار مجلس قيادة الثورة المرقم (251) في 16نيسان1972 الذي كان ينصّ “يُعفى عفواً عاما من كافة الجرائم المرتكبة من قِبَل الآثوريين المرتبطين بالحركة الآثورية سنة 1933، وتعاد الجنسيّة العراقية لِمَن أٌسقِطَت عنه من الآثوريين المشاركين في تلك الحركة”

كان هذا القرار الذي يصفه الأخ يوحنا بيداويد في أحدى تعليقاته بأنه “كان تكتيك بعثي صدامي لفتح صفحة جديدة مع الكنيسة النسطورية الآشورية بعد ان افتعلوا فيها عامل الانقسام قبل بضع سنوات بعد مذبحة سميل سنة 1933” وكان ذلك بمثابة منح الضوء الأخضر لتأسيس منظمات سياسية من بينها كما يذكر السيد (أنطوان دنحا صنا) في أحدى تعليقاته فيقول “ومن التنظيمات القومية الأخرى التي تأسست خلال تلك الفترة، حزب بيت النهرين الديمقراطي 1976 والحركة الديمقراطية الآشورية 1979 ولعبت هذه التنظيمات جميعاً دوراً مهماً في نشر الفكر والوعي القومي بين أبناء شعبنا!!! وأستطاعت بلورة أهدافها وتطلعات أمتنا المشروعة، علماً أن طلائع التنظيمات القومية الرائدة كانت قد تأسست في سوريا عام1957 وهي المنظمة الآثورية الديمقراطية، وفي المهجر، الأتحاد الآشوري العالمي عام 1968، وجميع هذه التنظيمات القومية آنفة الذكر اليوم تعمل في تجمع التنظيمات (الكلدانية السريانية الآشورية) في الوطن من أجل حقوق شعبنا المشروعة!!!”

وتأسست تنظيمات مدنية أخرى تحت واجهة الجمعيات والنوادي الثقافية، كان من أبرزها “جمعية آشور بانيبال، الثقافية، الفنية، الأجتماعية ” بعد دمج كل من جمعية الفنانين الناطقين بالسريانية مع جمعية الأمهات للكنيسة الآشورية الأنجيلية ” (1) والذي كان لها الدور الأساسي والفاعل في نشر بدعة اللغة السريانية “اللهجة الغربية للغة الآرامية” كتسمية بديلة للغة الكلدانية، اللهجة الشرقية للغة الآرامية، وكخطوة أولية نحو الهدف النهائي لتسميتها باللغة الآشورية التي لا يوجد أختلاف كبير بينها والسريانية حين لفظها باللغة الأنكليزية (Assyrian -Syrian) وأستطاعت أن تجذب العديد من المثقفين الكلدان، الذين أصبحوا فيما بعد من العناصر الفاعلة وبقوّة في الأحزاب الآثورية، ومدافعين أشداء عن سياسة هذه الأحزاب في ألغاء أو تهميش الأسم القومي الكلداني تحت مختلف التسميات رغم أنني أكنّ لهم كلّ الأحترام والتقديرلأن العديد منهم من أصدقائي أو معارفي، تعرّفت عليهم في التسعينات من القرن الماضي بحكم كوني كنت أملك مكتباً للطبع والترجمة، وكانوا يستنسخون نشاطاتهم ومجلتهم في مكتبنا).

ورغم ذلك فلم تنجح هذه الأحزاب والتنظيمات الآثورية في مسعاها في بغداد، ويذكر السيد صنا أن “سبب ذلك كان الخلاف بين الطوائف!!! المسيحية الثلاثة الكلدانية والسريانية والآثورية، مما أدى الى أنسحاب الأستاذَين المرحومان نعمان شيت وجرجس كتو، وأكيد أن مثل هذه النتيجة كانت من الأهداف الخبيثة للبعث لأفشال وعرقلة تعليم لغتنا القومية لطلاب أبناء شعبنا” غير أني أعتقد بأن السبب الأساسي كان كشف الأستاذَين المرحومّين لعبة الأحزاب الآثورية وهدفهم الأساسي من المشروع، أضافة الى عدم أهتمام وتحرك الكنيسة، مما حدا بهذه الأحزاب الى نقل نشاطها الأقصائي هذا الى المنطقة الشمالية التي كانت خاضعة للحماية الدولية آنئذ، وأستطاعت تنفيذ مشروعها هناك لخلو الساحة أمامها وتقاعس رجال الكنيسة الكلدانية في الدفاع عن لغتهم فضلاً للمساعدات المالية التي كانت تتلقاها تلك الأحزاب والتنظيمات، سواء من حكومة الأقليم أو التنظيمات الآشورية العالمية، ولعل ما ورد في مقال السيدة أيفلين عوديشو، على الرابط أدناه يدعم هذا الرأي . (2)

لم يقف الكلدان تجاه كل ذلك مكتوفي الأيدي حاولوا أظهار الحقيقة مستندين على الكتاب المقدس وآراء آباء الكنيسة وأثبتوا أن اللغة الكلدانية هي اللغة التاريخية التي كانت منتشرة في بلاد الرافدين وهي الفرع الشرقي من اللغة الآرامية، لغة كنيسة المشرق في كتبها وطقوسها، وهي تختلف جذرياً عن اللهجة السريانية، الفرع الغربي للغة الآرامية وهي محدودة الأستخدام في غرب الفرات فقط لما يُعرف اليوم ببلاد سوريا.
وأخيراً فأن سؤالاً مهماً يدور في أذهان الشعب الكلداني في العراق والعالم، وهو موجّه لجميع السادة الأساقفة الأجلاء، والكهنة الأفاضل في كنيسة المشرق الكلدانية والآثورية، ويتمَنَّون وبألحاح أجابةً عليه، وهو:

1 – هل أن اللغة التي نستخدمها في كنائسنا الكلدانية والآثورية هي اللغة السريانية كما يجري اليوم ترويج ذلك من قبل البعض من الأدباء ورجال دين مسيحيين في الأعلام والندوات والحوارات التي تنشر في وسائل الأعلام المختلفة؟؟ أم أن اللغة التي نتكلّم بها ونستعملها في كنائسنا الكلدانية والآثورية هي، اللهجة الشرقية من اللغة الآرامية (الكلدانية) كما ورد في مصادرنا وهي الكتاب المقدس، وما تركه لنا آباء كنيستنا الكلدانية؟؟؟

2 – وأذا كانت لغتنا المستخدمة في بيوتنا نحن الكلدان والآثوريين وفي كنيستنا الكلدانية والآثورية، أذا كانت سريانية، لماذا نُلام نحن الكلدان ونُتَّهَم بالتقاعُس في أننا لم نُحافِظ على لغتنا القومية، في الوقت الذي فيه أننا كلدان ولسنا سريان، وليس من مسؤوليتنا نحن الكلدان والآثوريين المحافظة ونشر لغة وتعليمها لأولادنا وهي لغة ليست لغتنا القومية؟؟؟

(1)
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=569781.0;wap2

(2)
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,629614.0.html

بطرس آدم
11 ك1 2012

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *